1. الحداثة والعلمانية
في تفسيرنا العنوان يتوجب علينا توضيح العلاقة بين (الحداثة والعلمانية) هل هي علاقة جدلية ام علاقة معرفية تكاملية ام معرفة متوازية في توازي احدهما الاخر. العلمانية هي بداية الخروج من معطف الماقبل حداثي في النهضة وعصر الانوار وبلغت العلمانية اوجها في الحداثة ووصلت قمتها المتطرفة اكثر في مجيء ما بعد الحداثة.. التي افصحت عنها في راديكالة متطرفة الفلسفة البنيوية.
العلمانية واقع معيش يكفل للانسان كرامته وتحفظ له كامل حقوقه بالحرية المسؤولة التي تقوم على جملة القوانين الوضعية التي ينتفع منها الانسان.
الاستقلال في التضاد الافتعالي مابين العلمانية والدين ليست علاقة جدل نفي أحدهما في بقاء الاخر. لكن بينهما ترابط ميتافيزيقا الدين, وتاريخية منهج العلمانية التي تسود هيمنته على كل ما يجتنب الديني الخوض في معترك انقياده للعقل المادي. ما يثبته العلم بالتجربة في الرياضيات والفيزياء والكيمياء لا يخوض معتركها الدين.
الحداثة لا تقاطع الديني كمقدس ولا تسعفه بالتكامل المعرفي معه. لذا يكون الاسلم ان يحكم الاثنين نوعا من التوازي الاستراتيجي الذي يحفظ الاستقلالية لكليهما.
من الخطا التفكير ان منجزات العلم ستترك الجوانب الروحية النفسية يقررها إستفراد التدّين الوضعي ويقرّه مستقلا بالوصاية عليه وحده..
2. اسبينوزا والالحاد
ورد في ويكيبيديا الموسوعة في دفاع هيجل عن الحاد اسبينوزا ما يلي" ان هوية الله مع الطبيعة تلغي فكرة الله. والاصح ان هذه الهوية تلغي الطبيعة. وبدلا من اتهام اسبينوزا بالالحاد ان لا يسمى بالالهية بل يسمى بالكونية او اللاطبيعية بحيث لا يكون للكون وجود في ذاته. لان كل ما يوجد انما يوجد في الله." نقلا عن المصدر.
اجد في تعبير هيجل حول توضيح معنى مفهوم وحدة الوجود لدى اسبينوزا تحليلا دقيقا سليما في تفعيله العقل في معرفة دلالة هوية الخالق. ويذهب بعض الفلاسفة ان اسبينوزا له من الاعتقاد بالله ما يكفي او يزيد. لقد اراد هيجل عقلنة الجوهر في كل شيء مادي او ميتافيزيقي مدرك وغير مدرك. بينما اراد اسبينوزا توكيد أن جواهر كل شيء مستمدة من جوهر ازلي هو الله.
هيجل حينما استعار فكرة (هوية الله) المتجانسة مع الطبيعة على انها تلغي فكرة الطبيعية كانت فكرة صائبة تنظيرا منطقيا لكنها خاطئة واقعيا.
هذا لا يعني ان اسبينوزا لم يفهم الفرق بين هوية الله في الطبيعة التي هي مرتكز فلسفته بوحدة الوجود. وبين هوية الله الميتافيزيقية في مرجعية ما تقوله الكتب المقدسة حول هوية الله..
الطبيعة ادراك محدود غير كوني نهائي لا يجوز الاستدلال به في الغاء هوية الله الميتافيزيقية غير المحدودة لا بالصفات ولا باللامتناهي في تعيّن هوية الله..
3. مقياس النجاح
هل العالم الذهني هومدرك نتاج العقل أم مدركا انطباعيا نتاج الذهن من الناحية البايولوجية؟ هذا التساؤل خاطيء حين نصطدم بجدار ان كل مدركاتنا ترتبط بمنظومة العقل الادراكية التي يكون الذهن فيها حلقة منظومية مرتبطة بما قبلها حسّيا ومرتبطة بما بعدها توصيلا بشبكة الجملة العصبية المرتبطة بالمخ من تكوين الدماغ تحديدا..
لذا يكون تفكير الانسان هو تفكير العقل وليس تفكير الذهن الذي هو محتوى خزين استيعابي مزدوج لما يرده من احساسات الحواس التي يطلق عليها ديفيد هيوم (الانطباعات) من جهة وكذلك مايرده من تفكير الدماغ الذي هو ليس ادراكات الحواس بل هي (مقولات العقل) كما يجملها كانط في اثنتي عشرة مقولة تمثل (الوعي العقلي) للموجودات التي يستلمها الذهن معبّرا بالوعي الزمكاني بها.
