" المبدع ليس قسيسا يعمل بدافع المتعة"
"من دون الفن، ماذا تكون سوقية الناس"
جيل دولوز
تقديم
عندما أعلن جيل دولوز في بداية تسعينات القرن الماضي على أننا نتوفر على الكثير من التواصل، لكننا نفتقر إلى الإبداع، إلى مقاومة الحاضر، فإن إرادته كانت متوجهة إلى الإعلان عن حقيقة صيرورة المجتمعات الحديثة، التي أخذت تنتقل من "مجتمعات انضباط" إلى "مجتمعات رقابة". ولعل أبرز مظهر لهذا الإنتقال، هو الدور الذي أصبح يلعبه الإعلام في تحديد ماهية الإنسان الحديث. فالساهرون على مصلحتنا لم يعودوا، ولن يعودوا في حاجة إلى أوساط الإنغلاق(السجون، المدارس، المحترفات، المستشفيات، السجون)، بل فقط إلى توجيه كلمات-أوامر/معلومات قادرة على تكوين منظومة رقابة جديدة. إن مستقبلنا لن يجد مشروعيته في مؤسسات دولة السيادة أو الإنضباط، بل في "منظومة الرقابة"؛ بحيث يمكن للناس أن يجولوا ما شاؤوا وبكيفية حرة، ومع ذلك فهم يظلون تحت مراقبة أعين "عنكبوث عالمي" مزود بأحدث تقنيات الرصد والإتصال. فرضت هذه التطورات على جيل دولوز، الإنخراط أولا في تقديم مقاربة فلسفية للتحولات التي شهدتها المجتمعات الحديثة؛ مجتمعات الإخضاع والتأديب، وأكد على بداية تحولها إلى "مجتمعات رقابة" -متفقا مع فكرة صديقه ميشيل فوكو، ومع الإسم الذي أطلقه ويليام بوروز على هذا النوع الجديد من المجتمعات- وثانيا في البحث عن أشكال جديدة لمقاومة هذا الحاضر، مانحا للفن والعمل الإبداعي أدوار طلائعية لقيادة نضال الإنسانية ومقاومة الموت.
1- نقد دور الإعلام والتشكيك في "كوجيتو التواصل"
يتأسس نقد دولوز للإعلام، على الدور الذي أصبحت تلعبه وسائل الإتصال وتكنولوجيا المعلوميات لإخضاع الفكر وخنق محاولات الإبداع وتشكيل "منظومة رقابة"، وعلى العمل الذي يقوم به فلاسفة الإجماع والفعل التواصلي لاختراع "كوجيطو جديد" يعكس التحول الذي يشهده عصر "ما بعد العلماني"، كما يسميه يورغن هابرماس.
لم يتردد دولوز في إعلان الحرب على ما سماه ب"كوجيطو التواصل"، بتأكيده على أن التواصل ليس ميدانا معرفيا، بل آلة لتشكيل الكليات داخل مجمل الميادين، أي العمل من أجل خلق الإجماع ما بين الأراء؛ فالإعلام لا يعمل بالقوة إلا مجال الآراء(1). ويتم ذلك عن طريق نقل المعلومة ونشرها؛ إن الأمر يتعلق بنشر كلمات– أمر، يقول جيل دولوز، فعندما نخبرك ونطلعك على معلومات، نقول لك ما يتوجب عليك اعتقاده. بعبارة أخرى فالإخبار هو بث أوامر.... نتوصل بالأخبار والمعلومات، يقولون ما ينبغي علينا اعتقاده وكيف نتهيأ لذلك ونكون مستعدين له. بل إن