مقدمة:
إذ كانت التربية كما يعرفها جان بياجيه" (j.Piage) بأنها مجموعة عمليات النمو والتكيف مع البيئة لحل المشكلات القائمة "فإن التربية المدنية بمفهومها الشامل لا تخرج عن إطار هذا التعريف. فقد كان علم التربية المدنية معنياً في الماضي بعلم الأخلاق وسياسة المدن ولكنه امتد في عصرنا الحالي إلى تناول موضوعات مستحدثة أوجدها التطور التقني والصناعي بما أحدثه من تغيرات في نسق الحياة بكل جوانبه، وما أدخله من عادات وأساليب تعامل لم تكن معروفة من قبل.
إن زيادة العبء التقني والفني في مواد الدراسة ومناهجها لم يغير الهدف الأسمى للتربية وهو إعداد المواطن الصالح. فالطبيب والمهندس والاختصاصي بأي مجال من المجالات قد يكون خطراً ووبالاً على المجتمع والدولة إذا لم يكن مواطناً صالحاً بالدرجة الأولى قبل أن يكون مهنياً، وهذا ما يجعل إعداد المواطن من أولى الأولويات في عملية التربية.
ولا شك في أن وسائل التربية والتعليم والتعامل مع المعطيات الاجتماعية والثقافية، والاقتصادية المعاصرة تتطلب تطويراً في الأساليب والوسائل حتى يتمكن الإنسان في مواجهة كل هذه التغيرات بأن يفرض تعاملاً متوازناً معها، فلا يشعر بالعجز عن التكيف مع متطلبات الحياة الجديدة، وعدم القدرة على تحقيق أهدافه.
لذلك لا يمكن معالجة مسألة التربية المدنية إلا في الإطار الزمني والحضاري اللذين يتحكمان بالإنسان فيمليان عليه ما يجب تعلّمه وممارسته حتى يعيش بتوازن عاطفي وعقلي مع محيطه. هذا ما يدعونا إلى تسليط الضوء على موقع التربية المدنية في تاريخ الحضارة الإنسانية حتى نتمكن من تحديد مضمونها في عصرنا الحالي في ضوء متطلبات الإنسان المعاصر. فالتربية المدنية ترمي إلى تكيف الإنسان مع متطلبات عصره، ومحيطه الاجتماعي. هذه المتطلبات لا يحددها الفرد من منطلق نظري بل يجد نفسه بمواجهتها، فهي متطلبات الواقع التي أفرزتها عوامل مختلفة ومتداخلة تفاعلت فيما بينها، فأوجدت الوضع الاجتماعي الذي يتهيأ الإنسان لدخولـه والتعامل معه، وعلى الفرد التكيف معه هذا الوضع حتى يدخل محيطه الاجتماعي ويمارس دوره فيه(1).
ويمكن للإنسان أن يمارس تأثيره في مجتمعه بوساطة الدور الذي يؤديه، فيحدث التغيرات الإيجابية أو السلبية وفقاً لطبيعة هذا الدور. فكما أن الإنسان يتأثر بمحيطه فإنه يؤثر فيه أيضاً لذا فإن بناء حضارة عالمية إنسانية، يستلزم إعادة بناء الإنسان بناءً تمثل القيم الخلقية صلبه وجوهره. وإعادة بناء الإنسان هذه هي في صلب مهمة التربية بل هي أصلها وجوهرها"(2). حيث تقع على التربية مسؤولية إعداد الإنسان للحياة الاجتماعية الناجحة كعضو في مجتمع معين، ثم كعضو في المجتمع الإنساني، فالتربية تشكل عقول الأجيال وتنمي لديهم قيم العمل والخير والسلوك الاجتماعي والعدل والديمقراطية والحرية وجميع القيم الفاضلة التي تحول الكائن البشري إلى كائن اجتماعي ومواطن صالح.
وقد لوحظ غياب بعض هذه القيم من الحياة الاجتماعية، فأصبحت هذه المجتمعات تعيش أزمات انعكست حتى على التربية فأصبحت هي الأخرى مأزومة، في مركب معقد تفاعلت فيه المؤثرات الاجتماعية السالبة وغدت تعيد نتاج هذا المجتمع أو ذاك بكل ما يعتريه من خلل وفقدت بذلك زمام المبادرة في تكوين المواطن وتربيته على قيم التسامح والديمقراطية والحرية والمواطنة الصحيحة. كما لوحظ تنامي لنزعات التعصب السياسية والمذهبية والمجتمعية التي تلغي مساحات الحوار والتفاهم وقبول الآخر. إن أي مجتمع مبتلىً بالتعصب هو مجتمع مريض والحقيقة التي تؤكدها التجربة الإنسانية أن الديمقراطية هي المنطلق الحيوي لحل التناقضات السياسية والمذهبية والمجتمعية بشكل سلمي حيث أن الديمقراطية في جوهرها تقوم على مجموعة من القيم والأعراف الإنسانية، كالتسامح والتعايش، واحترام الآخر، والحوار، والحل السلمي للخلافات، مع احترام حقوق الإنسان والاضطلاع بها كأرضية للممارسة الفاعلة في كافة هذه المجالات. ولما كانت هذه المفاهيم تشكل جوهر التربية المدنية، كما أنها ركائز أساسية لبناء المواطن وتأصيل قيم المواطنة لدى الإنسان العربي ولاسيما أنه يواجه في المرحلة الراهنة تحديات كبيرة (في الهوية، والفكر، والاقتصاد، والعلم......) تستوجب تأصيل قيم المواطنة الصالحة، جاء طرحنا للتربية المدنية كوسيلة قد تسهم في جعل التربية العربية أكثر فاعلية في تحقيق أهدافها بتكوين المواطن العربي الذي يعي دوره الحضاري والإنساني ويكون فاعلاً في الالتزام بمسؤولياته الوطنية والقومية والإنسانية. وإن التربية المدنية ليست مفهوماً مقتصراً على التربية النظامية بل يتعداها إلى جميع مؤسسات المجتمع، كوسائل الإعلام، والأندية الثقافية، ودور العبادة، والنقابات، والأحزاب السياسية، والهيئات الاجتماعية، ومؤسسات النفع العام.
يكتسب البحث أهميته من أهمية بناء الإنسان المواطن الذي تقع عليه أعباء النهوض الحضاري وبناء الأوطان. فلا تنمية أو تطوير يمكن أن يتم إذا لم نبدأ بالإنسان. وتعد التربية هي المعنية بهذا البناء الصعب الذي يقتضي الاهتمام بكافة جانب الشخصية، المعرفية، والسلوكية، والنفسية، والصحية، والاجتماعية، والثقافية، والسياسية.....
ويرى الباحث أن التربية المدنية ربما تكون أنجح وسائل البناء لشخصية متوازنة ومواطن يحب الوطن ويتفانى في بنائه كما يدرك دوره الأخلاقي والوطني والقومي والحضاري والإنساني ويبادر بالعمل والفعل والسلوك لممارسة هذا الدور.
مفهوم التربية المدنية:
لا يختلف مفهوم "التربية المدنية" أو"التربية الوطنية" عن التربية بمعناها الواسع إلا بتركيزه على علاقة الإنسان بمجتمعه، وبيئته، ووطنه، وأرضه، فمفهوم التربية الوطنية ينطلق من مبدأ أساسي هو أن الفرد لا يعيش منعزلاً في أية مرحلة من مراحل حياته، بل هو دائماً عضو في جماعة ولا وجود له خارج إطارها، وهو نفسه لا يستطيع أن يدرك نفسه إلا جزءاً في كل، وإلا وحدة في طار هذه الجماعة، وقد اتفق الباحثون التربويّون الاجتماعيّون على تحديد مضمون "التربية المدنية" وإن اختلفوا في تعريفها أحياناً، فبعضهم يميل إلى تعريفها بقوله: "هي جانب التربية الذي يحدث شعور العضوية في جماعة حتى تتسق حياتها لفائدتها المتبادلة"(3) في حين يدمج بعضهم الآخر التربية المدنية بالتربية الأخلاقية غير مميّز بينهما معتبراً أن فحواها هو ذاته مع أن التربية المدنية هي أشمل من التربية الأخلاقية، وإن كانت التربية الأخلاقية قاعدة لازمة للأولى فالتربية المدنية مرتبطة بمفهوم المجتمع المدني، والمواطن وحقوق الإنسان، والديمقراطية. هذه المفاهيم التي أسهمت في بلورتها الثورة الفرنسية في القرن الثامن عشر في إعلان الجمعية الوطنية لحقوق الإنسان 1789 ـ 1791 والذي جاء في مقدمته أن ممثلي الشعب الفرنسي المشكلين للجمعية الوطنية لما كانوا يعتبرون الجهل بحقوق الإنسان، أو نسيانها، أو ازدراءها الأسباب الوحيدة للمصائب العامة، ولفساد الحكومات، فقد عقدوا العزم على سرد حقوق الإنسان الطبيعية المقدسة، والتي لا يمكن التنازل عنها"(4).
لقد هدفت الجمعية الوطنية بهذا الإعلان إلى تثقيف كل أفراد المجتمع وإطلاعهم على حقوقهم وواجباتهم كي يتاح لهم تقدير تصرفات السلطات العامة وإرساء مطالبهم على حجج مقبولة(5).
وهذا ما دفع فورييه (Fourier) إلى القول: "لقد اكتسب الإعلان طابعاً دينياً مقدساً، وصار للمعتقد السياسي رمزاً، أنه في كل الأمكنة العامة يطبع، وفي مساكن المواطنين، وفيه يتعلم الأطفال القراءة"(6). وليس مفهوم التربية المدنية المعاصر جديداً في مضمونه فقد مارست الشعوب المتحضرة التربية المدنية حيثما وجدت في تاريخ الإنسان إلا أن المصطلحات تختلف، وإن كانت متزامنة ففي تاريخ المجتمع العربي نجد السياسة المدنية التي حددها ابن خلدون بأنها" ما يجب أن يكون عليه كل واحدٍ من أهل ذلك المجتمع في نفسه، وخُلَقِه، حتى يستغنوا في الحكام رأساً"(7)، ومعنى هذا أن بلوغ الإنسان درجة من الرقي في نفسه، وخلقه تجعله يتصرف اجتماعياً بصورة لا تؤذي الآخرين، وبالتالي لا توجب تدخل الحكام لأن وظيفة الحكام كما يحددها ابن خلدون ردع أفراد المجتمع، ومنعهم من العدوان، والظلم لكي يسود الأمن في المجتمع، ويقول ابن خلدون" ثم أن هذا الاجتماع إذا حصل للبشر كما قررناه، وتم عمران العالم بهم، فلا بد من وازع يدفع بعضهم عن بعض، لما في طباعهم الحيوانية من العدوان والظلم. وليست آلة السلاح التي جُعِلت دافعةً لعدوان الحيوانات العجم عنهم كافية في دفع العدوان عنها لأنها موجودة لجميعهم. فلا بد من شيء آخر يَدفع عدوان بعضهم عن بعض ولا يمكن من غيرهم لقصور جميع الحيوانات عن مداركهم، وإلهاماتهم، فيكون ذلك الوازع واحداً منهم يكون له عليهم الغلبة، والسلطان واليد القاهرة حتى لا يصل أحد إلى غيره بعدوان، وهذا هو معنى المُلْك"(8).
وقد يقترب آخرون من هذا المفهوم، أو يبتعدون عنه تبعاً لتكوينهم الثقافي، فنرى من يعتبر التلازم قائماً بين التربية المدنية، والعلوم الاجتماعية. وهذه الأخيرة بنظرهم هي المدخل إلى التربية المدنية، وإلى التقدم السياسي والاجتماعي، فالتربية المدنية هي التمرس بنسق من المهارات يفضي لبناء المستقبل على قاعدة الديمقراطية، وقوامها التعلق بالوطن، بحيث تترسخ تلك المهارات داخل العائلة، وفي المدرسة، وفي الأندية الاجتماعية بصورة متكاملة بغية تحقيق الأهداف السامية لتلك التربية(9). بينما يرى آخرون أنه إذا واجه الإنسان مشاكل الحياة بمفرده دون مساعدة، وتوجيه، فإن مواجهته ستكون غير ناجحة في تحقيق احتياجاته في حين أن الاستعانة بخبرات غيره تجنبه الأخطاء، وتزيد في فرص نجاحه، ويتم نقل هذه الخبرة من شخص إلى آخر بوساطة التربية وإن التمرس في منهج المجتمع، والمشاركة فيه يشكل التربية المدنية.
يتبين لنا من محاولات تحديد مفهوم التربية المدنية أن مضمونها هو صقل الشخصية الإنسانية بتدرب الإنسان على الحياة الاجتماعية وتمرسّه بها حتى يقوم بدوره فيها بانسجام تام مع الآخرين ومع متطلبات الجماعة، وانطلاقاً من هذا الواقع كان تعريفنا للتربية المدنية بأنها: إكساب أفراد المجتمع بصورة عملية وفعالة مبادئ ومهارات السلوك الاجتماعي المرغوب فيه في البيت والمدرسة والشارع والأماكن العامة وفي مهنته. وكذلك مبادئ احترام غيره وتقبل رأيه وإعانته وتجنب ما يضر به. وذلك بخلق ضمير اجتماعي لدى كل مواطن يستند إلى قيم التعاون والعدالة والديمقراطية وحب الوطن والغيرة عليه وتوظيف كل الطاقات لبنائه ورفعته لأداء رسالته الحضارية كجزء من الحضارة الإنسانية والحفاظ على البيئة بكل مكوناتها.
ويشار هنا إلى ضرورة الأخذ بعين الاعتبار بأن هناك معايير وطنية للتربية المدنية، ولاسيما أن مبادئها مبنية على مجموعة من الوثائق كالدستور ولائحة الحقوق المدنية والفلسفة العامة القائمة في هذا البلد أو ذاك ومفهوم الديمقراطية والخصوصية التاريخية لكل بلد والتقاليد الخاصة للبلدان ودرجة تطويرها في مختلف المجالات. وفي ضوء هذه المعطيات يحدد كل بلد مفهومه للتربية المدنية.
وفي العودة إلى تعريفنا نجد أنه من المهم أن يكون السلوك المرغوب فيه نابعاً من تمثل الفرد للمبادئ وانطلاقاً من رقابة الضمير وليس خشية من العقاب أياً كان، فيصبح احترام القانون والالتزام بكل المبادئ المذكورة نابعاً من كونها قيم سامية، وهنا تكون عملية الإشراط منصبة على إرضاء الضمير الاجتماعي الذي كونه. وليست مربوطة بالإشراط السلبي المتمثل بالعقاب القانوني أو الاجتماعي أو بأي شكل من أشكال العقاب.
والتربية المدنية علم وفن، إنها علم في الأساس وفن في الأداء، علم يرمي إلى بناء الشخصية، وإلى إقامة علاقة جيدة بين هذه الشخصية والمجتمع، وكذلك كونها تحتوي مبادئ ثابتة يجب أن تنقل للإنسان الناشئ بوساطة علم التربية، ولا يمكنه أن يستوعبها إلا بالتعلم، ومن ثم إنها فن لأنها ترمي من جهة إلى صقل الشخصية الإنسانية وتظهر جمالها وتبلور إشعاعها على ذاتها، وعلى غيرها، ولأنها من جهة ثانية تتطلب مهارة، وإتقاناً، وذوقاً، وشعوراً سامياً عند أدائها. إن التاريخ الحضاري العربي عرف التربية المدنية كعلم عملي قائم بذاته فمنهم من أسماها بالسياسة المدنية، ومنهم من دعاها بالعلم المدني، ومنهم من قرنها بعلم الأخلاق وسياسة المدنية، وأجمع الكل على اعتبار هذا العلم علماً أساسياً في تكوين المجتمع الصالح(10).
وبوساطة التربية المدنية تتكون المواطنة، والتي هي شعور الفرد بالانتماء إلى الجماعة، وشعور الجماعة بجمعها وتركيبها، وشعور كل من الفرد، والجماعة بالروابط المتبادلة، والمصالح المشتركة، إنها شعور الفرد باستمرار هذه الجماعة، وما قدمته من مجهودات في سبيل بناء مدنيتها، وما يترتب على هذا الشعور من تصور كحلقة في سلسلة متصلة، وجزء في عملية مطردة(11).
المجتمع المدني
شغلت بهذا المصطلح كل من المدرستين الليبراليتين الممثلتين ب: آدم سميث (A.smith)، ريمون آرون... (R. Aron)، والمدرسة الجدلية: الجدلية: هيجل (Hegel)، ماركس (Marx)، غرامشي (Gramsci) وغيرهم، وذلك في القرن التاسع عشر ثم اختفى من الساحة السياسية والفكرية في مطلع القرن العشرين ليعود إلى الظهور في نهاية القرن العشرين بتعريفات متشابهة إلى حد كبير، ويتفق كريم أبو حلاوة مع سيف الدين عبد الفتاح إسماعيل في تعريف المجتمع المدني بأنه: جملة المؤسسات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، والتي تعمل في ميادينها المختلفة، واجتماعية، وبهذا تكون العناصر البارزة لمؤسسات المجتمع المدني هي الأحزاب السياسية، والنقابات العمالية، والاتحادات المهنية، والجمعيات الثقافية، والاجتماعية(12).
وتعرف أماني قنديل المجتمع المدني بأنه "مجموعة التنظيمات التطوعية الحرّة التي تملأ المجال العام بين الأسرة، والدولة لتحقيق مصالح أفرادها ملتزمة في ذلك بقيم، ومعايير الاحترام، والتراضي، والتسامح، والإدارة السلمية للتنوع والاختلاف"(13).
أما محمود حواسن فيعرف المجتمع المدني بأنه "تنظيم الناس لأنفسهم للمشاركة في حل مشكلاتهم، والتعبير عن آرائهم ومعتقداتهم، والدفاع عن مصالحهم في مواجهة الآخرين بشكل سلمي.. والمدنية التي يشتق منها لفظ مدني تعني الأسلوب المتحضر في التعامل والتسامح مع الآخرين(14).
ومن خلال التعريفات السابقة يتبين لنا أن جوهر المجتمع المدني ينطوي على العناصر الرئيسة التالية:
أ. الطوعية: فالركن الأول أن يكون انتظام الفرد في المؤسسات الاجتماعية فعلاً إرادياً حراً، يختلف في انتمائه عن أشكال الانتماء العرقي والسلالي كالأسرة، والقبيلة، والعشيرة.
ب. المؤسسية: والمؤسسية هي مجموعة قوانين راسخة يتم وضعها لمقابلة المصالح الجماعية، وهي أنماط مستقرة للسلوك الذي يتم الاعتراف به، وتنميته من قبل المجتمع. إن المؤسسات هي تنظيمات تتمتع بشرعية لإشباع حاجات الناس، والدفاع عن حقوقهم عبر الزمن، ومن هنا فإن تطويرها يأتي في إطار التغيرات في البنية الاجتماعية(15)، وتطال المؤسسية مجمل الحياة الحضرية تقريباً، والتي تشمل مناحي الحياة السياسية، والاجتماعية، والثقافية.
جـ ـ الدور: الذي تقوم به المؤسسات في حماية مصالح أعضائها المادية والمعنوية، والدفاع عنها، والالتزام بإدارة الخلاف داخلها، وخارجها سواء أكان مع المؤسسات الأخرى، أو مع الدولة في ضوء قيم الاحترام، والتسامح، والتعاون، والتنافس، والصراع السلمي.
د ـ ضرورة النظر إلى مفهوم المجتمع المدني باعتباره جزءاً في منظومة مفاهيمية أوسع تشمل المواطنة، وحقوق الإنسان، والمشاركة السياسية وتعزيز قيم السلام والمساهمة بالتطور الاقتصادي والاهتمام بالمنظمات والجمعيات المحلية وخلق ثقافة سيادة القانون.
وقد ظهرت هذه العناصر في المجتمع العربي في مراحله التاريخية المختلفة بدرجات متفاوتة، وأول ملامحها تتوضح في المجتمع العربي قبل الإسلام بظاهرة الأندية في المدن التي يجتمع فيها الملأ، أي الأشراف وأصحاب الثروة ومن لهم من أنصار وأتباع أي أصحاب القوة الذين يسنون للناس السنن وكان الانتساب إلى هذه النوادي طوعياً وأهمها نجده في المدينة والطائف ومكة(16). أو دار الندوة ويضم الأحرار من أهل مكة والذين لا يقل عمرهم عن الأربعين، كما كان لديهم تنظيم يعرف باسم "نادي القوم" يجتمع فيه كل المواطنين في فناء الكعبة، يناقشون المسائل التي تهم الجميع، ويوزعون المهام المتعلقة بالكعبة وشؤون مكة على عدد من الأسر، ومن أهم هذه المسائل سدانة الكعبة، والسقاية، وسائر الخدمات الخاصة بالحجيج(17). وإن كان ذلك لا يخلو من طابع أرستقراطي حيث كان مقتصراً على نخب محددة من الوجهاء وأصحاب الشأن ولكن الإسلام نظم هذه القيم بروح إنسانية.
وقد أطلق ابن خلدون مصطلح "المدنية" أو "العمران" على المجتمع الذي علل وجوده بحاجة الإنسان إلى القوة والدفاع عن النفس، وهذا لا يحصل إلا بتجمع بشري متعاون منظم "فلا بد من اجتماع القدر الكثير من أبناء جنسه ليحصل القوت له ولهم، فيحصل بالتعاون قدر الكفاية من الحاجة لأكثر منهم بأضعاف، ,كذلك يحتاج كل واحد منهم أيضاً في الدفاع عن نفسه إلى الاستعانة بأبناء جنسه"(18). فالتعاون والنظام سمات أساسية للمجتمع المدني وهي لم تغب عن حصافة ابن خلدون، وهكذا فإن كثيراً من سمات المجتمع المدني كانت ظاهرة في مختلف الحقب التاريخية، إلا أن التطورات التي طرأت على حياة الإنسان تطلبت وظائف وسمات جديدة للمجتمع المدني الذي تدأب الأسرة والمدرسة ومؤسسة التنشئة الاجتماعية جميعها على بناء أركانه بما يحقق الوجود الحضاري للإنسان بحياة منظمة تضمن سعادته وتحقق غاية وجوده.
الاتجاهات العالمية في التربية المدنية:
هنا لا بد من التأكيد على أن الإسلام كان سباقاً في طرح القيم المدنية فكراً وممارسة وفق معايير ضمنت الحقوق والواجبات وشكلت الأسس التي بنيت عليها الحضارة الإسلامية. إن تطور المجتمع الإنساني باتجاه المدنية تميز بغرس قيم الديمقراطية التي تعزز بنية الإنسان المنتمي إلى هذا المجتمع، وشعوره بحقه في الحياة وواجباته نحو الآخر، وقد اتضحت هذه القيم في ظل الإسلام الذي رسخ الديمقراطية في مؤسساته عندما أكد على حرية الفرد في ممارسته الحياتية، وحقه في إبداء الرأي "وشاورهم في الأمر"(19) وحقه في العيش الآمن الكريم، وواجبه نحو الآخر الذي تمثل بمبدأ "تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر"(20) مما يمكن أن يلخص فعالية الفرد ضمن الجماعة وقد تحولت هذه القيم من أفكار مجردة إلى واقع اجتماعي يعبر الناس عنه في ممارساتهم الحياتية، وقد شعروا بالعدل، والمساواة على اختلاف عروقهم، وأصولهم فالناس سواسية كأسنان المشط ولا فضل لعربي على أعجمي إلا بالتقوى والعمل الصالح كما جاء في خطبة الوداع للنبي محمد ( [أيها الناس إن ربكم واحد، وإن أباكم واحد، كلكم لآدم وآدم من تراب، وإن أكرمكم عند الله أتقاكم ليس لعربي فضل على أعجمي إلا بالتقوى، ألا هل بلغت؟ اللهم فاشهد](21).
وقد كان فهم الإسلام لمسألة الديموقراطية عميقاً وينطلق من مبادئ إنسانية وحضارية في حين أن بعض الديموقراطيات المعاصرة تنطلق من مصالح سياسية أو اقتصادية وازدواجية في المعايير لمفهوم الديمقراطية، ويمكن لنا أن نرصد بعض الاتجاهات المعاصرة لطرق ووسائل التربية المدنية وتحقيق الديمقراطية ونلخصها فيما يلي:
1. التربية المدنية بالاعتماد على العناصر الرئيسة الثلاثة ذات العلاقة المتبادلة: المعرفة المدنية، والمهارات المدنية، والفضائل المدنية:
أ . المعرفة المدنية: تتكون المعرفة المدنية من أفكار جوهرية، ومعلومات يجب على المتعلمين معرفتها، واستخدامها لتصبح مؤثرة في سلوك مواطن الديمقراطية، وتتضمن المعرفة المدنية ـ بصورة ـ عامة مبادئ النظرية الديمقراطية، وعمل الحكم الديمقراطي، وتصرفات المواطنة الديمقراطية. إنها تحوي ـ بصورة خاصة ـ مفاهيم ومعطيات حول الديمقراطية في بلد المتعلم مع مقارنة ذلك بحال البلدان الأخرى.
ب. المهارات المدنية: هي العمليات الإدراكية التي تساعد المتعلم على فهم المبادئ وشرحها ومقارنتها، وتقييمها، وممارسات الحكم والمواطنية، وهناك أيضاً مهارات المشاركة التي تتضمن أفعالاً يقوم بها المواطنون لضبط تأثيرات السياسات العامة، وإيجاد الحلول للقضايا العامة، حيث تضمن المهارات الإدراكية، مهارات المشاركة واستخدام المواطن للمعرفة في تفكيره، والعمل بأسلوب قادر على الاستجابة للتحديات المستمرة للحكم الديمقراطي، والمواطنة.
جـ . الفضائل المدنية: العنصر الأساسي الثالث في التربية المدنية فهم السمات الضرورية للشخصية من أجل الحفاظ على الحكم الديمقراطي وتجويده وتعزيز قيم المواطنة، ويتمثل هذا في احترام الثروة، والكرامة لأي مواطن وأيضاً التمدن، والاستقامة، والانضباط الذاتي، والتسامح، وحب الوطن.
