الارادة الوعي القصدي والموضوع - علي محمد اليوسف

شكل العرض
  • أصغر صغير متوسط كبير أكبر
  • نسخ كوفي مدى عارف مرزا

لا يبدو لي مازقا لا يمكننا تجاوزه والخلاص منه حينما يقول فولتير " الارادة ليست حرة اما افعالنا فهي حرة ". هذا التناقض البادي منطقيا يلزمنا القول الارادة هي وعي الذات بموضوعها. والارادة ليست غفلا طارئا يحدده الموجود موضوعا كينونة مستقلة. الارادة هي الوعي القصدي الذي يلازمه هدفه المسبق قبل التوجه الوصول لموضوع ادراكه. هذا ما قال به هوسرل في فلسفة الظواهر حول الوعي القصدي وناقشت هذا الرأي الاحتمالي القابل للدحض في غير هذا المقال..

وهذا يحيلنا الى مفارقة تناقضية اكبر من الاولى حول الارادة تلك هي اذا كان الوعي القصدي يلازمه هدفه المعرفي معه قبل ادراكه لموضوعه الخارجي المستقل عنه. فمعنى هذا ان موضوع الادراك بالنسبة للوعي هو الذي يكتسب خاصيته المعرفية الهادفة التي يتوخى الوعي القصدي أن يجدها في موضوع ادراكه ولا يحملها معه وهو خطا. اي ليس هناك حاجة لادراك موضوع لا يكتسب معرفة مضافة للوعي نتيجة ادراكه لموضوعه. الوعي جوهر عقلي لا يدرك شيئا ليس له قيمة معرفية تضيف له خبرة مكتسبة. فالحواس والعقل لا يشتغلان على شيء هو موضوع يدركانه لا معنى معرفي له. والموضوع قيمة معطى في الطبيعة والعالم الخارجي. أي الوعي لا يخلق موضوع إدراكه بل الموضوع يخلق الوعي به. الوعي غير محايد بل هو يدخل بعلاقة تكامل معرفي مع موضوعه. ثم الموجود كموضوع ليس له حظوظ الحضورالادراكي الذي يلفت اهتمام العقل التفكير به الا اذا كان يحمل خبرة معرفية مدخرّة فيه. الموضوع المجرد عن مضمون يعيه العقل خبرة مضافة لا وجود ولا قيمة له..

خطأ هوسرل في الفينامينالوجيا فلسفة الظواهر هو ان الوعي القصدي يحمل هدفه الادراكي معه لينقب ويبحث عنه في موضوعه. الوعي القصدي الحامل لهدفه لا يحتاج ادراك موضوع يتخارج معه معرفيا. لذا مقولة هوسرل الوعي القصدي يحمل هدفه الادراكي الذي يبحث عن تكامله الوجودي في الموضوعات التي يدركها خطأ. الوعي القصدي على مستوى التفكير الانفرادي المجرد هو لاثبات الوجود الانطولوجي - المعرفي كما جاء به ديكارت في الكوجيتو انا افكر... اما الوعي القصدي على صعيد الادراك التخارجي معرفيا مع موضوعات العالم الخارجي فهو ليس التفكير لاثبات الوجود الانطولوجي للفرد الذي يفكر بل هو التكامل المعرفي في وعي موضوعه. الوعي القصدي اختراع فلسفي بالضد من ديكارت حين اعتبر التفكير مجردا من التعريف بموضوع التفكير هو ضرب ناقص من الوهم.

هنا نصطدم بتساؤل التباسي معقد بعض الشيء هو هل الخاصية المعرفية جوهرا يدركه الوعي موجود بموضوعه أم الخاصية المعرفية موجودة بالوعي القصدي الذي يحمل هدفه معه قبل ادراكه لموضوعه كما يعبّر عنه هوسرل !؟ الذي بدوره اي الوعي العقلي يخلع معرفته السابقة على موضوعه المدرك. كلتا الاجابتان عن التساؤل سوف توقعنا بالخطأ. لماذا؟

بداية الوعي بالأشياء والموضوعات هو ليس الانطباعات الاولية التي تنقلها الحواس بل الوعي هو رد فعل تفكير العقل بالموجودات والمواضيع. الوعي حين يختار موضوعه فهو يمتلك خبرة عامة عن موضوعه اي تصورات قبل ادراكه لكن هذا لا يعني الوعي يمتلك هدفا متكاملا يقصده في إدراك موضوعه. فالموضوعات الغفل التي يواجهها الوعي اول مرة ويتعامل معها لا تخضع للمعيار التي سبق اشرنا له. اي تكون الموضوعات مادة خام لا يعرف عنها الوعي شيئا مسبقا قبل مواجهته لها.

