لا يخفى على مطلع أن ل(الكسندر كوجيف) الفضل في التعريف بفلسفة هيغل في الجامعات الفرنسية, وقد حضر محاضراته عدد كبير من المفكرين والمثقفين الفرنسيين, أمثال: جاك لاكان ورولان بارت وليفي شتراوس, وجورج باتاي مابين (1933-1939) في معهد الدراسات العليا. ولكن الذي كان يتلقاه هؤلاء لم يكن النسخة الأمينة من فلسفة هيغل الألمانية, بل هي النسخة المشوّهة أو المؤولة كوجيفيا لتتلاءم والمزاج الفكري الفرنسي, وهذه الأفكار ذاتها أصبحت البديل لفلسفة هيغل حتى عند الألمانيين الذين صعب عليهم فهم النسق الفلسفي لهيغل فعاد إليهم هيغل بنكهة ولكنة فرنسية.
أما أهم ما جرى من تشويه لفلسفة هيغل بحسب (فنسنت ديكومب) هو ما أظهره كوجيف من لاعقلانية الفلسفة العقلانية لهيغل, كما وركز كوجيف أيضا على التفسيرات الدموية للتاريخ ودور الصراع الدموي في صناعة ودعم التقدم, من ذلك ما أعلنه كوجيف أثناء أحداث ثورة (مايو 1968) الطلابية في باريس (بما أن الدماء لم ترق بعد, فإنّ ذلك علامة على أن شيئا لم يحدث بعد). ويدل تصريحه هذا على كم الحماس الذي يختزنه الفكر الكوجيفي اتجاه العنف والصراع واللاعقلانية. ويأتي ذلك متلائما مع الأجواء التي كانت تسود الفكر والتوجه الفرنسي الذي توزعته التوجهات الثورية الماركسية, والوجودية, والبنيوية والعدمية, واللاعقلانية, ومن ثم فإن شرح كوجيف لهيغل أظهر لهم الوجه الذي أحبوه أو الذي كانوا بحاجة له, أي لقد أسمع كوجيف الفرنسيين عن هيغل ما أرادوا سماعه, لذا فقد اشتهر هيغل الكوجيفي أكثر مما اشتهر هيغل نفسه وأصبحت الدراسات والكتابات التي تتناول هيغل لا تعد ولا تحصى..
ومن المفاهيم الأساسية التي انتزعها كوجيف من فينومينولوجيا الروح هو مفهوم (الرغبة) والعودة إلى الجسد. وقد ربط كوجيف ايضا بين الرغبة والتاريخ وقد اشتهرت مقولات نهاية التاريخ , نهاية الفلسفة, وغيرها من النهايات, ولكن أن تكون تلك النهاية مرتبطة بالرغبة وأن تؤدي تلك الرغبة إلى نهاية التاريخ فهذا مما لم تنته اليه فلسفة هيغل, فهيغل قال بنهاية التاريخ ويرتبط بذلك نهاية الفلسفة ولكن لم يدع تلك النهاية لعمل الرغبة, بل لاكتمال الروح وظهوريات العقل لان للتاريخ محرك أعلى من الرغبة والصراع وللعالم كذلك, فميتافيزيقا هيغل ومنطقه ونسقه الفلسفي الصارم والمنضبط احتكمت جميعها للعقل ورأت أن العقل وصل في مرحلة ما لاكتماله بمعنى آخر قد جرّب كل الخيارات المتاحة واستقر ولم يبقَ شيء لم يُقلْ بعد.
والوجه الآخر لما أراده هيغل لا يخلو من جنبة شخصية وهو اعتقاده بأنّ نسقه الفلسفي الذي اجتهد كثيرا في ضبطه وحبكه يعدّ نهاية الفلسفة, فلن يأتِي بعده نسق فلسفي على هذه الدرجة من الاكتمال والصرامة.(وهو على درجة عالية من الصحة إذ يمكن اعتبار فلسفته آخر فلسفة نسقية منضبطة وما أتى بعدها من فلسفات لا يعتني بالنسق كما هي فلسفة نيتشه اللانسقية التي تعتمد على الشذرات والكتابة المتنوعة والتي هي بالأساس هجوم وخروج على ميتافيزيقا هيغل ومن سبقه).
وتناول فلاسفة كنيتشه ومارتن هيدجر وميشيل فوكو ورولان بارت موضوع النهايات (موت الاله, نهاية الفلسفة ومهمة التفكير, موت الانسان, موت المؤلف, موت القاريء..!) ولكن الفيلسوف المابعد حداثي الاكثر معارضة لهذه الميتات والنهايات هو (جيل دولوز) الذي رفض دائما في حواراته وكتاباته القول بنهاية الفلسفة أو أية نهاية أخرى.