2. التعليم المنظم للمفاهيم:
يقوم التربويون المدنيون بتعليم مفاهيم حول الحكم الديمقراطي، والمواطنة بشكل منظم، وهم يؤكدون المعايير التي يستطيع المرء بوساطتها أن يحدد سمات المفاهيم الأساسية كالدستورية، والديمقراطية، وحقوق المواطنين، يعلمون الطلاب أيضاً استخدام المعايير في تنظيم وعرض المعلومات المتعلقة بالمؤسسات السياسية وطريقة أدائها"(22).
3. تحليل الدراسات الواقعية:
في هذا الاتجاه يعمد المعلم إلى مطالبة الطلاب بتطبيق المفاهيم الديمقراطية الجوهرية ومبادئها الأساسية في أثناء تحليل الدراسات الواقعية. حيث يبين الاستخدام الصحيح لهذه المفاهيم في تفسير القضايا المتعلقة بالسلوك السياسي للأفراد والجماعات. مدى استيعابهم لمبادئ الديمقراطية ومفاهيمها، وغالباً ما تؤخذ موضوعات الدراسة من الصفحات اليومية للصحف، والمجلات الأسبوعية، والوثائق المنشورة عبر التليفزيون، مما يربط المتعلم بالقضايا اليومية فيخلق النشاط والحيوية في الحياة المدنية الحقيقية التي تصبح ممارسة فعلية داخل صف الدراسة. أي تعليم الديمقراطية، كما أن الديمقراطية تعني إيجاد مواطنين متعلمين، إذ يتعزز الاستقرار الوطني حيث توجد الديمقراطية(23).
4. تطوير مهارات صنع القرار:
يهدف هذا الاتجاه إلى تطوير مهارات صنع القرار عند الطلاب بوساطة تحليل القضايا السياسية، والقانونية المأخوذة في الواقع، ويعمد الطلاب إلى منهج تحليل الظروف المتعلقة بالقرارات، والبحث في الاختيارات البديلة، والنتائج المحتملة لكل خيار، والدفاع عن خيار معين يعد في نظر الطالب أفضل الخيارات الأخرى، ونلاحظ أن هذا الأسلوب يؤثر ـ بصورة خاصة ـ في تعليم الطلاب كيفية استخدام مهاراتهم الإدراكية في منهج وتحليل الحقائق الوطنية. فالمواطن الصالح هو الذي يستطيع اتخاذ قرارات هامة وصحيحة ويمتلك مهارات التفكير التي تعد جزءاً لا يتجزأ من التربية المدنية وكذلك مهارات المشاركة والعمل الجماعي في سبيل المصالح العامة.
5. التحليل المقارن للحكم والمواطنة على المستوى الدولي:
إن انبعاث الديمقراطية الدستورية في مختلف أنحاء كثيرة من العالم خلق منهجاً جديداً في التربية المدنية يعتمد على المقارنة في التعلم حيث يوجه الطلاب إلى إجراء المقارنات بين المؤسسات الديمقراطية الدستورية في بلدهم الخاص والمؤسسات الديمقراطية الأخرى في مجتمعات مدنية عالمية، ويفيد هذا المنهج في تعميق فهم الطلاب لمؤسساتهم الديمقراطية، وينمي معرفتهم بالمبادئ الديمقراطية كما يؤكد أن المبادئ الديمقراطية يمكن ممارستها. كما يساعد هذا الاتجاه على فهم خصوصيات مفهوم الديمقراطية في كل بلد من البلدان وكذلك ترتيب أولويات المبادئ الديمقراطية في هذه البلدان. ويمكن أن تشكل الوسائل التقنية الحديثة مثل (الإنترنت) أداة هامة في هذا التحليل المقارن.
6. تطوير مهارات المشاركة والفضائل المدنية عبر نشاطات التعليم التعاوني:
يلجأ هذا الاتجاه في التربية المدنية إلى تنمية الفضائل المدنية بوساطة استخدام مهارات المشاركة بين الطلاب حيث ينشئ المعلمون مجموعات صغيرة من الطلاب تعمل فيما بينها للوصول إلى أهداف مشتركة، ولتحقيق ذلك لا بد لها من حل المشكلات الموجهة من قبل أعضاء الجماعة الذين يجدون أنفسهم مضطرين إلى الخوض في النقد البناء وإجراء المفاوضات، وحل الخلافات، والتسوية، وإلى تعزيز المزايا والفضائل، والتسامح والثقة وغيرها من الفضائل المدنية، فالفضائل الحقيقية والأهداف الحقيقية حسب اعتقاد الفيلسوف الفرنسي هلفتسيوس تقوم على الرغبة في الخير العام. ويكون الإنسان عادلاً، عندما تكون كل أفعاله موجهة إلى الخير العام الذي هو القانون الأعلى(24). وأن العدل مرهون بالإنسان المتنور فقط "خداع الشعب الجاهل أسهل من خداع الشعب المتنور"(25).
7. استخدام الأدب لتدريس الفضائل المدنية:
يعمد هذا الاتجاه إلى توظيف الأدب في خدمة التربية المدنية إذ أنه يقدم أحياناً ـ في الرواية خاصة ـ نماذج أبطال تجسد في ممارستها الحياتية القيم المدنية التي يسعى المجتمع المتلقي إلى غرسها في أفراده وتكمن فعالية الأدب بما يملكه من عوامل جذب تجعل المتلقي مهيأ للتأثر بهؤلاء الأبطال، بل ربما تدفعه إلى تقليدهم، وتمثل أخلاقهم وتؤكد ساندرا ستوسكي (S.Stoski) الخبيرة في استخدام الأدب في تعليم الفضائل المدنية على القيمة التعليمية التربوية في تعريف الطلاب بالشخصيات التي تتسم بتلك المزايا من شجاعة،
وأمل، وتفاؤل، وطموح، ومبادرة فردية، وحب الوطن، وحب الأسرة، واهتمام بالبيئة، واستنكار للظلم الاجتماعي(26).(27)
ويمكن للأدب أن يمارس وظيفته المدنية بوساطة الأجناس الأدبية الأخرى فليس تمثل القيم بالشخصيات الروائية هو الوسيلة الوحيدة وإنما الخطاب المباشر والشعر قد يملكان التأثير إذا ما كانت العناصر الجمالية متوافرة فيهما حيث يتوجه إلى العقل والشعور في آن واحد.
ويمكننا أن نذكر هنا ما يتضمنه الأدب العربي من حكمة، وأمثال شعبية تمثل خلاصة تجربة الشعوب والتي لعبت دوراً فعالاً في ترسيخ القيم السامية، وتوجيه الفرد نحو الفضيلة، كما تتضمن الرسائل المشهورة في تاريخ الأدب العربي كثيراً من القيم التي أسهمت في تهذيب الفرد لكي يكون عضواً صالحاً في المجتمع ونذكر على سبيل المثال بعض ما جاء في نص كتاب طاهر بن الحسين لابنه عبد الله(28):
* إياك أن تقول أنا مسلط أفعل ما أشاء. أكثر مشاورة الفقهاء، واستعمل نفسك بالحلم، وخذ من أهل التجارب، وذوي العقل، والرأي، والحكمة، لا تحقرن ديناً، ولا تمالئن حاسداً، ولا ترحمن فاجراً، ولا تصدقن نماماً، ولا تأمنن غداراً، ولا تحقرن إنساناً، ولا تغمضن عن ظالم رهبة منه أو محاباة، أرض الخصم، سلط الحق على نفسك، لا تسرفن بسفك الدماء فإن الدماء من الله عز وجل بمكان عظيم، فلا تبغ انتهاكاً لها بغير حقها(29).
ويلمس من يقرأ هذه الوصية أنها تنطوي على قيم أخلاقية تعتبر متقدمة جداً بالمقارنة مع ما تمارسه المدنيات الحديثة باسم الديمقراطية وحقوق الإنسان.
8 . التعليم الفعال للمعرفة والمهارات والفضائل المدنية:
يتضمن التعليم الفعال مفهوم التعليم المنظم، وتحليل الدراسات الواقعية، وتطوير مهارات صنع القرار، ووظائف التعليم المقارن، عبر المناقشات الجماعية المتفاعلة التي ترافق تعليم الفضائل المدنية، كما يتضمن مهارات إيجاد الحلول البديلة للنزاعات ومهارات العمل الجماعي، من خلال المواقف التعليمية التي تكسب المتعلم هذه المهارات وتصبح جزءاً من سلوكه اليومي المرتبط بجملة المبادئ والقيم والفضائل المدنية. وبذلك تجسد المعرفة بسلوك، والمهارة بممارسة.
9. وحدة المحتوى والمعالجة في تعليم المهارات والفضائل المدنية:
ينطلق هذا الاتجاه من اعتبار الفضائل، والمهارات المدنية، والفكرية وروح المشاركة متحدة مع المعرفة المدنية، وما تحتويه من قيم، فالمعلمون ينطلقون من فرضية كون التفكير المنطقي، والعمل الفعال المجدي لتحليل قضية ما، يتطلب منهم دراسة شروط نشوء هذه القضية، وظروفها وما يترتب على تغير الشروط، والظروف من نتائج محتملة، ويتطلب الفهم والتحليل، معرفة الطالب التي تؤمن له القدرة على التفسير والتقويم، وإن هذا التطبيق للمعرفة في التفسير، وحل القضايا يعتمد على مهارات المعالجة الإدراكية لهؤلاء الطلاب، فالمضمون الأساسي، أو موضوع المادة، والعمليات الإدراكية والمعالجات هي عوامل متداخلة متبادلة للتعليم والتعلم، ومحاولة رفع واحد فوق الآخر (المضمون فوق المعالجة، أو العكس) خلل بيداغوجي يطرأ على التربية المدنية الفعالة التي تتطلب تعليماً وتعلماً للمضمون الأكاديمي والمعالجة أي: المعرفة المدنية والفضائل والمهارات في آن واحد من أجل تحقيق وظيفة التربية المدنية المتمثلة في تطوير قدرة الأفراد على بناء الحكم الديمقراطي والمحافظة عليه في ظل الوعي بحقوق المواطنة وواجباتها(30).
التربية المدنية في المرحلة المعاصرة:
تتميز المرحلة المعاصرة بتغيرات جذرية في البنية الاجتماعية أعقبت تحول المجتمعات البشرية من مجتمعات زراعية إلى مجتمعات صناعية إثر اكتشاف وتطوير الآلة بصورة أحدثت انقلاباً شاملاً في المقاييس الإنسانية والاجتماعية والاقتصادية، فظهر معها المجتمع الإنساني المعاصر بصورة مختلفة اختلافاً تاماً عن تلك التي عرفت في المراحل التاريخية السابقة إذ نجد سيطرة الإنسان على المادة لم ترافقها سيطرة للإنسان على نفسه وعلى نزعاته الشريرة. فاليوم سيطر الإنسان على المادة بصور لم يسبق لها مثيل فقد طوع معظم القوى، والطاقات الطبيعية، وحولها إلى وسائل تخدم وجوده وحياته على هذه الأرض، وقد أدت هذه السيطرة إلى تسلط اجتماعي تتحكم فيه المجتمعات التي ملكت القوة بالمجتمعات الضعيفة وتمارس تأثيراتها المادية، والثقافية.
وقد تغيرت القيم الاجتماعية في المجتمع الصناعي وأصبحت حقوق المواطنة مسلوبة والديمقراطية مقصورة على فئة تملك مصادر القوة، وانسحب هذا الاهتمام على المواطن الفرد الذي عليه أن يحقق وجوده بتضخيم الأنا على حساب الأخر وإهمال القيم المدنية التي تربى عليها والتي ربما تكون عائقاً في تحقيق تفرده وسلطته ولم يعد للمجتمع المدني تلك القوة التي تحمي الفرد المواطن المنتمي إليه فخرج عن فضائله وهكذا سيطرت المعايير المادية على المعايير الأخلاقية والمدنية وقد أصبحت هذه المعايير عند بعض أفراد المجتمع المعاصر انتهازية تسلطية أهدافها الكسب والغنى وإن كانا على حساب القيم المدنية والفضائل فالإنسان الباحث عن قيمته الوجودية أصبح يقوم بما يملك لا بما يحمله من معرفة وأخلاق كريمة وسلوك قويم، وأن أخطر مظاهر التغير ما ينال المؤسسات الاجتماعية على اختلاف أشكالها (كالأسرة، ومؤسسات العمل، والمؤسسات النقابية والمهنية)، والعلاقات الاجتماعية، والقيم، والأخلاق، والأيديولوجيات، وسائر أنماط السلوك المادية والمعنوية السائدة في أي مجتمع، ومن هنا فإن الثقافة بوجه عام، وبالمعنى الأنثروبولوجي للكلمة تتعرض أكثر فأكثر لهزات كبرى، وهي عرضة للتآكل والامحاء بعد انتشار العولمة ـ خاصة ـ بسبب سيطرة نمط واحد في الثقافة الطاغية هو النمط السائد لدى الدولة المتقدمة(31). والتي يحاولون تصديرها بمختلف الوسائل كنموذج بشري مثالي، مع ما يكتنف بعضها من زيف وبهتان وما هي في كثير من جوانبها إلا نماذج مشوهة وممسوخة لحقوق الإنسان والديمقراطية والعدل المزعوم. وحرية أقرب إلى الانحلال بكل معانية والانفلات من كل القيم يراد به تهشيم البنية الثقافية والاجتماعية والدينية العربية.
ومما يميز المجتمع المدني المعاصر تصدع البنية الاجتماعية النواة أي الأسرة واختلال التوازن والاضطراب الناتج عن اتجاه الزوجين إلى العمل لتحقيق الكسب المادي وإهمال تربية الأطفال وقد أصبحت هذه الوظيفة خاصة بطبقة من المسحوقين الجهلة الذين لا يعرفون الحق أو الواجب وبالتالي هم غير مؤهلين لحمل هذه المسؤولية الخطيرة بالإضافة إلى كون غربتهم عن الأطفال تشكل حاجزاً أمام تقديم ما يحتاجه الأطفال من الحب والرعاية البدائية التي نجدها في المجتمع الحيواني، وهكذا نجد الطفل ينشأ غريباً عن والديه جاهلاً بالقيم التي تجعل منه عضواً اجتماعياً نافعاً، هذا الشرخ الخطير في العلاقة بين الوالدين والأبناء ترك آثاراً خطيرة في المجتمعات الصناعية التي بنت في الجوانب المادية، وهدمت في الجوانب الاجتماعية والأخلاقية. مما استدعى التركيز أكثر فأكثر على الجوانب التربوية، والثقافية والأخلاقية لدى الإنسان، وهكذا أدرك المسؤولون فداحة الخطر الذي يهدد مجتمعهم فيما إذا استمرت عملية الاختلال، واستمر التصدع المؤدي حتماً إلى انهيار الأنظمة الاجتماعية التي قضت البشرية قروناً في إقامتها مستعينة بالأديان، والأخلاق، والتربية.
التربية المدنية في إطار الأسرة:
يقول كل من برجس (E.Burgess,) ولوك (J.locke) في كتابهما الأسرة "لقد نال المجتمع البشري حضارته بفضل الأسرة وأن مستقبله يتوقف بصورة مباشرة على هذه المؤسسة أكثر من أية مؤسسة أخرى"(32).
ولما كانت الأسرة نواة المجتمع المدني اتجه الاهتمام إلى التربية المدنية ابتداءً منها فهي الركن الأساسي في بنية المجتمع الإنساني، وإن انتماء الفرد لمجتمعه يتم عبر انتمائه لأسرته التي تشكل الخلية الاجتماعية التي يترعرع ضمنها الطفل، ويدخل المجتمع الأكبر مزوداً بما اكتسب من قيم ومبادئ سلوكية تعكس درجة انتمائه إلى مجتمعه، والتربية المدنية هي التي يمكن أن توفر له نشأة صحيحة تبعده عن الانحراف، والواقع أن التربية المدنية التي يمكن أن نتصورها ضمن الخلية العائلية تتصف بصفتين هما التعليم والتعلم: تعليم للولد، وتعلم من الولد، تعليم للوالدين، وتعلم منهما لمسؤوليتهما كوالدين مسؤولين عن حياة ولدهما ومصيره وأخلاقه وشخصيته ونفسيته.
إذاً يمكن القول: إن عملية التربية المدنية في المستوى العائلي تتضمن اتجاهين، الأول علاقة الوالدين بالولد، وواجباتهما نحوه، والثاني: علاقة الوالدين فيما بينهما كزوجين ومربيين، وما لهذه العلاقة من تأثير مباشر في تربية ولدهما وتنشئته تنشئة سليمة. وقد اهتم إعلان حقوق الإنسان بحماية الأسرة، وأكد على حقها في التمتع بحماية المجتمع والدولة(33)، فالأسرة بوصفها حجر الأساس في بناء الشخصية الإنسانية بحاجة للتوجيه للمحافظة على كيانها الاجتماعي وإضفاء جو من العاطفة، والمحبة، والتفاني بين أعضائها، وبحاجة لإقامة علاقات إنسانية تسودها المحبة بين الوالدين والولد، ولتوفر له الاتزان العاطفي، والبيئة النفسية الملائمة لنموه الجسماني والعقلي والعاطفي، تقول المربية بيني ريردون (B.Rerdon) "إن على التربية أن تواجه التحدي، وأن تعمل على إعداد الصغار لتحمل مسؤولياتهم الكونية والعالمية.. وتقبل مسؤولية العمل على خلق مجتمع عادل تسوده قيم التسامح وحقوق الإنسان(34).
إن إقامة العلاقات الإنسانية بين ذوي الرحم والأقارب المبنية على الاحترام المتبادل، والمحبة، والتسامح والتعاضد، وإعطاء كل ذي حق حقه ـ يشكل نموذجاً للعلاقات الإنسانية العامة، والسلوك الاجتماعي القويم، وكلاهما مطلوب من الفرد كخطوة أولى لاندماجه في مجتمعه.
ويمكن القول هنا إن الأسرة المصغرة هي المدرسة الأولى للعلاقات الإنسانية التي يتعلم فيها أول دروس الحب والكراهية والعدل والظلم فبقدر ما تبذل هذه المدرسة من جهد في إقامة العلاقات الإنسانية الجيدة بين أفرادها تكتسب الشخصية الإنسانية خبرة ومراساً في تعاملها مع الآخرين. لذلك يترتب على الوالدين تعلم فن الوالدية كوظيفة اجتماعية مطالبين بأدائها فيؤدي كل منهما دوره فيها، ومن جهة أخرى تعليم الأولاد القيام بأدوارهم في الأسرة من خلال ما يطلب منهم من وظائف، وخدمات تخرج الولد من أنانيته الفطرية إلى اجتماعيته المكتسبة.
وقد اهتم المربون بدور الأسرة التربوي ونبهوا إليه حيث أشار المربي الإنكليزي هربرت سبنسر (H.Spencer) إلى الحاجة إلى التربية الأسرية إذ يرى "أن الغرض من التربية هو إعادة الفرد للحياة الكاملة في مختلف نواحيها وأن نواحي هذه الحياة هي التالية مرتبة حسب أهميتها الصحية، والمهنية والأسرية، والوطنية، والثقافية"(35)، وقد حدد إبراهيم ناصر وظائف الأسرة بست هي: التربية الجسمية والصحية، والتربية الأخلاقية والوجدانية، والتربية العقلية، والتربية الاجتماعية والوطنية والاقتصادية، والتربية الجنسية، والتربية الترويحية(36)، وهذه الوظائف متكاملة في أهميتها في خلق الكائن الاجتماعي المتمدن.
ويمكن لنا أن نلخص وظيفة الأسرة في التربية المدنية بتعليم الأطفال المسؤولية، والمحافظة على البيئة، والمواطنة، ونقل الحضارة والثقافة، وأسس النظام السياسي والاقتصادي والاجتماعي والأخلاقي، والديمقراطية والعدالة والأخلاق والسلام وحب العمل، وغرس قيم الخير والجمال والتسامح والتعاون لديهم. وينبغي هنا التأكيد على أن هذه القيم لا ينبغي استيرادها ولا تقليد الآخرين في تطبيقها. إذ هي تشكل جوهر تراثنا العربي الإسلامي، وهي معالم أصيلة في حضارتنا العربية علمناها لكثير من الأمم وأسهمنا بها في الحضارة الإنسانية ومع أننا أحوج ما نكون إليها الآن إلا أنه لا ينبغي بأي شكل أن نسترد بضاعتنا التي شوهت وإنما نستنبطها من إرثنا الحضاري ونصنعها وفق متطلبات تطور الحياة بما يتفق مع مرتكزاتنا الثقافية والاجتماعية والدينية وأرى بأن هذا مخرجنا للخلاص.
أ. التربية على تحمل المسؤولية:
المسؤولية هي الإحساس بالالتزام نحو الأشياء، والأفراد، والأفعال التي تصدر عن الإنسان، وهي شعور مقترن بإحساس الفرد بالحرية والقدرة على اتخاذ القرار، أنها الشعور الذي يخلق الواجب نحو الآخر، ونحو ما يصدر عنه باعتباره كائناً عاقلاً قادراً على التمييز بين الخطأ، والصواب في العرف الاجتماعي السائد وباعتباره حراً، ومالكاً لما هو مسؤول عنه، حيث يضم مصطلح الملكية هنا في بعض الحالات ـ مفهوم الانتماء: انتماء الأفراد إلى المالك بعلاقة من العلاقات التي تمنح المالك السلطة، كسلطة الحاكم، أو سلطة الأسرة، أو سلطة رجل الدين، فالمسؤولية هي الالتزام، ويكاد يكون هذا الالتزام فطرياً لأنها من أول الروابط التي يشعر بها الطفل عفوياً(37). وتنمى بالتربية التي تهدف إلى تعليم الطفل الاختيار بعد أن يعطى الشعور بالحرية سواء أكانت هذه التربية مدنية أم طبيعية، ولعل التربية الطبيعية تقدم الشكل الأول للتربية بروح المسؤولية، وهي شكل التربية الذي يمثل روس (J.Rousseau) التربية التي تسعى إلى تعليم الطفل كيف يختار بحرية، ويصبح مسؤولاً، وقد أكد روسو أن "الإنسان يملك حرية الإرادة، وبفضل هذه الحرية فقط يختار الإنسان الأشياء، والأعمال الجيدة والسيئة بنفسه. هل يقوم بالخير، أم يرتكب الشر، أنه مسؤول في ذلك، وحتى إذا ارتكب عملاً سيئاً فإنه يتألم من عذاب الضمير"(38).
وقد كانت المسؤولية أساساً من أسس التربية المدنية الإسلامية التي منحت الإنسان الحرية وحق الملكية، وفرضت عليه واجبات نحو الآخر في المجتمع الذي ينتمي إليه ونحو الإنسان فجاءت الآيات القرآنية والأحاديث والممارسات لتؤكد مسؤولية الإنسان نحو ما يصدر عنه بحق الأخر، (ولا تزر وازرة وزر أخرى((39)، (ومن يعمل مثقال ذرة خيراً يره، ومن يعمل مثقال ذرة شراً يره((40)، [كلكم راعٍ، وكل راعٍ مسؤول عن رعيته](41).
كما أكدت مواثيق حقوق الإنسان على مسؤولية الفرد، فجاءت المادة 29 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان "1948" لإلزام الفرد بمسؤوليته نحو الجماعة "على كل فرد واجبات إزاء الجماعة التي فيها وحدها يمكن أن تنمو شخصيته النمو الحر الكامل"(42). وجاء في المادة التاسعة عشر من إعلان القاهرة لحقوق الإنسان في الإسلام 1990" المسؤولية في أساسها شخصية"(43).
وفي المادة الأولى من هذا الإعلان الأخير: "كل الناس سواسية في الكرامة الإنسانية الأساسية، والواجبات، والمسؤوليات ومن دون أي تمييز بسبب السلالة أو اللون، أو اللغة، أو الجنس، أو الاعتقاد الديني أو الانتماء السياسي"(44).
وهكذا تتضح لنا ضرورة التربية على تحمل المسؤولية، وتوجيه التربية المدنية في المستوى العائلي إلى بعث الشعور بالمسؤولية لدى الأولاد والوالدين، بتنمية حس المسؤولية لدى الناشئ ليكفل الحفاظ على الآخر، والأشياء ذات القيمة في البيئة الاجتماعية، بل إن على التربية تحمل المسؤولية في تنمية القدرة الإنسانية فمسؤولية الإنسان عن فعل أو شيء أو إنسان أو مجموعة بشرية تعني أنه قادر على حماية ما هو مسؤول عنه وبالتالي تمنحه قيمة ترضي نزعة الإنسان نحو التفوق وبالتالي نجد أن تنمية حس المسؤولية تؤدي إلى زيادة قوة الفرد وتحقيق عنصر أساسي في بنية المجتمع المدني.
ب. التربية من أجل المحافظة على البيئة:
المجتمع المدني ليس مجموعة بشرية منظمة متوائمة في ظل مجموعة من القيم الأخلاقية فحسب، إنه مجتمع ينتمي إلى مكان محكوم بطبيعته، ومدى صلاحيته للعيش الإنساني، وقدرته على تغذية المجتمع بما يملكه من موارد قابلة للاستثمار، لذلك وجب على التربية المدنية أن تتجه منذ البداية نحو حماية المكان أو البيئة الطبيعية، ورعايتها لتكون في أفضل حالاتها لخدمة المجتمع ويكون ذلك ببث الوعي بقيمة الطبيعة المادية والجمالية، وتعليم الطفل كيفية المحافظة على البيئة حتى نتجنب كارثة بيئية محققة بسبب اعتدائنا عليها بالهدم، أو التلوث، وإذا كانت مسؤولية الإنسان تنصب على ما يملكه ملكية خاصة، أو ما ينتمي إليه، فإن البيئة أهم ما ينتمي إليه الإنسان، وتسعى التربية المدنية لأن تبرز أثر البيئة في حياة الفرد والمجتمع، ومتانة علاقة الإنسان بها، وكذلك مسؤولية الفرد عن الأجيال القادمة، وبالتالي تخلق لديه دافع حمايتها من التخريب والتلوث، والتشويه، إن على التربية في مستوى الأسرة أن تنمي لدى الطفل القدرة على الاستمتاع بالجمال، والنظافة، لتزيل من داخله الرغبة في إتلاف وإفساد الطبيعة، وأن تخلق لديه الوسائل الكفيلة بالحفاظ على البيئة، حتى لا يشعر بالعجز عن حمايتها، وأن تعزز قيمة الأفعال الإيجابية التي يقوم بها الطفل لحماية ما حوله، وذلك من أجل أن نضمن للمجتمع في النهاية البيئة الصحية السليمة الصالحة للحياة، فالحفاظ على البيئة هدف إنساني أكد عليه الإسلام حتى في حالة الحروب، ونذكر هنا بوصية أبي بكر ليزيد بن أبي سفيان قائد جيش المسلمين إلى الشام وجنوده، والتي جاء فيها "إني أوصيك بتقوى الله وطاعته والإيثار له والخوف منه وإذا لقيت العدو فأظفركم الله بهم فلا تغلل ولا تمثل ولا تغدر ولا تجبن ولا تقتلوا وليداً ولا شيخاً كبيراً ولا حراً ولا تحرقوا نخلاً ولا تفسدوه، ولا تقطعوا شجرة مثمرة، ولا تعقروا بهيمة إلا لمأكله"(45).