قبل الاجابة عن التساؤل هل معرفة الشيء تتم بالإدراك ام بالوعي؟ اود تثبيت ان الوعي القصدي الذي اخترعه برينتانو واخذه عنه تلميذه هوسرل في منهج الفلسفة الظاهراتية بدعة خاطئة ابتدعوها فلاسفة الفينامينالوجيا من بينهم سارتر وهيدجر وميرلوبونتي في الرد على الكوجيتو الديكارتي. وسبق لي مناقشة هذه البدعة في اكثر من مقال منشور لي .

بضوء ما ذكرناه الاجابة الصحيحة ستكون علاقة الوعي القصدي بموضوعه علاقة تكاملية تخارجية معرفيا وليس علاقة جدلية ديالكتيكية تقوم على قانون نفي النفي في استحداث المركب الجديد في الظاهرة المستحدثة. فوعي الموضوع لا ينفي وجوده بل يتكامل معرفيا مع الوعي الانفرادي له. بأبسط تعبير علاقة الوعي بموضوعه أخذ وعطاء. العقل لا يعي ما ليس له قيمة والوعي العقلي غير محايد الادراك بخلاف ادراكات الحواس التي تكون محايدة..

حين نقول وعي الموضوع هو عملية تخارج معرفي انما نقصد به (التغيير) في كليهما الموضوع والوعي. فالوعي لا يعي مدركاته لمجرد الوعي المحايد لها. الوعي هو تفكير تجريد العقل في تعبيره عن مقولاته في الموضوعات وحين يدخل الوعي في عملية تكامل وتخارج مع موضوعه فكلاهما الوعي والموضوع يتبادلان التغيير المعرفي التخارجي التكاملي بينهما.

من هنا نجد فرق ادراك الحواس لموضوعاتها هو ادراك محايد لا تربطه علاقة تفاعل وتخارج معرفي بين الحواس والمواضيع التي تدركها فهي أي الحواس ناقل الانطباعات الاولية الادراكية التي هي الاحساسات للذهن فقط.. باختلاف إدراك الوعي لموضوعاته ليس ادراكا محايدا بمعنى واسطة نقل الاحساسات التي يكتسبها من موضوعاته بعلاقة محايدة كما هو في دور الحواس غير تخارجية وتكاملية معرفية. بل علاقة الوعي بموضوعه هو عملية تداخل معرفي بينهما. ويكون الوعي مزودا بمقولات العقل الاثنتي عشر مقولة عن الموضوع حسبما أجملها كانط. الوعي بكل شيء لا ياتي من فراغ ولا يحدده الموضوع بل مصدره العقل وهو الذي يحدد وظيفة الوعي ايضا.

الادراك العقلي بمعنى التفكير ليس من اجل اثبات وجود الذات انطولوجيا كما ذهب له ديكارت انا افكر اذن فانا موجود وليس مهما في الكوجيتو كيف تمت عملية معالجة الوعي لمدركات التفكير المجرد. بل العقل يهمّه الاصطدام بالحقيقة المباشرة هو لماذا تختار الحواس والذهن والدماغ هذه الموضوعات دون غيرها.؟ صحيح يصادف العقل احيانا الاصطدام بموضوعات طارئة غفل مصادفة عشوائية غير متوقعة ولا مناص للوعي من التعامل معها مع الحذر الشديد الوعي ليس هو العقل بل الوعي وسيلة العقل في معالجة موضوعات ومدركات العقل.. لكن اغلب مدركاتنا الاشياء في اختيار الموضوعات مسبقا يكون مصدرها المحايثة الموجودة في الوعي في أهمية ما تختاره الحواس والعقل من موضوعات للمعالجة التغييرية وماذا يقول العقل او بالاحرى الدماغ بشأنها..

الارادة فلسفيا

عندما يقول فولتير الارادة ليست حرة بل هي مقيّدة بمعيقات وكوابح الاعاقة في الوصاية عليها امر يحمل وجهات نظر مختلفة عديدة متباينة. فالإرادة خاصية جوهرية للذات التي تقود الوعي القصدي نحو تحقيق اهدافه. الذات حرة بالفطرة البيولوجية فمثلما يكون الانسان كائنا عقلانيا وكائنا ميتافيزيقيا وكائنا لغويا وكائنا زمنيا فهو كائن حر ايضا بالطبيعة البيولوجية الفطرية لتكوينه (متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم امهاتهم احرارا؟) يسعى لاسترجاع حريته بكل وسيلة في حالة استلابها منه. لكن هذه الحرية لا تسري على الارادة في اتخاذ قراراتها الانفرادية بسبب كوابح ومعيقات عديدة. الارادة امتلاك فردي غريزي بيولوجي تصبح موضوعا للمجموع متى ماجرى الافصاح عنها بالفكر او في السلوك. بمعنى تحول الارادة الى فكر او سلوك نفسي عملي يفقدها خاصيتها الانفرادية لتصبح ملك المجموع.

