أقبل نحوي مندفعا كالملسوع، كان يعرف أنني أكرهه أو قل على الأقل كان عليه أن يعرف بأنني لا أستشعره وأتجنب دائما الالتقاء به وبالتالي تحيته أو مصافحته ، كنت أشعر أنه نجس باستمرار، ليست بالضرورة النجاسة المتفق عليها ، ولكنه كان نجس الروح والماضي والسيرة ، كنت أشعر أنه هو النجاسة ، وبالتالي كان يستحيل عليه أن يتطهر، طبعا كانت لي مبررات تجلس عليها قناعاتي، ولست مضطرا إلى إبدائها ، ولكن ذلك كان موقفي منه.
كان ثقيل الظل والروح ، يحمل اسما محليا يعني "المنبوذ" سماه والداه بذلك في اليوم السابع من مولده دفعا للعين وحسد الحاسدين ولكن الله أعطى للاسم ذاتا تناسبه.
- كنت أبحث عنك منذ عدة أيام ؛ دلوني على الطريق الذي تسلكه إلى مكان عملك، فكنت أجلس على رصيفه ، وقد أمسكت بك اليوم ، قال ذلك وهو يشد على يدي بقوة كأنه يخاف أن أفلت منه وفي نفس الوقت كان منهمكا في تقبيلي يمنة ويسرة كأني أحد أقاربه غاب عنه أمدا طويلا .
- قلت : خيرا إن شاء الله.
- قال: كل الخير، ولن ترى مني إلا خيرا، لقد بحثت عنك لأنني أحتاجك، لقد ظلمت، احتقرت.
- قلت: وما شأني أنا؟‼.
- قال : كيف والذي ظلمني أبن عمك ، وخصمك ، وعلى كل ، فكلاهما خصم لك ، فبينك وبين ابن عمك خصومات ، وقضايا في المحاكم حول أراضي العائلة وعقاراتها ، وخصمك يريد التحايل والاستيلاء على أرضك المجاورة لسكني ،وقد جاء - البارحة – يصحبه ابن عمك ومواشيه ومنعاني من الرعي فيها، بل هدداني إن أنا سرت فوقها مجرد السير.
- قلت في سري: مهما كان الأمر فلن يكون ابن عمي أو خصمي أنذل منك، وأنا أعرفك فما الذي نريده مني؟ ‼
- قال أتوسل إليك ، أن تقيني شرهما ، لا أريد ابن عمك يرعى بمواشيه حيث ترعى دجاجاتي ، ويتكأ على صور بيتي فيشم رائحة عائلتي ، ويتسمع حفيف الثوب إذا تحرك . وسيفعل ذلك لأنه يبحث عن أي وسيلة تمكنه من الانتقام وهو سينتقم منك في شخصي، فهو يعرف أنني أحبك، وأحب أبناءك،
و أحب أبناء أخيك وأعزكم جميعا.
- قلت: ما هو المطلوب منى؟
- قال أن تمنحني قطعة الأرض المجاورة لبيتي أفلح جزأها وأرعى بماشيتي في الجزء الآخر.
- قلت : وماذا تدفع مقابل ذلك ؟
- قال: ادفع ما تطلب.
- قلت في سري: اطلب أن تبتعد عني وأن تغرب عن وجهي.
- قال : أراك أطلت الصمت ، فهل تريد أن اسقط أمامك مغشيا علي، فاقدا للوعي.
- قلت :لا استطيع أن أعدك بشيء لأنني مجبر على مشاورة أفراد العائلة وأخذ آرائهم في الموضوع.
- قال : وهذا ما أخشاه ، لقد حدثت أبناء أخيك فرفضوا طلبي ، يكرهونني وأحبهم ، نعم أحبهم ويكرهونني ، لأنني طيب ، طيب أكثر مما يجب ، إضافة إلى أنني سيئ الحظ ، واندفع في صدري يريد تقبيلي من جديد
- دفعته بلطف ، سأراجع الأمر معهم ، وأعرف سبب رفضهم ثم أخبرك ، وأنا الآن متعب إذا سمحت ، وسرت نحو البيت مسرع الخطو وهو يهرول بجانبي ويتحدث عن حبه لنا ، الذي يمتد عبر التاريخ ، والذي ورثه عن أبيه الذي ورثه عن جده ، لأن أجدادنا القدماء كانوا إخوة ، إخوة أشقاء ، من صلب واحد ، ورحم واحد. وأخذ الصداع يفعل فعله وأنقذني مدخل العمارة.