جـ . التربية على المواطنة:
عندما تحلو الأرض في أعين ساكنيها، فينعمون بخيراتها، وثمراتها، ويطمئنون إلى وجودهم عليها، تنبت لهم فيها جذور، تشدهم إلى الأعماق، ويثمرون حباً، وتعلقاً، وغيرة، فالحب انتماء، ولا يمكن أن ينتمي الإنسان إلى شيء لا يحبه، كما أنه لا يمكن أن يحب دون أن يشعر بالانتماء إلى ما يحب، أو بانتماء ما يحب إليه، وانتماء الإنسان إلى الأرض يتبلور عبر المواطنة الصحيحة تلك الرابطة بين الإنسان والوطن، وهذه الرابطة لا يدركها الإنسان إلا بالتربية المدنية التي تعلم الإنسان أن يكون حراً خيراً في وطن تسود فيه الحرية والديمقراطية، وقد أكد روسو (J. Rousseau) على العلاقة بين المواطنة وحرية الوطن والفضيلة عندما قال: لا يمكن للوطن أن يقوم بغير الحرية، والحرية بغير الفضيلة، والفضيلة بغير المواطن وستبلغون كل هذا إذا أعددتم المواطنين، وبدون هذا الإعداد لن تجدوا إلا عبيداً أشراراً بدءاً من رئيس الدولة، ولكن إعداد المواطن ليس عمل نهار واحد"(46) إذ إن إعداد المواطن يعني بناء الكائن الاجتماعي المزود بنسق من الأفكار، والمشاعر والعادات التي لا تعبر عن ذاته الفردية فحسب، وإنما عن الجماعة، أو الجماعات المختلفة التي ينتمي إليها، فالكائن الاجتماعي ليس معطى من معطيات البيئة الفطرية للإنسان، ولا يمكن أن ينمو بشكل عفوي لان ما يحركه هو التجربة والغريزة، والعاطفة، كما قال روسو "(J.Rousseau) إن التجربة والغريزة والعاطفة تحرك الإنسان، كما هو الحال عند الحيوان من أجل تلبية حاجاته الحيوية"(47) ويجد دوركهايم (E.Durkheim) أن الإنسان "ليس ميالاً بفطرته إلى الخضوع إلى السلطة السياسية، أو إلى احترام النظام الأخلاقي، أو التضحية والإيثار، إذ لا يوجد في بنيتنا الفطرية الأولية ما يدفعنا إلى أن نكون خاضعين لإرادة سماوية، أو شعارات رمزية مساندة في المجتمع... إنه المجتمع الذي استطاع أن يستمد من قدسية هذه الأشياء سلطاته الأخلاقية الكبرى التي تجعل الفرد يشعر بدونية إزاءها"(48). لذلك فالتربية المدنية لا تتجاهل البنية الفطرية في سبيل تحقيق غايتها في خلق المواطن، أو الكائن الاجتماعي، هذه البنية الفطرية التي لا تهتم إلا بالأنا، وما يتعلق بغريزة البقاء، وقد رأى هلفتيوس (G. Helvetius) أن "حب الذات هو الأساس الوحيد الذي يمكن أن تبنى عليه قاعدة الأخلاق الفريدة" ووافقه على ذلك لوك (W.Locke) وغولباخ (G.olbadh)، حيث علم الأخلاق يبني على أساس الرغبة الأنانية نحو المتعة التي يعدها مصدر السمات الأخلاقية لأفراد المجتمع(49). والانتماء إلى الوطن يرتب واجبات على الإنسان كما يولد فيه شعور المحافظة على ما ينتمي إليه فإذا دعي إلى القيام بدوره في وطنه شعر بأنه يقوم بأداء وظيفة هامة مهما كانت مكانة الوظيفة فالحاكم والقاضي والمعلم والطبيب والمهندس والعامل والفلاح كل منهم يقوم بدوره الذي كلف به وفقاً لمهاراته وقدراته، فإذا شعر هؤلاء بالمواطنة الصحيحة، وبالانتماء إلى وطن حافظوا عليه، وامتنعوا عن العبث بمقدراته، أو استثمار وظائفهم لغايات أنانية وشخصية، وسيشعرون بأنهم مواطنون يتمتعون بحقوق المواطنة في حرية وعدل ومساواة وحق العيش الكريم، فيتجهون إلى حماية المصلحة الوطنية بعد أن ضمنوا حقوقهم المصونة.
د. وظيفة الأسرة تجاه الحضارة والثقافة:
يتعاظم دور الأسرة في تأصيل قيم المواطنة عند الطفل وتزويده بالقيم الحضارية والثقافية، إذ أننا نرى من خلال النظر إلى دراسات علم النفس اللغوي التي تناولت تعلم اللغة بأن هناك سناً محددة تكون فيها إمكانات تعلم اللغة محفزة لدرجة كبيرة، وهي ما تسمى بالزمن الحرج لتعلم اللغة وتضاؤل عملية التعلم عند فوات هذه الفترة كما أثبتت ذلك دراسات تشومسكي. (H. Chomsky) ويمكن أن ننظر بهذا المنظار إلى عملية اكتساب قيم المواطنة على أنها تكون أكثر ثباتاً وتأصلاً ودواماً إذا تمت في سن مبكرة على يد الأسرة ومؤسسات التنشئة الاجتماعية، ويمكن ملاحظة ذلك بالمقارنة بين القيم الدينية والاجتماعية إذ أنها تبدو أكثر ثباتاً من القيم الوطنية وقد يكون مرد ذلك إلى الأطفال يتعلمون هذه القيم في سن مبكرة وعلى أن هناك مرحلة حرجة أيضاً لتعلم واكتساب قيم المواطنة. وقد أشار الفيلسوف الفرنسي هلفتيوس (G.Helvetius) إلى ضرورة تعليم الفضيلة منذ عمر مبكر حيث يقول "للأسف بأنه إلى الآن لا وجود لمدارس يتم فيها تعليم علوم الأخلاق" ويذكر أن ما يدرس في المدارس أبان عصره الشعر اللاتيني والبلاغة.، أما دروس الأخلاق فلا تعطى أية ساعة. ويجد هلفتيوس (G.Helvetius) إلى ضرورة تعليم الفضيلة منذ عمر مبكر حيث يقول "للأسف بأنه إلى الآن لا وجود لمدارس يتم فيها تعليم علوم الأخلاق" ويذكر أن ما يدرس في المدارس أبان عصره الشعر اللاتيني والبلاغة.، أما دروس الأخلاق فلا تعطى أية ساعة. ويجد هلفتيوس (G. Helvetius) بأن التوقيت الأفضل للبدء بالتربية الأخلاقية هو في مرحلة الطفولة المبكرة حيث يمكن أن تغرس في ذاكرة الطفل تعاليم ومبادئ العدالة التي تؤكد التجربة صحتها ومنفعتها يوماً بعد يوم(50).
ويميل البعض إلى التمييز بين الحضارة Civilization والثقافة Culture ويجدون أن الثقافة هي الجانب الروحي في حياة الإنسان كالأفكار، والأساطير، والدين، والفن، والأدب، وقد عرف وليم كلباترك (W.kilbatrik) الثقافة بأنها "كل ما صنعته يد الإنسان وعقله من مظاهر في البيئة الاجتماعية"(51)، بينما تعني الحضارة الجانب المادي وما وصل إليه الإنسان من منجزات تكنولوجية، ويجد فيبر A-Weber أن الحضارة "تشكل جملة هذه المعارف النظرية التطبيقية، غير الشخصية، تلك التي يعترف إنسانياً بصلاحيتها، ويمكن تناقلها، أما الثقافة فهي جملة من العناصر الروحية كالمشاعر، والمثل، والقيم المشتركة التي ترتبط خصوصيها بجماعة معينة وزمن معين"(52).. ويستخدم بعضهم المصطلحين بمعنى واحد كما فعل تايلور (Tylor) عندما قال: "إن كلمة ثقافة أو حضارة، بمعناها الانتروبولوجي تشير إلى كل معقد يشتمل العلوم والفنون والعقائد والأخلاق والقوانين والعادات، وكل ما يكتسبه الإنسان بوصفه عضواً في الجماعة"(53). ولكن تايلور (Tylor) نفسه يعود ليميز بين المفهومين وذلك في سياق التطور الإنساني حين يتحدث عن الحالة البربرية والحالة الوحشية ثم حالة الحضارة، والحضارة هنا تشير إلى درجة تطور ثقافي متقدم. فالحضارة هنا هي الثقافة حينما تصل هذه إلى درجة عليا من التطور، وغالباً ما يميل المفكرون إلى التمييز بين المفهومين على النحو التالي: الثقافة هي الجانب الروحي في حياة الإنسان كالأفكار والأساطير والدين والفن والآداب بينما تعني الحضارة الجانب المادي والتي يشار إليها من خلال المنجزات المادية للإنسان كالتكنولوجيا والعلم والمنشآت المادية(54). وهنا يمكننا الإشارة إلى تلازم هذين المفهومين بعلاقة تبادلية يصعب فكها، فكل ثقافة لا بد أن تفرز حضارة ما، وفي الوقت نفسه فإن كل حضارة ستفرز وتصنع ثقافة خاصة بها. وهذا لا ينفي التأثير والتأثر بالحضارات والثقافات الأخرى.
وتتميز المجتمعات بمحتواها الثقافي والحضاري الذي يسمها بسمات التمدن وهكذا يتميز كل مجتمع عن الآخر بطريقة حياته ومعيشته، وتفكيره، وسلوكه، ويقاس رقي الحضارة بتساميها، وتطلعاتها نحو المثالية الإنسانية التي أمرت بها الشرائع السماوية، والتعاليم المدنية والدينية، والناقل الأول للحضارة والثقافة هو الأسرة(55)، فإذا كان ما اختزنته منها ضئيلاً لم تستطع إعطاء أكثر مما تملك، فيكون عطاؤها ضحلاً ضعيفاً، أما إذا كان نصيبها من الحضارة والثقافة كبيراً نقلته إلى أبنائها، فشبوا وهم أغنياء بتراث ورثوه، رفع من شأن أهلهم كما يرفع من شأنهم، فمن واجب الأسرة تعريف أبنائها بما أطلق عليه سكينر "(B.F.Skinner) خير الحضارة"، "وهو الخير الذي يدعو أعضاء الجماعة للعمل ابتغاء صون الحضارة، والحفاظ على عظمتها(56).
وهكذا نصل إلى أن من أولى واجبات الأسرة أن تعلم الأطفال المسؤولية، والمحافظة على البيئة، والمواطنة، وتعرفهم بحضارة المجتمع، وثقافته، وبأسس النظام السياسي، والنظام الاقتصادي، والنظام الأخلاقي وأن تسهم بتشكيل ذهنية الفرد أي "طريقة النظر إلى الأشياء ونموذج التفكير الذي يحكم سيطرته على عقله، والذي يتشكل في المراحل الأولى من حياته"(57). وبالتالي تنمي إمكانية الاستيعاب لدى الفرد من أجل عملية التكيف التي يمارسها غالباً بصورة عفوية، أو فطرية، أو بدائية في مضمونها، وأسلوبها.
لا شك في أن هناك نقاط ضعف، ومراكز وهن في الدور الوظيفي للأسرة العربية، وهذا ما يجب استدراكه بغية تعزيز هذا الدور، وتطويره كي يصبح في المستوى الفاعل في حياة الفرد بما يتطلب ذلك من انفتاح فكري ومواجهة واقعية لحقائق الحياة الاجتماعية، والاقتصادية، ومتطلباتها ويحمل مؤلفا "التربية وحقوق الإنسان في الوطن العربي" الأسرة المسؤولية بالدرجة الأولى عن بناء الروح العصبية والتسلطية عند الأفراد، وتنمية مشاعر الكراهية، والحقد، والتعصب بما تبثه من أحاديث تعزز الفخر بالطائفة التي تنتمي إليها، وبالنظرة السلبية للطوائف الأخرى، أو المجموعات المختلفة ثقافياً أو عرقياً، وتشيع عليها الأحكام الدونية، ونغمة التخويف من هذه الجماعات، ومن ثم تعزيز مشاعر العدوان والعداوة التاريخية، وقد لا يكون كبار الأسرة قد هدفوا إلى تنمية هذه المشاعر السلبية وفي الغالب يحدث ذلك عن غير قصد بسبب جهلهم إثر أحاديثهم العابرة في نفوس أطفالهم وقد نبه دوركهايم (E.Durkheim) إلى ذلك فقال: "وإذا كان الآباء والمعلمون يشعرون دائماً أن كل شيء يمر أمام الأطفال يترك أثراً في نفوسهم، وأن بنية الطفل النفسية، وشخصيته مرهونتان بآلاف الأحداث الصغيرة التي تمر دون أن نشعر بها، والتي تحدث في كل لحظة، والتي قلما نعيرها أي اهتمام بسبب تفاهتها الظاهرية، فإنهم سيولون لسلوكهم ولغتهم مزيداً من الاهتمام"(58).
وإذا لم تستدرك الأسرة العربية نقاط الضعف هذه وتعالج ما بها من وهن فسوف تفقد وظيفتها بل سوف تؤدي دوراً سلبياً يدفع الفرد إلى العنف، والانحراف بتحررهم من الضوابط السلوكية السليمة. ومن البداهة بمكان أن الأسرة العربية محكومة على الأغلب بنسق مجتمعي يعزز التميز والقبلية أو الطائفية، والتعصب، وفي مواجهة هذه الوضعية المأساوية يترتب على المعنيين بالأمر سياسيين وتربويين ومفكرين، ورجال دين التصدي لهذا الواقع، وإسقاطه بصورة نهائية، ويمكن لهذه المواجهة أن تأخذ أبعاداً شمولية ترتبط بمختلف المؤسسات التربوية المدرسة، ودور العبادة، ومؤسسات التنشئة الاجتماعية كافة.
وهنا لا بد من التكامل والتظافر بين أدوار هذه المؤسسات كافة وعلى رأسها الأسرة والمدرسة في تفاعل ودينامية تعزز كل منهما دور الأخرى في بناء المواطن وفق الأهداف التربوية المنشودة.
دينامية العلاقة بين الأسرة والمدرسة في تحقيق أهداف التربية المدنية :
لا شك بأن التربية فعل لا يقتصر على المؤسسات المدرسية، بل يتعداها إلى مؤسسات المجتمع الأخرى، الأسرة، وسائل الإعلام، والمؤسسات، والمنظمات الاجتماعية والثقافية المتنوعة. كما أننا نؤمن بأن التربية ليست منظومة مستقلة عن منظومات الحياة الاجتماعية المتعددة، بل هي نظام فرعي يتبادل التأثر والتأثير بالمنظومات الاجتماعية المختلفة، ولكن هذه النظرة الشمولية للتربية لا تلغي الدور الرئيس للتربية في ريادة الحراك الاجتماعي نحو التطوير كعنصر فاعل ومبادر في تطوير جوانب الحياة كافة. وبطبيعة الحال في طرحنا للتربية المدنية لا ندعو لتعاليم مدرسية تقليدية تلقن وتنسى، وإنما هي منهج متكامل تتشارك في تحقيقه وتنفيذه مؤسسات المجتمع كافة، ويناط بالأسرة الدور الأساسي في غرس منظومة قيم التربية المدنية بأفعال سلوكية إجرائية تتم تنشئة الأطفال عليها من سن مبكرة، وتعزز المدرسة هذه القيم. إن التواصل والتنسيق بين الأسرة والمدرسة أصبح ضرورة ملحة لتحقيق الأهداف التربوية بشكلها الصحيح والفاعل، حيث يمكن للمدرسة أن تسهم في تعزيز هذه القيم من خلال مشاركة طلبة المدارس ببعض الأنشطة الرمزية مثل مساعدة شرطي المرور في يوم المرور والمساهمة مع البلديات في يوم النظافة وكذلك في الأعياد الوطنية والقومية، وتنظيم انتخاب لجان النظافة في الصفوف ولجان التنظيم في المدرسة وأنشطة إجرائية أخرى كل هذه دروس عملية تعزز سلوك التربية المدنية بشكل فعلي وعملي. إن التكامل والتفاعل بين الأسرة والمدرسة ومؤسسات التنشئة الاجتماعية الأخرى هي من الشروط الضرورية لتحقيق أهداف التربية المدنية وذلك بدينامية تفاعل تتبادل فيه التأثير والتأثير والتأثر في اتساق وتناغم وتكامل.، فالقيم التي تتم تنشئة الأطفال عليها في سن مبكرة، وتعزز المدرسة هذه القيم. أن التواصل والتنسيق بين الأسرة الدور الأساسي في غرس منظومة قيم التربية المدنية بأفعال سلوكية إجرائية تتم تنشئة الأطفال عليها من سن مبكرة، وتعزز المدرسة هذه القيم. إن التواصل والتنسيق بين الأسرة والمدرسة أصبح ضرورة ملحة لتحقيق الأهداف التربوية بشكلها الصحيح والفاعل، حيث يمكن للمدرسة أن تسهم في تعزيز هذه القيم من خلال مشاركة طلبة المدارس ببعض الأنشطة الرمزية مثل مساعدة شرطي المرور في يوم المرور والمساهمة في البلديات في يوم النظافة وكذلك في الأعياد الوطنية والقومية، وتنظيم انتخاب لجان النظافة في الصفوف ولجان التنظيم في المدرسة وأنشطة إجرائية أخرى كل هذه دروس عملية تعزز سلوك التربية المدنية بشكل فعلي وعملي. إن التكامل والتفاعل بين الأسرة والمدرسة ومؤسسات التنشئة الاجتماعية الأخرى هي من الشروط الضرورية لتحقيق أهداف التربية المدنية وذلك بدينامية تفاعل تتبادل فيه التأثير والتأثر في اتساق وتناغم وتكامل.، فالقيم التي تتم تنشئة الأطفال عليها في سن مبكرة تكون أكثر ثباتاً، وتشكل معيار سلوك الفرد في مستقبل حياته. إن غرس قيم احترام الممتلكات العامة، كما في الحفاظ على الحدائق العامة بالمرتبة ذاتها التي نهتم ونعتني بحديقة المنزل، والاهتمام بنظافة الشارع وكأنه فناء للمنزل، والنظر إلى أثاث المدرسة بمرتبة الأثاث المنزلي، هذه القيم التي قد تبدو رمزية، إلا أنها في الحقيقة تعزز بشكل عملي احترام الممتلكات العامة، والمواطنة الصالحة، والقيم الجمالية، والحضارية، وتشكل قاعدة للتعليم المدرسي اللاحق في هذا المجال كما أنها تغرس مفاهيم الأمانة والإخلاص للوطن بحيث لا يفكر الفرد بالعبث بمقدراته في أي مستوى من المستويات، لاسيما عندما تسهم المدرسة في تعزيز هذه القيم، بالإضافة إلى مؤسسات المجتمع الأخرى بكافة أنواعها، حيث يتشكل عرف اجتماعي يشتمل جملة هذه المبادئ والقيم يضاف إلى نسق الأعراف الاجتماعية التي يصعب خرقها، لأن العقوبة الاجتماعية مباشرة، كما أن التعزيز الاجتماعي للسلوك المتفق مع تقاليده مباشر أيضاً وبذلك يكون أكثر فاعلية في تقويم سلوك الأفراد وتصحيحه. والأهم من ذلك عندما ننجح في تكوين الضمير الاجتماعي والرقابة الذاتية لدى الفرد، في الوصول إلى مرحلة تمثل هذه القيم من قبل الفرد وشعوره بالمسؤولية عنها، وهذا لا يتم بجهد مؤسسة اجتماعية أو تربوية واحدة بل بتظافر كافة المؤسسات ذات الصلة، وفق أهداف محددة وواضحة، ووفق توزيع منظم للأدوار والخطوات والمراحل والإجراءات التي تكرس هذه القيم، وعلى رأس هذه المؤسسات تقف الأسرة والمدرسة ولاسيما أن العلاقات والسلوكات التي تدور داخل الأسرة وداخل جدران المدرسة من سيادة لقيم الحوار، والديمقراطية، والنظافة، والحفاظ على البيئة، والقيم الوطنية، ومجموعة المفاهيم المرتبطة بالتربية المدنية تشكل أول الدروس وأهمها في التربية المدنية وتغدو أكثر فاعلية إذا أدركت المدرسة الفروق في الثقافات المرجعية لمرتاديها من الأطفال، وتباين المستويات الثقافية والاجتماعية والاقتصادية للأطفال(59) وذلك بأن تسهم بفاعلية في عملية التعويض عن النقص في الدور الأسري فيما يخص هذه الجوانب لدى بعض الأطفال، وكذلك في التواصل مع هذه الأسر من خلال النظرة إلى المدرسة على أنها مركز إشعاع حضاري في البيئة المحلية ولا يقتصر دورها على العمل التربوي داخل المدرسة.
التربية المدنية في إطار المدرسة:
المدرسة هي الأداة والآلة والمكان الذي بواسطته ينتقل الفرد من حياة التمركز حول الذات إلى حياة التمركز حول الجماعة، أنها الوسيلة التي يصبح من خلالها الفرد الإنسان إنساناً اجتماعياً، وعضواً عاملاً وفعالاً في المجتمع(60).
تشكل المدرسة المؤسسة الثانية بعد الأسرة التي تتولى مسؤولية تأهيل الطفل اجتماعياً إلى جانب تأهيله علمياً، وقد أوجد المجتمع هذه المؤسسة لأن الأسرة بمفردها غير قادرة على حمل عبء التأهيل الاجتماعي والعلمي بعد أن يبلغ الطفل سنّاً معينة، إذ لا تملك المؤهلات اللازمة للقيام بهذه المهام ومن وظائفها:
1. تنمية شخصية الطفل في جميع جوانبها.
2. نقل التراث الثقافي تدريجياً بما يتناسب مع نمو الطفل.
3. الاحتفاظ بالتراث الثقافي والعمل على تسجيل كل جديد وإضافته إليه.
4. تبسيط التراث الثقافي، فالثقافة المكونة عبر العصور معقدة ومتشابكة، وهنا يتمثل دور المدرسة في تبسيط هذا التراث وتلك المعرفة.
5. تطهير التراث الثقافي من الخرافات والأباطيل والعادات والتقاليد الفاسدة.
6. إتاحة الفرصة للأفراد للاتصال بالبيئة الأكبر "المجتمع".
7. العمل على توفير بيئة اجتماعية للفرد أكثر ثباتاً واتزاناً من بيئته الخارجية باعتبار أن المدرسة مجتمع محدد محكوم بسياسة محددة ضمن أنظمة وقوانين من الضبط والمواعيد الدقيقة مما يؤثر في تكوين وتنشئة شخصية الطفل(61).
ويشير علي وطفة إلى الوظيفة الاقتصادية حيث يرى أن المدارس المهنية تقوم بتأهيل اليد العاملة لاستخدام الوسائل التكنولوجية الحديثة وبالتالي تلعب دوراً في زيادة الدخل القومي، وتحقيق النمو الاقتصادي والوظيفة السياسية المتمثلة في التأكيد على الوحدة القومية للمجتمع وضمان الوحدة السياسية وتكريس الأيدلوجية السائدة، والمحافظة على بيئة المجتمع الطبقية. وتحقيق الوحدة الثقافية والفكرية(62). وهنا لا بد من الإشارة إلى أن الوظيفة الاقتصادية ليست مرتبطة بالمدارس المهنية لوحدها، حيث أثبت علم اقتصاديات التعليم بأن عملية التربية هي أهم الاستثمارات الاقتصادية وأن الريع الاقتصادي لجميع الأنشطة الاقتصادية في كافة قطاعات الحياة يعود بجزء كبير منه كعائد من عائدات التربية غير المباشرة وبالعودة إلى هذه الوظائف المتعددة والتي تزيد بتطور المجتمع وتعقده لا يمكن أن تؤديها الأسرة بإمكاناتها المحدودة، ويقول ربول أوليفيه (R.Oliviah) في كتابه فلسفة التربية "إذا كانت الأسرة الحديثة تضطلع بالوظيفة الأولى في التربية أي تنشئة المشاعر، فهي تضطلع أيضاً بالوظائف الأخرى إجمالاً، وهي تلقن، وتنشئ، وتعلم، بيد إنها سرعان ما ترى نفسها غير كافية لتلك المهام التي تؤلف التعليم والتي تأخذها على عاتقها مؤسسات خاصة"(63).
ويجد بعض الباحثين أن رسالة المدرسة الأساسية هي غرس الصفات الإيجابية في الشخصية هذه الصفات التي تتضمن مقدمات الصحة النفسية(64) والتي تعد بدورها أهم مقومات الشخصية المتوازنة. كما يفصل بعضهم في وظيفتها الحافزة على الابتكار والخلق إذ ينبغي على المدرسة أن تنمي ما يسمى بالطبيعة الثالثة للفرد وهي التي تعبر عن نفسها في نمو ذكاء الفرد ونمو سلوكه على نحو يجعله فريداً في ذاته مبدعاً خلاقاً في ثقافته وبيئته، وقد تعد هذه الوظيفة أعلى وظائف التربية المدرسية مرتبة وخاصة في المجتمعات التي تعيش تغيرات سريعة جذرية تحتاج من الأفراد خلقاً وإبداعاً وابتكاراً وتجديداً في أساليب حياتهم وفي القيم الجديدة وتحقيقها في علاقاتهم وأنظمتهم(65). فالمدرسة هي حلقة مكملة للأسرة تتولى الطفل عادة بعد الخامسة من عمره وعلى مدى عشر سنوات على الأقل، أي في مرحلة من العمر يكون فيها الطفل في أقصى حالات التأهب النفساني للتعلم والتقليد والتطبع والائتلاف مع القيم التي يصادفها في مرحلة نموه هذه.
