مابال الشمس
لا تشرق في نافذتي
وقد انتصف النهار
**
أصوم عن كلّ شيء
إلّا عن حشرجاتٍ
تمزّقني بشغف
**
كلّما خفت الضوء الأزرق
عاد المساء
يئنّ في جسدي

في الشتاءات البعيدة
كنا نجتمع أنا وإخوتي
حول مائدة كبيرة
يتوسطها فرح صغير
مرآة عيوننا الناعسة
تعكس احمرار الجمر الذي عليه
تتحمص قطع خبزنا البني
من الغرفة المجاورة
يصلنا نشيد  " الشيخ إمام "
وصوت الثورة التي تعلنه
أختي الكبرى على ملصقات بيضاء صباحا

هذا الوجع المزمن.. بات عاقراً
لا ينجب القصائد
لكنه خصب بما يكفي
ليلد في كل يوم
موتاً.. بالألوان
يسكر كنبيذ رخيص
برفقة نديم لا يجيد
الرقص
ولا حتى البكاء
الغيمة وهم القطرة في الانعتاق!
لكنها كينونة المطر

كَانَ هُنَاكْ !
بِوَجْهِهِ الْمُسَوَّرِ بِالسُّحُبْ  .
كَانَ امْتِدَاداً لِأَسْوَارِ الْبَحْرِ  ،
لِأَسَاطِيرِ الْحِكَايَاتْ  ،
فَوْقَ رَأْسِهِ قَمَرٌ نَاعِمٌ ، بِعُيُونٍ غَجَرِيَةْ ،
وَقَطِيعٌ مِنَ النُّجُومِ الْمُتَثَائِبَةِ خَلْفَ الْغُيُومْ  ،
مَجْرُوحاً بِوَحْدَتِهِ كَوَرَقَةٍ فِي الثَّلْجِ ،
مَحْرُوقاً بِوَجَعِ الْمَكَائِدْ .
جُنُونُهُ يَمْتَدُّ أَبْعَدَ مِنْ مَمْلَكَةِ النَّحْلْ ،
وَمِنْ أَرْدَانِ قُمْصَانِهِ الْمُهَلْهَلَةْ  ،
تَخْرُجَ قُرَى مِنَ الْعَبِيدْ ،

هجرت حلمي العنيد
ونسيت ماذا أبتغي، وكيف أريد
فلا تسألني متى يأتي الربيع،
 ومتى يرحل عني الخريف والمطر
ولا كيف صارت نرجسي
 بسواد الليل، كذبول السحر
وكيف ينحني شموخ الجبال
 وينضب الخصب من جذور الشجر
وقل  لي كيف ينبت الزهر في الصحاري 
وكيف ينمو فيها الشجر
وكيف تصمد الجبال

أحبك غيمة تمطرني أملا
تنبتني وردا أحمر الوجنتين
أشجار لوعة تملأ الدنيا فاكهة عشق أبدي
أحبك سحابة بيضاء فوق ذرى الجبال
أحبك شمسا تدفئ مفاصلي
تنزع عني برودة الجفاء القاتل
أحبك حبا قاهرا يؤرقني
ينتشلني مني و من جنوني
أحبك دمعة ترسم على خدي فرحة الصبيان
وترسمني دخانا يتعالى في الأفق
يمضي  والفراشات.

أحبك أن تبقى ساكناً
وكأنك غائب
وتسمعني من بعيد
وصوتي لا يلمسك
وكأن عينيك قد سافرتا بعيداً
وكأن قبلة قد ختمت فمك
كل الأشياء ممتلئة بروحي
وأنت تنبثق من الأشياء
ممتلئ بروحي
أنت كروحي
كفراشة الحلم

يعبرون حبي، كما يعبرون شحاذا
طردته الطريق، ولأني لا أعرف
لغة البدو بعد النبيذ، ولا كلام القيظ
للسراب، أمشي ملئ صخرة، أرى
الأيادي من حولي هاوية، وأقرأ
وجهي، لعلي أعثر عليَّ خلف غبار
ليس لي، كم تشتد فيَّ الأقنعة، كنت
أهذي، لم يكتمل يقيني الحتمي كي
أعلن الضحية، وأخبر عما سيحدث
لغيمة وقعت تحت صحراء تؤلم الماء
وهم يمرون على خطاي البطيئة نحو

سيخبرونكِ
أنني أشبه البحر
لا أستقر على موجة
وأن الليل بداخلي رتيب
***
سيخبرونكِ
أن يومي غامض
تحمله الغيوم خيبة خيبة
من الظلال النهار إلى أنا الكئيب
*** 
سيخبرونكِ

في وطني ..
 تُلْوى أفواهُ القِرابِ قِـبْلَــةَ
 التّـافهين و التّــافِهات،
من الرّاقصين على الجراح و الرّاقصات،
 والمُطربين و المُطربات،
 و المُمثلين و المُمثلات.
في وطني ..
ليس للطّوى مــا يَـقْــتاتُ،
أو لِلْقَــرِّ ما يُـــــوقِ الآفــات.
أَو يَصْطَــلي مِن صَقيــعِ النّظَـرات.
في وطني ..

