أوليات الموضوع :
تُوَظِّفُ فئةٌ قليلة من الكتَّاب ، والمخرجين ، والنقاد ، والباحثين الأكاديميين ، والمفكرين الراسخين في العلم داخل بلدان الخليج العربي مصطلحات ، وتصورات ، ومعجمات نقدية جديدة تتعلق بمجالات السرد المسرحي ، سيميائيات السرد المسرحي ، نحو النص المسرحي ، لسانيات النص المسرحي ... أما فئة كبيرة منهم فتوظف مفاهيم ، ومصطلحات ، وطرائق النقد الانطباعي المستهلك ، الذي أصبح لا يصلح لمباهاة الأمم الأخرى ، و(( تصدير )) منهجية تداولية pragmatic ، أو استشرا ف (( نظرية )) نقدية ، عربية ، ملتزمة تكون رائدة في هذا المجال .
تَرْتكزُ المعجماتُ lexicons النَّقدية الجديدة ، التي توظفها الفئة القليلة المذكورة على مسلَّمات ، وأطر نظرية وعملية راجت في بعض البلدان الغربية منذ سبعينيات القرن المنصرم.
تُسَاهِمُ هذِه المجالاتُ النقدية الجديدة في إثراء التجربة المسرحية الخليجية المعاصرة ، وتوسع نطاق الفهم بالنسبة لآليات اشتغال النصوص الدرامية ، كما أنها تطور الممارسة العلمية ، الهادفة ، وتعالج تراثا ثقافيا هائلا ، وهو ما يؤدى إلى تنوع الإنجازات الدرامية في المنطقة .
مَازالتْ كَمِيَّةٌ من هذه الأعمال المسرحية انطباعية ، ويسيرة ، أو متناثرة ، ومختصرة جدا، رغم دورها العلمي والتربوي الفعال بالنسبة للمُشاهد العربي . إنها تمثل إنجازات فكرية مهمة ، تعتمد على أسس ابستمولوجية ، تساهم في تقديم تصور معين عن العالم ، والإنسان في منطقة الخليج العربي ، كما أنها تحدد بشكل واضح قضايا المجتمع المحلي ، وهو ما يساعد المُشاهد على إدراك إنتاجها النظري والعملي ، ومعرفة زيف بعض الأيديولوجيات المتحذلقة ، أو المتشدقة ، والمترفة ...
يُحَقِّقُ اِسْتغْلالُ سيميائيات المسرح الخليجي المعاصر مردودا متميزا ، يساير سياقات النصوص ، ويربط بين الجانب المجرد ، والجانب المتحقق بالنسبة لهذه المنهجيات . تنبع هذه السِّيميائيات من نظريَّة درامية متَّسقة ، لكنها قد لا تضبط أحيانا وبشكل علمي دقيق بعض المظاهر الأساسية ، التي تساهم في بناء العمل الدرامي الخليجي :
1 _ نَحوُ النَّصِّ المسرحي theatrical text grammar المُطَّرِد ، الذي يجب إتباعه ، والاحتكام إليه عند حدوث أي تعارض .
2 _ صِياغةُ الهدفِ بشكل محدد ، وتحديد العلاقات بين النص المكتوب ، وطريقة تمثيله على الخشبة .
3 _ تَعْميمُ اْلمفاهيمِ والمبادئ الموظفة ، وتمحيصها .
4 _ كَيْفيةُ التَّعاملِ مع المنهجيات غير التاريخية .
5 _ تَجاوزُ تحديداتِ المدرسة البنيوية في هذا المجال .
6 _ تَعميقُ البُنى التركيبية ، والدلالية على مستوى النص ، والتداول .
تَطْرَحُ هذِه السِّيميائياتُ مشكلة علاقات الترابط ، والخضوع الموجودة بين النَّص ، وطريقة تمثيله على الخشبة . إنها تركز على الهدف المتحقق من وراء العمل أثناء تعقُّبها لمختلف الرموز ، والوحدات ، والروابط الدرامية بغية تحديد المعنى المراد من خلال النص المكتوب ، وتمثيله أمام المشاهد الحاضر.