الذهن لا يفكر عوضا بديلا عن تفكير العقل - الدماغ. وجدت هذا التمهيد ضروريا حين اثار عالم اللغات والفيلسوف نعوم جومسكي اشكالية هي ان جزءا اساسيا من معارفنا اللغوية يتحدد وراثيا بمعنى انه فطري غير مكتسب..
قبل البدء بمناقشة تفصيلية لمقولة جومسكي انا منحاز مسبقا لمقولة جون لوك يولد الطفل وعقله صفحة بيضاء. واضيف انه لا يوجد اية صفات جينية موروثة لم تكن في اصلها مكتسبة عن سلسلة من المتطورات التجريبية التي تكوّن الكروموسومات الوراثية عبر العصور. بالمباشر لا صحة لقول جومسكي ان جزءا اساسيا من معارفنا اللغوية يتحدد وراثيا. وتعليلنا لهذه التخطئة ان الجينات الوراثية الكروموسومات في مجموعة ما يطلق عليه DNA محمولات الخصائص الوراثية هي التي توّرث ما هو مكتسب من صفات مثل طول الشخص ولون العينين وتقاسيم الوجه وهكذا.
اما ان الطفل يرث جزءا اساسيا من معارفنا اللغوية فلا وجود لذلك لان اللغة استعداد فطري لتعلمها من المحيط بنفس اهمية توريثه النزعة الاجتماعي التي تقول الانسان كائن اجتماعي ناطق. يمكننا القول العالم من حولنا لغة ,لكننا لا نستطيع القول الانسان حيوان ناطق وكفى فالانسان ليس مجرد لغة صوتية بل هو وشيجة تواصل اجتماعية لا يمكنه العيش المنفرد..
لا نمتلك اثباتا صحيحا موثوق ان ما تورثه الانا الفردية مبرهن عليه مسبقا انه صواب. من حيث كل ما يختزنه العقل والذاكرة ويستولده الخيال هو غير فطري. انك لو تصورت انسانا معزولا في جزيرة لوحده منفردا تجده بعد اكثر من خمسين سنة لا يعرف لغة لا فطرية ولا مكتسبة بل يقلد اصوات الحيوانات.
كل مكتسب انساني يمكننا البرهنة على صحته وسلامته اللغوية عندما يتعلم ان اللغة هي مجمل علاقاته الانسانية مع ذاته ومع الطبيعة ومجتمعه.
ليس لدينا ماهو دليل تجريبي موثوق ان ما تورثه الذات (الانا) مكتسب برهانه اليقيني مسبقا مخزّنا بالذاكرة.
كل فطري مزعوم مرجعيته الخبرة المكتسبة من المجتمع والمحيط وليس مرجعيته الخاصية المعرفية للعقل. ولكي يخلص ديكارت من هذا المأزق قال العقل جوهرا خالدا ماهيته التفكير. وبهذا ارجع حقيقة العقل انه تجريد لغوي في تعبيره عن مدركاته.
4. بايولوجيا اللغة
يوجد فرق كبير بين الاستعداد الفطري البايولوجي في تعلم اللغة وبين القول ان جزءا كبيرا من خصائص اللغة هو فطرة مكتسبة برهانها التحققي اليقيني القار في الدماغ.
عندما يستشهد الفيلسوف وعالم اللغات نعوم جومسكي الاستعداد الفطري في تعلم اللغة عند الطفل في حين تعجز العناكب والقطط والكلاب تصنيع لغاتها. ويعزو جومسكي سبب هذا الاختلاف الى :
- عقل الطفل ارقى انواع العقول المدركة المفكرة والمخترعة والمكتشفة مختلفة مع جميع عقول الكائنات الحية في الطبيعة.
- منشأ اللغة عند الانسان يعود انثروبولوجيا تاريخيا الى عاملين اننا قبل التفتيش عن اولوية الفطرة او المكتسبة في تعلم اللغة العودة الى سبب عضوي بايولوجي ذلك هو تطور حنجرة ولسان الانسان في نجاح محاولته الخروج من تقليده اصوات الحيوانات.
- الانسان بعد عصور طويلة ادرك ان لغته لا تنحصر في مهمة التواصل الاجتماعي في الكلام وتشغيل حياته اليومية .بل اكتشف ان لغة الانسان تتصف بخصائص جمالية مثل الغناء والرقص وتوظيف اللغة في الاجناس الادبية والفنون التشكيلية وغير ذلك.