الأمر لا يتعلق بالإعتقاد، وإنما، بالتشبّه، والعمل كما لو. لا يطلبون منا أن نعتقد، وإنما أن نتصرف كما لو كنا نعتقد. هذا هو الإخبار ونشر المعلومات والتواصل، خارج هذه الكلمات الأوامر، وبثها، لا وجود للأخبار، ولا التواصل، ما يدل على أن الإخبار هو منظومة رقابة. هذا أمر واضح، وهو يعنينا اليوم بصفة خاصة"(2). إن الهدف الحقيقي التي تعمل من أجله وسائل الإتصال، هو تشكيل "منظومة رقابة" قادرة على إخضاع الجموع وتحقيق الإجماع، خاصة بعدما أصبحت مؤسسات الإخضاع القديمة: مدارس، مستشفيات، سجون، مواضيع لنقاش متواصل(3)، يقول دولوز:"أليس من الأجدى نشر العلاجات في البيوت؟ ليس من شك أن هذا ما سيسود في المستقبل. أما المحترفات والمعامل فهي تتهاوى من كل جانب. أليس من الافضل نهج طريقة التعاقدات والعمل المنزلي؟ ألا توجد طرق أخرى للعقاب غير السجون؟(4). يبدو أن هناك إحساسا قويا بدخول مجتمعات الإنضباط في سيرورة تحول وانتقال، مع تنامي وعي عميق بإفلاس وعود "الحداثة" وأفكار "ما بعد الحداثة"، الشيء الذي فرض "إعادة كتابة الحداثة" كما هو الحال مع جان فرانسوا ليوطار Jean François Lyotardالذي أراد فتح الجرح، وعثر فقط على سريان المرض واستمرار "الطاعون الكبير"، أو التنبيه مع ميشيل أنفراي Michel Onfray إلى تضاعف علامات انحطاط الحضارة اليهودية-المسيحية وفقدانها الثقة في "ثقافتها ودينها"(أسف أنفراي على عدم اكتمال بناء كاتدرائية سكارديا فاميليا ببرشلونة Scardia Familia Barcelona منذ القرن19) وانتشار الأمية وموت الواجبات وعدم الإيمان بالافكار وأفول معنى المقدس والتعالي وضعف القدرة على الدفاع عن القيم، وأسى ريجيس دوبريهRégis Debray على سيطرة الكاثوليكية المحافظة، وإعجابه بالبرتستانتية الجديدة في أمريكا القوية بطاقتها وغناها وليونتها وتوسعها العجيب، وبالنفعية والتفاؤل الامريكي الذي شكل "ديانة نمو الذات وانفتاحها". إن مثل هذه الآراء التي تحتفي وتحاكم عصرا بكامله/عصر "الحداثة"، هي التي تمنحنا إمكانية التأكيد مع جيل دولوز، على الإنهاك الذي أصاب النظام الرأسمالي وإيديولوجيته الليبرالية -يتجنب كل من ليوتار وأنفراي ودوبريه الكلام عنه- الذي أخذ يفقد إمكانياته التنظيمية والمادية و"الروحية"، في الوقت الذي تتضاعف انعكاساته السلبية الإجتماعية والإيكولوجية والإقتصادية والمالية والأمنية على الصعيد العالمي، بل أصاب أيضا الأدوات الكبرى للترميز؛ القانون، التعاقد، المؤسسة، والتي تزدهر حولها البيروقراطيات؛ أي الإنعكاسات السياسية السلبية للغطاء الليبرالي.
