للحديث عن الإعلام الرقمي، لا بد من الانطلاق من البداية الفعلية لتاريخ الإعلام عبر الإنترنت،التي تعود إلى بداية عقد الثمانينيات. في الواقع، بفضل جها ز كمبيوتر وإمكانية الوصول إلى "خدمة الكمبيوتر" (المزود الأول للوصول إلى خدمة عبر الإنترنت)، كجزء من صحافة تجريبية مترابطة، كان من الممكن قراءة المقالات على الإنترنت ابتداء من يوليوز 1980. انتهى هذا المشروع في سنة 1982، قبل وقت طويل من الانتقال إلى الديمقراطية. ولسبب وجيه لم يكن الإنترنت واضحا بما فيه الكفاية كما في الوقت الحالي، لكن المسيرة الرقمية الحتمية لوسائل الإعلام تواصلت وازدهرت إلى حدود اللحظة الراهنة.

في كتاب "التاريخ الفرنسي للصحافة على الإنترنت"، بقلم باتريك إيفينو، يمكننا أن نقرأ أن الصحف اليومية الفرنسية، ولا سيما صحيفة "لوموند"، بدأت وظيفتها الرقمية في نهاية التسعينيات. بالفعل، أنشأت "لوموند" في عام 1997 شركة فرعية سمحت للمضمون الورقي بالانتقال إلى الويب. في الوقت الذي كانت فيه الإنترنت بالفعل مملكة لحرية الولوج، ظهرت مسألة النموذج الاقتصادي على الفور.

مما لا شك فيه أن فيروس كورونا المستجد أربك العديد من الحسابات، وبعثر الكثير من التوقعات عبر بلدان العالم بمختلف حجمها ودرجة تقدمها. في بداية ظهوره مع مطلع هذه السنة، ثار الجدل حول استعمال الكمامات بين مؤيد ومدحض. وحتى كثير من المنظومات الوقائية التي أصبحت مع مرور الوقت تدابير احترازية، لم تفلت من معطيات الأخذ والرد ومحاولة الرفض والتمرد. واليوم يعود النقاش من جديد ليدور حول جدوى بعض التطبيقات الذكية التي استحدثت للمساهمة في الحد من انتشار الوباء.
وفي إطار الاستفادة من تكنولوجيا المعلومات، أعلنت وزارة الصحة العمومية بالمغرب خلال شهر ماي عن نيتها في تنزيل تطبيق ذكي لتتبع أعراض انتشار الوباء. وابتداء من فاتح يونيو 2020، صرحت رسميا بإطلاق تطبيق هاتفي للإشعار باحتمال التعرض لعدوى فيروس كوفيد-19 تحت اسم "وقايتنا" وبشعار : "بوقايتنا، نبقاو على بال". التطبيق يُحمل مجانا على الهواتف الذكية كيفما كان نوعها، ويشغل بطريقة البلوثوت، مع اعتباره أحد إجراءات الحماية غير الإلزامية للحد من انتشار جائحة فيروس كورونا المستجد، بتتبع الحالات المخالطة والتكفل بها.

نشر مركز بيلفر بجامعة هارفارد دراسة جديدة  بعنوان "مؤشر القوة السيبرانية في العالم لعام 2020"، تتضمن 30 دولة تسعى لتطوير قدرتها في القوة السيبرانية الهجومية - للقدرة على إلحاق الضرر بشبكات الكمبيوتر والعمل على تطور صناعة الأمن السيبراني ومواجهة الدعاية المضادة. “counterpropaganda” في ظل الصراع الإلكتروني الأمريكي الصيني حول السيادة الإلكترونية العالمية.
حددت الدراسة سبعة أهداف لقياس القوة السيبرانية عبر سعى البلدان لتحقيقها باستخدام الوسائل الإلكترونية، وهي : مسح ومراقبة المجموعات المحلية. 2. تقوية وتعزيز الدفاعات السيبرانية الوطنية. 3. التحكم في بيئة المعلومات ومعالجتها. 4. جمع الاستخبارات الأجنبية للأمن القومي. 5. مكاسب تجارية أو تعزيز نمو الصناعة المحلية. 6. تدمير أو تعطيل البنية التحتية للخصم وقدراته. 7. تحديد القواعد والمعايير التقنية الإلكترونية الدولية.