راجعت أفراد العائلة، فأجمعوا على رفضهم مطلب " المعيوف عشبة"، لأنه في رأيهم حصان للفارسين : ابن عمي الذي يشكو منه ، وخصمنا الذي يريد الاستيلاء على قطعة الأرض ، لم استطع الربط منطقيا بين أسباب الرفض وملابسات شكواه ، ولكن قولهم بعث في ذهني "صورة فارسين قزمين يترادفان على ظهر ثعلبان "
بعد تفكير حاولت أن أتخذ موقفا فيه من العبثية واللامعقول ، ومعاندة الحدس الشيء الكثير ، ماذا يحدث عندما يقدم الخير قربانا لآلهة الشر؟.
كنت أتوقع أن يلقاني التقبيل والشد في أي منعطف، وفي أي لحظة، وهو ما كان فعلا ففي إحدى زوايا الشارع برز وانقض يمارس طقوسه.
قلت :هل لك أن تعدني بألا تسبب للعائلة أي مشكل ، و ألا تتصرف مع الجيران الذين قد تمر مواشيهم من هناك أي أذى؟
قال : أعدك فقط ، أنا لا أعد فقط ، أنا اقسم بالله ، وبالأولياء ، وبالقرآن ،وبتحريم زوجتي اقسم برؤوس أبنائي الأوفياء..
- قلت: يكفي ، أذهب وهي لك .
- قال: والثمن ماذا تطلب، كم تطلب ؟.
- قلت لا شيء، فقط كن عند وعدك.
قضت المحكمة بيننا وبين خصمنا –وقبل الفصل في الموضوع- تحضيريا- بتعيين الخبير "نور الدين الأبله" للانتقال إلى عين المكان وإسقاط العقود على حدود موضع النزاع.
حضر الخبير إلى عين المكان ، وقام بالمهمة المسندة إليه ، وانصرف.وبعد مدة أنجز تقرير خبرته
و أودعه لدى ضبطية المحكمة التي بلغته للأطراف.
وكانت خلاصته : حسب شهادة الشهود وهما " االمعيوف عشبة" ، و"جلول العايب" ".. فإن الأرض تعود لخصم العائلة المعتدية الماسكة للأرض المعتدى عليها.
اتخذ أفراد العائلة قرارا بمنع "المعيوف عشبة " من الرعي فورا ، عقابا له على شهادته ، وبمنعه من حصد الزرع المبذور في أرضهم خاصة وأن زارعه قد أقرا بأن الأرض ملك لخصم العائلة ، و عليه أثبت الخبير أن الأرض مزروعة من قبل العائلة المعتدية بشهادة المنبوذ شخصيا.
بلغ خبر قرار أفراد العائلة مسامع"المعيوف عشبة " الذي غاب عن نظري منذ خروج الخبير قبل أربعة أشهر ، فجأة ظهر ، جاء وقد لبس لبوس الندم ، وتزي بزي الآثم الذي أدرك فداحة إثمه ، وبادرني: شاهد الزور ملعون ، وأنا ملعون فاغفر ، لقد شهدت شهادة زور ، وأنا مستعد أن أشهد لصالحك بأنني قدمت شهادة زور أمام الخبير في غيبتك، نزولا عند إلحاح خصمك ، ولأنني خشيت أن ينتصر عليك ويجردني منها ويعطيها لابن عمك.
قلت الم تعدني فمن أجبرك في الحالين ،الوعد والإخلاف.
قال : أجبرني طبعي يا سيدي طبعي ،رغم أنني -والحق يقال- نذل حتى مع نفسي لأنني شهدت دون أن أشهد.
قلت : أنا لا استطيع أن أشتمك أكثر مما تفعل ولا أرغب فيما هو دونه ، ولكن كيف شهدت دون أن تشهد؟.
قال : أن الذي شهد ضدك هو الخبير نور الدين الأبله ، كان فمه يملي على أذنيه ،ويده تكتب ما يسمع ، ثم يرفع رأسه نحوي ويركز نظره في نظري فأقول نعم مع هزة من رأسي لتوكيد الموافقة ، ثم يكرر ما فعله ويركز نظره فأقول نعم مع هزة رأسي ، وفي الأخير طلب مني الإمضاء فأمضيت ، وقرأ علي ما كتب فوجدت كل ما قاله مكتوبا ، وآلمني أن لا أسمع في قراءته ولو نعم واحدة من نعماتي ؛ ولم يشر –قليل الحياء- ولو مرة لهزة من هزات رأسي.