شوبنهاور في عنونة كتابه المعروف "العالم ارادة وتمّثل" كان يرى صدقية وحرية الارادة أنها معطى بيولوجي فطري بمعنى ليس هناك من تاثير كبير في الوصاية التي تحد من حرية الارادة اتخاذها القرارات. وأجد في عنوان كتاب شوبنهاور خطا تراتيبي فالتمّثل يسبق الارادة عليه كان الاكثر معقولية ان يعنون شوبنهاور كتابه "العالم تمثل وارادة" فالعالم الموجود يسبق الفكر عنه. من حيث اننا نحتاج تمّثل عالمنا الخارجي استيعابا معرفيا كي يكون كفيلا ان يقودنا الى ارادة حرة باتخاذ قرارات متحررة هي ناتج تراكم خبرة صائبة تقينا الوقوع بالخطأ. خطأ شوبنهاور كان في اعتباره الارادة حرة بالضرورة والحقيقة الارادة غير ذلك ولا يوجد تمثيل تناوبي تكاملي بين الارادة والحرية بل في الغالب يوجد احتدام متقاطع بينهما.

الحرية مسؤولية

الحرية بمفهومها الفلسفي الانفرادي وليس بمعناها الايديولوجي السياسي الجمعي. هي ممارسة الوعي السلوكي المنضبط بوعي الذات ورقابتها الانسانوية الاخلاقية. والحرية جوهر انساني مسؤول وملتزم بالضرورة. كما والحرية بمفهومها الفلسفي تكون انفرادية ولا تشكل ظاهرة عامة الا في المنظور السياسي لها فقط.

سارتر كما طالب ان يكون الادب ملتزما بالضرورة الاجناسية طالب ايضا الحرية الفردية تكون ملتزمة ومسؤولة عن هموم وقضايا الاخرين. الفرد الذي تحكمه الحرية المسؤولة ليست من اختياره الطوعي بل تأتيه مفروضة من المجتمع عليه كفرد ضمن مجتمع. كيف؟ الفرد الذي يمتلك وعيا انفراديا ناضجا متعاليا اكثر من وعي المجموع هو الذي يشعر حريته مرهونة بحرية مجتمعه ولا خلاص انفرادي امامه يلزمه لوحده ولا يلزم غيره. لكنه مع هذا يسعى لرفع مستوى وعي المجتمع لمستوى وعيه الانفرادي المتعالي. واذا ما اخفق ووصل الطريق المسدود فليس امامه اختيار غير الانغماس في الكليّة المجتمعية القطعانية حتى لو فرض عليه الصمت كموقف من المجتمع والحياة.

قلنا ونحن نناقش هنا الحرية بمفهومها الفلسفي وليس الايديولوجي السياسي التي يكون فيها الالتزام يحكمها جمعيا وليس انفراديا كما في الفلسفة. المجتمعات البشرية غالبا ما تكون في وضعية (نسيان الوجود) او الناسيّة الكليّة كما يصفها هيدجر. لذا يمتلك الحرية الانفرادية الحقيقية الشخص الذي يمتلك وعيا اعلى من مستوى الوعي الجمعي الذي يحكم المجتمع فتكون الحياة بمجملها في المجتمع تستنفدها امور واشباع الحاجات الاساسية البيولوجية والغرائزية التي يشترك بها المجتمع مثل الدوام بالوظيفة والعمل ومشاغل الاسرة في اشباع غرائز الجسم البيولوجية بأنواعها ومختلف تجلياتها المفروضة على الحياة التي تجعل من المجتمع فردا بصورة مجموع. هنا حين تكون الحرية غائبة او هي استنفدت نفسها في الكليّة الناسية في نسيان الوجود الجمعي الحقيقي المسؤول عن حريته في اتخاذ قراراته الصائبة. تبرز لا اراديا أهمية أن يتمتع الفرد المنفصل اللامنتمي للمجموع بالحرية الانفرادية المسؤولة الملتزمة حتى عندما يجد نفسه منفردا متمردا عن القطعانية الغفل التي تحكم الوجود الجمعي بحكم العادة والاعتياد في الانغماس التام في روتين الحياة الاستهلاكي...

