مقدمة المترجم:
هذه المسامرة هي من أواخر المقابلات الحوارية مع الروائية الأمريكية المبدعة توني موريسون، و وردت في موقع مجلة غرانتا بتاريخ 29 يونيو 2017. بدت الروائية في هذه المسامرة رائقة البال و تنداح في البوح لتكشف عن العوالم التي تستقي منها أعمالها الروائية. لقد بدت مرحة و جريئة في كثير من جوانب هذه المسامرة، كما و لمست بآرائها عدة قضايا قديمة و آنية ربطةً بينها من أجل تقديم فهم أفضل للسياقات الأمريكية الصعبة. لقد كانت ترجمة هذه المسامرة من أصعب الترجمات و التعريبات التي قمت بها؛ حيث اقتضت مني الغوص في تفاصيل قضايا و لغة و استعارات الثقافة الأفريقية الأمريكية. و كان إعجابي بالأعمال الباهرة لتوني موريسون هو الذي عوضني عن المشاق التي تكبدتها لتخرج هذه المسامرة بين أيدي قراء العربية.

تقديم المترجم:
يعالج المستشرق الألماني المعروف يوحنا كريستوف بيرجل في بحثه هذا أشكال حضور الخمر في الشعر بالحضارة العربية الإسلامية(*) . لقد ركز بيرجل بالخصوص على أشعار حافظ الشيرازي، وجلال الدين الرومي، وعمر الخيام، الخاصة بالخمر، وهي أشعار لا يعرف المثقف العربي منها، إلا رباعيات الخيام. أما أشعار حافظ والرومي، فلم يكتب لها الانتشار بعد في عالمنا العربي، برغم وجود ترجمة عربية محترمة لديوان حافظ، وبرغم وجود عدد من الباحثين المصريين والعرب والقائمين على ترجمة الأدب الفارسي إلى اللغة العربية. ولعله من المفيد قبل متابعة الباحث في رحلته مع الشعراء وتغنيهم بالخمر إبداء الملاحظات التالية التي نعرض فيها لأشكال أخرى من حضور الخمر في الفكر العربي الديني منه والأدبي:
أولا: مما أوردته كتب الأدب العربي القديم عن آفات الخمر، "أنها تذهب العقل، وأفضل ما في الإنسان عقله، وتحسن القبيح، وتقبح الحسن". وحكى صاحب "العقد الفريد" أن مشارب الرجل يقال له نديم من الندامة، "لأن معاقر الكأس إذا سكر، تكلم بما يندم عليه"(1). وقال قصي بن كلاب لبنيه: "اجتنبوا الخمر، فإنها تصلح الأبدان، وتفسد الأذهان"(2). ولما قيل لعثمان بن عفان: "ما منعك من شرب الخمر في الجاهلية، ولا حرج عليك فيها؟" قال: "إني رأيتها تذهب العقل جملة. وما رأيت شيئا يذهب جملة، ويعود جملة"(3). ويحكى أن قوما سقوا أعرابية مسكرا، فقالت: "أيشرب نساؤكم مثل هذا؟ قالوا: نعم. قالت: فما يدري أحدكم من أبوه"(4).