إن التعليم يمكنه أن يلعب دوراً كبيراً في تصحيح الخلل الذي يعانيه نسق القيم الراهن، ولاسيما القيم الإنسانية، ويستطيع أن يعمل على إرساء قيم تنموية ـ واتجاهات مجتمعية، تساعد المنطقة على مواجهة التحدي الذي أفرزته سيادة قيم العمل والإنتاج وتراجع قيم التسامح والسلام وحقوق الإنسان(66) وذلك بما تنقله المدرسة للناشئة من مفاهيم تربوية وأخلاقية واجتماعية وعلوم أساسية مؤهلة لتحصيل أوسع وأدق في المراحل اللاحقة لمرحلة التأسيس العلمي، وعملية النقل هذه لا تتم بأساليب موحدة بل تختلف باختلاف مفاهيم المعلم ونظرته إليها وإدراكه لدورها في التأهيل التربوي كما تختلف باختلاف شخصية كل معلم لما لهذه الشخصية من أثر في الأسلوب التعليمي، وفي نفسية التلاميذ، فالمعلم يشكل في نظر التلاميذ نموذجاً سلوكياً معيناً غالباً ما يسعى التلاميذ للاقتداء به. وتأسيساً على ذلك ومن أجل تطوير تجاربنا التربوية لا بد من الإشارة إلى الجهود التربوية والسياسية الكبيرة التي بذلتها منظمة اليونسكو لتجسيد مبادئ السلام والتسامح وحقوق الإنسان. وهذه بالطبع من ركائز التربية المدنية. لقد أنشأت منظمة اليونسكو نظاماً من المدارس المتعاونة التي تسعى إلى بناء تجربة تربوية حية في بناء مفاهيم السلام والتسامح بين الأطفال الناشئة، حيث تتضمن هذه المدارس برامج متكاملة من أجل غرس قيم السلام والتسامح بين أجيال المتعلمين والدارسين. ويوجد اليوم أكثر من 1300 مدرسة للسلام في 74 دولة عضو في منظمة اليونسكو(67). عن تحقيق الديمقراطية في إطار الحياة الاجتماعية، مرهون إلى حد كبير بتحقيق التربية الديمقراطية في المؤسسات التربوية، فالنظام الديمقراطي لا يتقرر باللوائح والقوانين وإنما هو بحاجة ماسة إلى نظام تربوي يسانده ويعاضده(68).
المعلم الديمقراطي:
وهنا تبرز أهمية المعلم الديمقراطي الذي يشجع ويحمي التعبير عن الآراء الحرة والجريئة في جو يوفر الحرية الأكاديمية، في الوقت الذي يطبق فيه القوانين بوضوح وفقاً لمبادئ الحماية المتكافئة، واستحقاق المعالجة لكل فرد على حدة، فالحرية الحقيقية خاضعة لقوانين وضعية لا يجب تجاوزها، وحرية الأفراد تكمن في الخضوع العادل للقوانين والمساواة بين كافة أفراد المجتمع ـ والمقصود هنا المجتمع المدرسي ـ كما يخلق المعلم الديمقراطي جواً يكون فيه الاحترام لكرامة كل فرد, ويؤكد المعلم الديمقراطي على مهام التعليم التي يختبر بها الطلاب من أجل تحمل المسؤولية بالنسبة لإنجازهم للأهداف التربوية وتمثلهم لقيمها.
يأخذ المعلم الديمقراطي على عاتقه مسؤولية تطوير الدروس الممتعة والدروس الاختبارية من أجل الطلاب، ويتابع تثقيف نفسه من خلال برنامج القراءة مدى الحياة، وبوساطة التدريب المستمر، والتخطيط لتعزيز قدرته على تعليم المواطنين. وإن "حسن نية المعلم، والكلمات الحسنة، والتي تقال في مكانها والتشجيع، والتقدير العادل للتحصيل ـ وإن كان صارماً ـ واحترام التلاميذ في التعامل من أي سن كانوا، يشكل ما يسمى بالمناخ السيكولوجي المُرضي في الصف ويهيئ أجواء انفعالية إيجابية تساعد على استيعاب المعارف من قبل التلاميذ على نحو أفضل(69).
المتقرحات:
أولاً : إن المدرسة مجتمع مصغر مهيئ للمجتمع الأكبر الذي تتوافر فيه جميع عناصر الاتصال البشري والعلاقات الإنسانية والتفاعل بين الفرد والجماعة. فهي عالم قائم بذاته. والتجول في هذا العالم محظور إلا بما هو مسموح به بتدرج مكتسب بالجهد والعطاء. والمدرسة نظام توجد فيه قوى مختلفة ممثلة بالمدير والمعلم والمرشد والناظر والتلميذ وفي هذا الخضم من الحضور والتجاذب والتدافع، تشاد مبادئ التربية المدنية المؤهلة للحياة الاجتماعية فيخطئ من يعتقد أن هذه المبادئ تفرض فرضاً وتقبل دون أن تجد مقاومة ربما كانت لا شعورية، من جانب تلك القوى المتفاعلة في ذهن كل من تصدر عنه أو تنصب عليه. هذه الحقيقة يجب أن تؤخذ بعين الاعتبار عند إيجاد المرتكز النفساني والنظري والعملي المناسب لتشييد المواطنة الصحيحة لدى التلميذ. إذ غالباً ما تلاحظ نزعات مقاومة للتجديد حتى في مجال التربية.
إن تحقيق كل عمل جديد يتم بانتصارين: انتصار على مراكز المقاومة في النظام القائم، وانتصار في تجسيد العمل الجديد ميدانياً. فكل فكرة جديدة وكل مشروع جديد يلقيان مقاومة عفوية ضمن النظام القائم لأن الإنسان عدو ما يجهل، أو لأن القائمين على النظام يجدون صعوبة في تقبل أفكار جديدة ستخرجهم من رتابة عملهم اليومي إلى أسلوب جديد في العمل. وفي الحالتين يقتضي تحقيق النصر التغلب على تلك المقاومة العفوية، ومن ثم تحقيق الفكرة أو العمل بصورة ميدانية تقنع المترددين بصوابها وبفائدتها، فانتصار كل فكرة جديدة يتأتى من انتصارين: الأول على القوى التي تقاومها والثاني في تحقيقها.
ثانياً : يجب أن تحدد أهداف التربية المدنية للمعلم قبل المتعلم حتى يدرك الأهمية المعطاة لهذه المادة ضمن البرنامج المدرسي. وأن يوجد جسور الاتصال بمؤسسات المجتمع الأخرى لتحقيق هذه الأهداف وفي مقدمة هذه المؤسسات الأسرة.
ثالثاً : التربية المدنية هي مدخل فلسفي جديد لمستقبل التربية العربية، في ظروف غياب فلسفة تربوية عربية واضحة. وقد تكون مخرجاً لأزمة التربية العربية بالنظر للظروف الدولية الجديدة، والتداعيات المصاحبة لها وانعكاساتها على واقع الأمة ومستقبلها.
رابعاً : إن المعلم يقوم بدور قيادي في المدرسة فهو نموذج سلوكي يقتدي به غالباً تلاميذه، كما أنه الأب الروحي لطلابه إن لم يعطهم من قلبه وروحه بقي علمه جافاً ومجرداً من الطابع الشخصي والإنساني، فالتعليم وظيفة اجتماعية إنسانية ويستطيع المعلم من خلال عملية التربية، أن يكسب تلاميذه القيم السياسية المرغوبة من: ديمقراطية، وعدل، وتعاون، وحرية ومسؤولية... الخ، باعتبارها ركائز مهمة لبناء الإنسان الحر، وهنا يترتب على المعلم أن يتيح الفرصة أمام التلاميذ للقيام بدراسة طائفة من المشكلات القائمة فعلاً، وإعطائهم الفرص المتكافئة للتعبير عن آرائهم والدفاع عنها بكل حرية، وإن يعمل على إشراك أولياء الطلبة في هذه الأنشطة.
خامساً : يجب أن يدرك المعلم أن ما يهيئ لتلاميذه ليس فقط ترنماً بحضارة ماضية بل تهيؤ لحضارة معاصرة متطورة، وبالتالي يجب أن يكون لديه من قوة الإبداع ما يجعله يستبق الحاجات والتطورات فيهيئ التلميذ لمواجهتها.
سادساً : إن عملية التعليم في الحياة الاجتماعية عملية تدرب وتمرس ابتداء من حمل المسؤوليات الطفيفة في المدرسة وتدرجاً في سلم المسؤوليات حتى تبلغ درجة مسؤولية المواطن نحو وطنه ومجتمعه ذروتها فيصبح ذلك المواطن نموذجاً للمواطنة الصالحة.
سابعاً : إن التربية المدنية تهدف إلى تنمية وتعزيز العلاقات الإنسانية والاجتماعية وإلى تدريب الإنسان على دوره في الحياة مع أقرانه. وتعزيز قيم التعاون مع مؤسسات المجتمع كافة لتحقيق الخير العام والإسهام في بناء الوطن وتقدم الحضارة وهذا ما يجب أن تتضمنه المناهج وطرق التدريس وكافة الأنشطة التربوية داخل المؤسسات التعليمية وخارجها.
ثامناً : إن التربية المدنية في المدرسة عمل تكميلي للتربية البيتية، لذلك وجب ألا تتعارض مع هذه التربية بل تنسجم معها بالقدر الذي تكون فيه هذه التربية صحيحة وفقاً لسلم قيم مشتركة بين المؤسستين الأسرية والمدرسية.
تاسعاً : إن التربية المدنية في المدرسة تتناول الموضوعات نفسها التي نتناولها في البيت إلا أنها تطورها وتعطيها القاعدة النظرية والعلمية اللازمة لإقامتها بصورة ثابتة ومتينة وتهيئ لها المجال الحيوي لتحقيق مداها الطبيعي بما يوفره الجو المدرسي من معطيات غير متوافرة في البيت.
عاشراً : إن الوقاية من الانحرافات عن طريق التربية المدنية في المدرسة تفترض تقصياً من قبل المعلم لأسباب عدم تكيف تلاميذه مع المتطلبات اليومية في المدرسة ومعالجتها بالطرق المناسبة كي لا تتعاظم فتؤدي لسلوك شاذ وربما منحرف أو مجرم.
حادي عشر: إن برمجة التربية المدنية في المدرسة تتطلب تدرجاً في الاقتراب من الموضوعات بحيث نبدأ بالفرد ومن ثم بالأسرة فالمدرسة فالبيئة والمجتمع مع كافة مؤسساته العامة والخاصة، وصولاً إلى الدور الاجتماعي للإنسان.
ثاني عشر: إن تنمية المواطنة الصحيحة لدى الطالب في المدرسة تفترض توجه التعليم نحو خلق الشعور بالنظام والتنظيم لديه، بحيث يتهيأ ذهنياً ونفسياً للتوافق مع متطلبات الحياة الاجتماعية وذلك بوساطة تعزيز التفاعل التربوي بمختلف اتجاهاته، وخلق البيئة الصفية التربوية المحفزة لهذا التفاعل.
ثالث عشر: إن العلاقة بين الإبداع والحرية وثيقة، فالإبداع عطاء خيال حر، وعقل تتفتح له الآفاق، وإرادة تمتلك الاختيار، ولذلك ينمو الإبداع في رحم الحرية، فالطاقات المبدعة لا تنبت في أجواء الظلم الاجتماعي وغياب الحرية والديمقراطية في حقوق الإنسان، والتربية الحقيقية هي جوهر هذه القيم التي تتعاضد الأسرة والمدرسة لتكريسها.
الخاتمة
في خضم هذه التطورات كان لا بد من التساؤل عن مصير التربية المدنية وآثرها في حياة الأمم ولشعوب المعاصرة.
في الواقع ظهرت الحاجة إلى التربية المدنية الصحيحة في المجتمع المعاصر بصورة ملحة للغاية لم يسبق أن ظهرت عليها في السابق. ففي الماضي كانت الأطر التقليدية المكونة من العائلة والقبيلة والأقرباء والقدوة والمدرسة تقوم بإحاطة الفرد بما يحتاج إليه في نشأته ونموه وحياته حتى إذا ضعف ركن سانده آخر. أما الإنسان المعاصر فلا شك في أنه شعر بتخلي تلك الأطر عنه أو بتخاذلها عن القيام بواجبها أو بوهنها أو باضمحلالها أو بذهابها. فأصبح في فراغ لا يمكن سده إلا بتدخل أجهزة الدولة المختصة والمؤسسات الاجتماعية لتحل محل الأطر التقليدية أو تساعدها فيما بقى لها من أثر. ولكن هل بإمكان الدولة والمؤسسات أن تحل محل تلك الأطر الأساسية الطبيعية التي كونتها الإنسانية منذ نشأتها؟ إن جملة التطورات التي طرأت على الحياة برمتها في المائة سنة الأخيرة جعلت الإنسان أمام بيئة جديدة لم يألفها البتة مما شكل التحدي الرئيسي لعلم التربية.
فقد انتقلت في الواقع مهام التربية والتنشئة من أرضها الطبيعية إلى أرض لم يثبت الاختبار حتى الآن أنها أرض صالحة لعملية التنمية الإنسانية كما كان تغذيها تلك الأرض الطيبة التي أوجدها الله لها منذ بدء الخليقة.
هنا يكمن جوهر المشكلات التربوية في المرحلة المعاصرة، ومن هنا تنطلق عملية حل هذه المشكلات من خلال إيجاد الوسائل الصالحة لحلها.
فهل وفق المجتمع إلى إيجاد الحل السليم. وهل ساهمت التربية المدنية التي اتخذها هذا المجتمع كمحور مركزي لخطط التنمية الإنسانية والاجتماعية والأخلاقية في حل مشكلات الإنسان وبالتالي في حل مشكلات الأمم والشعوب؟
والله ولي التوفي،،،
***
المراجع:
1 ـ بدوي، أحمد بشير، (1973) منهج التربية الوطنية للمرحلة الثانوية العامة لجمهورية السودان الديمقراطية، أطروحة جامعية، الجامعة الأمريكية، بيروت، رقم (T58 Ac2).
2 ـ ابن خلدون، عبد الرحمن (1998) المقدمة، ت: درويش الجويدي، بيروت.
3 ـ ابن خلدون، عبد الرحمن، (1993) المقدمة، دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان.
4 ـ أبو حلاوة، كريم، (1999) إعادة الاعتبار لمفهوم المجتمع المدني، مجلة عالم الفكر، تصدر عن المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، الكويت، مج 27، ع3 يناير، مارس 9 ـ 26.
5 ـ أبو شهبة، محمد بن محمد، (1988) السيرة النبوية في ضوء القرآن والسنة، ج2، دمشق.
6 ـ أبو الفتوح، رضوان، (1960) التربية المدنية، جامعة الدول العربية، المؤتمر الثقافي الرابع، القاهرة، الإدارة الثقافية.
7 ـ بيلّو، وربير، (1983) المواطن والدولة، منشورات عويدات، بيروت وباريس.
8 ـ الجزري، ابن الأثير (1963)، الكامل في التاريخ، ت ابن الفداء عبد الله القاضي ج2.
9 ـ الجيوش فاطمة (1994)، فلسفة التربية، كلية التربية ـ جامعة دمشق.
10 ـ حمادة، عبد المحسن عبد العزيز، (1995)، مدخل إلى أصول التربية، ط4، جامعة الكويت، كلية التربية.
11 ـ حواسن، محمود، (1999) العالم العربي والمجتمع المدني، الفكر العربي، مجلة الاتحاد العربي للعلوم الإنسانية، ع95، بيروت لبنان.
12 ـ خلف الله، محمد أحمد، (1981) القرآن والدولة، المؤسسة العربية للدراسات والنشر، بيروت.
13 ـ دوركهايم أميل، (1996) التربية والمجتمع، ترجمة د. علي أسعد وطفة، دمشق، دار معد.
14 ـ ربول، أوليفيه، (1978) فلسفة التربية، ترجمة د. جهاد نعمان، منشورات عويدات، بيروت.
15 ـ شريف عمر، (1986) نظام الحكم والإدارة في الدولة الإسلامية، معهد الدراسات الإسلامية، القاهرة.
16 ـ شعبان، حلمي علي (1991) سلسلة أعمدة الإسلام، رقم (1) أبو بكر الصديق، دار الكتب العلمية ببيروت.
17 ـ عاقل، فاخر، (1977) التربية قديمها وحديثها، دار العلم للملايين، بيروت.
18 ـ عبد الدايم، عبد الله، (1998) دور التربية والثقافة في بناء حضارة إنسانية جديدة، القاهرة.
19 ـ عبود، راتب، (1996) نظريات التربية في عصر التنوير الفرنسي، ترجمة د. عبد الله المجيدل، دار معد، دمشق.
20 ـ العوجي، مصطفى، (1985) التربية المدنية كوسيلة للوقاية من الانحراف، المركز العربي للدراسات الأمنية والتدريب الرياض.
21 كرومباخ. س، (1995) صحة الأطفال النفسية، ودور المدرسة في حمايتها، ترجمة د. عبد الله المجيدل، دمشق، دار معد.
22 ـ قنديل، أماني، (1999) تطوير المجتمع المدني في مصر، عالم الفكر، المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، الكويت، مج 27، عدد 3، يناير ومارس 97 ـ 124.
23 ـ الكواري، علي خليفة، (1985) نحو استراتيجية بديلة للتنمية الاجتماعية، مركز دراسات الوحدة العربية، بيروت.
24 ـ المجيدل، عبد الله، (1991) الاتجاهات الأساسية لديمقراطية التعليم في الوطن العربي، رسالة دكتوراه غير منشورة، أكاديمية العلوم التربوية الروسية، موسكو.
25 ـ ناصر، إبراهيم، (1996) علم الاجتماع التربوي، طبعة ثانية، دار الجيل، بيروت.
26 ـ النجيحي، محمد لبيب (1978)، الأسس الاجتماعية للتربية، القاهرة، مكتبة الأنجلو المصرية، القاهرة.
27 ـ هنا، غانم، (1979) فلسفة الحضارة، أملية جامعية، جامعة دمشق، كلية الآداب، دمشق.
28 ـ الهادي، محمد، (1976) في أصول التربية، الأصول الثقافية للتربية، مكتبة الأنجلو المصرية، القاهرة.
29 ـ هوانة، سمير، (1995) قضية السلام في المناهج الدراسية الحديثة، الجمعية الكويتية تربية التسامح وضرورة التكافل الاجتماعي، الكتاب السنوي العاشر الكويت.
30 ـ وطفة، علي أسعد، (1993) علم الاجتماع التربوي، منشورات جامعة دمشق.
31 ـ وطفة، علي أسعد، (1998) علم الاجتماع التربوي وقضايا الحياة التربوية المعاصرة، الطبعة الثانية الفلاح، الكويت.
32 ـ وطفة، علي أسعد، 1999 الراشد، صالح أحمد، التربية وحقوق الإنسان في الوطن العربي، الطبعة الأولى، الفلاح، الكويت.
33 ـ وطفة، علي أسعد، (1999) بنية السلطة وإشكالية التسلط التربوي في الوطن العربي، مركز دراسات الوحدة العربية، الطبعة الأولى، بيروت.
المراجع الأجنبية :
1- P.W Mussgrave (1965), The Sociology of Education, Methen and Co., London.
2- J.Patrick John. (1995) Civic Education for Constitutional Democracy: An International Perspective, Eric Digest, Indiana University EDO-SO-December.
3- J.Patrick John (1998) Education for Engagement n Civil Society and Government, Eric Digest, Indiana University EDO-SO-September.
4- J.Patrick Johb. (1997) Global Trends in Civic Education for Democracy, Eric Digest, Indiana University EDO-SO- January.
5- William.H.Kilputrick, (1956) Philosophy of Education (New York: Macmillan & Co.
* أستاذ مساعد في كلية التربية بجامعة دمشق.
(1) العوجي، مصطفى (1985م)، التربية المدنية كوسيلة للوقاية من الانحراف، المركز العربي للدراسات الأمنية والتدريب بالرياض، الرياض. ص121.
(2) عبد الدايم، عبد الله، (1998)، دور التربية والثقافة في بناء حضارة إنسانية جديدة، القاهرة، ص83.
(3) بدوي، أحمد بشير، (1973)، منهج التربية الوطنية للمرحلة الثانوية العامة لجمهورية السودان الديمقراطية، أطروحة جامعية، الجامعة الأمريكية، بيروت، رقم (T58 Ac2)، ص11.
(4) بيلّو، روبير، (1983) المواطن والدولة، منشورات عويدات، بيروت وباريس، ص18.
(5) المرجع نفسه، ص18.
(6) المرجع نفسه، ص16.
(7) ابن خلدون، عبد الرحمن، (1998) المقدمة، دار الكتب العلمية، بيروت، ص238.
(8) ابن خلدون، عبد الرحمن (1998) المقدمة، دار الكتب العلمية، بيروت، مرجع سابق ص238.
(9) ربول، أوليفيه، (1978) فلسفة التربية، ترجمة د. جهاد نعمان، منشورات عويدات، بيروت، ص12.
(10) العوجي، مصطفى، (1985) التربية المدنية كوسيلة للوقاية من الانحراف، مرجع سابق، ص121.
(11) أبو الفتوح، رضوان (1960)، التربية المدنية، جامعة الدول العربية، المؤتمر الثقافي الرابع، القاهرة، الإدارة الثقافية، ص14.
(12) أبو حلاوة، كريم، (1999) إعادة الاعتبار لمفهوم المجتمع المدني، مجلة عالم الفكر، تصدر عن المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، الكويت، مج27، ع3 يناير، مارس، ص11، 9 ـ 26.
(13) قنديل، أماني، (1999) تطور المجتمع المدني في مصر، مجلة عالم الفكر، الكويت، العدد 3، يناير، مارس، ص99. "97 ـ 124".
(14) حواسن، محمود، (1999) العالم العربي والمجتمع المدني، الفكر العربي، مجلة الاتحاد العربي للعلوم الإنسانية، ع95، بيروت لبنان، ص257.
(15) قنديل، أماني، (1999) الفكر العربي، مرجع سابق، ص101.
(16) خلف الله، محمد أحمد، (1981) القرآن والدولة، المؤسسة العربية للدراسات والنشر، بيروت، ص23.
(17) شريف عمر (1986)، نظام الحكم والإدارة في الدولة الإسلامية، معهد الدراسات الإسلامية، القاهرة، ص14.
(18) ابن خلدون، عبد الرحمن، (1998) المقدمة، ت: درويش الجويدي، بيروت، ص46.
(19) سورة آل عمران الآية 159.
(20) سورة آل عمران الآية 110.
(21) د. أبو شهبة، محمد بن محمد، (1988) السيرة النبوية في ضوء القرآن والسنة، دمشق، ج2، ص574.
(22) J.Patrick John. (1998) Educaion for Engagement in Civil Society and Govemment, Eric Digest, Indiana University EDO-SO-September,p.2.
(23) المجيدل، عبد الله، (1991)، الاتجاهات الأساسية لديمقراطية التعليم في الوطن العربي، رسالة دكتوراه غير منشورة، أكاديمية العلوم التربوية الروسية، موسكو، ص43.
(24) عبود، راتب، (1996)، نظريات التربية في عصر التنوير الفرنسي، ترجمة د. عبد الله المجيدل، دار معد، دمشق، ص112.
(25) المرجع نفسه ص117.
(26) للمزيد يمكن مراجعة:
(27) J.Patrick John, (1997) Global Trends in Civic Education for Democracy, Eric Digest, Indiana University EDO-SO- January. P.76.
(28) من كبار الوزراء القواد في عصر المأمون، وهذه الرسالة موجهة إلى ابنه عبد الله لما ولاه المأمون.
(29) ابن خلدون، عبد الرحمن، (1993) المقدمة، دار الكتب العلمية، بيروت، ص242.
(30) للمزيد يمكن مراجعة: J.Patrick John. Civic Education for Constitutional Democracy: An Intrnational Perspective, Eric Digest, Indiana University EDO-SO-December 195 p. 41-46.
(31) عبد الله، عبد الدايم، (1998)، دور التربية والثقافة في بناء حضارة إنسانية جديدة، ص105.
(32) ناصر، إبراهيم، (1996) علم الاجتماع التربوي، بيروت، دار الجبل، ص70.
(33) عالم الفكر، (1999) مرجع سابق، الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، مج (27) عدد 3، ص313.
(34) هوانة، سمير، (1995) قضية السلام في المناهج الدراسية الحديثة، الجمعية الكويتية، تربية التسامح وضرورة التكافل الاجتماعي، الكتاب السنوي العاشر، دولة الكويت، ص22.
(35) ناصر، إبراهيم، (1996) علم الاجتماع التربوي، مرجع سابق، ص70.
(36) المرجع نفسه ص66.
(37) العوجي، مصطفى، (1985) لتربية المدنية كوسيلة للوقاية من الانحراف، المركز العربي للدراسات الأمنية والتدريب بالرياض، ص138.
(38) عبود، راتب، (1996) نظريات التربية في عصر التنوير الفرنسي، مرجع سابق ص74.
(39) سورة الزمر، الآية 7.
(40) سورة الزلزلة، الآية 7، الآية 8.
(41) رواه البخاري ومسلم.
(42) عالم الفكر، (1999) مرجع سابق، الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، مج27، عدد يناير/ مارسن ص316.
(43) صادر عن المؤتمر الإسلامي التاسع عشر لوزراء الخارجية المنعقد في القاهرة بجمهورية مصر العربية في الفترة من 31 يوليو إلى 4 إغسطس 1990.
(44) وطفة، علي أسعد، الراشد، صالح أحمد، (1999) التربية وحقوق الإنسان في الوطن العربي، الكويت، ص163.
(45) شعبان، حلمي علي، (1991) سلسلة أعمدة الإسلام، رقم (1) أبو بكر الصديق، دار الكتب العلمية، بيروت، ص42.
(46) الجيوش فاطمة، (1994) فلسفة التربية، كلية التربية ـ جامعة دمشق، ص85.
(47) دور كهايم اميل، (1996) التربية والمجتمع، ترجمة د. علي أسعد وطفة، دمشق، ص72.
