شَدَّ بعنفٍ أزرار معطفهِ المتهالكِ من كثرة التَّرْقيعِ واتَّجَهَ صوب الميناء . كانت كل أحشائه تعتصِرُ ألمًا من شدة الجوع.
ـ تَبًّا لهذا الإحساس البغيض, يبدو أنَّه يتوجب علي إعادَة تفتيش أكياس القمامةِ تلك من جديد وهذا يعني أنني لن أنام الليلة أيضا.
كان قد أمضى, دُونَ جَدوى, يومه الثاني في سَبيلِ كسرةِ خبزٍ ما بين استِجْداء المارة و تجميع القمامة.
ـ ماذا لو هاجرت ؟ جالت بخاطره, فجأة, الرغبة في ركوب هذه المغامرة فلمعت عيناه من شدة الفرح ، إنْ هي إلاَّ بضع خطوات فأتجاوزُ الحاجزَ الأمنِيَّ وحينها أغْدُو وسط الميناء فأَنْدَسُّ وسط أي سفينة أجنبية وأنتظر... لكن ماذا لو لمْ تقلعِ السفينة؟ ماذا لو أقلعت فحَطّت بي الرحال وسط مكانٍ أشَد فقرًا وبؤسًا.
شَدَّ بعنفٍ معطفَهُ وهو يقاوم ابتسامةً غامضةً كادت أن تُطْلقَها شَفَتاه بعدَ أن أدرك عقلُهُ أنْ لا حياة أسوء مما يعانيه الآن فأكمل طريقه صوب الميناء.
كانت الفكرَةُ قد أدخلتِ بعض الدِّفء إلى نفسِهِ فشَرَعَ يبحثُ عن مكانٍ مقْفِرٍ لدخولِ الميناءِ, لَكِن ما أنْ هَمَّ بتسَلُّقِ الحاجزِ حتَى تناهَى لِسَمعِهِ صوتٌ جافٌ قَادم من قرِيب.
ـ ماذا تصْنَعُ هناك يا ملعُون ؟
رفعَ رأْسَهُ ناحيةَ الصَّوتِ فمَيَّزَ حارس الأمن بكِرْشِهِ السمين مُمسِكاً بِكِلتَي يَدَيهِ على عصاهُ الغليظة.
ـ إنّهُ الجوع يا سيدي...إنَّهُ الجوع
ـ ماذا تقول أيُّها الأبلَه...أنا أسألك عنْ دَعْوى وُجودِكَ هنا في هذَا الوقتِ المتأَخِّر منَ اللَيل .
أحَسَّ بالبرْدِ يجْتَاحُ كُلَّ أَطرَاِفِهِ, إنَّ هذا الجُوعَ البغِيضَ يُشَتِّتُ أَفكَارَهُ وهو مُقْبِلٌ على مغامرةٍ صعْبَةٍ تستَلزِمُ منهُ كلَ قِوَاه.
ـ كنت أتجَوَّلُ يا سيدي فَظَلَلْتُ طَرِيقِي, و هاأنذا أبحث عن مخرجٍ باتِّجاهِ الشَّارعِ الرئيسِي. شَعَرَ بالفَخرِ والذكاء وهو يتخيل أنَّ إجابته قد أنقذته من المأزق فارتسمت على وجهه ضحكة بلهاء
أخَد الحَارسُ يَرْمقهُ بنظرة تحمِلُ في طَيَّاتِهَا كلَّ معانِي الريبَةِ والشَّك وما فَتِئ أن صرخ في وجهِهِ بكُلِّ استِهْزاء :
ـ أَتَظنُّنِي مُغفَّلاً يا هذا...إسْمَع, لقد سئمت من رؤية أمثالك كلَّ يومٍ يَحُومُونَ بالمكان للإنْقِضاضِ على أوَّلِ فرصةٍ لإقتحامِ الميناء , فارْحَلْ عن هنا الآن وإلا هَشَّمْتُ رأسك بهذه العصَا.