هل ما زال العدد ثلاثة يمارس سلطته السحرية على العقول المعاصرة؟ من الواجب أن نلاحظ أن التصنيفات العامة القاسية التي تقسم التاريخ إلى ثلاثة مراحل (وتكون الأخيرة أفضلها بطبيعة الحال) ما زالت تلقى حظوة لدى الأشخاص المتسرعين المتلهفين إلى إدخالهم في العهد الفردوسي الجديد. وهذه المراحل حسب هذه الترسيمة الجاهزة هي: مجتمع شفوي (قديم لأنه بدون تقنية، إذن بدون تطور ولا تاريخ ولا مساواة)، متبوع بمجتمع الكتاب وهو في ذروة التطور العلمي والمساواة والحرية بفضل الطباعة، ثم مجتمع التواصل الإلكتروني.
من البديهي بالنسبة لمن له ولو إلمام قليل بتاريخ الأفكار أو الحضارات أو علم الاجتماع أو الانثربولوجيا، أن مثل هذا التصور مضلل في محتواه، وفي الطريقة التي تسنده والمرتكزة على مسح الألواح العريضة، وتسجيل الابتكارات العلمية والتقنية وتطور العادات الاجتماعية والسياسية بدون نظام مع تأسيس علاقة السبب بالنتيجة فيما بينها. إن دور ووظيفة الكتاب والقراءة ومن ثم الكتابة لا يمكن مقاربتهما بمثل هذه الطريقة العامة المتسرعة، لأن أنواعا عديدة لتوصيل المعرفة تتعايش في كل تلك المراحل، بما فيها مرحلتنا. لذا يلزم ملاحظة الصلات التي تتأسس بين التقنيات الجديدة والتغيرات الملاحظة في المجتمع، صلات تمنع تأسيس سببية أحادية الجانب بين التقنية والمجتمع.

تقديم :
يتمثل المشروع الفكري لإدغار موران في إقامة جسور التواصل بين حقول المعرفة المختلفة، والحد من التخصص المفرط لأنه يؤدي إلى النظرة التجزيئية وإلى إفقار المعرفة. وفي هذا المقال يدعو الفيلسوف الفرنسي إلى إقامة جسور بين مفاهيم تنتمي إلى نفس الحقل، حقل السوسيولوجيا. ويتعلق الأمر بمفاهيم الثقافة الإنسانية، الثقافة العالمة والثقافة الجماهيرية.
وانطلاقا من دعوته إلى فكر مركب ، يسعى موران إلى مقاربة الثقافة في تعقيدها وتشابك عناصرها، ويسعى إلى تفكيك هذا التعقيد . يبدأ موران بنقد  الالتباس السائد بخصوص مفهوم الثقافة حيث درج علماء الاجتماع على  استعمال  هذا المصطلح دون تمييز بين الأنواع الثقافية الثلاثة. ولهذا يصوغ تعريفات دقيقة ومتمايزة لكل ثقافة على حدة. لكن هذا التمايز لا يعني الانفصال والتباعد بين هذه الثقافات. فمن المشروع أن يبحث السوسيولوجي عن صياغة مفهوم مركب يستوعب هذه المفاهيم الثلاثة ويوحد بينها رغم اختلافها. يعترف موران بوجود محاولات لصياغة مفهوم شمولي للثقافة . هناك محاولة ركزت أهتمامها على المظهر العملي الوجودي للثقافة ، ومحاولة ركزت على البعد النظري ، أي على البنيات المنظمة للمظهر السلوكي للثقافة . إن كل محاولة من هاتين المحاولتين تضع اليد على بعد مهم من أبعاد الثقافة ، لكنهما منفصلتان عن بعضهما. وهو انفصال  يشتت إشكالية الثقافة. ومن ثمة يدعو موران إلى البحث عن صيغة تربط الصلة بين المظهرين الأساسيين للثقافة : المظهر العملي والمظهر النظري.