(48) المرجع نفسه ص69.
(49) عبود، راتب، (1996) نظريات التربية في عصر التنوير الفرنسي، مرجع سابق ص118.
(50) عبود، راتب (1996) نظريات التربية في عصر التنوير الفرنسي، مرجع سابق ص115.
(51) William. H.Kilputrick, Philosophy of Education, (New Yerk: Macmillan & Co., 1956)p.69.
(52) وطفة، علي أسعد (1998م)، علم الاجتماع التربوي وقضايا الحياة التربوية المعاصرة، الكويت، ص85.
(53) هنا، غانم، (1979)، فلسفة الحضارة، أملية جامعية، جامعة دمشق، كلية الآداب، ص35.
(54) وطفة، علي أسعد (1993)، علم الاجتماع التربوي، منشورات جامعة دمشق، ص235.
(55) P.W Mussgrave, The Socialogy of Education, Methen and Co., London, 1965, p.31.
(56) الجيوش، فاطمة، (1994) فلسفة التربية، مرجع سابق، ص155.
(57) وطفة، علي، الراشد، أحمد، (1999)، التربية وحقوق الإنسان في الوطن العربي، مرجع سابق، ص234.
(58) دور كهايم اميل، (1996)، التربية والمجتمع، ترجمة د. علي أسعد وطفة، دمشق، ص87.
(59) وطفة، علي أسعد، (1999) بنية السلطة وإشكالية التسلط التربوي في الوطن العربي، مركز دراسات الوحدة العربية بيروت، ص31.
(60) النجيحي، محمد لبيب، (1978) الأسس الاجتماعية للتربية، القاهرة، مكتبة الأنجلو المصرية، القاهرة، ص76.
(61) ناصر، إبراهيم، (1996) علم الاجتماع التربوي، مرجع سابق 78، وما بعدها.
(62) وطفة، علي، (1993) علم الاجتماع التربوي، مرجع سابق، ص105.
(63) أوليفيه، ربول، (1978) فلسفة التربية، ترجمة د. نعمان، منشورات عويدات، بيروت. ص25.
(64) كرومباخ. س، (1995) صحة الأطفال النفسية، ودور المدرسة في حمايتها، ترجمة د. عبد الله المجيدل، دمشق، دار معد، ص21.
(65) الهادي، محمد (1976)، في أصول التربية، الأصول الثقافية للتربية، مكتبة الأنجلو المصرية، القاهرة، ص269.
(66) الكواري، علي خليفة، (1985) نحو استراتيجية بديلة للتنمية الاجتماعية، مركز دراسات الوحدة العربية، بيروت، ص100.
(67) وطفة، علي، الراشد، صالح، (1999) التربية وحقوق الإنسان في الوطن العربي، الكويت، مرجع سابق، ص217.
(68) حمادة، عبد المحسن عبد العزيز، (1995) مدخل إلى أصول التربية، ط4، جامعة الكويت، كلية التربية، ص166.
(69) كرومباخ، (1995) صحة الأطفال النفسية ودور المدرسة في حمايتها، مرجع سابق، ص41.
يكتسب البحث أهميته من أهمية بناء الإنسان المواطن الذي تقع عليه أعباء النهوض الحضاري وبناء الأوطان. فلا تنمية أو تطوير يمكن أن يتم إذا لم نبدأ بالإنسان. وتعد التربية هي المعنية بهذا البناء الصعب الذي يقتضي الاهتمام بكافة جانب الشخصية، المعرفية، والسلوكية، والنفسية، والصحية، والاجتماعية، والثقافية، والسياسية.....
ويرى الباحث أن التربية المدنية ربما تكون أنجح وسائل البناء لشخصية متوازنة ومواطن يحب الوطن ويتفانى في بنائه كما يدرك دوره الأخلاقي والوطني والقومي والحضاري والإنساني ويبادر بالعمل والفعل والسلوك لممارسة هذا الدور.
مفهوم التربية المدنية:
لا يختلف مفهوم "التربية المدنية" أو"التربية الوطنية" عن التربية بمعناها الواسع إلا بتركيزه على علاقة الإنسان بمجتمعه، وبيئته، ووطنه، وأرضه، فمفهوم التربية الوطنية ينطلق من مبدأ أساسي هو أن الفرد لا يعيش منعزلاً في أية مرحلة من مراحل حياته، بل هو دائماً عضو في جماعة ولا وجود له خارج إطارها، وهو نفسه لا يستطيع أن يدرك نفسه إلا جزءاً في كل، وإلا وحدة في طار هذه الجماعة، وقد اتفق الباحثون التربويّون الاجتماعيّون على تحديد مضمون "التربية المدنية" وإن اختلفوا في تعريفها أحياناً، فبعضهم يميل إلى تعريفها بقوله: "هي جانب التربية الذي يحدث شعور العضوية في جماعة حتى تتسق حياتها لفائدتها المتبادلة"(3) في حين يدمج بعضهم الآخر التربية المدنية بالتربية الأخلاقية غير مميّز بينهما معتبراً أن فحواها هو ذاته مع أن التربية المدنية هي أشمل من التربية الأخلاقية، وإن كانت التربية الأخلاقية قاعدة لازمة للأولى فالتربية المدنية مرتبطة بمفهوم المجتمع المدني، والمواطن وحقوق الإنسان، والديمقراطية. هذه المفاهيم التي أسهمت في بلورتها الثورة الفرنسية في القرن الثامن عشر في إعلان الجمعية الوطنية لحقوق الإنسان 1789 ـ 1791 والذي جاء في مقدمته أن ممثلي الشعب الفرنسي المشكلين للجمعية الوطنية لما كانوا يعتبرون الجهل بحقوق الإنسان، أو نسيانها، أو ازدراءها الأسباب الوحيدة للمصائب العامة، ولفساد الحكومات، فقد عقدوا العزم على سرد حقوق الإنسان الطبيعية المقدسة، والتي لا يمكن التنازل عنها"(4).
لقد هدفت الجمعية الوطنية بهذا الإعلان إلى تثقيف كل أفراد المجتمع وإطلاعهم على حقوقهم وواجباتهم كي يتاح لهم تقدير تصرفات السلطات العامة وإرساء مطالبهم على حجج مقبولة(5).
وهذا ما دفع فورييه (Fourier) إلى القول: "لقد اكتسب الإعلان طابعاً دينياً مقدساً، وصار للمعتقد السياسي رمزاً، أنه في كل الأمكنة العامة يطبع، وفي مساكن المواطنين، وفيه يتعلم الأطفال القراءة"(6). وليس مفهوم التربية المدنية المعاصر جديداً في مضمونه فقد مارست الشعوب المتحضرة التربية المدنية حيثما وجدت في تاريخ الإنسان إلا أن المصطلحات تختلف، وإن كانت متزامنة ففي تاريخ المجتمع العربي نجد السياسة المدنية التي حددها ابن خلدون بأنها" ما يجب أن يكون عليه كل واحدٍ من أهل ذلك المجتمع في نفسه، وخُلَقِه، حتى يستغنوا في الحكام رأساً"(7)، ومعنى هذا أن بلوغ الإنسان درجة من الرقي في نفسه، وخلقه تجعله يتصرف اجتماعياً بصورة لا تؤذي الآخرين، وبالتالي لا توجب تدخل الحكام لأن وظيفة الحكام كما يحددها ابن خلدون ردع أفراد المجتمع، ومنعهم من العدوان، والظلم لكي يسود الأمن في المجتمع، ويقول ابن خلدون" ثم أن هذا الاجتماع إذا حصل للبشر كما قررناه، وتم عمران العالم بهم، فلا بد من وازع يدفع بعضهم عن بعض، لما في طباعهم الحيوانية من العدوان والظلم. وليست آلة السلاح التي جُعِلت دافعةً لعدوان الحيوانات العجم عنهم كافية في دفع العدوان عنها لأنها موجودة لجميعهم. فلا بد من شيء آخر يَدفع عدوان بعضهم عن بعض ولا يمكن من غيرهم لقصور جميع الحيوانات عن مداركهم، وإلهاماتهم، فيكون ذلك الوازع واحداً منهم يكون له عليهم الغلبة، والسلطان واليد القاهرة حتى لا يصل أحد إلى غيره بعدوان، وهذا هو معنى المُلْك"(8).
وقد يقترب آخرون من هذا المفهوم، أو يبتعدون عنه تبعاً لتكوينهم الثقافي، فنرى من يعتبر التلازم قائماً بين التربية المدنية، والعلوم الاجتماعية. وهذه الأخيرة بنظرهم هي المدخل إلى التربية المدنية، وإلى التقدم السياسي والاجتماعي، فالتربية المدنية هي التمرس بنسق من المهارات يفضي لبناء المستقبل على قاعدة الديمقراطية، وقوامها التعلق بالوطن، بحيث تترسخ تلك المهارات داخل العائلة، وفي المدرسة، وفي الأندية الاجتماعية بصورة متكاملة بغية تحقيق الأهداف السامية لتلك التربية(9). بينما يرى آخرون أنه إذا واجه الإنسان مشاكل الحياة بمفرده دون مساعدة، وتوجيه، فإن مواجهته ستكون غير ناجحة في تحقيق احتياجاته في حين أن الاستعانة بخبرات غيره تجنبه الأخطاء، وتزيد في فرص نجاحه، ويتم نقل هذه الخبرة من شخص إلى آخر بوساطة التربية وإن التمرس في منهج المجتمع، والمشاركة فيه يشكل التربية المدنية.
يتبين لنا من محاولات تحديد مفهوم التربية المدنية أن مضمونها هو صقل الشخصية الإنسانية بتدرب الإنسان على الحياة الاجتماعية وتمرسّه بها حتى يقوم بدوره فيها بانسجام تام مع الآخرين ومع متطلبات الجماعة، وانطلاقاً من هذا الواقع كان تعريفنا للتربية المدنية بأنها: إكساب أفراد المجتمع بصورة عملية وفعالة مبادئ ومهارات السلوك الاجتماعي المرغوب فيه في البيت والمدرسة والشارع والأماكن العامة وفي مهنته. وكذلك مبادئ احترام غيره وتقبل رأيه وإعانته وتجنب ما يضر به. وذلك بخلق ضمير اجتماعي لدى كل مواطن يستند إلى قيم التعاون والعدالة والديمقراطية وحب الوطن والغيرة عليه وتوظيف كل الطاقات لبنائه ورفعته لأداء رسالته الحضارية كجزء من الحضارة الإنسانية والحفاظ على البيئة بكل مكوناتها.
ويشار هنا إلى ضرورة الأخذ بعين الاعتبار بأن هناك معايير وطنية للتربية المدنية، ولاسيما أن مبادئها مبنية على مجموعة من الوثائق كالدستور ولائحة الحقوق المدنية والفلسفة العامة القائمة في هذا البلد أو ذاك ومفهوم الديمقراطية والخصوصية التاريخية لكل بلد والتقاليد الخاصة للبلدان ودرجة تطويرها في مختلف المجالات. وفي ضوء هذه المعطيات يحدد كل بلد مفهومه للتربية المدنية.
وفي العودة إلى تعريفنا نجد أنه من المهم أن يكون السلوك المرغوب فيه نابعاً من تمثل الفرد للمبادئ وانطلاقاً من رقابة الضمير وليس خشية من العقاب أياً كان، فيصبح احترام القانون والالتزام بكل المبادئ المذكورة نابعاً من كونها قيم سامية، وهنا تكون عملية الإشراط منصبة على إرضاء الضمير الاجتماعي الذي كونه. وليست مربوطة بالإشراط السلبي المتمثل بالعقاب القانوني أو الاجتماعي أو بأي شكل من أشكال العقاب.
والتربية المدنية علم وفن، إنها علم في الأساس وفن في الأداء، علم يرمي إلى بناء الشخصية، وإلى إقامة علاقة جيدة بين هذه الشخصية والمجتمع، وكذلك كونها تحتوي مبادئ ثابتة يجب أن تنقل للإنسان الناشئ بوساطة علم التربية، ولا يمكنه أن يستوعبها إلا بالتعلم، ومن ثم إنها فن لأنها ترمي من جهة إلى صقل الشخصية الإنسانية وتظهر جمالها وتبلور إشعاعها على ذاتها، وعلى غيرها، ولأنها من جهة ثانية تتطلب مهارة، وإتقاناً، وذوقاً، وشعوراً سامياً عند أدائها. إن التاريخ الحضاري العربي عرف التربية المدنية كعلم عملي قائم بذاته فمنهم من أسماها بالسياسة المدنية، ومنهم من دعاها بالعلم المدني، ومنهم من قرنها بعلم الأخلاق وسياسة المدنية، وأجمع الكل على اعتبار هذا العلم علماً أساسياً في تكوين المجتمع الصالح(10).
وبوساطة التربية المدنية تتكون المواطنة، والتي هي شعور الفرد بالانتماء إلى الجماعة، وشعور الجماعة بجمعها وتركيبها، وشعور كل من الفرد، والجماعة بالروابط المتبادلة، والمصالح المشتركة، إنها شعور الفرد باستمرار هذه الجماعة، وما قدمته من مجهودات في سبيل بناء مدنيتها، وما يترتب على هذا الشعور من تصور كحلقة في سلسلة متصلة، وجزء في عملية مطردة(11).
المجتمع المدني
شغلت بهذا المصطلح كل من المدرستين الليبراليتين الممثلتين ب: آدم سميث (A.smith)، ريمون آرون... (R. Aron)، والمدرسة الجدلية: الجدلية: هيجل (Hegel)، ماركس (Marx)، غرامشي (Gramsci) وغيرهم، وذلك في القرن التاسع عشر ثم اختفى من الساحة السياسية والفكرية في مطلع القرن العشرين ليعود إلى الظهور في نهاية القرن العشرين بتعريفات متشابهة إلى حد كبير، ويتفق كريم أبو حلاوة مع سيف الدين عبد الفتاح إسماعيل في تعريف المجتمع المدني بأنه: جملة المؤسسات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، والتي تعمل في ميادينها المختلفة، واجتماعية، وبهذا تكون العناصر البارزة لمؤسسات المجتمع المدني هي الأحزاب السياسية، والنقابات العمالية، والاتحادات المهنية، والجمعيات الثقافية، والاجتماعية(12).
وتعرف أماني قنديل المجتمع المدني بأنه "مجموعة التنظيمات التطوعية الحرّة التي تملأ المجال العام بين الأسرة، والدولة لتحقيق مصالح أفرادها ملتزمة في ذلك بقيم، ومعايير الاحترام، والتراضي، والتسامح، والإدارة السلمية للتنوع والاختلاف"(13).
أما محمود حواسن فيعرف المجتمع المدني بأنه "تنظيم الناس لأنفسهم للمشاركة في حل مشكلاتهم، والتعبير عن آرائهم ومعتقداتهم، والدفاع عن مصالحهم في مواجهة الآخرين بشكل سلمي.. والمدنية التي يشتق منها لفظ مدني تعني الأسلوب المتحضر في التعامل والتسامح مع الآخرين(14).
ومن خلال التعريفات السابقة يتبين لنا أن جوهر المجتمع المدني ينطوي على العناصر الرئيسة التالية:
أ. الطوعية: فالركن الأول أن يكون انتظام الفرد في المؤسسات الاجتماعية فعلاً إرادياً حراً، يختلف في انتمائه عن أشكال الانتماء العرقي والسلالي كالأسرة، والقبيلة، والعشيرة.
ب. المؤسسية: والمؤسسية هي مجموعة قوانين راسخة يتم وضعها لمقابلة المصالح الجماعية، وهي أنماط مستقرة للسلوك الذي يتم الاعتراف به، وتنميته من قبل المجتمع. إن المؤسسات هي تنظيمات تتمتع بشرعية لإشباع حاجات الناس، والدفاع عن حقوقهم عبر الزمن، ومن هنا فإن تطويرها يأتي في إطار التغيرات في البنية الاجتماعية(15)، وتطال المؤسسية مجمل الحياة الحضرية تقريباً، والتي تشمل مناحي الحياة السياسية، والاجتماعية، والثقافية.
جـ ـ الدور: الذي تقوم به المؤسسات في حماية مصالح أعضائها المادية والمعنوية، والدفاع عنها، والالتزام بإدارة الخلاف داخلها، وخارجها سواء أكان مع المؤسسات الأخرى، أو مع الدولة في ضوء قيم الاحترام، والتسامح، والتعاون، والتنافس، والصراع السلمي.
د ـ ضرورة النظر إلى مفهوم المجتمع المدني باعتباره جزءاً في منظومة مفاهيمية أوسع تشمل المواطنة، وحقوق الإنسان، والمشاركة السياسية وتعزيز قيم السلام والمساهمة بالتطور الاقتصادي والاهتمام بالمنظمات والجمعيات المحلية وخلق ثقافة سيادة القانون.
وقد ظهرت هذه العناصر في المجتمع العربي في مراحله التاريخية المختلفة بدرجات متفاوتة، وأول ملامحها تتوضح في المجتمع العربي قبل الإسلام بظاهرة الأندية في المدن التي يجتمع فيها الملأ، أي الأشراف وأصحاب الثروة ومن لهم من أنصار وأتباع أي أصحاب القوة الذين يسنون للناس السنن وكان الانتساب إلى هذه النوادي طوعياً وأهمها نجده في المدينة والطائف ومكة(16). أو دار الندوة ويضم الأحرار من أهل مكة والذين لا يقل عمرهم عن الأربعين، كما كان لديهم تنظيم يعرف باسم "نادي القوم" يجتمع فيه كل المواطنين في فناء الكعبة، يناقشون المسائل التي تهم الجميع، ويوزعون المهام المتعلقة بالكعبة وشؤون مكة على عدد من الأسر، ومن أهم هذه المسائل سدانة الكعبة، والسقاية، وسائر الخدمات الخاصة بالحجيج(17). وإن كان ذلك لا يخلو من طابع أرستقراطي حيث كان مقتصراً على نخب محددة من الوجهاء وأصحاب الشأن ولكن الإسلام نظم هذه القيم بروح إنسانية.
وقد أطلق ابن خلدون مصطلح "المدنية" أو "العمران" على المجتمع الذي علل وجوده بحاجة الإنسان إلى القوة والدفاع عن النفس، وهذا لا يحصل إلا بتجمع بشري متعاون منظم "فلا بد من اجتماع القدر الكثير من أبناء جنسه ليحصل القوت له ولهم، فيحصل بالتعاون قدر الكفاية من الحاجة لأكثر منهم بأضعاف، ,كذلك يحتاج كل واحد منهم أيضاً في الدفاع عن نفسه إلى الاستعانة بأبناء جنسه"(18). فالتعاون والنظام سمات أساسية للمجتمع المدني وهي لم تغب عن حصافة ابن خلدون، وهكذا فإن كثيراً من سمات المجتمع المدني كانت ظاهرة في مختلف الحقب التاريخية، إلا أن التطورات التي طرأت على حياة الإنسان تطلبت وظائف وسمات جديدة للمجتمع المدني الذي تدأب الأسرة والمدرسة ومؤسسة التنشئة الاجتماعية جميعها على بناء أركانه بما يحقق الوجود الحضاري للإنسان بحياة منظمة تضمن سعادته وتحقق غاية وجوده.
الاتجاهات العالمية في التربية المدنية:
هنا لا بد من التأكيد على أن الإسلام كان سباقاً في طرح القيم المدنية فكراً وممارسة وفق معايير ضمنت الحقوق والواجبات وشكلت الأسس التي بنيت عليها الحضارة الإسلامية. إن تطور المجتمع الإنساني باتجاه المدنية تميز بغرس قيم الديمقراطية التي تعزز بنية الإنسان المنتمي إلى هذا المجتمع، وشعوره بحقه في الحياة وواجباته نحو الآخر، وقد اتضحت هذه القيم في ظل الإسلام الذي رسخ الديمقراطية في مؤسساته عندما أكد على حرية الفرد في ممارسته الحياتية، وحقه في إبداء الرأي "وشاورهم في الأمر"(19) وحقه في العيش الآمن الكريم، وواجبه نحو الآخر الذي تمثل بمبدأ "تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر"(20) مما يمكن أن يلخص فعالية الفرد ضمن الجماعة وقد تحولت هذه القيم من أفكار مجردة إلى واقع اجتماعي يعبر الناس عنه في ممارساتهم الحياتية، وقد شعروا بالعدل، والمساواة على اختلاف عروقهم، وأصولهم فالناس سواسية كأسنان المشط ولا فضل لعربي على أعجمي إلا بالتقوى والعمل الصالح كما جاء في خطبة الوداع للنبي محمد ( [أيها الناس إن ربكم واحد، وإن أباكم واحد، كلكم لآدم وآدم من تراب، وإن أكرمكم عند الله أتقاكم ليس لعربي فضل على أعجمي إلا بالتقوى، ألا هل بلغت؟ اللهم فاشهد](21).
وقد كان فهم الإسلام لمسألة الديموقراطية عميقاً وينطلق من مبادئ إنسانية وحضارية في حين أن بعض الديموقراطيات المعاصرة تنطلق من مصالح سياسية أو اقتصادية وازدواجية في المعايير لمفهوم الديمقراطية، ويمكن لنا أن نرصد بعض الاتجاهات المعاصرة لطرق ووسائل التربية المدنية وتحقيق الديمقراطية ونلخصها فيما يلي:
1. التربية المدنية بالاعتماد على العناصر الرئيسة الثلاثة ذات العلاقة المتبادلة: المعرفة المدنية، والمهارات المدنية، والفضائل المدنية:
أ . المعرفة المدنية: تتكون المعرفة المدنية من أفكار جوهرية، ومعلومات يجب على المتعلمين معرفتها، واستخدامها لتصبح مؤثرة في سلوك مواطن الديمقراطية، وتتضمن المعرفة المدنية ـ بصورة ـ عامة مبادئ النظرية الديمقراطية، وعمل الحكم الديمقراطي، وتصرفات المواطنة الديمقراطية. إنها تحوي ـ بصورة خاصة ـ مفاهيم ومعطيات حول الديمقراطية في بلد المتعلم مع مقارنة ذلك بحال البلدان الأخرى.
ب. المهارات المدنية: هي العمليات الإدراكية التي تساعد المتعلم على فهم المبادئ وشرحها ومقارنتها، وتقييمها، وممارسات الحكم والمواطنية، وهناك أيضاً مهارات المشاركة التي تتضمن أفعالاً يقوم بها المواطنون لضبط تأثيرات السياسات العامة، وإيجاد الحلول للقضايا العامة، حيث تضمن المهارات الإدراكية، مهارات المشاركة واستخدام المواطن للمعرفة في تفكيره، والعمل بأسلوب قادر على الاستجابة للتحديات المستمرة للحكم الديمقراطي، والمواطنة.
جـ . الفضائل المدنية: العنصر الأساسي الثالث في التربية المدنية فهم السمات الضرورية للشخصية من أجل الحفاظ على الحكم الديمقراطي وتجويده وتعزيز قيم المواطنة، ويتمثل هذا في احترام الثروة، والكرامة لأي مواطن وأيضاً التمدن، والاستقامة، والانضباط الذاتي، والتسامح، وحب الوطن.
2. التعليم المنظم للمفاهيم:
يقوم التربويون المدنيون بتعليم مفاهيم حول الحكم الديمقراطي، والمواطنة بشكل منظم، وهم يؤكدون المعايير التي يستطيع المرء بوساطتها أن يحدد سمات المفاهيم الأساسية كالدستورية، والديمقراطية، وحقوق المواطنين، يعلمون الطلاب أيضاً استخدام المعايير في تنظيم وعرض المعلومات المتعلقة بالمؤسسات السياسية وطريقة أدائها"(22).
3. تحليل الدراسات الواقعية:
في هذا الاتجاه يعمد المعلم إلى مطالبة الطلاب بتطبيق المفاهيم الديمقراطية الجوهرية ومبادئها الأساسية في أثناء تحليل الدراسات الواقعية. حيث يبين الاستخدام الصحيح لهذه المفاهيم في تفسير القضايا المتعلقة بالسلوك السياسي للأفراد والجماعات. مدى استيعابهم لمبادئ الديمقراطية ومفاهيمها، وغالباً ما تؤخذ موضوعات الدراسة من الصفحات اليومية للصحف، والمجلات الأسبوعية، والوثائق المنشورة عبر التليفزيون، مما يربط المتعلم بالقضايا اليومية فيخلق النشاط والحيوية في الحياة المدنية الحقيقية التي تصبح ممارسة فعلية داخل صف الدراسة. أي تعليم الديمقراطية، كما أن الديمقراطية تعني إيجاد مواطنين متعلمين، إذ يتعزز الاستقرار الوطني حيث توجد الديمقراطية(23).
4. تطوير مهارات صنع القرار:
يهدف هذا الاتجاه إلى تطوير مهارات صنع القرار عند الطلاب بوساطة تحليل القضايا السياسية، والقانونية المأخوذة في الواقع، ويعمد الطلاب إلى منهج تحليل الظروف المتعلقة بالقرارات، والبحث في الاختيارات البديلة، والنتائج المحتملة لكل خيار، والدفاع عن خيار معين يعد في نظر الطالب أفضل الخيارات الأخرى، ونلاحظ أن هذا الأسلوب يؤثر ـ بصورة خاصة ـ في تعليم الطلاب كيفية استخدام مهاراتهم الإدراكية في منهج وتحليل الحقائق الوطنية. فالمواطن الصالح هو الذي يستطيع اتخاذ قرارات هامة وصحيحة ويمتلك مهارات التفكير التي تعد جزءاً لا يتجزأ من التربية المدنية وكذلك مهارات المشاركة والعمل الجماعي في سبيل المصالح العامة.
5. التحليل المقارن للحكم والمواطنة على المستوى الدولي:
إن انبعاث الديمقراطية الدستورية في مختلف أنحاء كثيرة من العالم خلق منهجاً جديداً في التربية المدنية يعتمد على المقارنة في التعلم حيث يوجه الطلاب إلى إجراء المقارنات بين المؤسسات الديمقراطية الدستورية في بلدهم الخاص والمؤسسات الديمقراطية الأخرى في مجتمعات مدنية عالمية، ويفيد هذا المنهج في تعميق فهم الطلاب لمؤسساتهم الديمقراطية، وينمي معرفتهم بالمبادئ الديمقراطية كما يؤكد أن المبادئ الديمقراطية يمكن ممارستها. كما يساعد هذا الاتجاه على فهم خصوصيات مفهوم الديمقراطية في كل بلد من البلدان وكذلك ترتيب أولويات المبادئ الديمقراطية في هذه البلدان. ويمكن أن تشكل الوسائل التقنية الحديثة مثل (الإنترنت) أداة هامة في هذا التحليل المقارن.