لقد حدّر فريديريك نيتشه من قدوم عصر العدمية وجعل من الفيلسوف طبيب الحضارة، أما جيل دولوز فقد آمن بالحياة واعتبر المحايثة المحضة حياة، في آخر مقالة كتبها قبل أن يقدم على الرحيل(5). لقد قتلت وسائل التواصل الإبداع الحقيقي، وقتلت بعملها الرهيب الرغبة في الحياة القوية والفاعلة، ومنحت الإمتياز للشاهدين والمهرجين؛ أي لكل الوسطاء والزبناء، الممثلين والبهلوانيين الذين يساهمون في التسويق التجاري، سواء تعلق الأمر بتسويق السلع أو البضائع أو الادب أو الفلسفة أو الفن أو الأذواق...إلخ. فكل شيء -بما فيه الإنسان- مرهون لمنطق البيع والشراء والتملك والإستهلاك. ولمقاومة بلاهة وحماقة العصر، راهن جيل دولوز على الفن والعمل الإبداعي، فأكد على ضرورة اللقاء بعمل الرسامين والموسقيين...، للإنفلات من طغيان المنافسين الجدد(الإعلام والتواصل)، ومن النزعة التسويقية الشاملة التي انخرط فيها جيل من السياسيين والمثقفين والكتاب الصحفيين والفنانين والفلاسفة، الذين شكلوا غرفة خانقة ومخنقة، هناك حيث يمر قليلا من الهواء. إنه رفض لكل سياسة، ولكل تجريب(6). هنا تعالت صرخة جيل دولوز، معلنا عن بلوغ العار مداه أخيرا، حينما استحوذت المعلوماتية والتسويق التجاري وفن التصميم والدعاية، وكل المعارف الخاصة بالتواصل، على لفظة المفهوم ذاتها وقالت: هذه من مهمتنا، نحن الخلاقين، إنما نحن منتجو المفاهيم ! نحن وحدنا أصدقاء المفهوم، نجعله داخل حواسيبنا . يصبح الإعلام هو الإبداعية، والشركة هي المفهوم(7).
2-أهمية الفن في فلسفة جيل دولوز
ربط فريديريك نيتشه بين تجاوز العدمية واعتبار العالم "ظاهرة جمالية" وليست أخلاقية، وأكد على قدرة الفن على إنقاذنا، لأنه حفاز لإرادة القوة واستثارة للحياة. واعتبر الرؤية الجمالية للعالم ورشة فنية أو لعبة بريئة، على الفرد الجديد الإنخراط في بنائها أو ممارستها. لم يتردد نيتشه في فضح كل تصور ارتكاسي للفن(8)، وطلب بعلم جمال للإبداع. لكن لماذا يظهر الفن، من وجهة النظر هذه بالضبط، كحافز لإرادة القوة؟ لماذا تحتاج إرادة القوة لمثير، هي التي لا تحتاج إلى علة، أو هدف أو تمثيل؟ يتساءل جيل دولوز: ويجيب :"ذلك لأنها لا تستطيع أن تنطرح كإثباتية إلا في علاقة بالقوة الفاعلة، بحياة فاعلة. إن الإثبات هو ناتج فكر يفترض حياة فاعلة كشرطه وملازمه. وفقا لنيتشه، لم يتم بعد فهم ما تعني حياة فنان: نشاط هذه الحياة الذي يلعب دور حفّاز للإثبات المتضمّن في العمل الفني بالذات، إرادة قوة الفنان بما هو فنان"(9). يعكس الإثبات المتضمن في العمل الفني الحقيقة كظاهر وكإتمام للقوة، والإرادة كتغيير وتحويل، وبراءة الصيرورة كضرورة للبدء. أما قوة إرادة فنان، فتتجلى في قدرته على إدراك أشياء قوية في الحياة، و"الإستجابة للإشارات الحسية التي ترد من العالم" بتعبير رونالد بوغRonald Bogue ؛ إنه "عراف" أو "رائي"، بإمكانه رؤية ما لم يراه الآخرون؛ رؤية أشياء لا تحتمل.
يحدد جيل دولوز عمل الفنان(رسام أو نحات أو موسيقى...)، في تأليف أحاسيس وإبداع مؤثرات إنفعالية، في علاقاتها مع المؤثرات الإدراكية أو الرؤيات التي يمنحنا إياها. فهو لا يخلقها فقط في أعماله، بل إنه يعطينا إياها ويجعلنا نصير معها، ويدرجنا في المركّب(10). إن الفنان هو من يصنع إمكانات القوة، وإنتاج "الأثر" الذي يخرج الإنسان من حدوده الإنسانية ويدفعه لاكتشاف صيرورات الوجود الأخرى(11)، بل يفتحه على الصيرورات اللامتناهية للوجود(12). على هذا الأساس يصير الفن موقف من العالم، وتغيير عميق لكيفيات تمثلنا للقوى والأشياء التي تعمّره، الفن يغير طبيعة إدراكنا للواقع(13). يتعلق الأمر في الفن، أولا وأخيرا، بالقدرة على إنماء الحياة. وهذا مشروع كبير وحده الفن قادر على أن يشارك بقوة في خلقه، عن طريق الغوص في أعماق الكاووس ليلتقط ممكناته ويثبتها كقوى "إحساس" Affect وحياة(14).