على الرغم من وجود تطبيقات مُختلفة لإجراء مُكالمات الفيديو عبر الإنترنت أهمّها "مسنجر" من فيسبوك أو "سكايب" (Skype) من مايكروسوفت، فإن "زوم" حظي بانتشار كبير جدا لا مثيل له بفضل سهولة الاستخدام، وإمكانية تسجيل المُكالمات، بالإضافة إلى إمكانية تأمين المُكالمة بكلمة مرور، وغيرها الكثير، ناهيك بلجوء الكثير من الشخصيات المهمّة مثل رئيس الوزراء البريطاني، على سبيل المثال لا الحصر، لاستخدامه في اجتماعات الحكومة اليومية(2). وهذا بدوره دفع المدارس والجامعات، رفقة المؤسّسات والشركات، لاستخدامه أيضا.

من الناحية النظريّة، فإن الأجيال التي تعيش في الوقت الراهن ينبغي أن تكون سعيدة إلى حدٍّ بعيد، فالتطوّر العلمي الذي تنعم به هائل، وحجم الأمراض المُميتة في تناقص مُستمر، والبشرية قادرة على الوصول إلى المعرفة في أي وقت، ناهيك عن وسائل الترفيه التي لا حصر لها. لكن مع كل ذلك، فإن مؤشرات السعادة في انخفاض مُستمر، ومُعدّلات الاكتئاب في تزايد حول العالم(1)(2)، كما أن التقنية التي أتاحت فرصا كثيرة ساهمت في تزايد وسائل المراقبة والضبط الاجتماعي، عدا عن توظيف التقنيات الحديثة في صناعة أسلحة فتّاكة، أهلكت الكثير من البشر، ودمرت العديد من المدن.

هل تقبل أن تكون مراقبا إما لأن ذلك يخدمك بشكل من الأشكال، أو لأنك لا تبالي به؟  هل تبحث عن مواجهة الاستغلال الذي يتخذك موضوعا؟ أربعة من الفلاسفة بإمكان صحبتهم مساعدتك والأخذ بيدك  لأجل تحديد موقفك.
مشيل إيلتشانينوف

في صحبة غوتفريد فلهلم لايبنز(1646-1716) Gottfried Wilhelm Leibniz أو المُجوِّدُ المتفائل

أنت تحت العين الرقيبة لكل من غوغل وفايسبوك وأمازون وغيرهم، ذلك ما تعرفه، غير أنك تتحمله لاعتقادك، مثلُك في ذلك مثل مقاولي الشبكة العنكبوتبة، أن عالماً يتحدث فيه الناس بعضهم إلى بعض ويتواصلون فيما بينهم أفضل من عالم يتجاهل فيه أحدهم الآخر. فأنت على يقين تام أن أفعالك وتحركاتك مراقبةُ كما أن المنتجات التي يتم نُصْحُك بها هي في تطابق مع أذواقك.  لكن هذا الأمر هو الأحسن والأفضل! بل إنك لَتشعُر في نفسك بضرب من الافتتان  بهذه البناءات الهندسية الرقمية البديعة والهائلة  التي تضمن اتصال الملايير من الأفراد فيما بينهم  بكل اللغات وحول جميع المواضيع، وهي بناءات لا تزداد إلا انغراسا ورسوخا. تديرها خواريزميات خفية وقوية جدا، تابعة لـشركة ذات تكنولوجيا فائقة   بكاليفورنيا.

يرى البعض أن أسوأ سيناريو يُمكن أن تتخيّله البشرية، قد تجلى في مأساة "تشيرنوبيل" (Chernobyl) -التي تحوّلت مؤخّرًا لمُسلسل حقّق نجاحًا مُنقطع النظير-، وهنا الحديث عن تسعينات القرن الماضي فقط؛ لأن -ربما- أسوأ سيناريو يُمكن أن يحدث للبشرية في وقتنا الحالي هو أن تختفي شبكة فيسبوك الاجتماعية خصوصًا مع تعالي الأصوات التي تُطالب بالحد من خدماتها(1)(2)، فهل يُمكن فعلًا السيطرة على شبكة فيسبوك بسهولة؟ أم أن ما أسّسه "مارك زوكربيرغ" من الصعب جدًا تفكيكه؟
ما بعد الشبكة الاجتماعية
كان "زوكربيرغ" أول المُتأثّرين بسلسلة الفضائح التي طالت شبكته الاجتماعية، فنظرية ترك الشيء الذي يعمل على حاله دون تغييره باستمرار لم تعد تفي بالغرض، ليخرج على العالم بفكرة تحويل فيسبوك لشبكة اجتماعية للمحادثات الفورية على غرار مسنجر أو "واتس آب" تُركّز بشكل أساسي على خصوصيّة بيانات المُستخدم من جهة، ومحادثاته وعلاقاته الشخصيّة من جهة أُخرى.