التساؤل ماهي كوابح ومعيقات حرية الفرد المتعالي في وعيه ويمتلك حساسية من نوع خاص خارج القطعانية المجتمعية ومتمرد على الانقيادية الاذعانية في الانغماس الضائع مجتمعيا في كليّة نسيان الوجود الحقيقي. هذا النموذج المتمرد يصطدم بالمعيقات الكابحة لطموحه في التالي:

  • يعيش الانكفاء الانعزالي بمعنى الاغتراب المسؤول عن قضاياه وقضايا مجتمعه. بمعنى يختار الحرية الازدواجية التي يرى فيها جوهر حريته الحقيقية هو في تحقيق حرية المجموع كما يتصورها هو لا كما اعتادها المجتمع تحت سلطة وصاية القانون وتخلف الوعي الجمعي.
  • الانقلابية على الذات ليس في منظور ان حريته التي يتصورها لا قيمة مجتمعية لها بل هي محاولة الفرد الخلاص من جحيم الاخرين وجحيم الحياة. وهو ما تؤكد عليه الادبيات الفلسفية للوجودية الحديثة كما هي عند سارتر وهيدجر وياسبرز ومارسيل جبريل.
  • البحث عن القوانين الوضعية التي ترفع من الوعي الجمعي وتنصاع لما يحقق الصالح العام وإشباع الحقوق الاساسية بالحياة. في حق العمل والتامين الصحي والتعليم والضمان الاقتصادي والتمتع بمعطيات الحرية في سلوك منضبط قانونيا ومجتمعيا. هذا متحقق بما لا يستهان به في النظم الديمقراطية الليبرالية.

فولتير والحرية

" ارادتنا ليست حرة اما افعالنا فهي حرة" فولتير

من المفروض ان تكون عبارة فولتير واضحة لا تحتاج زرع الاشكالية التناقضية بها حيث بدايتها تناقض تكملتها. واذا اردنا البحث عن تخريج منطقي يضفي عليها صواب تمريرها فلا نجد امامنا غير لغة المجاز تسعفنا بهذا المجال. دائما بالفلسفة تكون اللغة غير الواضحة في التعبير كما ارادها فيلسوفا الوضعية المنطقية جورج مور وفينجشتين هي ليس فقط قصور اللغة التعبير الدقيق عن المعنى في الاشياء وفي الموضوعات وانما هي ايضا نوع من المجاز اللغوي الذي يتلاعب باللغة في تمويه الافصاح الواضح عن الفكرة. في ايهام الدلالة العميقة الكاذبة في ما وراء اللغة العصيّة على التلقي.

لا الارادة الانفرادية المتمردة على الواقع المجتمعي المنقاد بطواعية التساؤل الملازم هو كيف يؤمن الانسان ويصنع مستقبلا افضل له ولعائلته.؟ ولا الارادة الجمعية التي استهدفتها العادة الاستهلاكية اليومية وافرغتها من عضوية مصنع الحيوية البشرية فاصبحت سطحية الحضور بحكم الاعتياد في الركض وراء تامين متطلبات المعيش في الاشباع الاستهلاكي المؤقت الخادع. كلا النموذجين من الحرية هو زائف غير حقيقي يعيشهما الفرد والمجموع بنوع من نسيان الوجود الضائع في الكليّة الناسّية والتكيّف الكاذب.

رب قائل يقول هذه هي حقيقة الحياة ولا يستطيع الانسان ان يعيشها باكثر من الابعاد التي تحكمها العادة المترسخة بالتقادم الزمني على انها حياة الاشباع الاستهلاكي تحت رقابة القانون ودرجة وعي المجتمع. ومن المتعذر جدا نمذجة المجتمع بنوع من الحياة هي خارج المالوف المعتاد الذي اتفق عليه المجموع كما جاء به روسو بما أسماه (العقد الاجتماعي). فانت ملزم التنازل عن الكثير من الامنيات التي تطمح لها المحروم منها من اجل تحقيق صالح المجموع الخادع.

طبيعي جدا ان تكون مهمة الفرد المنسلخ عن مجتمعية الناسية بالوجود املا في تحقيق وجوده غير الزائف بالحياة صعبة ومؤلمة له ولامثاله من النخبة المجتمعية لذا تكون معاناة النخبة التي تمتلك وعيا متقدما على الوعي الجمعي المتكيّف استهلاكيا مهمتها غير متحققة لا على صعيد الازدواجية الذاتية الارادية المنقسمة على نفسها ولا على صعيد التخلي عن  مسؤوليتها تجاه مجتمعها المضلل المقهور بالنزعة الاستهلاكية التي تجد بالحياة عبئا ابتليت به الناس في روتين قاتل من النمط المعيش..