6. تطوير مهارات المشاركة والفضائل المدنية عبر نشاطات التعليم التعاوني:
يلجأ هذا الاتجاه في التربية المدنية إلى تنمية الفضائل المدنية بوساطة استخدام مهارات المشاركة بين الطلاب حيث ينشئ المعلمون مجموعات صغيرة من الطلاب تعمل فيما بينها للوصول إلى أهداف مشتركة، ولتحقيق ذلك لا بد لها من حل المشكلات الموجهة من قبل أعضاء الجماعة الذين يجدون أنفسهم مضطرين إلى الخوض في النقد البناء وإجراء المفاوضات، وحل الخلافات، والتسوية، وإلى تعزيز المزايا والفضائل، والتسامح والثقة وغيرها من الفضائل المدنية، فالفضائل الحقيقية والأهداف الحقيقية حسب اعتقاد الفيلسوف الفرنسي هلفتسيوس تقوم على الرغبة في الخير العام. ويكون الإنسان عادلاً، عندما تكون كل أفعاله موجهة إلى الخير العام الذي هو القانون الأعلى(24). وأن العدل مرهون بالإنسان المتنور فقط "خداع الشعب الجاهل أسهل من خداع الشعب المتنور"(25).
7. استخدام الأدب لتدريس الفضائل المدنية:
يعمد هذا الاتجاه إلى توظيف الأدب في خدمة التربية المدنية إذ أنه يقدم أحياناً ـ في الرواية خاصة ـ نماذج أبطال تجسد في ممارستها الحياتية القيم المدنية التي يسعى المجتمع المتلقي إلى غرسها في أفراده وتكمن فعالية الأدب بما يملكه من عوامل جذب تجعل المتلقي مهيأ للتأثر بهؤلاء الأبطال، بل ربما تدفعه إلى تقليدهم، وتمثل أخلاقهم وتؤكد ساندرا ستوسكي (S.Stoski) الخبيرة في استخدام الأدب في تعليم الفضائل المدنية على القيمة التعليمية التربوية في تعريف الطلاب بالشخصيات التي تتسم بتلك المزايا من شجاعة،
وأمل، وتفاؤل، وطموح، ومبادرة فردية، وحب الوطن، وحب الأسرة، واهتمام بالبيئة، واستنكار للظلم الاجتماعي(26).(27)
ويمكن للأدب أن يمارس وظيفته المدنية بوساطة الأجناس الأدبية الأخرى فليس تمثل القيم بالشخصيات الروائية هو الوسيلة الوحيدة وإنما الخطاب المباشر والشعر قد يملكان التأثير إذا ما كانت العناصر الجمالية متوافرة فيهما حيث يتوجه إلى العقل والشعور في آن واحد.
ويمكننا أن نذكر هنا ما يتضمنه الأدب العربي من حكمة، وأمثال شعبية تمثل خلاصة تجربة الشعوب والتي لعبت دوراً فعالاً في ترسيخ القيم السامية، وتوجيه الفرد نحو الفضيلة، كما تتضمن الرسائل المشهورة في تاريخ الأدب العربي كثيراً من القيم التي أسهمت في تهذيب الفرد لكي يكون عضواً صالحاً في المجتمع ونذكر على سبيل المثال بعض ما جاء في نص كتاب طاهر بن الحسين لابنه عبد الله(28):
* إياك أن تقول أنا مسلط أفعل ما أشاء. أكثر مشاورة الفقهاء، واستعمل نفسك بالحلم، وخذ من أهل التجارب، وذوي العقل، والرأي، والحكمة، لا تحقرن ديناً، ولا تمالئن حاسداً، ولا ترحمن فاجراً، ولا تصدقن نماماً، ولا تأمنن غداراً، ولا تحقرن إنساناً، ولا تغمضن عن ظالم رهبة منه أو محاباة، أرض الخصم، سلط الحق على نفسك، لا تسرفن بسفك الدماء فإن الدماء من الله عز وجل بمكان عظيم، فلا تبغ انتهاكاً لها بغير حقها(29).
ويلمس من يقرأ هذه الوصية أنها تنطوي على قيم أخلاقية تعتبر متقدمة جداً بالمقارنة مع ما تمارسه المدنيات الحديثة باسم الديمقراطية وحقوق الإنسان.
8 . التعليم الفعال للمعرفة والمهارات والفضائل المدنية:
يتضمن التعليم الفعال مفهوم التعليم المنظم، وتحليل الدراسات الواقعية، وتطوير مهارات صنع القرار، ووظائف التعليم المقارن، عبر المناقشات الجماعية المتفاعلة التي ترافق تعليم الفضائل المدنية، كما يتضمن مهارات إيجاد الحلول البديلة للنزاعات ومهارات العمل الجماعي، من خلال المواقف التعليمية التي تكسب المتعلم هذه المهارات وتصبح جزءاً من سلوكه اليومي المرتبط بجملة المبادئ والقيم والفضائل المدنية. وبذلك تجسد المعرفة بسلوك، والمهارة بممارسة.
9. وحدة المحتوى والمعالجة في تعليم المهارات والفضائل المدنية:
ينطلق هذا الاتجاه من اعتبار الفضائل، والمهارات المدنية، والفكرية وروح المشاركة متحدة مع المعرفة المدنية، وما تحتويه من قيم، فالمعلمون ينطلقون من فرضية كون التفكير المنطقي، والعمل الفعال المجدي لتحليل قضية ما، يتطلب منهم دراسة شروط نشوء هذه القضية، وظروفها وما يترتب على تغير الشروط، والظروف من نتائج محتملة، ويتطلب الفهم والتحليل، معرفة الطالب التي تؤمن له القدرة على التفسير والتقويم، وإن هذا التطبيق للمعرفة في التفسير، وحل القضايا يعتمد على مهارات المعالجة الإدراكية لهؤلاء الطلاب، فالمضمون الأساسي، أو موضوع المادة، والعمليات الإدراكية والمعالجات هي عوامل متداخلة متبادلة للتعليم والتعلم، ومحاولة رفع واحد فوق الآخر (المضمون فوق المعالجة، أو العكس) خلل بيداغوجي يطرأ على التربية المدنية الفعالة التي تتطلب تعليماً وتعلماً للمضمون الأكاديمي والمعالجة أي: المعرفة المدنية والفضائل والمهارات في آن واحد من أجل تحقيق وظيفة التربية المدنية المتمثلة في تطوير قدرة الأفراد على بناء الحكم الديمقراطي والمحافظة عليه في ظل الوعي بحقوق المواطنة وواجباتها(30).
التربية المدنية في المرحلة المعاصرة:
تتميز المرحلة المعاصرة بتغيرات جذرية في البنية الاجتماعية أعقبت تحول المجتمعات البشرية من مجتمعات زراعية إلى مجتمعات صناعية إثر اكتشاف وتطوير الآلة بصورة أحدثت انقلاباً شاملاً في المقاييس الإنسانية والاجتماعية والاقتصادية، فظهر معها المجتمع الإنساني المعاصر بصورة مختلفة اختلافاً تاماً عن تلك التي عرفت في المراحل التاريخية السابقة إذ نجد سيطرة الإنسان على المادة لم ترافقها سيطرة للإنسان على نفسه وعلى نزعاته الشريرة. فاليوم سيطر الإنسان على المادة بصور لم يسبق لها مثيل فقد طوع معظم القوى، والطاقات الطبيعية، وحولها إلى وسائل تخدم وجوده وحياته على هذه الأرض، وقد أدت هذه السيطرة إلى تسلط اجتماعي تتحكم فيه المجتمعات التي ملكت القوة بالمجتمعات الضعيفة وتمارس تأثيراتها المادية، والثقافية.
وقد تغيرت القيم الاجتماعية في المجتمع الصناعي وأصبحت حقوق المواطنة مسلوبة والديمقراطية مقصورة على فئة تملك مصادر القوة، وانسحب هذا الاهتمام على المواطن الفرد الذي عليه أن يحقق وجوده بتضخيم الأنا على حساب الأخر وإهمال القيم المدنية التي تربى عليها والتي ربما تكون عائقاً في تحقيق تفرده وسلطته ولم يعد للمجتمع المدني تلك القوة التي تحمي الفرد المواطن المنتمي إليه فخرج عن فضائله وهكذا سيطرت المعايير المادية على المعايير الأخلاقية والمدنية وقد أصبحت هذه المعايير عند بعض أفراد المجتمع المعاصر انتهازية تسلطية أهدافها الكسب والغنى وإن كانا على حساب القيم المدنية والفضائل فالإنسان الباحث عن قيمته الوجودية أصبح يقوم بما يملك لا بما يحمله من معرفة وأخلاق كريمة وسلوك قويم، وأن أخطر مظاهر التغير ما ينال المؤسسات الاجتماعية على اختلاف أشكالها (كالأسرة، ومؤسسات العمل، والمؤسسات النقابية والمهنية)، والعلاقات الاجتماعية، والقيم، والأخلاق، والأيديولوجيات، وسائر أنماط السلوك المادية والمعنوية السائدة في أي مجتمع، ومن هنا فإن الثقافة بوجه عام، وبالمعنى الأنثروبولوجي للكلمة تتعرض أكثر فأكثر لهزات كبرى، وهي عرضة للتآكل والامحاء بعد انتشار العولمة ـ خاصة ـ بسبب سيطرة نمط واحد في الثقافة الطاغية هو النمط السائد لدى الدولة المتقدمة(31). والتي يحاولون تصديرها بمختلف الوسائل كنموذج بشري مثالي، مع ما يكتنف بعضها من زيف وبهتان وما هي في كثير من جوانبها إلا نماذج مشوهة وممسوخة لحقوق الإنسان والديمقراطية والعدل المزعوم. وحرية أقرب إلى الانحلال بكل معانية والانفلات من كل القيم يراد به تهشيم البنية الثقافية والاجتماعية والدينية العربية.
ومما يميز المجتمع المدني المعاصر تصدع البنية الاجتماعية النواة أي الأسرة واختلال التوازن والاضطراب الناتج عن اتجاه الزوجين إلى العمل لتحقيق الكسب المادي وإهمال تربية الأطفال وقد أصبحت هذه الوظيفة خاصة بطبقة من المسحوقين الجهلة الذين لا يعرفون الحق أو الواجب وبالتالي هم غير مؤهلين لحمل هذه المسؤولية الخطيرة بالإضافة إلى كون غربتهم عن الأطفال تشكل حاجزاً أمام تقديم ما يحتاجه الأطفال من الحب والرعاية البدائية التي نجدها في المجتمع الحيواني، وهكذا نجد الطفل ينشأ غريباً عن والديه جاهلاً بالقيم التي تجعل منه عضواً اجتماعياً نافعاً، هذا الشرخ الخطير في العلاقة بين الوالدين والأبناء ترك آثاراً خطيرة في المجتمعات الصناعية التي بنت في الجوانب المادية، وهدمت في الجوانب الاجتماعية والأخلاقية. مما استدعى التركيز أكثر فأكثر على الجوانب التربوية، والثقافية والأخلاقية لدى الإنسان، وهكذا أدرك المسؤولون فداحة الخطر الذي يهدد مجتمعهم فيما إذا استمرت عملية الاختلال، واستمر التصدع المؤدي حتماً إلى انهيار الأنظمة الاجتماعية التي قضت البشرية قروناً في إقامتها مستعينة بالأديان، والأخلاق، والتربية.
التربية المدنية في إطار الأسرة:
يقول كل من برجس (E.Burgess,) ولوك (J.locke) في كتابهما الأسرة "لقد نال المجتمع البشري حضارته بفضل الأسرة وأن مستقبله يتوقف بصورة مباشرة على هذه المؤسسة أكثر من أية مؤسسة أخرى"(32).
ولما كانت الأسرة نواة المجتمع المدني اتجه الاهتمام إلى التربية المدنية ابتداءً منها فهي الركن الأساسي في بنية المجتمع الإنساني، وإن انتماء الفرد لمجتمعه يتم عبر انتمائه لأسرته التي تشكل الخلية الاجتماعية التي يترعرع ضمنها الطفل، ويدخل المجتمع الأكبر مزوداً بما اكتسب من قيم ومبادئ سلوكية تعكس درجة انتمائه إلى مجتمعه، والتربية المدنية هي التي يمكن أن توفر له نشأة صحيحة تبعده عن الانحراف، والواقع أن التربية المدنية التي يمكن أن نتصورها ضمن الخلية العائلية تتصف بصفتين هما التعليم والتعلم: تعليم للولد، وتعلم من الولد، تعليم للوالدين، وتعلم منهما لمسؤوليتهما كوالدين مسؤولين عن حياة ولدهما ومصيره وأخلاقه وشخصيته ونفسيته.
إذاً يمكن القول: إن عملية التربية المدنية في المستوى العائلي تتضمن اتجاهين، الأول علاقة الوالدين بالولد، وواجباتهما نحوه، والثاني: علاقة الوالدين فيما بينهما كزوجين ومربيين، وما لهذه العلاقة من تأثير مباشر في تربية ولدهما وتنشئته تنشئة سليمة. وقد اهتم إعلان حقوق الإنسان بحماية الأسرة، وأكد على حقها في التمتع بحماية المجتمع والدولة(33)، فالأسرة بوصفها حجر الأساس في بناء الشخصية الإنسانية بحاجة للتوجيه للمحافظة على كيانها الاجتماعي وإضفاء جو من العاطفة، والمحبة، والتفاني بين أعضائها، وبحاجة لإقامة علاقات إنسانية تسودها المحبة بين الوالدين والولد، ولتوفر له الاتزان العاطفي، والبيئة النفسية الملائمة لنموه الجسماني والعقلي والعاطفي، تقول المربية بيني ريردون (B.Rerdon) "إن على التربية أن تواجه التحدي، وأن تعمل على إعداد الصغار لتحمل مسؤولياتهم الكونية والعالمية.. وتقبل مسؤولية العمل على خلق مجتمع عادل تسوده قيم التسامح وحقوق الإنسان(34).
إن إقامة العلاقات الإنسانية بين ذوي الرحم والأقارب المبنية على الاحترام المتبادل، والمحبة، والتسامح والتعاضد، وإعطاء كل ذي حق حقه ـ يشكل نموذجاً للعلاقات الإنسانية العامة، والسلوك الاجتماعي القويم، وكلاهما مطلوب من الفرد كخطوة أولى لاندماجه في مجتمعه.
ويمكن القول هنا إن الأسرة المصغرة هي المدرسة الأولى للعلاقات الإنسانية التي يتعلم فيها أول دروس الحب والكراهية والعدل والظلم فبقدر ما تبذل هذه المدرسة من جهد في إقامة العلاقات الإنسانية الجيدة بين أفرادها تكتسب الشخصية الإنسانية خبرة ومراساً في تعاملها مع الآخرين. لذلك يترتب على الوالدين تعلم فن الوالدية كوظيفة اجتماعية مطالبين بأدائها فيؤدي كل منهما دوره فيها، ومن جهة أخرى تعليم الأولاد القيام بأدوارهم في الأسرة من خلال ما يطلب منهم من وظائف، وخدمات تخرج الولد من أنانيته الفطرية إلى اجتماعيته المكتسبة.
وقد اهتم المربون بدور الأسرة التربوي ونبهوا إليه حيث أشار المربي الإنكليزي هربرت سبنسر (H.Spencer) إلى الحاجة إلى التربية الأسرية إذ يرى "أن الغرض من التربية هو إعادة الفرد للحياة الكاملة في مختلف نواحيها وأن نواحي هذه الحياة هي التالية مرتبة حسب أهميتها الصحية، والمهنية والأسرية، والوطنية، والثقافية"(35)، وقد حدد إبراهيم ناصر وظائف الأسرة بست هي: التربية الجسمية والصحية، والتربية الأخلاقية والوجدانية، والتربية العقلية، والتربية الاجتماعية والوطنية والاقتصادية، والتربية الجنسية، والتربية الترويحية(36)، وهذه الوظائف متكاملة في أهميتها في خلق الكائن الاجتماعي المتمدن.
ويمكن لنا أن نلخص وظيفة الأسرة في التربية المدنية بتعليم الأطفال المسؤولية، والمحافظة على البيئة، والمواطنة، ونقل الحضارة والثقافة، وأسس النظام السياسي والاقتصادي والاجتماعي والأخلاقي، والديمقراطية والعدالة والأخلاق والسلام وحب العمل، وغرس قيم الخير والجمال والتسامح والتعاون لديهم. وينبغي هنا التأكيد على أن هذه القيم لا ينبغي استيرادها ولا تقليد الآخرين في تطبيقها. إذ هي تشكل جوهر تراثنا العربي الإسلامي، وهي معالم أصيلة في حضارتنا العربية علمناها لكثير من الأمم وأسهمنا بها في الحضارة الإنسانية ومع أننا أحوج ما نكون إليها الآن إلا أنه لا ينبغي بأي شكل أن نسترد بضاعتنا التي شوهت وإنما نستنبطها من إرثنا الحضاري ونصنعها وفق متطلبات تطور الحياة بما يتفق مع مرتكزاتنا الثقافية والاجتماعية والدينية وأرى بأن هذا مخرجنا للخلاص.
أ. التربية على تحمل المسؤولية:
المسؤولية هي الإحساس بالالتزام نحو الأشياء، والأفراد، والأفعال التي تصدر عن الإنسان، وهي شعور مقترن بإحساس الفرد بالحرية والقدرة على اتخاذ القرار، أنها الشعور الذي يخلق الواجب نحو الآخر، ونحو ما يصدر عنه باعتباره كائناً عاقلاً قادراً على التمييز بين الخطأ، والصواب في العرف الاجتماعي السائد وباعتباره حراً، ومالكاً لما هو مسؤول عنه، حيث يضم مصطلح الملكية هنا في بعض الحالات ـ مفهوم الانتماء: انتماء الأفراد إلى المالك بعلاقة من العلاقات التي تمنح المالك السلطة، كسلطة الحاكم، أو سلطة الأسرة، أو سلطة رجل الدين، فالمسؤولية هي الالتزام، ويكاد يكون هذا الالتزام فطرياً لأنها من أول الروابط التي يشعر بها الطفل عفوياً(37). وتنمى بالتربية التي تهدف إلى تعليم الطفل الاختيار بعد أن يعطى الشعور بالحرية سواء أكانت هذه التربية مدنية أم طبيعية، ولعل التربية الطبيعية تقدم الشكل الأول للتربية بروح المسؤولية، وهي شكل التربية الذي يمثل روس (J.Rousseau) التربية التي تسعى إلى تعليم الطفل كيف يختار بحرية، ويصبح مسؤولاً، وقد أكد روسو أن "الإنسان يملك حرية الإرادة، وبفضل هذه الحرية فقط يختار الإنسان الأشياء، والأعمال الجيدة والسيئة بنفسه. هل يقوم بالخير، أم يرتكب الشر، أنه مسؤول في ذلك، وحتى إذا ارتكب عملاً سيئاً فإنه يتألم من عذاب الضمير"(38).
وقد كانت المسؤولية أساساً من أسس التربية المدنية الإسلامية التي منحت الإنسان الحرية وحق الملكية، وفرضت عليه واجبات نحو الآخر في المجتمع الذي ينتمي إليه ونحو الإنسان فجاءت الآيات القرآنية والأحاديث والممارسات لتؤكد مسؤولية الإنسان نحو ما يصدر عنه بحق الأخر، (ولا تزر وازرة وزر أخرى((39)، (ومن يعمل مثقال ذرة خيراً يره، ومن يعمل مثقال ذرة شراً يره((40)، [كلكم راعٍ، وكل راعٍ مسؤول عن رعيته](41).
كما أكدت مواثيق حقوق الإنسان على مسؤولية الفرد، فجاءت المادة 29 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان "1948" لإلزام الفرد بمسؤوليته نحو الجماعة "على كل فرد واجبات إزاء الجماعة التي فيها وحدها يمكن أن تنمو شخصيته النمو الحر الكامل"(42). وجاء في المادة التاسعة عشر من إعلان القاهرة لحقوق الإنسان في الإسلام 1990" المسؤولية في أساسها شخصية"(43).
وفي المادة الأولى من هذا الإعلان الأخير: "كل الناس سواسية في الكرامة الإنسانية الأساسية، والواجبات، والمسؤوليات ومن دون أي تمييز بسبب السلالة أو اللون، أو اللغة، أو الجنس، أو الاعتقاد الديني أو الانتماء السياسي"(44).
وهكذا تتضح لنا ضرورة التربية على تحمل المسؤولية، وتوجيه التربية المدنية في المستوى العائلي إلى بعث الشعور بالمسؤولية لدى الأولاد والوالدين، بتنمية حس المسؤولية لدى الناشئ ليكفل الحفاظ على الآخر، والأشياء ذات القيمة في البيئة الاجتماعية، بل إن على التربية تحمل المسؤولية في تنمية القدرة الإنسانية فمسؤولية الإنسان عن فعل أو شيء أو إنسان أو مجموعة بشرية تعني أنه قادر على حماية ما هو مسؤول عنه وبالتالي تمنحه قيمة ترضي نزعة الإنسان نحو التفوق وبالتالي نجد أن تنمية حس المسؤولية تؤدي إلى زيادة قوة الفرد وتحقيق عنصر أساسي في بنية المجتمع المدني.
ب. التربية من أجل المحافظة على البيئة:
المجتمع المدني ليس مجموعة بشرية منظمة متوائمة في ظل مجموعة من القيم الأخلاقية فحسب، إنه مجتمع ينتمي إلى مكان محكوم بطبيعته، ومدى صلاحيته للعيش الإنساني، وقدرته على تغذية المجتمع بما يملكه من موارد قابلة للاستثمار، لذلك وجب على التربية المدنية أن تتجه منذ البداية نحو حماية المكان أو البيئة الطبيعية، ورعايتها لتكون في أفضل حالاتها لخدمة المجتمع ويكون ذلك ببث الوعي بقيمة الطبيعة المادية والجمالية، وتعليم الطفل كيفية المحافظة على البيئة حتى نتجنب كارثة بيئية محققة بسبب اعتدائنا عليها بالهدم، أو التلوث، وإذا كانت مسؤولية الإنسان تنصب على ما يملكه ملكية خاصة، أو ما ينتمي إليه، فإن البيئة أهم ما ينتمي إليه الإنسان، وتسعى التربية المدنية لأن تبرز أثر البيئة في حياة الفرد والمجتمع، ومتانة علاقة الإنسان بها، وكذلك مسؤولية الفرد عن الأجيال القادمة، وبالتالي تخلق لديه دافع حمايتها من التخريب والتلوث، والتشويه، إن على التربية في مستوى الأسرة أن تنمي لدى الطفل القدرة على الاستمتاع بالجمال، والنظافة، لتزيل من داخله الرغبة في إتلاف وإفساد الطبيعة، وأن تخلق لديه الوسائل الكفيلة بالحفاظ على البيئة، حتى لا يشعر بالعجز عن حمايتها، وأن تعزز قيمة الأفعال الإيجابية التي يقوم بها الطفل لحماية ما حوله، وذلك من أجل أن نضمن للمجتمع في النهاية البيئة الصحية السليمة الصالحة للحياة، فالحفاظ على البيئة هدف إنساني أكد عليه الإسلام حتى في حالة الحروب، ونذكر هنا بوصية أبي بكر ليزيد بن أبي سفيان قائد جيش المسلمين إلى الشام وجنوده، والتي جاء فيها "إني أوصيك بتقوى الله وطاعته والإيثار له والخوف منه وإذا لقيت العدو فأظفركم الله بهم فلا تغلل ولا تمثل ولا تغدر ولا تجبن ولا تقتلوا وليداً ولا شيخاً كبيراً ولا حراً ولا تحرقوا نخلاً ولا تفسدوه، ولا تقطعوا شجرة مثمرة، ولا تعقروا بهيمة إلا لمأكله"(45).
جـ . التربية على المواطنة:
عندما تحلو الأرض في أعين ساكنيها، فينعمون بخيراتها، وثمراتها، ويطمئنون إلى وجودهم عليها، تنبت لهم فيها جذور، تشدهم إلى الأعماق، ويثمرون حباً، وتعلقاً، وغيرة، فالحب انتماء، ولا يمكن أن ينتمي الإنسان إلى شيء لا يحبه، كما أنه لا يمكن أن يحب دون أن يشعر بالانتماء إلى ما يحب، أو بانتماء ما يحب إليه، وانتماء الإنسان إلى الأرض يتبلور عبر المواطنة الصحيحة تلك الرابطة بين الإنسان والوطن، وهذه الرابطة لا يدركها الإنسان إلا بالتربية المدنية التي تعلم الإنسان أن يكون حراً خيراً في وطن تسود فيه الحرية والديمقراطية، وقد أكد روسو (J. Rousseau) على العلاقة بين المواطنة وحرية الوطن والفضيلة عندما قال: لا يمكن للوطن أن يقوم بغير الحرية، والحرية بغير الفضيلة، والفضيلة بغير المواطن وستبلغون كل هذا إذا أعددتم المواطنين، وبدون هذا الإعداد لن تجدوا إلا عبيداً أشراراً بدءاً من رئيس الدولة، ولكن إعداد المواطن ليس عمل نهار واحد"(46) إذ إن إعداد المواطن يعني بناء الكائن الاجتماعي المزود بنسق من الأفكار، والمشاعر والعادات التي لا تعبر عن ذاته الفردية فحسب، وإنما عن الجماعة، أو الجماعات المختلفة التي ينتمي إليها، فالكائن الاجتماعي ليس معطى من معطيات البيئة الفطرية للإنسان، ولا يمكن أن ينمو بشكل عفوي لان ما يحركه هو التجربة والغريزة، والعاطفة، كما قال روسو "(J.Rousseau) إن التجربة والغريزة والعاطفة تحرك الإنسان، كما هو الحال عند الحيوان من أجل تلبية حاجاته الحيوية"(47) ويجد دوركهايم (E.Durkheim) أن الإنسان "ليس ميالاً بفطرته إلى الخضوع إلى السلطة السياسية، أو إلى احترام النظام الأخلاقي، أو التضحية والإيثار، إذ لا يوجد في بنيتنا الفطرية الأولية ما يدفعنا إلى أن نكون خاضعين لإرادة سماوية، أو شعارات رمزية مساندة في المجتمع... إنه المجتمع الذي استطاع أن يستمد من قدسية هذه الأشياء سلطاته الأخلاقية الكبرى التي تجعل الفرد يشعر بدونية إزاءها"(48). لذلك فالتربية المدنية لا تتجاهل البنية الفطرية في سبيل تحقيق غايتها في خلق المواطن، أو الكائن الاجتماعي، هذه البنية الفطرية التي لا تهتم إلا بالأنا، وما يتعلق بغريزة البقاء، وقد رأى هلفتيوس (G. Helvetius) أن "حب الذات هو الأساس الوحيد الذي يمكن أن تبنى عليه قاعدة الأخلاق الفريدة" ووافقه على ذلك لوك (W.Locke) وغولباخ (G.olbadh)، حيث علم الأخلاق يبني على أساس الرغبة الأنانية نحو المتعة التي يعدها مصدر السمات الأخلاقية لأفراد المجتمع(49). والانتماء إلى الوطن يرتب واجبات على الإنسان كما يولد فيه شعور المحافظة على ما ينتمي إليه فإذا دعي إلى القيام بدوره في وطنه شعر بأنه يقوم بأداء وظيفة هامة مهما كانت مكانة الوظيفة فالحاكم والقاضي والمعلم والطبيب والمهندس والعامل والفلاح كل منهم يقوم بدوره الذي كلف به وفقاً لمهاراته وقدراته، فإذا شعر هؤلاء بالمواطنة الصحيحة، وبالانتماء إلى وطن حافظوا عليه، وامتنعوا عن العبث بمقدراته، أو استثمار وظائفهم لغايات أنانية وشخصية، وسيشعرون بأنهم مواطنون يتمتعون بحقوق المواطنة في حرية وعدل ومساواة وحق العيش الكريم، فيتجهون إلى حماية المصلحة الوطنية بعد أن ضمنوا حقوقهم المصونة.