يمكن الآن أن نتساءل عن دور العمل الإبداعي، سواء عند موسيقي أو فنان تشكيلي مثلا. ولنبادر إلى التساؤل عن الأثر الذي يحدثه سماع قطعة موسيقية أو مشاهدة لوحة عظيمة؟. نعتقد في الغالب، أن الأمر يتعلق في الفنون بتحصيل استمتاع أو استلذاذ أو بتزجية الوقت في آخر الأسبوع، وإذا تثقّف بعضهم سيعلن عن "تغذية الروح" وسهولة التواصل التي تحققها الاشياء المسمات ب"الجميلة". إن قضية الفن السامية، ليست لها أية علاقة بالتجميل والتزيين ولا بالتواصل، بل بمدى التمكن من القبض على الحكم الذي يُحفظ ويحفظه العمل الإبداعي(15). ولعل أهم شيء يُحفظ هو كتلة الإحساسات، أي مركب من المؤثرات الإدراكية والإنفعالية والحسية(أحاسيس بصرية، سمعية، ذوقية). ففي الرسم، يتعلق الأمر حسب بول كلي Paul Klee بجعل الشيء مرئيا، ويتضمن هذا: أن القوى ليست مرئية، وبالنسبة لموسيقي، فالأمر هو نفسه. في الموسيقى، هناك علاقة وطيدة بين الأغنية والصرخة، إن العلاقة صرخة-أغنية تحرك مشاعري، يقول دولوز. فالموسيقي، يجعل مسموعة قوى ليست مسموعة، لا ينقل المسموع، بل يجعل مسموعا شيئا لم يكن بعد مسموعا(...)، جاعلا قوى الأرض مسموعة(16).
3-الفن كإبداع ومقاومة
يتجه الإنسان الآن بخطى حثيثة نحو نفي الحياة بل قتلها، إذ لا يكف عن سجنها وتسميمها؛ إنها "بلاهة وفظاعة العصر الحديث". فكيف يمكننا منع الحماقة من أن تكون هائلة؟ وما الوسائل الكفيلة بمقاومة الخطر الحالي؟
إن الإنسانية الآن، تعيش وضعا استثنائيا، يفترض "الخجل من كون المرء إنسانا"؛ هذه عبارة/صرخة لبريمو ليفيPrimo Levi ، طالما رددها جيل دولوز لاستدعاء القوى القادرة على الإبداع؛ أي على المقاومة. في هذا السياق أكد دولوز على دور الفن في تحرير القدرة على الفعل، وتحرير الحياة من السجون التي خلقها الإنسان، وهذا ما تعنيه المقاومة(17)؛ ف"أن تبدع يعني أن تقاوم". إن شعور دولوز بالأخطار التي أصبحت تهدد الحياة- وتهدد معها الفلسفة التي تتعرض لعمليات إعاقة وفرض رقابة عليها، والإعلان عن موتها حتى !، بل الشروع في اغتيالها عن طريق تقديم دعم استثنائي لمنافسيها الجدد(معلوميات، تواصل مثلا)- أجبره على فضح هذا "العمل/الإجماع" المخجل، ونقد "مجتمع التواصل" و"كوجيتو التواصل" الذي قال عنه بأنه "أكثر مدعاة للشك من الكوجيتو التأملي"(18). في حين استنجد بالفن والعمل الإبداعي، من أجل مقاومة الموت والعبودية، مقاومة ما هو مرفوض كليا، مقاومة العار والحاضر(19).