تَهْدِفُ سيميائياتُ المسرح الخليجي إلى ضبط :
أ _ أنواعِ وأبعادِ العلامات الموظَّفة في النص .
ب _ دورِ العناصرِ المُساهمة في تشكيل المعنى الدرامي .
ت _ نتائجِ عمليةِ الاتِّصال الدرامي ( الوحدات والطبقات التركيبية ، القيم الدلالية بمعانيها اللغوية ، والأدبية ، والمشهدية ، والتداولية ، العلاقات بين النص والمساهمين في بنائه ، الأنظمة الثقافية : الدين ، العلوم ، الفنون ... ) .
ث _ علاقةِ الإبداعِ المسرحي بعملية التلقي ، والجمهور .
ج _ المواقعِ والرُّتب المختلفة بين الوحدات ، والطبقات الدرامية .
ح _ الفضاءِ والزمن .
خ _ ثنائيةِ : النصُّ / العرضُ .
تُعَالِجُ سيميائياتُ المسرحِ أحيانا مستويات التحليل اللساني كالتركيب والدلالة ، والتداول pragmatic ، وبعض المخططات التي نجدها عند الكاتب البولندي اللامع kowzan T. ، حيث تتم دراسة العلامات المسيطرة على النص المسرحي . نجد أيضا دراسات أخرى تتعلق بوظائف الشخصيات ، وحواراتها المتنوعة .
يَقُومُ المسرحُ الخليجيُّ المعاصر على أعمال أدبية مكتوبة ، تنجز قصد التمثيل أمام جمهور يشاهدها بكل تأثيراتها ، ومقاصدها ، وهو ما يشكل ظاهرة مشهدية متميزة . تخلق هذه الأعمال الدرامية علاقات متنوعة بين النصوص المكتوبة ، وطرائق عرضها على الخشبة . إنها تتميز بطرائق التعبير الواضحة ، وتوزيع المادة ، ووحدات البناء ، ووسائل خلق المعاني ، والبعد السيميائي ، وتنسيق الحوارات المباشرة ، المتكررة ( حوار أيقوني ، حوار أسطوري ، حوار مونولوجي ) ، وعناصر الخطاب ، الحواشي المونولوجية للكاتب ...
تَتَشَكَّلُ هذِه الأعمالُ من خلال أ فعال وحركات الشخصيات الحية ، وحواراتها المرتبطة بحيز زمكاني فعلي ، يكون حاضرا ماديا وأنثروبولوجيا .
يُرَكِّزُ الكُتَّابُ المسرحيون في دول الخليج العربي على الهدف ، الذي يرسمونه سلفا لأعمالهم ، إذ يحددون الفضاءات الزمكانية ، والشخصيات بكل أفعالها وحركاتها المباشرة ، كما أنهم يشيدون البناء التصوري لعملية التلقي والفرجة بكل تقاليدها ، وعناصرها المعروفة . يمنح هؤلاء الكتاب الشخصيات حرية الكلام ، والحوار أمام الجمهور الحاضر ، وهو ما يجسد عملية اتصال بارزة بين الطرفين .
يَنْطَلِقُ كلُّ عملٍ مسرحي من خلال عملية اتصال تتطور أثناء العرض ، الذي يتحد جوهريا مع الخطاب الدرامي ، وهو ما يربط بشكل فني مفتوح بين الكاتب ، والمخرج ، والجمهور . يرتبط هذا العمل بطريقة تكوينه ، وصيغته ، ومعانيه ، وخصائصه الاتصالية ، ودوره الاجتماعي .تحميل بقية المقال
نحو سيميائيات المسرح الخليجي المعاصر ـ أ . د . عبد الجليل غزالة
أدوات
شكل العرض
- أصغر صغير متوسط كبير أكبر
- نسخ كوفي مدى عارف مرزا
- شكل القراءة