كلمة ختامية كل الخصائص العديدة التي مررنا بها صحيحة فلسفية منطقيا لكنها خاطئة في التوصل اثبات اللغة فطرية ولا حتى جزءا منها بل الطفل يولد ولديه استعداد فطري لتعلم اللغة والعيش مع الاخرين من نوعه اجتماعيا..
5. برينتانو والوعي القصدي
حين لا نستطيع تعريف الوعي الا بدلالة غيره من حلقات منظومة العقل الادراكية. فكيف يكون ادراكنا لموضوعة الوعي؟
برينتانو اول من اخترع مصطلح (الوعي القصدي) اذ كان متداولا مصطلح الوعي في الفلسفة مجردا من قصديته. بالحقيقة ان برينتانو نسف كوجيتو ديكارت انا افكر اذن انا موجود باقصر الطرق. وقال الوعي يجب ان يكون قصديا نحو تحقيق هدفه الراكز بالذهن قبل الافصاح عن وعيه الادراكي.
هيرمان برينتانو 1838 – 1917 فيلسوف وعالم نفس نمساوي - الماني حاضر بالفلسفة معارضا النقد الكانطي. وانصب اهتمامه على علم النفس. وكان تاثيره شديدا على ادموند هوسرل صاحب نظرية الظاهريات ( الفينامينالوجيا) الذي تاثر به اقطاب الفلسفة الوجودية سارتر وهيدجر وكاسبرز ومارسييل جبريل.
ترك برينتانو اهتمامه باللاهوت المسيحي وغادر الكنيسة بشكل تام. مرّكزا اهتمامه على مبحث الربوبية في البحث البرهاني على وجود الله في محاضراته في جامعتي تورتسسبورغ وفينا.
برينتانو استوقفتني عبارته ( الوعي لا يصنع موضوعه, بل موضوعه محايث دائم لوجوده الذي يرجحه علم النفس.). وبهذه العبارة يضعنا برينتانو موضع بندول متارجح بين كيفية ان ندرك الوعي هل هو موضوعا؟ ام هو اداة لمعرفتنا إلمام التعريف بموضوع وعينا.
السؤال لماذا ربط برينتانو الوعي القصدي بعلم النفس والجواب انه اراد ان يجعل من الوعي موضوعا لا علاقة ترابطية له مع مجموعة المنظومة العقلية. أي ان الوعي تعبير نفسي غير عضوي وليس مرجعيته العقل.
برينتانو يعتبر الوعي لا يحتوي احداث او حالات ذاتية سايكولوجية بل يتضمن ايضا موضوعية حقيقية غير واهمة وليست من صنعه.
في البدء لمناقشة الاخطاء التي وقع بها برينتانو هي:
- الوعي تعبير نفسي بينما هو حقيقة ادراكية مستمدة في مرجعية العقل.
- موضوعية الوعي هي تخليق (مادي) من صنع النفس التي تكون مرجعيتها علم النفس وليس الدماغ حسب برينتانو خطأ. موضوعية الوعي تعبير ادراكي مفهومي لغوي تجريدي يعبر عن موضوعاته المادية والخيالية من الدماغ.
النقطة الاخرى هي تساؤلنا من يصنع الوعي الدماغ ام النفس؟ وكيف نعلل ان يكون للوعي موضوعات مادية هي خارج سلوك رغائب النفس.
النقطة الثالثة هل الوعي في امتلاكه التعبير عن موضوعه يكون مستقلا عن تداخل الدماغ في مدركاته النفسية والمادية.؟ بمعنى ان يكون الوعي وسيلة ادراك معرفي لكنه لا يكون موضوعا للعقل.
كما من الخطا اعتبار الوعي يمتلك قابلية البت الافصاحي عن موضوعاته الادراكية من دلالة الاسترشاد بالعقل. خطا ارتباط الوعي بعلم النفس بدلا من الدماغ.
لابد من اشارة سريعة ان هوسرل صاحب فلسفة الظاهريات اخذ مقولة الوعي القصدي من استاذه برينتانو عندها يكون فعل الوعي هو المنتج للموضوعية في تعبيره اللغوي التجريدي. هوسرل مع فلاسفة الوجودية يعمد الى تصحيح خطا برينتانو في علاقة الوعي بالنفس وليس الدماغ في اعتبار هوسرل القصدية لا تعطي معنى الوعي بل القصدية تنتج مواضيعها.
علي محمد اليوسف /الموصل