يرى دولوز، أن العمل الفني لا علاقة له بالتواصل، ولا يحتوي مطلقا على معلومات. بل هناك تقارب جوهري بين العمل الفني وفعل المقاومة، يقول:"طور مالرو مفهوما فلسفيا مثيرا للإعجاب. قال شيئا بسيطا جدا عن الفن. قال أنه الشيء الوحيد الذي يقاوم الموت...، يكفي أن ننظر إلى تمثال صغير عمّر من ثلاثة ألف سنة قبل الميلاد كي تتأكد أن جواب مالرو جواب جيد.... أن الفن هو ما يقاوم.... من هنا العلاقة الوطيدة بين فعل المقاومة والعمل الفني.... وحده فعل المقاومة يقاوم الموت، إما في شكل عمل فني، أو في شكل نضال إنساني(20).
لا يرى جيل دولوز أية علاقة بين الفن والتواصل؛ فالتواصل له علاقة بالرأي والآراء التي هي وظائف المعاش، والتي تزدهر فوق انفعالات الإنسان وأبديتها(21). أما العمل الفني فله علاقة بإبداع المؤثر الإنفعالي أو المؤثرات الإنفعالية التي تترابط أو تُشتق في مركبات من الإحساسات القادرة على إضافة متغيرات إلى العالم و قلب "الراي الشائع في المشاعر" بتعبير دولوز. يصعب تطوير التحديدات التالية: "المشاعر كعلاقة قوة أو طاقة"، و"الإدراك ككمية معلومية"، و"القوة هي ما يُدرك ويشعُر"، لأن قوام عناصر الإدراك وعناصر الشعور المحض لا تزال تفلت منا وتحيلنا إلى مجرد وجود الفنون(22). لكن هذا لن يمنعنا من التأكيد الغاية الاساسية والقصوى التي يتوجه إليها العمل الفني، وهي القبض على اللحظة وجعلها دائمة، وإزالة كل ما يلتصق بإدراكاتنا الجارية والمعاشة من "نفاية، وموت، وحشو"(23)، واختراع انفعالات عظيمة مجهولة وجعلها تبرز للعيان، وإبداع مؤثرات إدراكية قادرة على جعل القوى غير المحسوسة التي تسكن العالم قوى محسوسة، وجعلها تؤثر بنا، وتحولنا إلى صيرورة(24). إن أصالة العمل الفني تتوقف على عملية التأليف والتركيب الجمالي، وكل ما ليس مركبا ليس عملا فنيا.... والتركيب الجمالي هو عمل الإحساس(25).
خاتمة
لقد وجدت قوى الإبداع والخلق نفسها أمام خصم عنيد، منافس وقح وشتام، خصم أسقطنا بالفعل في كارثة مطلقة بالنسبة للفكر، وذلك مهما كانت بالطبع الفوائد الإجتماعية من وجهة نظر الرأسمالية الشمولية(26). لكن كلما اصطدمت الفلسفة بمنافسين متهورين وأغبياء، وكلما التقت بهم داخل مركزها، فإنها تشعر بحيوية لأداء مهمتها(27). إن حيوية الفلسفة والفن، تتطلب مزيدا من الصبر والعمل الدؤوب، غاية في ولادة الجديد وإبداع ما هو مجهول. فنحن لا نفتقر إلى التواصل -يقول جيل دولوز- بل نفتقر إلى الإبداع، نفتقر إلى مقاومة الحاضر. علينا أن لا نحزن، ونحن نحيا "عصر التواصل"؛ عصر فقير جدا من حيث لحظات الإبداع والفرح، لكننا لن نكف عن استدعاء تفكير الفيلسوف وعمل الفنان لتحرير حاضرنا من استمرار البلاهة(28)، مع عدم الكف عن المناداة عن شعب جديد مع أرض جديدة، والإيمان بدور الفنان في جعل الإبداع آلة حرب وقوة رحالة، قادرة على صنع "صحة اليوم القادم" بتعبير دولوز.