anfasse29059س: هل تتطلب ممارسة الترجمة نظرية في ترجمة النصوص؟
لا، لا أعتقد ذلك. إن الترجمة تتطلب حرفية، ومعرفة جيدة باللغتين (لغة المصدر ولغة الهدف). هذا كل ما يمكن أن أجيب به في الواقع. كان يمكن أن أقول، بطبيعة الحال، إنني أعرف نظرية والتر بنيامين في الترجمة، أو نظرية أخرى لشخص آخر، ولكن معرفتها وعدم معرفتها ليست في غاية الضرورة، فالترجمة هي بالأساس مسألة ممارسة: أعني أن نطرح الأسئلة المناسبة في الوقت المناسب بصدد النص المترجم. ليس للنظرية مكانة محددة سلفا إذن، فكل شيء رهين، في العمق، بالنص الأصل وبما إذا كان يتطلب التركيز في المقام الأول على الدال، أو على الرسالة باعتبارها ما يتعين أساسا نقله. لقد ترجمت كرواك مثلا في وقت سابق اعتمادا على السمع فقط، ولم أهتم بالمعنى إلا بشكل ثانوي. كما أن الترجمة التي قام بها جويس لرواية كرواك "مكسيكو سيتي بلوز" –وهو نص يستند على ارتجالات الجاز- تقود المترجم إلى الاهتداء إلى صوت وخطاب منطوق. غير أن صوت الترجمة هذا يبقى أداة تتغير من نص لآخر.

س:يتألف النص من كلمات لكنه يحمل ثقافة أيضا. ألا يجب أن تتعايش الترجمة اللسانية مع ما يمكن أن يسمى بالترجمة الثقافية؟
إذا لزم التعلق بترجمة ثقافية دقيقة، فإن ذلك معناه الاصطدام فعلا بما لا يقبل الترجمة. فالمعنى الكامن خلف الكلمات الأمريكية ليس هو المعنى الثاوي خلف الكلمات في الفرنسية. سواء تعلق الأمر بمفردات خاصة بالثقافة الأمريكية أو بمفردات في غاية البساطة. فكلمة "سينما" لا توحي البتة بالشيء نفسه عند الفرنسيين والأمريكيين. وكلمة  "خبز" تحيل على شيء ثانوي في مائدة عشاء أمريكية، بينما تحيل على مكون أساس في مائدة فرنسية. ومصطلح wilderness (قفر) ليست له أي علاقة بترجمته الفرنسية، فهو يعبر عند الأمريكيين عن تجربة تأسيسية بينما يرتبط عند الفرنسيين بالمرحلة الاستعمارية لإفريقيا ومناطق أخرى.

anfasse08055jpgإن ما نسميه بالزمن في مورفولوجيا لغة ما، لا يدخل في علاقة بسيطة ومباشرة مع ما نسميه بالزمن على المستوى الوجودي (حتى دون أن نفكر في المعاني الفلسفية للمصطلح)؛ يوجد دليل من بين أدلة أخرى، في لغات كثيرة، لمصطلحين مختلفين فيما يخص اللسني والمعيش، ففي الإنجليزية نجد: tense وtime، وفي الألمانية هناك: Tempus وZeit. فمن جهة يمكن للاختلافات الزمنية أن تحدد بوسائل أخرى غير زمن الفعل (الظروف، مفاعيل الزمن، التواريخ)؛ وحتى في بعض اللغات كالعبرية القديمة، نجد عنصرا هاما لمفهوم الزمن، حيث الاختلاف الكرونولوجي للماضي، والحاضر، والمستقبل غير محدد بشكل مباشر داخل الفعل. ومن جهة أخرى فزمن الفعل لا يصلح فقط لتعيين الزمنية، ولكن يعني أيضا علاقة خاصة بين الذي يتكلم، والمتكلم عنه. سنهتم، مع ذلك، بظاهرة تتموقع بين هذا وذاك "الزمن": أي تمثيلات الزمن في علاقتها بلحظة التلفظ، وهو ما سنسميه، بالمعنى الواسع، زمن الخطاب.
ينتظم هذا الزمن حول الحاضر، فهو مفهوم لسني محض، يعين اللحظة التي يتكلم فيها. وتنقسم الأزمنة الأخرى (في اللغات الهند أوروبية، على الأقل) إلى مجموعتين كبيرتين، حسب العلاقة التي تربطها مع الحاضر، وبشكل عام، مع التلفظ. فالأزمنة الفرنسية مثلا، تتوزع ضمن السلسلات التالية:

