غيمة، غيمة
تسافر في رجاء
تحمل الشّرقَ
تبحث عن أرضِ العطاء
تحمل دماً
تحمل ملحاً
لتُمطِر يداً وخبزاً
وتراباً وسنبلةً
وقصائدَ رثاءٍ...يا أرضُ، يا أرضُ
لا أحمل ماء
لستُ من سماء
صخبٌ حولي
وطعمُ الموتِ ودماء
أنا من فلسطين هناك
ولبنان هناك
وانتِ هنا يا أرض في خفاء
اليوم افجر فيك حقيقتي
لا نسيانٌ ولا حلمٌ ولا جفاء
أحملُ طفلا، داعبَ قبَر أمّه
ونام تحتَ سماء...
أحملُ دموعَ الثّكالى، كتبنَ على أجسادِ أطفالِهنّ
أغنيّتهن الأخيرة بكبرياء...
أحملُ حريقَ ضحكةٍ حيّة في خيمةٍ،
تسلّلتْ في غفلةٍ، من حفلةِ شِواء
أحمل أناملَ طفلٍ، بُتِرت
وهي تداعب ضفيرةَ شعرٍ سوداء...
أحمل شظايا نافذةٍ،
علِقت في يدِ طفلةٍ تلوحُ في رجاء...
أحملُ تراتيلَ اللّيلِ، لأطفالٍ
وُلدوا في مساء !
أحمل حبل صرّةٍ، انقطع فجاةً
عن رحمِ أمّ عذراء
أحمل مئة وخمسة وعشرون قذيفةٍ، في جسد طفلةٍ
كانت تقفز فرحاً في الهواء...
أحملُ أجِنّةً، عانقت العدم
قبل تكوّن الأعضاء....
أحمل آهات خبزٍ وملحٍ
وزعتر وزيتون
وترابَ أرضِ الأنبياء!
وشجر يقف للرصّاص في إِباء!
أحمل ذراعاً قاومَ،
وأبى أن يسافرَ لرحلتهِ الأخيرةِ إلى السّماء!
لا نومَ لديّ...
لا موتَ لديّ...
كل شيء حيّ..
كل شيء في حالة إِحماء..
وما دمتُ حيَّة
سأعيد ذاكرةَ المطر
وانْتشاء النَّدى
على سطحكِ يا أرضَ البُسطاء...
****
يا أرضُ لا تيأسي
لا تتردّدِي،
رغم عتم غيمتي
فالنجمات تُضيء
تُقاتِل وتُقاوم قتْمتي
وتُكسّر سوادَ ليلتي
وأملٌ يلوح في الأفق
خيوطُ الشّمس حقيقتي
سأنفجر هنا
وهل تخون السماء؟
وفلسطين هناك
ولبنان هناك
وأنتِ هنا يا أرضُ
محاصرةٌ بعزفِ الشّرق
وحريّةِ الشّرق
وهُويّةِ الشّرق
وقوميّةِ الشّرق
شريانٌ ممتدٌّ إلى كل الغيوم
إلى عوالم الحُكماء...
للأرواحِ ذكرى
وللدّمِ ذكرى
وللشُّهداءِ ذكرى
هم ليسوا بأرقام
لقد تفجّروا في ضوضاء
كهزيم الرّعدِ والرّيحِ النّكباء
في خفيةٍ، أتسلّلُ يا أرضُ
لأُسقطَ إنسانيّةً مُضرّجةُ بالدِّماء
بين جلاّدٍ ومُغتصبٍ
وأسيادٍ وعبيدٍ وأعداء !
بين الفصولِ الخضراء
و في ظلمة الزمان
على أرض النسيان
أزرع بدم الشهداء
شجرة إنسانٍ
إنسانُ الشّرفاء!!!