الهوامش:
1-جيل دولوز-فيليكس غتاري: ما هي الفلسفة؟ ترجمة مطاع صفدي وفريق مركز الإنماء القومي، مركز الإنماء القومي، الطبعة الأولى، ص31.
2- جيل دولوز: ما هو العمل الإبداعي؟
http://www.alittihad.ae/details.php?id=5042&y=2017
3- جيل دولوز: ما هو العمل الإبداعي؟. من المهم جدا التأكيد على فشل المراهنين على الدور الذي يمكن أن تلعبه المدرسة والبيداغوجيا في كسب أهداف تربوية ومنافع عقلية وفضائل أخلاقية، بعد أن حل المنافسين الجدد، و"الاجهزة الجديدة للسلطة داخل الفكر ذاته". يعطي جيل دولوز مثال اللسانيات التي حققت انتشار واسعا في اللحظة ذاتها التي تطور فيها الإعلام كسلطة، وفرض صورته على اللغة والفكر، صورة مطابقة لعملية إصدار الأوامر وتنظيم اللغو"، جيل دولوز وفليكس غتاري: ما هي الفلسفة؟ ص24.
4- جيل دولوز: ما هو العمل الإبداعي.
5-جيل دولوز: المحايثة: حياة....
مقالة منشورة ضمن كتاب:Gilles Deleuze : Deux régimes de fous,Textes e Entretiens 1975-1995, Edition préparé par Davide Lapoujade, Les Editions de Minuit, 2003, Page 359.
6- جيل دولوز:"الفلاسفة الجدد"، ترجمة عبد العالي نجاح، موقع ثقافات، يناير 2015.
7-جيل دولوز- فليكس غتاري: ما هي الفلسفة؟ ص35.
يقول دولوز-غتاري:"أصبحت الصورة الوهمية، أو إيهام علبة الماكارونا، المفهوم الحقيقي، أصبح المقدم، العارض للمنتوج، سلعة كان أو لوحة فنية، هو الفيلسوف أو الشخص المفهومي أوالفنان"، جيل دولوز-فليكس غتاري: ما هي الفلسفة؟ ص35.
يتوجه دولوز- غتاري إلى يورغن هابرماس وفلسفته في التواصل التي تبدو بعيدة عن الغاية من وجود الفلسفة:"لا بد أن تكون فلسفة التواصل على شيء كثير من البراءة أو المكر حين تدعي إقامة مجتمع الاصدقاء أو حتى الحكماء، بحيث يشكل هذا المجتمع رأيا عاما شموليا كإجماع قادر على تخليق الأمم، والدول والسوق"، جيل دولوز وفليكس غتاري: ما هي الفلسفة؟ ص120.
يؤكد دولوز على ضرورة تغيير خطاطة علم الإعلاميات. تنطلق خطاطة علم الإعلاميات من إعلام نظري يفترض أنه في أعلى درجاته، وتضع في في الحد الآخر الضجيج كضوضاء يكون مضادا للإعلام، وتضع بينهما اللغو الذي يقلل من الإعلام النظري ولكن يسمح له أيضا بالإنتصار على الضجيج. إن الأمر عكس ذلك: هناك في المرتبة الأعلى اللغو كنمط من الوجود وانتشار الأوامر (الصحف و "الأخبار" تعمل عبر اللغو)؛ وهناك في الأسفل الإعلام – الوجه كحد أقصى يكون دائما مطلوبا لفهم الأوامر. جيل دولوز- كلير بارني: حوارات في الفلسفة والأدب والتحليل النفسي والسياسة، ترجمة عبد الحي أزرقان-أحمد العلمي، أفريقيا الشرق، 1999، ص13.