أنت المهيمنُ لا هذا ولا ذاكا
وليس يعلم ما في الغيب إلّاكا
لا أين أنت ولا ماذا وكيف متى
لن يستطيع إليك العقل إدراكا
في كفّك البحر يرسو وهو مرتبكٌ
ويستدير إذا ما شئت أفلاكا
ياخالق الحبّ والفردوس ياملكاً
لولاك ما الحبّ ماالفردوس لولاكا
تجري إليك تسابيحي بلا عددٍ
وعالمي الطفل يجري نحو يمناكا
لأنت أرأفُ من أمٍّ على ولدٍ

كُلُّ مَا أُرِيدُهُ مِنْكِ
قَلِيلٌ فِي الْعُمْقِ لِأَنَّهُ فِي الْعُمْقِ كُلُّ شَيْءٍ،
كَمُرُورِ كَلْبٍ، كَتَلٍّ،
تِلْكَ الْأَشْيَاءُ التَّافِهَةُ، الْيَوْمِيَّةُ،
سُنْبُلَةٌ وَ سَالَفٌ وَ كُتْلَتَا تُرَابٍ،
رَائِحَةُ جَسَدِكِ،
مَا تَقُولِينَهُ حَوْلَ أَيِّ شَيْءٍ
عَنِّي أَوْ ضِدِّي،
كُلُّ هَذَا هُوَ قَلِيلٌ جِدًّا،
أُرِيدُهُ مِنْكِ لِأَنَّنِي أَهْوَاكِ،
فَلْتَنْظُرِي إِلَى أَبْعَدَ مِنِّي،

(1)
اليوم
يوم أزرق
لا يشبه ألوان السماء
قاتم مربد مصوح
تتناوشه
نسور، وذئاب وصقور
فيه قصة،
وفيه غصة
يتكور، لتكتمل الحسرة
قيل لي

كُلُّ وَرْدَةٍ لَطِيفَةٍ رَأَتِ النُّورَ أَمْسِ،
كُلُّ فَجْرٍ يَنْبَلِجُ بَيْنَ الْحُمْرَاتِ،
يَتْرُكَانِ رُوحِي صَرِيعَةَ النَّشْوَةِ...
لَا تَتْعَبُ عُيُونِي أَبَدًا مِنْ رُؤْيَةِ
مُعْجِزَةِ الْحَيَاةِ الْأَزَلِيَّةِ!
***
مَرَّتْ سِنُونٌ وَ أَنَا لِلنُّجُومِ مُتَأَمِّلٌ
فِي اللَّيَالِي الإِسْبَّانِيَّةِ الْبَيْضَاءِ
وَ فِي كُلِّ مَرَّةٍ أَجِدُهَا أَجْمَلَ.
اِنْصَرَمَتْ سِنُونٌ، وَ أَنَا وَحِيدٌ مَعَ نَفْسِي،
أَسْمَعُ مِنَ الْأَمْوَاجِ الْخِصَامَ،

دفنت جدتي ضفيرتها
عند قدم شجرة معمرة
في قريتنا الأطلسية
الآن أريد خصلة منها
أشيد بها جسر الحب في دمي
تعبره حمائم رهيفة
فقدت جناحها في وادي الجراحات
في سماوات الخوف
أرسم قبلة كبيرة
كتلك التي دستها جدتي
في قعر القبر

أقول للموج : هيَ مولاتي
يقول الموج : هيَ لم تولد !!
وأجوب بكائي
إليها ..
فيستضحكها الدمع
من بدء الكون ..
إلى بدء الكون !!
ويتضخّم الصدى ... هيَ لم تولد !!
فترتدّ الشمس إلى عتمتها
ويموت الخمّار بخمرته ..
والطائر بأغانيه ..

القصيدة حالة نسيان، تحاصر الذاكرة
تئن كثيرا ولا تنهزم، صادقة كجنازة
فقير لم يلتفت إليها أحد، هي سيرة أجساد
العبيد حول سياط الأسياد، وما بقي مِن
أثارِ مَن مروا قبلي تحت هامش أيامهم،
وآخِر مَن يَرثي عُري صحراءنا العاهرة
***
حين أحِب، أطل علي منكِ فلا أرى
إلا بقايا خيبتي، أخبريني عنها كيف
هي الآن ؟ أما زالت تحب الأغاني ؟
أم أنني من بعدها شِبه أسماء متناثرة

نحن الرجال الجوف
نحن المحشوون
نميل معا فتميل رؤوسنا المملوءة بالقش
يا خسارة،
خفيضة أصواتنا الجافة
خالية من المعنى
لمّا نهمس معا
كالريح تجوس خلال يابس العشب
أو كالجرذان تمر بأرجلها فوق الزجاج المنكسر

في قبونا المجدب