د. وظيفة الأسرة تجاه الحضارة والثقافة:
يتعاظم دور الأسرة في تأصيل قيم المواطنة عند الطفل وتزويده بالقيم الحضارية والثقافية، إذ أننا نرى من خلال النظر إلى دراسات علم النفس اللغوي التي تناولت تعلم اللغة بأن هناك سناً محددة تكون فيها إمكانات تعلم اللغة محفزة لدرجة كبيرة، وهي ما تسمى بالزمن الحرج لتعلم اللغة وتضاؤل عملية التعلم عند فوات هذه الفترة كما أثبتت ذلك دراسات تشومسكي. (H. Chomsky) ويمكن أن ننظر بهذا المنظار إلى عملية اكتساب قيم المواطنة على أنها تكون أكثر ثباتاً وتأصلاً ودواماً إذا تمت في سن مبكرة على يد الأسرة ومؤسسات التنشئة الاجتماعية، ويمكن ملاحظة ذلك بالمقارنة بين القيم الدينية والاجتماعية إذ أنها تبدو أكثر ثباتاً من القيم الوطنية وقد يكون مرد ذلك إلى الأطفال يتعلمون هذه القيم في سن مبكرة وعلى أن هناك مرحلة حرجة أيضاً لتعلم واكتساب قيم المواطنة. وقد أشار الفيلسوف الفرنسي هلفتيوس (G.Helvetius) إلى ضرورة تعليم الفضيلة منذ عمر مبكر حيث يقول "للأسف بأنه إلى الآن لا وجود لمدارس يتم فيها تعليم علوم الأخلاق" ويذكر أن ما يدرس في المدارس أبان عصره الشعر اللاتيني والبلاغة.، أما دروس الأخلاق فلا تعطى أية ساعة. ويجد هلفتيوس (G.Helvetius) إلى ضرورة تعليم الفضيلة منذ عمر مبكر حيث يقول "للأسف بأنه إلى الآن لا وجود لمدارس يتم فيها تعليم علوم الأخلاق" ويذكر أن ما يدرس في المدارس أبان عصره الشعر اللاتيني والبلاغة.، أما دروس الأخلاق فلا تعطى أية ساعة. ويجد هلفتيوس (G. Helvetius) بأن التوقيت الأفضل للبدء بالتربية الأخلاقية هو في مرحلة الطفولة المبكرة حيث يمكن أن تغرس في ذاكرة الطفل تعاليم ومبادئ العدالة التي تؤكد التجربة صحتها ومنفعتها يوماً بعد يوم(50).
ويميل البعض إلى التمييز بين الحضارة Civilization والثقافة Culture ويجدون أن الثقافة هي الجانب الروحي في حياة الإنسان كالأفكار، والأساطير، والدين، والفن، والأدب، وقد عرف وليم كلباترك (W.kilbatrik) الثقافة بأنها "كل ما صنعته يد الإنسان وعقله من مظاهر في البيئة الاجتماعية"(51)، بينما تعني الحضارة الجانب المادي وما وصل إليه الإنسان من منجزات تكنولوجية، ويجد فيبر A-Weber أن الحضارة "تشكل جملة هذه المعارف النظرية التطبيقية، غير الشخصية، تلك التي يعترف إنسانياً بصلاحيتها، ويمكن تناقلها، أما الثقافة فهي جملة من العناصر الروحية كالمشاعر، والمثل، والقيم المشتركة التي ترتبط خصوصيها بجماعة معينة وزمن معين"(52).. ويستخدم بعضهم المصطلحين بمعنى واحد كما فعل تايلور (Tylor) عندما قال: "إن كلمة ثقافة أو حضارة، بمعناها الانتروبولوجي تشير إلى كل معقد يشتمل العلوم والفنون والعقائد والأخلاق والقوانين والعادات، وكل ما يكتسبه الإنسان بوصفه عضواً في الجماعة"(53). ولكن تايلور (Tylor) نفسه يعود ليميز بين المفهومين وذلك في سياق التطور الإنساني حين يتحدث عن الحالة البربرية والحالة الوحشية ثم حالة الحضارة، والحضارة هنا تشير إلى درجة تطور ثقافي متقدم. فالحضارة هنا هي الثقافة حينما تصل هذه إلى درجة عليا من التطور، وغالباً ما يميل المفكرون إلى التمييز بين المفهومين على النحو التالي: الثقافة هي الجانب الروحي في حياة الإنسان كالأفكار والأساطير والدين والفن والآداب بينما تعني الحضارة الجانب المادي والتي يشار إليها من خلال المنجزات المادية للإنسان كالتكنولوجيا والعلم والمنشآت المادية(54). وهنا يمكننا الإشارة إلى تلازم هذين المفهومين بعلاقة تبادلية يصعب فكها، فكل ثقافة لا بد أن تفرز حضارة ما، وفي الوقت نفسه فإن كل حضارة ستفرز وتصنع ثقافة خاصة بها. وهذا لا ينفي التأثير والتأثر بالحضارات والثقافات الأخرى.
وتتميز المجتمعات بمحتواها الثقافي والحضاري الذي يسمها بسمات التمدن وهكذا يتميز كل مجتمع عن الآخر بطريقة حياته ومعيشته، وتفكيره، وسلوكه، ويقاس رقي الحضارة بتساميها، وتطلعاتها نحو المثالية الإنسانية التي أمرت بها الشرائع السماوية، والتعاليم المدنية والدينية، والناقل الأول للحضارة والثقافة هو الأسرة(55)، فإذا كان ما اختزنته منها ضئيلاً لم تستطع إعطاء أكثر مما تملك، فيكون عطاؤها ضحلاً ضعيفاً، أما إذا كان نصيبها من الحضارة والثقافة كبيراً نقلته إلى أبنائها، فشبوا وهم أغنياء بتراث ورثوه، رفع من شأن أهلهم كما يرفع من شأنهم، فمن واجب الأسرة تعريف أبنائها بما أطلق عليه سكينر "(B.F.Skinner) خير الحضارة"، "وهو الخير الذي يدعو أعضاء الجماعة للعمل ابتغاء صون الحضارة، والحفاظ على عظمتها(56).
وهكذا نصل إلى أن من أولى واجبات الأسرة أن تعلم الأطفال المسؤولية، والمحافظة على البيئة، والمواطنة، وتعرفهم بحضارة المجتمع، وثقافته، وبأسس النظام السياسي، والنظام الاقتصادي، والنظام الأخلاقي وأن تسهم بتشكيل ذهنية الفرد أي "طريقة النظر إلى الأشياء ونموذج التفكير الذي يحكم سيطرته على عقله، والذي يتشكل في المراحل الأولى من حياته"(57). وبالتالي تنمي إمكانية الاستيعاب لدى الفرد من أجل عملية التكيف التي يمارسها غالباً بصورة عفوية، أو فطرية، أو بدائية في مضمونها، وأسلوبها.
لا شك في أن هناك نقاط ضعف، ومراكز وهن في الدور الوظيفي للأسرة العربية، وهذا ما يجب استدراكه بغية تعزيز هذا الدور، وتطويره كي يصبح في المستوى الفاعل في حياة الفرد بما يتطلب ذلك من انفتاح فكري ومواجهة واقعية لحقائق الحياة الاجتماعية، والاقتصادية، ومتطلباتها ويحمل مؤلفا "التربية وحقوق الإنسان في الوطن العربي" الأسرة المسؤولية بالدرجة الأولى عن بناء الروح العصبية والتسلطية عند الأفراد، وتنمية مشاعر الكراهية، والحقد، والتعصب بما تبثه من أحاديث تعزز الفخر بالطائفة التي تنتمي إليها، وبالنظرة السلبية للطوائف الأخرى، أو المجموعات المختلفة ثقافياً أو عرقياً، وتشيع عليها الأحكام الدونية، ونغمة التخويف من هذه الجماعات، ومن ثم تعزيز مشاعر العدوان والعداوة التاريخية، وقد لا يكون كبار الأسرة قد هدفوا إلى تنمية هذه المشاعر السلبية وفي الغالب يحدث ذلك عن غير قصد بسبب جهلهم إثر أحاديثهم العابرة في نفوس أطفالهم وقد نبه دوركهايم (E.Durkheim) إلى ذلك فقال: "وإذا كان الآباء والمعلمون يشعرون دائماً أن كل شيء يمر أمام الأطفال يترك أثراً في نفوسهم، وأن بنية الطفل النفسية، وشخصيته مرهونتان بآلاف الأحداث الصغيرة التي تمر دون أن نشعر بها، والتي تحدث في كل لحظة، والتي قلما نعيرها أي اهتمام بسبب تفاهتها الظاهرية، فإنهم سيولون لسلوكهم ولغتهم مزيداً من الاهتمام"(58).
وإذا لم تستدرك الأسرة العربية نقاط الضعف هذه وتعالج ما بها من وهن فسوف تفقد وظيفتها بل سوف تؤدي دوراً سلبياً يدفع الفرد إلى العنف، والانحراف بتحررهم من الضوابط السلوكية السليمة. ومن البداهة بمكان أن الأسرة العربية محكومة على الأغلب بنسق مجتمعي يعزز التميز والقبلية أو الطائفية، والتعصب، وفي مواجهة هذه الوضعية المأساوية يترتب على المعنيين بالأمر سياسيين وتربويين ومفكرين، ورجال دين التصدي لهذا الواقع، وإسقاطه بصورة نهائية، ويمكن لهذه المواجهة أن تأخذ أبعاداً شمولية ترتبط بمختلف المؤسسات التربوية المدرسة، ودور العبادة، ومؤسسات التنشئة الاجتماعية كافة.
وهنا لا بد من التكامل والتظافر بين أدوار هذه المؤسسات كافة وعلى رأسها الأسرة والمدرسة في تفاعل ودينامية تعزز كل منهما دور الأخرى في بناء المواطن وفق الأهداف التربوية المنشودة.
دينامية العلاقة بين الأسرة والمدرسة في تحقيق أهداف التربية المدنية :
لا شك بأن التربية فعل لا يقتصر على المؤسسات المدرسية، بل يتعداها إلى مؤسسات المجتمع الأخرى، الأسرة، وسائل الإعلام، والمؤسسات، والمنظمات الاجتماعية والثقافية المتنوعة. كما أننا نؤمن بأن التربية ليست منظومة مستقلة عن منظومات الحياة الاجتماعية المتعددة، بل هي نظام فرعي يتبادل التأثر والتأثير بالمنظومات الاجتماعية المختلفة، ولكن هذه النظرة الشمولية للتربية لا تلغي الدور الرئيس للتربية في ريادة الحراك الاجتماعي نحو التطوير كعنصر فاعل ومبادر في تطوير جوانب الحياة كافة. وبطبيعة الحال في طرحنا للتربية المدنية لا ندعو لتعاليم مدرسية تقليدية تلقن وتنسى، وإنما هي منهج متكامل تتشارك في تحقيقه وتنفيذه مؤسسات المجتمع كافة، ويناط بالأسرة الدور الأساسي في غرس منظومة قيم التربية المدنية بأفعال سلوكية إجرائية تتم تنشئة الأطفال عليها من سن مبكرة، وتعزز المدرسة هذه القيم. إن التواصل والتنسيق بين الأسرة والمدرسة أصبح ضرورة ملحة لتحقيق الأهداف التربوية بشكلها الصحيح والفاعل، حيث يمكن للمدرسة أن تسهم في تعزيز هذه القيم من خلال مشاركة طلبة المدارس ببعض الأنشطة الرمزية مثل مساعدة شرطي المرور في يوم المرور والمساهمة مع البلديات في يوم النظافة وكذلك في الأعياد الوطنية والقومية، وتنظيم انتخاب لجان النظافة في الصفوف ولجان التنظيم في المدرسة وأنشطة إجرائية أخرى كل هذه دروس عملية تعزز سلوك التربية المدنية بشكل فعلي وعملي. إن التكامل والتفاعل بين الأسرة والمدرسة ومؤسسات التنشئة الاجتماعية الأخرى هي من الشروط الضرورية لتحقيق أهداف التربية المدنية وذلك بدينامية تفاعل تتبادل فيه التأثير والتأثير والتأثر في اتساق وتناغم وتكامل.، فالقيم التي تتم تنشئة الأطفال عليها في سن مبكرة، وتعزز المدرسة هذه القيم. أن التواصل والتنسيق بين الأسرة الدور الأساسي في غرس منظومة قيم التربية المدنية بأفعال سلوكية إجرائية تتم تنشئة الأطفال عليها من سن مبكرة، وتعزز المدرسة هذه القيم. إن التواصل والتنسيق بين الأسرة والمدرسة أصبح ضرورة ملحة لتحقيق الأهداف التربوية بشكلها الصحيح والفاعل، حيث يمكن للمدرسة أن تسهم في تعزيز هذه القيم من خلال مشاركة طلبة المدارس ببعض الأنشطة الرمزية مثل مساعدة شرطي المرور في يوم المرور والمساهمة في البلديات في يوم النظافة وكذلك في الأعياد الوطنية والقومية، وتنظيم انتخاب لجان النظافة في الصفوف ولجان التنظيم في المدرسة وأنشطة إجرائية أخرى كل هذه دروس عملية تعزز سلوك التربية المدنية بشكل فعلي وعملي. إن التكامل والتفاعل بين الأسرة والمدرسة ومؤسسات التنشئة الاجتماعية الأخرى هي من الشروط الضرورية لتحقيق أهداف التربية المدنية وذلك بدينامية تفاعل تتبادل فيه التأثير والتأثر في اتساق وتناغم وتكامل.، فالقيم التي تتم تنشئة الأطفال عليها في سن مبكرة تكون أكثر ثباتاً، وتشكل معيار سلوك الفرد في مستقبل حياته. إن غرس قيم احترام الممتلكات العامة، كما في الحفاظ على الحدائق العامة بالمرتبة ذاتها التي نهتم ونعتني بحديقة المنزل، والاهتمام بنظافة الشارع وكأنه فناء للمنزل، والنظر إلى أثاث المدرسة بمرتبة الأثاث المنزلي، هذه القيم التي قد تبدو رمزية، إلا أنها في الحقيقة تعزز بشكل عملي احترام الممتلكات العامة، والمواطنة الصالحة، والقيم الجمالية، والحضارية، وتشكل قاعدة للتعليم المدرسي اللاحق في هذا المجال كما أنها تغرس مفاهيم الأمانة والإخلاص للوطن بحيث لا يفكر الفرد بالعبث بمقدراته في أي مستوى من المستويات، لاسيما عندما تسهم المدرسة في تعزيز هذه القيم، بالإضافة إلى مؤسسات المجتمع الأخرى بكافة أنواعها، حيث يتشكل عرف اجتماعي يشتمل جملة هذه المبادئ والقيم يضاف إلى نسق الأعراف الاجتماعية التي يصعب خرقها، لأن العقوبة الاجتماعية مباشرة، كما أن التعزيز الاجتماعي للسلوك المتفق مع تقاليده مباشر أيضاً وبذلك يكون أكثر فاعلية في تقويم سلوك الأفراد وتصحيحه. والأهم من ذلك عندما ننجح في تكوين الضمير الاجتماعي والرقابة الذاتية لدى الفرد، في الوصول إلى مرحلة تمثل هذه القيم من قبل الفرد وشعوره بالمسؤولية عنها، وهذا لا يتم بجهد مؤسسة اجتماعية أو تربوية واحدة بل بتظافر كافة المؤسسات ذات الصلة، وفق أهداف محددة وواضحة، ووفق توزيع منظم للأدوار والخطوات والمراحل والإجراءات التي تكرس هذه القيم، وعلى رأس هذه المؤسسات تقف الأسرة والمدرسة ولاسيما أن العلاقات والسلوكات التي تدور داخل الأسرة وداخل جدران المدرسة من سيادة لقيم الحوار، والديمقراطية، والنظافة، والحفاظ على البيئة، والقيم الوطنية، ومجموعة المفاهيم المرتبطة بالتربية المدنية تشكل أول الدروس وأهمها في التربية المدنية وتغدو أكثر فاعلية إذا أدركت المدرسة الفروق في الثقافات المرجعية لمرتاديها من الأطفال، وتباين المستويات الثقافية والاجتماعية والاقتصادية للأطفال(59) وذلك بأن تسهم بفاعلية في عملية التعويض عن النقص في الدور الأسري فيما يخص هذه الجوانب لدى بعض الأطفال، وكذلك في التواصل مع هذه الأسر من خلال النظرة إلى المدرسة على أنها مركز إشعاع حضاري في البيئة المحلية ولا يقتصر دورها على العمل التربوي داخل المدرسة.
التربية المدنية في إطار المدرسة:
المدرسة هي الأداة والآلة والمكان الذي بواسطته ينتقل الفرد من حياة التمركز حول الذات إلى حياة التمركز حول الجماعة، أنها الوسيلة التي يصبح من خلالها الفرد الإنسان إنساناً اجتماعياً، وعضواً عاملاً وفعالاً في المجتمع(60).
تشكل المدرسة المؤسسة الثانية بعد الأسرة التي تتولى مسؤولية تأهيل الطفل اجتماعياً إلى جانب تأهيله علمياً، وقد أوجد المجتمع هذه المؤسسة لأن الأسرة بمفردها غير قادرة على حمل عبء التأهيل الاجتماعي والعلمي بعد أن يبلغ الطفل سنّاً معينة، إذ لا تملك المؤهلات اللازمة للقيام بهذه المهام ومن وظائفها:
1. تنمية شخصية الطفل في جميع جوانبها.
2. نقل التراث الثقافي تدريجياً بما يتناسب مع نمو الطفل.
3. الاحتفاظ بالتراث الثقافي والعمل على تسجيل كل جديد وإضافته إليه.
4. تبسيط التراث الثقافي، فالثقافة المكونة عبر العصور معقدة ومتشابكة، وهنا يتمثل دور المدرسة في تبسيط هذا التراث وتلك المعرفة.
5. تطهير التراث الثقافي من الخرافات والأباطيل والعادات والتقاليد الفاسدة.
6. إتاحة الفرصة للأفراد للاتصال بالبيئة الأكبر "المجتمع".
7. العمل على توفير بيئة اجتماعية للفرد أكثر ثباتاً واتزاناً من بيئته الخارجية باعتبار أن المدرسة مجتمع محدد محكوم بسياسة محددة ضمن أنظمة وقوانين من الضبط والمواعيد الدقيقة مما يؤثر في تكوين وتنشئة شخصية الطفل(61).
ويشير علي وطفة إلى الوظيفة الاقتصادية حيث يرى أن المدارس المهنية تقوم بتأهيل اليد العاملة لاستخدام الوسائل التكنولوجية الحديثة وبالتالي تلعب دوراً في زيادة الدخل القومي، وتحقيق النمو الاقتصادي والوظيفة السياسية المتمثلة في التأكيد على الوحدة القومية للمجتمع وضمان الوحدة السياسية وتكريس الأيدلوجية السائدة، والمحافظة على بيئة المجتمع الطبقية. وتحقيق الوحدة الثقافية والفكرية(62). وهنا لا بد من الإشارة إلى أن الوظيفة الاقتصادية ليست مرتبطة بالمدارس المهنية لوحدها، حيث أثبت علم اقتصاديات التعليم بأن عملية التربية هي أهم الاستثمارات الاقتصادية وأن الريع الاقتصادي لجميع الأنشطة الاقتصادية في كافة قطاعات الحياة يعود بجزء كبير منه كعائد من عائدات التربية غير المباشرة وبالعودة إلى هذه الوظائف المتعددة والتي تزيد بتطور المجتمع وتعقده لا يمكن أن تؤديها الأسرة بإمكاناتها المحدودة، ويقول ربول أوليفيه (R.Oliviah) في كتابه فلسفة التربية "إذا كانت الأسرة الحديثة تضطلع بالوظيفة الأولى في التربية أي تنشئة المشاعر، فهي تضطلع أيضاً بالوظائف الأخرى إجمالاً، وهي تلقن، وتنشئ، وتعلم، بيد إنها سرعان ما ترى نفسها غير كافية لتلك المهام التي تؤلف التعليم والتي تأخذها على عاتقها مؤسسات خاصة"(63).
ويجد بعض الباحثين أن رسالة المدرسة الأساسية هي غرس الصفات الإيجابية في الشخصية هذه الصفات التي تتضمن مقدمات الصحة النفسية(64) والتي تعد بدورها أهم مقومات الشخصية المتوازنة. كما يفصل بعضهم في وظيفتها الحافزة على الابتكار والخلق إذ ينبغي على المدرسة أن تنمي ما يسمى بالطبيعة الثالثة للفرد وهي التي تعبر عن نفسها في نمو ذكاء الفرد ونمو سلوكه على نحو يجعله فريداً في ذاته مبدعاً خلاقاً في ثقافته وبيئته، وقد تعد هذه الوظيفة أعلى وظائف التربية المدرسية مرتبة وخاصة في المجتمعات التي تعيش تغيرات سريعة جذرية تحتاج من الأفراد خلقاً وإبداعاً وابتكاراً وتجديداً في أساليب حياتهم وفي القيم الجديدة وتحقيقها في علاقاتهم وأنظمتهم(65). فالمدرسة هي حلقة مكملة للأسرة تتولى الطفل عادة بعد الخامسة من عمره وعلى مدى عشر سنوات على الأقل، أي في مرحلة من العمر يكون فيها الطفل في أقصى حالات التأهب النفساني للتعلم والتقليد والتطبع والائتلاف مع القيم التي يصادفها في مرحلة نموه هذه.
إن التعليم يمكنه أن يلعب دوراً كبيراً في تصحيح الخلل الذي يعانيه نسق القيم الراهن، ولاسيما القيم الإنسانية، ويستطيع أن يعمل على إرساء قيم تنموية ـ واتجاهات مجتمعية، تساعد المنطقة على مواجهة التحدي الذي أفرزته سيادة قيم العمل والإنتاج وتراجع قيم التسامح والسلام وحقوق الإنسان(66) وذلك بما تنقله المدرسة للناشئة من مفاهيم تربوية وأخلاقية واجتماعية وعلوم أساسية مؤهلة لتحصيل أوسع وأدق في المراحل اللاحقة لمرحلة التأسيس العلمي، وعملية النقل هذه لا تتم بأساليب موحدة بل تختلف باختلاف مفاهيم المعلم ونظرته إليها وإدراكه لدورها في التأهيل التربوي كما تختلف باختلاف شخصية كل معلم لما لهذه الشخصية من أثر في الأسلوب التعليمي، وفي نفسية التلاميذ، فالمعلم يشكل في نظر التلاميذ نموذجاً سلوكياً معيناً غالباً ما يسعى التلاميذ للاقتداء به. وتأسيساً على ذلك ومن أجل تطوير تجاربنا التربوية لا بد من الإشارة إلى الجهود التربوية والسياسية الكبيرة التي بذلتها منظمة اليونسكو لتجسيد مبادئ السلام والتسامح وحقوق الإنسان. وهذه بالطبع من ركائز التربية المدنية. لقد أنشأت منظمة اليونسكو نظاماً من المدارس المتعاونة التي تسعى إلى بناء تجربة تربوية حية في بناء مفاهيم السلام والتسامح بين الأطفال الناشئة، حيث تتضمن هذه المدارس برامج متكاملة من أجل غرس قيم السلام والتسامح بين أجيال المتعلمين والدارسين. ويوجد اليوم أكثر من 1300 مدرسة للسلام في 74 دولة عضو في منظمة اليونسكو(67). عن تحقيق الديمقراطية في إطار الحياة الاجتماعية، مرهون إلى حد كبير بتحقيق التربية الديمقراطية في المؤسسات التربوية، فالنظام الديمقراطي لا يتقرر باللوائح والقوانين وإنما هو بحاجة ماسة إلى نظام تربوي يسانده ويعاضده(68).