ـ يبدو أنَّ هذا الحارسَ اللَّعين على قَدْرٍ كَبِيرٍ من الخسة و المكر رغم آثارِ النعمة البادية عليه. تَسَاءلَ في أعماق نفسه وذلك الإحساس البغيض بالجوع مازال يعتصر أحشاؤه.
حينها شَعَر أنَّ القضِيةَ أكثرَ تَعْقِيدًا من مُجرَّدِ قَفْزٍ للحاجزِ أو اختِبَاءٍ في إحدى السُّفن. وخالَجَهُ إحْساسٌ غَرِيبٌ باِلقَرف منْ هؤُلاَءِ الحرسِ المنتَشِرين على طُولِ أسْوارِ المينَاءِ
ـ حَسَنٌ يا سيدي, ولكِنْ هَلْ لَكَ أنْ تَجُودَ عَليَّ بِكِسرَةِ خُبْزٍ فأَكُونُ لكَ مِنَ المُمْتَنِّين
كَانَ قَدْ حاوَلَ أن يُضْفِي لمْسَةً منَ الأَسَى علَى كلِمَاتِه حتَّى يَسْتَثِيرَ شفقتَهُ لكِنَّ الحارِسَ بادَرَه بكُلِّ قسْوةٍ بعْدَ أنْ تَأَكَّدَ من ظُنُونِهِ السَّابقة.
ـ فلْتَغرب عن وَجهي الآن وإلاَّ سُقْتُكَ إلى السجن أيُّهَا المُتشَرِّد
السجن...السجن...لماذا لم أُفًكر في هذَا الأَمْرِ منْ قبْلُ ...إنَّهم يقدِّمونَ الأكْلَ بالمَجَّان هناك, هذا يعْنِي أنَّنِي لن أبحْثَ في القمامَةِ بَعْدَ اليَوْم...لن أَسْتَجْدي أحدًا بعْدَ الآنَ... هذا يعْنِي أنَّنِي سَوفَ أتَخَلَّصُ نِهائِيًّا من هذا الإِحسَاس البغيضِ... بل ربما وجَدْتُ صُحْبَةً ظريفةً فأَنْستنِي مجالَسَتُهَا هذه السَنَوات التعيسةِ التي أَمْضَيتُهَا وحيدًا . وقَفَ مُتَسَمِّرًا في مكَانِه وهُو يتَخَيَّل نفْسَه في طابورِ السِّجْن يفْرِكُ يَدَيه في انتِظَارِ وجبَةٍ سَاخنةٍ وَ مِنْ حَولِهِ قَدْ تعَالت أصواتُ باقي السُّجَنَاء وما هِي إلاَّ لحظَاتٍ حتَّى هجَمَ علَى الحارسِ فانتَزعَ عصَاهُ ولَمْ يدرِ كيفَ هَوى بهَا بكُلِّ قُوتهِ على رأسِهِ وهو يصَيح...إنه الجُوعُ يا سَيِّدِي...إنَّهُ الجُوع
ـ إنّهُ الجوع يا سيدي...إنَّهُ الجوع
ـ ماذا تقول أيُّها الأبلَه...أنا أسألك عنْ دَعْوى وُجودِكَ هنا في هذَا الوقتِ المتأَخِّر منَ اللَيل .
أحَسَّ بالبرْدِ يجْتَاحُ كُلَّ أَطرَاِفِهِ, إنَّ هذا الجُوعَ البغِيضَ يُشَتِّتُ أَفكَارَهُ وهو مُقْبِلٌ على مغامرةٍ صعْبَةٍ تستَلزِمُ منهُ كلَ قِوَاه.