مقدمة المترجم
هل ساعد اختراع الإنترنت البشرية على اكتساب المعرفة والحكمة حقًا؟ يتناول الفيلسوف مات بلومنك تأثير الإنترنت على الذاكرة والانتباه، عبر جدليات سقراط وتلميذه أفلاطون منذ 2400 عام.
نص التقرير
قال تحوت: "هاك أيها الملك.. معرفة ستجعل المصريين أحكم وأكثر قدرة على التذكر. لقد اكتشفت سر الحكمة والذاكرة". أما الملك فقد أجاب: "يا تحوت، يا سيد الفنون الذي لا مثيل له: هناك رجل قد أوتي القدرة على اختراع الفن، وهناك رجل غيره هو الذي يحكم على ما جلبه هذا الفن من ضرر أو نفع لمن يستخدمونه. والآن، وبوصفك مخترع الكتابة، أراك قد نسبت لها عكس نتائجها الصحيحة بدافع تحيزك لها. ذلك لأن هذا الاختراع سينتهي بمن سيعلمونه إلى ضعف التذكر، لأنهم سيتوقفون عن تمرين ذاكرتهم حين يعتمدون على المكتوب".
- محاورة فايدروس لأفلاطون، ترجمة د. أميرة حلمي مطر
إن من المدهش أن يظل اقتباس يزيد عمره عن ألفي سنة وثيق الصلة بالمشاكل التي نواجهها في مجتمعنا المعاصر. في هذا الاقتباس، من كتاب "محاورة فايدروس" لأفلاطون، يستخدم سقراط هذا الحوار المتخيل بين الإله المصري القديم تحوت، مخترع الكتابة، وبين الملك تاموز، ليبيِّن لفايدروس مخاطر الكتابة وآثارها المقلقة على الحكمة البشرية في رأي سقراط. يعتقد تحوت أنه باختراع الحروف قد وجد طريقة لحفظ ذواكر المصريين، وأنه بهذا قد منح الشعب المصري حكمة تتجاوز حدود الإمكانات الطبيعية.

"أشعر بالقلق من أن ذلك النوع من السرعة الرهيبة للمعلومات يؤثر في الإدراك، يؤثر في قدرتنا على التفكير العميق، وما زلت أعتقد أن الجلوس وقراءة كتاب هو أفضل وسيلة لتعلم شيء ما، وأخشى أننا في طريقنا لفقدان ذلك"
 (إريك شميدت، الرئيس التنفيذي السابق لغوغل)      
يجلس شاب، لم يجتز بعد العشرين من عمره، في محاضرة علم الأدوية بكلية الصيدلة ليستمع إلى الأستاذ بينما يشرح تركيب بعض المواد المستخدمة في علاج التهابات المفاصل، وحركيتها في الجسم، لكن هاتفه الذكي، لسبب ما، يضيء في حقيبته دون صوت. تلفت تلك النبضة الضوئية انتباه صديقنا لوهلة، ثم يعود للدرس مرة أخرى، لكنه هذه المرة لن يتمكّن من التركيز بكامل قدرته، فجزء منه يود لو تمتد يداه لتعرف السبب في ذلك الإشعار.
   هل هو لصديق يحدد موعد لعب الكرة الليلة؟ أم رسالة على واتساب من زميلة جميلة في مختبر الصيدلانيات؟ أو ربما قد علّق أحدهم على منشوره المثير للجدل الذي كان قد وضعه بالأمس على فيسبوك، هنا سوف تبدأ الذكريات بالانسياب في عقله لترسم سيناريو محتمل لكل خاطر يطرأ، في أثناء ذلك كله تكون قد مرّت ساعة كاملة من المحاضرة المعقّدة.