المعلم الديمقراطي:
وهنا تبرز أهمية المعلم الديمقراطي الذي يشجع ويحمي التعبير عن الآراء الحرة والجريئة في جو يوفر الحرية الأكاديمية، في الوقت الذي يطبق فيه القوانين بوضوح وفقاً لمبادئ الحماية المتكافئة، واستحقاق المعالجة لكل فرد على حدة، فالحرية الحقيقية خاضعة لقوانين وضعية لا يجب تجاوزها، وحرية الأفراد تكمن في الخضوع العادل للقوانين والمساواة بين كافة أفراد المجتمع ـ والمقصود هنا المجتمع المدرسي ـ كما يخلق المعلم الديمقراطي جواً يكون فيه الاحترام لكرامة كل فرد, ويؤكد المعلم الديمقراطي على مهام التعليم التي يختبر بها الطلاب من أجل تحمل المسؤولية بالنسبة لإنجازهم للأهداف التربوية وتمثلهم لقيمها.
يأخذ المعلم الديمقراطي على عاتقه مسؤولية تطوير الدروس الممتعة والدروس الاختبارية من أجل الطلاب، ويتابع تثقيف نفسه من خلال برنامج القراءة مدى الحياة، وبوساطة التدريب المستمر، والتخطيط لتعزيز قدرته على تعليم المواطنين. وإن "حسن نية المعلم، والكلمات الحسنة، والتي تقال في مكانها والتشجيع، والتقدير العادل للتحصيل ـ وإن كان صارماً ـ واحترام التلاميذ في التعامل من أي سن كانوا، يشكل ما يسمى بالمناخ السيكولوجي المُرضي في الصف ويهيئ أجواء انفعالية إيجابية تساعد على استيعاب المعارف من قبل التلاميذ على نحو أفضل(69).
المتقرحات:
أولاً : إن المدرسة مجتمع مصغر مهيئ للمجتمع الأكبر الذي تتوافر فيه جميع عناصر الاتصال البشري والعلاقات الإنسانية والتفاعل بين الفرد والجماعة. فهي عالم قائم بذاته. والتجول في هذا العالم محظور إلا بما هو مسموح به بتدرج مكتسب بالجهد والعطاء. والمدرسة نظام توجد فيه قوى مختلفة ممثلة بالمدير والمعلم والمرشد والناظر والتلميذ وفي هذا الخضم من الحضور والتجاذب والتدافع، تشاد مبادئ التربية المدنية المؤهلة للحياة الاجتماعية فيخطئ من يعتقد أن هذه المبادئ تفرض فرضاً وتقبل دون أن تجد مقاومة ربما كانت لا شعورية، من جانب تلك القوى المتفاعلة في ذهن كل من تصدر عنه أو تنصب عليه. هذه الحقيقة يجب أن تؤخذ بعين الاعتبار عند إيجاد المرتكز النفساني والنظري والعملي المناسب لتشييد المواطنة الصحيحة لدى التلميذ. إذ غالباً ما تلاحظ نزعات مقاومة للتجديد حتى في مجال التربية.
إن تحقيق كل عمل جديد يتم بانتصارين: انتصار على مراكز المقاومة في النظام القائم، وانتصار في تجسيد العمل الجديد ميدانياً. فكل فكرة جديدة وكل مشروع جديد يلقيان مقاومة عفوية ضمن النظام القائم لأن الإنسان عدو ما يجهل، أو لأن القائمين على النظام يجدون صعوبة في تقبل أفكار جديدة ستخرجهم من رتابة عملهم اليومي إلى أسلوب جديد في العمل. وفي الحالتين يقتضي تحقيق النصر التغلب على تلك المقاومة العفوية، ومن ثم تحقيق الفكرة أو العمل بصورة ميدانية تقنع المترددين بصوابها وبفائدتها، فانتصار كل فكرة جديدة يتأتى من انتصارين: الأول على القوى التي تقاومها والثاني في تحقيقها.
ثانياً : يجب أن تحدد أهداف التربية المدنية للمعلم قبل المتعلم حتى يدرك الأهمية المعطاة لهذه المادة ضمن البرنامج المدرسي. وأن يوجد جسور الاتصال بمؤسسات المجتمع الأخرى لتحقيق هذه الأهداف وفي مقدمة هذه المؤسسات الأسرة.
ثالثاً : التربية المدنية هي مدخل فلسفي جديد لمستقبل التربية العربية، في ظروف غياب فلسفة تربوية عربية واضحة. وقد تكون مخرجاً لأزمة التربية العربية بالنظر للظروف الدولية الجديدة، والتداعيات المصاحبة لها وانعكاساتها على واقع الأمة ومستقبلها.
رابعاً : إن المعلم يقوم بدور قيادي في المدرسة فهو نموذج سلوكي يقتدي به غالباً تلاميذه، كما أنه الأب الروحي لطلابه إن لم يعطهم من قلبه وروحه بقي علمه جافاً ومجرداً من الطابع الشخصي والإنساني، فالتعليم وظيفة اجتماعية إنسانية ويستطيع المعلم من خلال عملية التربية، أن يكسب تلاميذه القيم السياسية المرغوبة من: ديمقراطية، وعدل، وتعاون، وحرية ومسؤولية... الخ، باعتبارها ركائز مهمة لبناء الإنسان الحر، وهنا يترتب على المعلم أن يتيح الفرصة أمام التلاميذ للقيام بدراسة طائفة من المشكلات القائمة فعلاً، وإعطائهم الفرص المتكافئة للتعبير عن آرائهم والدفاع عنها بكل حرية، وإن يعمل على إشراك أولياء الطلبة في هذه الأنشطة.
خامساً : يجب أن يدرك المعلم أن ما يهيئ لتلاميذه ليس فقط ترنماً بحضارة ماضية بل تهيؤ لحضارة معاصرة متطورة، وبالتالي يجب أن يكون لديه من قوة الإبداع ما يجعله يستبق الحاجات والتطورات فيهيئ التلميذ لمواجهتها.
سادساً : إن عملية التعليم في الحياة الاجتماعية عملية تدرب وتمرس ابتداء من حمل المسؤوليات الطفيفة في المدرسة وتدرجاً في سلم المسؤوليات حتى تبلغ درجة مسؤولية المواطن نحو وطنه ومجتمعه ذروتها فيصبح ذلك المواطن نموذجاً للمواطنة الصالحة.
سابعاً : إن التربية المدنية تهدف إلى تنمية وتعزيز العلاقات الإنسانية والاجتماعية وإلى تدريب الإنسان على دوره في الحياة مع أقرانه. وتعزيز قيم التعاون مع مؤسسات المجتمع كافة لتحقيق الخير العام والإسهام في بناء الوطن وتقدم الحضارة وهذا ما يجب أن تتضمنه المناهج وطرق التدريس وكافة الأنشطة التربوية داخل المؤسسات التعليمية وخارجها.
ثامناً : إن التربية المدنية في المدرسة عمل تكميلي للتربية البيتية، لذلك وجب ألا تتعارض مع هذه التربية بل تنسجم معها بالقدر الذي تكون فيه هذه التربية صحيحة وفقاً لسلم قيم مشتركة بين المؤسستين الأسرية والمدرسية.
تاسعاً : إن التربية المدنية في المدرسة تتناول الموضوعات نفسها التي نتناولها في البيت إلا أنها تطورها وتعطيها القاعدة النظرية والعلمية اللازمة لإقامتها بصورة ثابتة ومتينة وتهيئ لها المجال الحيوي لتحقيق مداها الطبيعي بما يوفره الجو المدرسي من معطيات غير متوافرة في البيت.
عاشراً : إن الوقاية من الانحرافات عن طريق التربية المدنية في المدرسة تفترض تقصياً من قبل المعلم لأسباب عدم تكيف تلاميذه مع المتطلبات اليومية في المدرسة ومعالجتها بالطرق المناسبة كي لا تتعاظم فتؤدي لسلوك شاذ وربما منحرف أو مجرم.
حادي عشر: إن برمجة التربية المدنية في المدرسة تتطلب تدرجاً في الاقتراب من الموضوعات بحيث نبدأ بالفرد ومن ثم بالأسرة فالمدرسة فالبيئة والمجتمع مع كافة مؤسساته العامة والخاصة، وصولاً إلى الدور الاجتماعي للإنسان.
ثاني عشر: إن تنمية المواطنة الصحيحة لدى الطالب في المدرسة تفترض توجه التعليم نحو خلق الشعور بالنظام والتنظيم لديه، بحيث يتهيأ ذهنياً ونفسياً للتوافق مع متطلبات الحياة الاجتماعية وذلك بوساطة تعزيز التفاعل التربوي بمختلف اتجاهاته، وخلق البيئة الصفية التربوية المحفزة لهذا التفاعل.
ثالث عشر: إن العلاقة بين الإبداع والحرية وثيقة، فالإبداع عطاء خيال حر، وعقل تتفتح له الآفاق، وإرادة تمتلك الاختيار، ولذلك ينمو الإبداع في رحم الحرية، فالطاقات المبدعة لا تنبت في أجواء الظلم الاجتماعي وغياب الحرية والديمقراطية في حقوق الإنسان، والتربية الحقيقية هي جوهر هذه القيم التي تتعاضد الأسرة والمدرسة لتكريسها.
الخاتمة
في خضم هذه التطورات كان لا بد من التساؤل عن مصير التربية المدنية وآثرها في حياة الأمم ولشعوب المعاصرة.
في الواقع ظهرت الحاجة إلى التربية المدنية الصحيحة في المجتمع المعاصر بصورة ملحة للغاية لم يسبق أن ظهرت عليها في السابق. ففي الماضي كانت الأطر التقليدية المكونة من العائلة والقبيلة والأقرباء والقدوة والمدرسة تقوم بإحاطة الفرد بما يحتاج إليه في نشأته ونموه وحياته حتى إذا ضعف ركن سانده آخر. أما الإنسان المعاصر فلا شك في أنه شعر بتخلي تلك الأطر عنه أو بتخاذلها عن القيام بواجبها أو بوهنها أو باضمحلالها أو بذهابها. فأصبح في فراغ لا يمكن سده إلا بتدخل أجهزة الدولة المختصة والمؤسسات الاجتماعية لتحل محل الأطر التقليدية أو تساعدها فيما بقى لها من أثر. ولكن هل بإمكان الدولة والمؤسسات أن تحل محل تلك الأطر الأساسية الطبيعية التي كونتها الإنسانية منذ نشأتها؟ إن جملة التطورات التي طرأت على الحياة برمتها في المائة سنة الأخيرة جعلت الإنسان أمام بيئة جديدة لم يألفها البتة مما شكل التحدي الرئيسي لعلم التربية.
فقد انتقلت في الواقع مهام التربية والتنشئة من أرضها الطبيعية إلى أرض لم يثبت الاختبار حتى الآن أنها أرض صالحة لعملية التنمية الإنسانية كما كان تغذيها تلك الأرض الطيبة التي أوجدها الله لها منذ بدء الخليقة.
هنا يكمن جوهر المشكلات التربوية في المرحلة المعاصرة، ومن هنا تنطلق عملية حل هذه المشكلات من خلال إيجاد الوسائل الصالحة لحلها.
فهل وفق المجتمع إلى إيجاد الحل السليم. وهل ساهمت التربية المدنية التي اتخذها هذا المجتمع كمحور مركزي لخطط التنمية الإنسانية والاجتماعية والأخلاقية في حل مشكلات الإنسان وبالتالي في حل مشكلات الأمم والشعوب؟
والله ولي التوفي،،،
***
المراجع:
1 ـ بدوي، أحمد بشير، (1973) منهج التربية الوطنية للمرحلة الثانوية العامة لجمهورية السودان الديمقراطية، أطروحة جامعية، الجامعة الأمريكية، بيروت، رقم (T58 Ac2).
2 ـ ابن خلدون، عبد الرحمن (1998) المقدمة، ت: درويش الجويدي، بيروت.
3 ـ ابن خلدون، عبد الرحمن، (1993) المقدمة، دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان.
4 ـ أبو حلاوة، كريم، (1999) إعادة الاعتبار لمفهوم المجتمع المدني، مجلة عالم الفكر، تصدر عن المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، الكويت، مج 27، ع3 يناير، مارس 9 ـ 26.
5 ـ أبو شهبة، محمد بن محمد، (1988) السيرة النبوية في ضوء القرآن والسنة، ج2، دمشق.
6 ـ أبو الفتوح، رضوان، (1960) التربية المدنية، جامعة الدول العربية، المؤتمر الثقافي الرابع، القاهرة، الإدارة الثقافية.
7 ـ بيلّو، وربير، (1983) المواطن والدولة، منشورات عويدات، بيروت وباريس.
8 ـ الجزري، ابن الأثير (1963)، الكامل في التاريخ، ت ابن الفداء عبد الله القاضي ج2.
9 ـ الجيوش فاطمة (1994)، فلسفة التربية، كلية التربية ـ جامعة دمشق.
10 ـ حمادة، عبد المحسن عبد العزيز، (1995)، مدخل إلى أصول التربية، ط4، جامعة الكويت، كلية التربية.
11 ـ حواسن، محمود، (1999) العالم العربي والمجتمع المدني، الفكر العربي، مجلة الاتحاد العربي للعلوم الإنسانية، ع95، بيروت لبنان.
12 ـ خلف الله، محمد أحمد، (1981) القرآن والدولة، المؤسسة العربية للدراسات والنشر، بيروت.
13 ـ دوركهايم أميل، (1996) التربية والمجتمع، ترجمة د. علي أسعد وطفة، دمشق، دار معد.
14 ـ ربول، أوليفيه، (1978) فلسفة التربية، ترجمة د. جهاد نعمان، منشورات عويدات، بيروت.
15 ـ شريف عمر، (1986) نظام الحكم والإدارة في الدولة الإسلامية، معهد الدراسات الإسلامية، القاهرة.
16 ـ شعبان، حلمي علي (1991) سلسلة أعمدة الإسلام، رقم (1) أبو بكر الصديق، دار الكتب العلمية ببيروت.
17 ـ عاقل، فاخر، (1977) التربية قديمها وحديثها، دار العلم للملايين، بيروت.
18 ـ عبد الدايم، عبد الله، (1998) دور التربية والثقافة في بناء حضارة إنسانية جديدة، القاهرة.
19 ـ عبود، راتب، (1996) نظريات التربية في عصر التنوير الفرنسي، ترجمة د. عبد الله المجيدل، دار معد، دمشق.
20 ـ العوجي، مصطفى، (1985) التربية المدنية كوسيلة للوقاية من الانحراف، المركز العربي للدراسات الأمنية والتدريب الرياض.
21 كرومباخ. س، (1995) صحة الأطفال النفسية، ودور المدرسة في حمايتها، ترجمة د. عبد الله المجيدل، دمشق، دار معد.
22 ـ قنديل، أماني، (1999) تطوير المجتمع المدني في مصر، عالم الفكر، المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، الكويت، مج 27، عدد 3، يناير ومارس 97 ـ 124.
23 ـ الكواري، علي خليفة، (1985) نحو استراتيجية بديلة للتنمية الاجتماعية، مركز دراسات الوحدة العربية، بيروت.
24 ـ المجيدل، عبد الله، (1991) الاتجاهات الأساسية لديمقراطية التعليم في الوطن العربي، رسالة دكتوراه غير منشورة، أكاديمية العلوم التربوية الروسية، موسكو.
25 ـ ناصر، إبراهيم، (1996) علم الاجتماع التربوي، طبعة ثانية، دار الجيل، بيروت.
26 ـ النجيحي، محمد لبيب (1978)، الأسس الاجتماعية للتربية، القاهرة، مكتبة الأنجلو المصرية، القاهرة.
27 ـ هنا، غانم، (1979) فلسفة الحضارة، أملية جامعية، جامعة دمشق، كلية الآداب، دمشق.
28 ـ الهادي، محمد، (1976) في أصول التربية، الأصول الثقافية للتربية، مكتبة الأنجلو المصرية، القاهرة.
29 ـ هوانة، سمير، (1995) قضية السلام في المناهج الدراسية الحديثة، الجمعية الكويتية تربية التسامح وضرورة التكافل الاجتماعي، الكتاب السنوي العاشر الكويت.
30 ـ وطفة، علي أسعد، (1993) علم الاجتماع التربوي، منشورات جامعة دمشق.
31 ـ وطفة، علي أسعد، (1998) علم الاجتماع التربوي وقضايا الحياة التربوية المعاصرة، الطبعة الثانية الفلاح، الكويت.
32 ـ وطفة، علي أسعد، 1999 الراشد، صالح أحمد، التربية وحقوق الإنسان في الوطن العربي، الطبعة الأولى، الفلاح، الكويت.
33 ـ وطفة، علي أسعد، (1999) بنية السلطة وإشكالية التسلط التربوي في الوطن العربي، مركز دراسات الوحدة العربية، الطبعة الأولى، بيروت.
المراجع الأجنبية :
1- P.W Mussgrave (1965), The Sociology of Education, Methen and Co., London.
2- J.Patrick John. (1995) Civic Education for Constitutional Democracy: An International Perspective, Eric Digest, Indiana University EDO-SO-December.
3- J.Patrick John (1998) Education for Engagement n Civil Society and Government, Eric Digest, Indiana University EDO-SO-September.
4- J.Patrick Johb. (1997) Global Trends in Civic Education for Democracy, Eric Digest, Indiana University EDO-SO- January.
5- William.H.Kilputrick, (1956) Philosophy of Education (New York: Macmillan & Co.
* أستاذ مساعد في كلية التربية بجامعة دمشق.
(1) العوجي، مصطفى (1985م)، التربية المدنية كوسيلة للوقاية من الانحراف، المركز العربي للدراسات الأمنية والتدريب بالرياض، الرياض. ص121.
(2) عبد الدايم، عبد الله، (1998)، دور التربية والثقافة في بناء حضارة إنسانية جديدة، القاهرة، ص83.
(3) بدوي، أحمد بشير، (1973)، منهج التربية الوطنية للمرحلة الثانوية العامة لجمهورية السودان الديمقراطية، أطروحة جامعية، الجامعة الأمريكية، بيروت، رقم (T58 Ac2)، ص11.
(4) بيلّو، روبير، (1983) المواطن والدولة، منشورات عويدات، بيروت وباريس، ص18.
(5) المرجع نفسه، ص18.
(6) المرجع نفسه، ص16.
(7) ابن خلدون، عبد الرحمن، (1998) المقدمة، دار الكتب العلمية، بيروت، ص238.
(8) ابن خلدون، عبد الرحمن (1998) المقدمة، دار الكتب العلمية، بيروت، مرجع سابق ص238.
(9) ربول، أوليفيه، (1978) فلسفة التربية، ترجمة د. جهاد نعمان، منشورات عويدات، بيروت، ص12.
(10) العوجي، مصطفى، (1985) التربية المدنية كوسيلة للوقاية من الانحراف، مرجع سابق، ص121.
(11) أبو الفتوح، رضوان (1960)، التربية المدنية، جامعة الدول العربية، المؤتمر الثقافي الرابع، القاهرة، الإدارة الثقافية، ص14.
(12) أبو حلاوة، كريم، (1999) إعادة الاعتبار لمفهوم المجتمع المدني، مجلة عالم الفكر، تصدر عن المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، الكويت، مج27، ع3 يناير، مارس، ص11، 9 ـ 26.
(13) قنديل، أماني، (1999) تطور المجتمع المدني في مصر، مجلة عالم الفكر، الكويت، العدد 3، يناير، مارس، ص99. "97 ـ 124".
(14) حواسن، محمود، (1999) العالم العربي والمجتمع المدني، الفكر العربي، مجلة الاتحاد العربي للعلوم الإنسانية، ع95، بيروت لبنان، ص257.
(15) قنديل، أماني، (1999) الفكر العربي، مرجع سابق، ص101.
(16) خلف الله، محمد أحمد، (1981) القرآن والدولة، المؤسسة العربية للدراسات والنشر، بيروت، ص23.
(17) شريف عمر (1986)، نظام الحكم والإدارة في الدولة الإسلامية، معهد الدراسات الإسلامية، القاهرة، ص14.
(18) ابن خلدون، عبد الرحمن، (1998) المقدمة، ت: درويش الجويدي، بيروت، ص46.
(19) سورة آل عمران الآية 159.
(20) سورة آل عمران الآية 110.
(21) د. أبو شهبة، محمد بن محمد، (1988) السيرة النبوية في ضوء القرآن والسنة، دمشق، ج2، ص574.
(22) J.Patrick John. (1998) Educaion for Engagement in Civil Society and Govemment, Eric Digest, Indiana University EDO-SO-September,p.2.
(23) المجيدل، عبد الله، (1991)، الاتجاهات الأساسية لديمقراطية التعليم في الوطن العربي، رسالة دكتوراه غير منشورة، أكاديمية العلوم التربوية الروسية، موسكو، ص43.
(24) عبود، راتب، (1996)، نظريات التربية في عصر التنوير الفرنسي، ترجمة د. عبد الله المجيدل، دار معد، دمشق، ص112.
(25) المرجع نفسه ص117.
(26) للمزيد يمكن مراجعة:
(27) J.Patrick John, (1997) Global Trends in Civic Education for Democracy, Eric Digest, Indiana University EDO-SO- January. P.76.
(28) من كبار الوزراء القواد في عصر المأمون، وهذه الرسالة موجهة إلى ابنه عبد الله لما ولاه المأمون.
(29) ابن خلدون، عبد الرحمن، (1993) المقدمة، دار الكتب العلمية، بيروت، ص242.
(30) للمزيد يمكن مراجعة: J.Patrick John. Civic Education for Constitutional Democracy: An Intrnational Perspective, Eric Digest, Indiana University EDO-SO-December 195 p. 41-46.
(31) عبد الله، عبد الدايم، (1998)، دور التربية والثقافة في بناء حضارة إنسانية جديدة، ص105.
(32) ناصر، إبراهيم، (1996) علم الاجتماع التربوي، بيروت، دار الجبل، ص70.
(33) عالم الفكر، (1999) مرجع سابق، الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، مج (27) عدد 3، ص313.
(34) هوانة، سمير، (1995) قضية السلام في المناهج الدراسية الحديثة، الجمعية الكويتية، تربية التسامح وضرورة التكافل الاجتماعي، الكتاب السنوي العاشر، دولة الكويت، ص22.
(35) ناصر، إبراهيم، (1996) علم الاجتماع التربوي، مرجع سابق، ص70.
(36) المرجع نفسه ص66.
(37) العوجي، مصطفى، (1985) لتربية المدنية كوسيلة للوقاية من الانحراف، المركز العربي للدراسات الأمنية والتدريب بالرياض، ص138.
(38) عبود، راتب، (1996) نظريات التربية في عصر التنوير الفرنسي، مرجع سابق ص74.
(39) سورة الزمر، الآية 7.
(40) سورة الزلزلة، الآية 7، الآية 8.
(41) رواه البخاري ومسلم.
(42) عالم الفكر، (1999) مرجع سابق، الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، مج27، عدد يناير/ مارسن ص316.
(43) صادر عن المؤتمر الإسلامي التاسع عشر لوزراء الخارجية المنعقد في القاهرة بجمهورية مصر العربية في الفترة من 31 يوليو إلى 4 إغسطس 1990.
(44) وطفة، علي أسعد، الراشد، صالح أحمد، (1999) التربية وحقوق الإنسان في الوطن العربي، الكويت، ص163.
(45) شعبان، حلمي علي، (1991) سلسلة أعمدة الإسلام، رقم (1) أبو بكر الصديق، دار الكتب العلمية، بيروت، ص42.
(46) الجيوش فاطمة، (1994) فلسفة التربية، كلية التربية ـ جامعة دمشق، ص85.
(47) دور كهايم اميل، (1996) التربية والمجتمع، ترجمة د. علي أسعد وطفة، دمشق، ص72.
(48) المرجع نفسه ص69.
(49) عبود، راتب، (1996) نظريات التربية في عصر التنوير الفرنسي، مرجع سابق ص118.
(50) عبود، راتب (1996) نظريات التربية في عصر التنوير الفرنسي، مرجع سابق ص115.
(51) William. H.Kilputrick, Philosophy of Education, (New Yerk: Macmillan & Co., 1956)p.69.
(52) وطفة، علي أسعد (1998م)، علم الاجتماع التربوي وقضايا الحياة التربوية المعاصرة، الكويت، ص85.
(53) هنا، غانم، (1979)، فلسفة الحضارة، أملية جامعية، جامعة دمشق، كلية الآداب، ص35.
(54) وطفة، علي أسعد (1993)، علم الاجتماع التربوي، منشورات جامعة دمشق، ص235.
(55) P.W Mussgrave, The Socialogy of Education, Methen and Co., London, 1965, p.31.
(56) الجيوش، فاطمة، (1994) فلسفة التربية، مرجع سابق، ص155.
(57) وطفة، علي، الراشد، أحمد، (1999)، التربية وحقوق الإنسان في الوطن العربي، مرجع سابق، ص234.
(58) دور كهايم اميل، (1996)، التربية والمجتمع، ترجمة د. علي أسعد وطفة، دمشق، ص87.
(59) وطفة، علي أسعد، (1999) بنية السلطة وإشكالية التسلط التربوي في الوطن العربي، مركز دراسات الوحدة العربية بيروت، ص31.
(60) النجيحي، محمد لبيب، (1978) الأسس الاجتماعية للتربية، القاهرة، مكتبة الأنجلو المصرية، القاهرة، ص76.
(61) ناصر، إبراهيم، (1996) علم الاجتماع التربوي، مرجع سابق 78، وما بعدها.
(62) وطفة، علي، (1993) علم الاجتماع التربوي، مرجع سابق، ص105.
(63) أوليفيه، ربول، (1978) فلسفة التربية، ترجمة د. نعمان، منشورات عويدات، بيروت. ص25.
(64) كرومباخ. س، (1995) صحة الأطفال النفسية، ودور المدرسة في حمايتها، ترجمة د. عبد الله المجيدل، دمشق، دار معد، ص21.
(65) الهادي، محمد (1976)، في أصول التربية، الأصول الثقافية للتربية، مكتبة الأنجلو المصرية، القاهرة، ص269.
(66) الكواري، علي خليفة، (1985) نحو استراتيجية بديلة للتنمية الاجتماعية، مركز دراسات الوحدة العربية، بيروت، ص100.
(67) وطفة، علي، الراشد، صالح، (1999) التربية وحقوق الإنسان في الوطن العربي، الكويت، مرجع سابق، ص217.
(68) حمادة، عبد المحسن عبد العزيز، (1995) مدخل إلى أصول التربية، ط4، جامعة الكويت، كلية التربية، ص166.
(69) كرومباخ، (1995) صحة الأطفال النفسية ودور المدرسة في حمايتها، مرجع سابق، ص41.