قلت : أنا لم أكن أعرف أنك شاهد زور فقط ، أنا كنت أعرف أنك نذل نجس ومن كانت هذه حقيقته لا يصعب عليه ما فعلت.
قال: نعم أنا نذل نجس، أريد ألا أكون كذلك ولكنني لا أستطيع، أنا كنت نذلا نجسا بالولادة، وحاقت بي اللعنة بعد ذلك ، هل تعرف أنني أكره نفسي وأشعر بنذالتي وبنجاستي،ولكنني لا أشعر أنني أنا عندما تفارقني صفاتي ولو للحظة.
قلت له : اذهب ارع بمواشيك ، واحصد زرعك ، وإذا كنت أنت الشر فلابد أن يكون الخير في مكان ما .
أذهب فمن واجبي ومن واجب العائلة أن تتحمل نصيبها من ثقل الأنجاس والأنذال حتى وإن أدى ذلك إلى شيء من الأذى و الخسارة لأن الله تعالى لعن الشيطان ولكنه لم يخرجه من الأرض.
- قلت في سري: مهما كان الأمر فلن يكون ابن عمي أو خصمي أنذل منك، وأنا أعرفك فما الذي نريده مني؟ ‼
- قال أتوسل إليك ، أن تقيني شرهما ، لا أريد ابن عمك يرعى بمواشيه حيث ترعى دجاجاتي ، ويتكأ على صور بيتي فيشم رائحة عائلتي ، ويتسمع حفيف الثوب إذا تحرك . وسيفعل ذلك لأنه يبحث عن أي وسيلة تمكنه من الانتقام وهو سينتقم منك في شخصي، فهو يعرف أنني أحبك، وأحب أبناءك،
و أحب أبناء أخيك وأعزكم جميعا.
- قلت: ما هو المطلوب منى؟
- قال أن تمنحني قطعة الأرض المجاورة لبيتي أفلح جزأها وأرعى بماشيتي في الجزء الآخر.
- قلت : وماذا تدفع مقابل ذلك ؟
- قال: ادفع ما تطلب.
- قلت في سري: اطلب أن تبتعد عني وأن تغرب عن وجهي.
- قال : أراك أطلت الصمت ، فهل تريد أن اسقط أمامك مغشيا علي، فاقدا للوعي.
- قلت :لا استطيع أن أعدك بشيء لأنني مجبر على مشاورة أفراد العائلة وأخذ آرائهم في الموضوع.
- قال : وهذا ما أخشاه ، لقد حدثت أبناء أخيك فرفضوا طلبي ، يكرهونني وأحبهم ، نعم أحبهم ويكرهونني ، لأنني طيب ، طيب أكثر مما يجب ، إضافة إلى أنني سيئ الحظ ، واندفع في صدري يريد تقبيلي من جديد
- دفعته بلطف ، سأراجع الأمر معهم ، وأعرف سبب رفضهم ثم أخبرك ، وأنا الآن متعب إذا سمحت ، وسرت نحو البيت مسرع الخطو وهو يهرول بجانبي ويتحدث عن حبه لنا ، الذي يمتد عبر التاريخ ، والذي ورثه عن أبيه الذي ورثه عن جده ، لأن أجدادنا القدماء كانوا إخوة ، إخوة أشقاء ، من صلب واحد ، ورحم واحد. وأخذ الصداع يفعل فعله وأنقذني مدخل العمارة.
راجعت أفراد العائلة، فأجمعوا على رفضهم مطلب " المعيوف عشبة"، لأنه في رأيهم حصان للفارسين : ابن عمي الذي يشكو منه ، وخصمنا الذي يريد الاستيلاء على قطعة الأرض ، لم استطع الربط منطقيا بين أسباب الرفض وملابسات شكواه ، ولكن قولهم بعث في ذهني "صورة فارسين قزمين يترادفان على ظهر ثعلبان "
بعد تفكير حاولت أن أتخذ موقفا فيه من العبثية واللامعقول ، ومعاندة الحدس الشيء الكثير ، ماذا يحدث عندما يقدم الخير قربانا لآلهة الشر؟.
كنت أتوقع أن يلقاني التقبيل والشد في أي منعطف، وفي أي لحظة، وهو ما كان فعلا ففي إحدى زوايا الشارع برز وانقض يمارس طقوسه.