ـ كنت أتجَوَّلُ يا سيدي فَظَلَلْتُ طَرِيقِي, و هاأنذا أبحث عن مخرجٍ باتِّجاهِ الشَّارعِ الرئيسِي. شَعَرَ بالفَخرِ والذكاء وهو يتخيل أنَّ إجابته قد أنقذته من المأزق فارتسمت على وجهه ضحكة بلهاء
أخَد الحَارسُ يَرْمقهُ بنظرة تحمِلُ في طَيَّاتِهَا كلَّ معانِي الريبَةِ والشَّك وما فَتِئ أن صرخ في وجهِهِ بكُلِّ استِهْزاء :
ـ أَتَظنُّنِي مُغفَّلاً يا هذا...إسْمَع, لقد سئمت من رؤية أمثالك كلَّ يومٍ يَحُومُونَ بالمكان للإنْقِضاضِ على أوَّلِ فرصةٍ لإقتحامِ الميناء , فارْحَلْ عن هنا الآن وإلا هَشَّمْتُ رأسك بهذه العصَا.
ـ يبدو أنَّ هذا الحارسَ اللَّعين على قَدْرٍ كَبِيرٍ من الخسة و المكر رغم آثارِ النعمة البادية عليه. تَسَاءلَ في أعماق نفسه وذلك الإحساس البغيض بالجوع مازال يعتصر أحشاؤه.
حينها شَعَر أنَّ القضِيةَ أكثرَ تَعْقِيدًا من مُجرَّدِ قَفْزٍ للحاجزِ أو اختِبَاءٍ في إحدى السُّفن. وخالَجَهُ إحْساسٌ غَرِيبٌ باِلقَرف منْ هؤُلاَءِ الحرسِ المنتَشِرين على طُولِ أسْوارِ المينَاءِ
ـ حَسَنٌ يا سيدي, ولكِنْ هَلْ لَكَ أنْ تَجُودَ عَليَّ بِكِسرَةِ خُبْزٍ فأَكُونُ لكَ مِنَ المُمْتَنِّين
كَانَ قَدْ حاوَلَ أن يُضْفِي لمْسَةً منَ الأَسَى علَى كلِمَاتِه حتَّى يَسْتَثِيرَ شفقتَهُ لكِنَّ الحارِسَ بادَرَه بكُلِّ قسْوةٍ بعْدَ أنْ تَأَكَّدَ من ظُنُونِهِ السَّابقة.
ـ فلْتَغرب عن وَجهي الآن وإلاَّ سُقْتُكَ إلى السجن أيُّهَا المُتشَرِّد
السجن...السجن...لماذا لم أُفًكر في هذَا الأَمْرِ منْ قبْلُ ...إنَّهم يقدِّمونَ الأكْلَ بالمَجَّان هناك, هذا يعْنِي أنَّنِي لن أبحْثَ في القمامَةِ بَعْدَ اليَوْم...لن أَسْتَجْدي أحدًا بعْدَ الآنَ... هذا يعْنِي أنَّنِي سَوفَ أتَخَلَّصُ نِهائِيًّا من هذا الإِحسَاس البغيضِ... بل ربما وجَدْتُ صُحْبَةً ظريفةً فأَنْستنِي مجالَسَتُهَا هذه السَنَوات التعيسةِ التي أَمْضَيتُهَا وحيدًا . وقَفَ مُتَسَمِّرًا في مكَانِه وهُو يتَخَيَّل نفْسَه في طابورِ السِّجْن يفْرِكُ يَدَيه في انتِظَارِ وجبَةٍ سَاخنةٍ وَ مِنْ حَولِهِ قَدْ تعَالت أصواتُ باقي السُّجَنَاء وما هِي إلاَّ لحظَاتٍ حتَّى هجَمَ علَى الحارسِ فانتَزعَ عصَاهُ ولَمْ يدرِ كيفَ هَوى بهَا بكُلِّ قُوتهِ على رأسِهِ وهو يصَيح...إنه الجُوعُ يا سَيِّدِي...إنَّهُ الجُوع