anfasse23041   في تلك اللعبة كان يجب أن يمر كل شيء بسرعة. عندما قرر رقم واحد أنه يجب تنحية روميرو و أن رقم ثلاثة هو من سيتكفل بالمهمة، كان بِلْتْرَانْ قد توصل بالمعلومة دقائق قليلة بعد ذلك. بهدوء و لكن دون تضييع لحظة واحدة، خرج من مقهى كُوريينتس و لِبيرطاد و صعد إلى سيارة أجرة. بينما كان يستحم في شقته، مستمعا إلى الأخبار، تذكر أنه كان قد رأى روميرو آخر مرة  في سان إسيدرو. في تلك الأثناء، كان روميرو يُدعى روميرو بينما هو كان يُدعى بلتران؛ صديقان حميمان قبل أن تفرق بينهما الحياة. ابتسم على مضض تقريبا، مفكرا في ردة الفعل التي يمكن أن يقوم بها روميرو عندما سيراه من جديد، لكن وجه روميرو لم يكن ذا أهمية و في المقابل كان يجب التفكير على مهل في قضية المقهى و السيارة. كان مثيرا للفضول أن تخطر ببال رقم واحد فكرة تدبير قتل روميرو في مقهى كُوتشابامبا و بييدراس، بينما في ذلك الحين، ربما كان هذا الرقم واحد قد تقدم في السن إن أمكن أن نصدق بعض المعلومات. في كل الأحوال، كانت حماقة الأمر تمنحه امتيازا: كان بإمكانه أن يخرج السيارة من المرأب و يركنها و المحرك مشتغلا بجانب كوتشابامبا ثم يبقى منتظرا حتى يصل روميرو كما العادة لملاقاة أصدقائه على الساعة السابعة عشية تقريبا.

anfasse16045تقديم
خلال الخمسينات والستينات ، كتب الجيل الأول من مفكري ما بعد الاستعمار le postcolonialisme ( فرانز فانون، إيمي سيزير ...) أعمالهم في ظل الاستعمار الأوروبي المباشر والحركة الوطنية من أجل الاستقلال السياسي والاقتصادي. لذلك اتسمت العلاقة لديهم بين الستعمر والمستعمر بالصدامية والعنف المتبادل...
وخلال السبعينات والثمانينات ظهر الجيل الثاني (إدوارد سعيد، هومي بابا، أنور عبد المالك...) الذي فتح أفقا جديدا للصراع بين الطرفين ، وبحث عن إمكانيات أخرى لمواجهة الغرب وهيمنته على  صعيد التمثلات والأفكار.
ويعد إدوارد سعيد (1935-2003) من أشهر أعلام هذا الجيل من مفكري ما بعد الاستعمار.  وهو مثقف فلسطيني حامل للجنسية الأمريكية. اشتغل أستاذا للأدب الإنجليزي والأدب المقارن بجامعة كولومبيا. وله عدة مؤلفات منها : الاستشراق (1978)، القضية الفلسطينية (1979)، تغطية الإسلام (1981)، الثقافة والإمبريالية (1993)...
هذا الحوار الذي نقدم ترجمته للقارئ العربي أجري في الأصل باللغة الأنجليزية سنة 1985. وقد نقلته إلى الفرنسية  الفيلسوفة الجزائرية الأصل الحاملة للجنسية الفرنسية، و المهتمة بموضوع الاستشراق وفكر ما بعد الاستعمار سلوى لوست بولبينة Seloua Luste Boulbina  . وقد نقلنا هذا الحوار عن هذه الترجمة الفرنسية.
في هذا الحوار، نجد حضورا للقضايا التي شغلت إدوارد سعيد، ابتداء من تأثره بفرانز فانون؛ ثم اهتمامه بالقضية الفسطينية؛ نقده لتمثلات الغرب حول الشرق ؛ سعيه لبناء ثقافة بديلة تصحح هذه التمثلات وتبرز زيفها...