قلت :هل لك أن تعدني بألا تسبب للعائلة أي مشكل ، و ألا تتصرف مع الجيران الذين قد تمر مواشيهم من هناك أي أذى؟
قال : أعدك فقط ، أنا لا أعد فقط ، أنا اقسم بالله ، وبالأولياء ، وبالقرآن ،وبتحريم زوجتي اقسم برؤوس أبنائي الأوفياء..
- قلت: يكفي ، أذهب وهي لك .
- قال: والثمن ماذا تطلب، كم تطلب ؟.
- قلت لا شيء، فقط كن عند وعدك.
قضت المحكمة بيننا وبين خصمنا –وقبل الفصل في الموضوع- تحضيريا- بتعيين الخبير "نور الدين الأبله" للانتقال إلى عين المكان وإسقاط العقود على حدود موضع النزاع.
حضر الخبير إلى عين المكان ، وقام بالمهمة المسندة إليه ، وانصرف.وبعد مدة أنجز تقرير خبرته
و أودعه لدى ضبطية المحكمة التي بلغته للأطراف.
وكانت خلاصته : حسب شهادة الشهود وهما " االمعيوف عشبة" ، و"جلول العايب" ".. فإن الأرض تعود لخصم العائلة المعتدية الماسكة للأرض المعتدى عليها.
اتخذ أفراد العائلة قرارا بمنع "المعيوف عشبة " من الرعي فورا ، عقابا له على شهادته ، وبمنعه من حصد الزرع المبذور في أرضهم خاصة وأن زارعه قد أقرا بأن الأرض ملك لخصم العائلة ، و عليه أثبت الخبير أن الأرض مزروعة من قبل العائلة المعتدية بشهادة المنبوذ شخصيا.
بلغ خبر قرار أفراد العائلة مسامع"المعيوف عشبة " الذي غاب عن نظري منذ خروج الخبير قبل أربعة أشهر ، فجأة ظهر ، جاء وقد لبس لبوس الندم ، وتزي بزي الآثم الذي أدرك فداحة إثمه ، وبادرني: شاهد الزور ملعون ، وأنا ملعون فاغفر ، لقد شهدت شهادة زور ، وأنا مستعد أن أشهد لصالحك بأنني قدمت شهادة زور أمام الخبير في غيبتك، نزولا عند إلحاح خصمك ، ولأنني خشيت أن ينتصر عليك ويجردني منها ويعطيها لابن عمك.
قلت الم تعدني فمن أجبرك في الحالين ،الوعد والإخلاف.
قال : أجبرني طبعي يا سيدي طبعي ،رغم أنني -والحق يقال- نذل حتى مع نفسي لأنني شهدت دون أن أشهد.
قلت : أنا لا استطيع أن أشتمك أكثر مما تفعل ولا أرغب فيما هو دونه ، ولكن كيف شهدت دون أن تشهد؟.
قال : أن الذي شهد ضدك هو الخبير نور الدين الأبله ، كان فمه يملي على أذنيه ،ويده تكتب ما يسمع ، ثم يرفع رأسه نحوي ويركز نظره في نظري فأقول نعم مع هزة من رأسي لتوكيد الموافقة ، ثم يكرر ما فعله ويركز نظره فأقول نعم مع هزة رأسي ، وفي الأخير طلب مني الإمضاء فأمضيت ، وقرأ علي ما كتب فوجدت كل ما قاله مكتوبا ، وآلمني أن لا أسمع في قراءته ولو نعم واحدة من نعماتي ؛ ولم يشر –قليل الحياء- ولو مرة لهزة من هزات رأسي.
قلت : أنا لم أكن أعرف أنك شاهد زور فقط ، أنا كنت أعرف أنك نذل نجس ومن كانت هذه حقيقته لا يصعب عليه ما فعلت.
قال: نعم أنا نذل نجس، أريد ألا أكون كذلك ولكنني لا أستطيع، أنا كنت نذلا نجسا بالولادة، وحاقت بي اللعنة بعد ذلك ، هل تعرف أنني أكره نفسي وأشعر بنذالتي وبنجاستي،ولكنني لا أشعر أنني أنا عندما تفارقني صفاتي ولو للحظة.
قلت له : اذهب ارع بمواشيك ، واحصد زرعك ، وإذا كنت أنت الشر فلابد أن يكون الخير في مكان ما .
أذهب فمن واجبي ومن واجب العائلة أن تتحمل نصيبها من ثقل الأنجاس والأنذال حتى وإن أدى ذلك إلى شيء من الأذى و الخسارة لأن الله تعالى لعن الشيطان ولكنه لم يخرجه من الأرض.