الارادة والحرية

الارادة ليست هي الحرية باتخاذ القرارات كما فهمها شوبنهاور. فغالبا ماتكون الارادة مثلومة امام قيد الحرية ذاته. اذا ما وضعنا بنظر الاعتبار الكوابح والمعرقلات المعيقة التي تصطدم بها الارادة قسرا وواقعا مفروضا عليها. فالارادة الانفرادية تقاطع ارادة المجموع في جوانب متعددة بضرورة التكيّف الالزامي الجمعي الزائف.. لذا نجد الفرد الذي لا يتمتع بارادة ذاتية حقيقية يسعى بالنهاية الانصياع المتكيّف بالناسّية المجتمعية متنازلا مكرها عن جميع احلامه ورغائبه المشروعة. اما ان تكون افعالنا حرة بخلاف ارادتنا فهو تناقض لا يقوم على سند فلسفي منطقي. من حيث الارادة هي السلوك المعلن والخفي. ومن المتعذر أن نجد ارادات انفرادية تاخذ حيّز التطبيق والتنفيذ في تقاطعها الحتمي مع غالبية ارادة المجموع التي انصهرت اجتهاداتها بفيتو منع القانون الوضعي. الارادات التي نتوهم قراراتها حرة نجد يصادر حريتها القانون الوضعي الذي يرى على الاقل مصالح المجموع اولى من مصالح الفرد وتتقدم عليها. عليه يكون التكيّف والانخراط في المجموع مايعّبر عنه فولتير(بالطاعة الضرورية). لكن غالبا ما نصطدم به عند التطبيق والتنفيذ الذي يجاهر به القانون في حقوق المجتمع تعلو حقوق الفرد انها ادعاءات فارغة باسم الطاعة الضرورية الملزمة.

يطرح فولتيرجملة من عبارات غالبا ما يكون فيها وضعيا متماهيا مع سلطة القانون في مصادرته فوضوية الارادات المشتتة المختلفة تعسفا. وقبل الاستشهاد ببعض من هذه العبارات التي يلبسها فولتير مخاتلة تعبير اللغة الغامض على انها تحمل كنوز مابين الاسطر وهي مغالطة فارغة.

اقول القوانين الوضعية تحكمنا بحجة صحيحة نسبيا انها الضمانة الوحيدة المتاحة في لجم الارادات الفوضوية والرغائب المنحرفة الانفرادية التي تحاول تخريب سلطة القانون والنظام. وفي وضع حد للنزعات المنفلتة التي تجد مصالحها في التخريب والممارسات التي تقاطع حياة المجتمع الطبيعية ولو في حدودها الدنيا المتاحة.

من اقوال فولتير وديدرو" من التناقض ان يكون في استطاعة مايجب ان يكون الا يكون" من هو الذي يقرر ما يجب في استطاعته ان يكون؟ لا يوجد غير الايمان بقدرية لا ادرية الافضل منها ان سبب ما يجب ان يكون لا يكون هو تقاطع بعض امور الحياة بالمصادفات العشوائية وحدوث ما هو غير متوقع حدوثه.

تعبيره الاخر " الحرية هي النتيجة المعروفة لعلة مجهولة" وقوله ايضا"كل شيء غارق بالنسبة لنا في هوة من الظلمات" لا اجد في طلاسم فولتير اللغوية ما يشي ويشير الى مضمون فلسفيي مدّخر فيما وراء اللغة العصّية. يوجد العديد من العبارات مثل هذه لم اتطرق لها فهو مضيعة وقت اجده بعيدة عن معنى التفلسف الجاد الهادف الذي يسير نحو فتح نوافذ رؤية متجددة بالحياة.

علي محمد اليوسف

ملاحظة: الاقتباسات الجملية المحصورة بين مزدوجتين مصدرها كتاب جان فال /الفلسفة الفرنسية من ديكارت الى سارتر /ترجمة فؤاد كامل.

تعليقات (0)

لاتوجد تعليقات لهذا الموضوع، كن أول من يعلق.

التعليق على الموضوع

  1. التعليق على الموضوع.
المرفقات (0 / 3)
Share Your Location
اكتب النص المعروض في الصورة أدناه. ليس واضحا؟