8- يقول دولوز:"حين كان أرسطو يفهم الماساة كتطهير طبي أو كتصعيد اخلاقي، كان يعطيها، فائدة، لكن فائدة تختلط بفائدة القوى الإرتكاسية. وحين يميز كانط الجمال من كل فائدة، حتى أخلاقية، يضع نفسه أيضا من وجهة نظر ردود فعل مشاهد، لكن مشاهد أقل فأقل موهبة: لم يعد ينظر إلى الجمال إلا نظرة منزّهة. وحين يبلور شوبنهاور نظريته عن التجرد (من الفائدة)، يعمم باعترافه الشخصي تجربة شخصية، تجربة الشاب الذي للفن عليه (كما للرياضة على الآخرين) تأثير مهدّئ جنسي"، جيل دولوز: نيتشه والفلسفة، ص130.
9-جيل دولوز: نيتشه والفلسفة، ص131.
10- جيل دولوز-فيليكس غتاري: ما هي الفلسفة؟ ص184.
11-عادل حدجامي: فلسفة جيل دولوز عن الوجود والإختلاف، دار توبقال للنشر، الدارالبيضاء، المغرب، الطبعة الأولى، 2012، ص166.
يقول الموسيقار العالمي ياني:"أريد أن أشجع الناس، وأجعلهم يشعرون بالسعادة عندما يغادرون حفلي، أريدهم أن يشعروا بالقوة"(التشديد مني).
https://www.youtube.com/watch?v=1Ti_62nWV6M
12- يقدم دولوز-غتاري صورة مثالية لفنان حقق "معاودة" أو"لازمة" لشكل التفاعل والتلاقي الذي تؤسسه الذات مع الوجود، وهو "شومان" الذي تجسدت في أعماله الفنية عملية التفاعل الفريد بين لحظات "المواجهة مع الكاووس" و"الفتح على قوى الكوسموس،" و"ترسيخ قوى الأرض". فالفن هو ما يفتح على الوجود والحياة، وهو التحقق الأقوى للصيرورات التي تجعل من كينونة الإنسان تحولا وترحلا ومعاودة لا تنقطع. عادل حدجامي: فلسفة جيل دولوز عن الوجود والإختلاف، ص166.
13-جيل دولوز وفيليكس غتاري: ما هي الفلسفة؟ ص165.
يقول دولوز-غتاري: "الفن هو لغة الإحساسات أكانت بالكلمات أم بالألوان أم بالأصوات أم بالأحجار. الفن ليس له رأي. الفن يفكك التنظيم الثلاثي المركب من المدركات والإنفعالات والآراء، ليستبدله بنصب مركب من المؤثرات الإدراكية والإنفعالية وكثل الإحساسات التي تقوم مقام اللغة". جيل دولوز-فيليكس غتاري: ما هية الفلسفة؟ ص184.
14- عادل حدجامي: فلسفة جيل دولوز في الوجود والإختلاف، ص163.
يقول الموسيقار العالمي ياني:" الحياة دائما كانت هي الملهم، تمنحك التجربة والشغف والألم والسعادة والحياة، وأنا منفتح على الحياة، ليس منغلقا، أحب أن تاتي الاشياء. لدي مشاعر وأحاسيس، مثلك ومثل أي شخص آخر.... أنا حساس جدا، ولكن لا أعلم إن كنت حساسا أكثر، ولكنني حساس. وحرصت طوال الأعوام الماضية على عدم الإنغلاق. لقد سافرت إلى كل أنحاء العالم، وجربت أشياء كثيرة في الحياة، السيء والجيد والجميل، كل شيء تمنحه الحياة. وما أومن بأنه مهم للغاية، هو ما الذي يبقى فيك حينما تمر بكل هذه التجارب في الحياة. أكون مرآة لشعوب...، أقول ما أراه وكيف أراه، هذا مهم للغاية". حوار خاص مع ياني Yanni، https://www.youtube.com/watch?v=RVUg_lNOVvY.
15-يقول دولوز-غتاري:"إن الفن يحفظ، وهو الشيء الوحيد في العالم الذي يُحفظ. فهو يحفظ ويُحفظ بذاته حكما(qui juris) بالرغم من أنه في الواقع لا يدوم أكثر من حامله ومن مواده(qui facti ?) (الحجر، القماش، اللون الكيميائي، إلخ)، جيل دولوز-فليكس غتاري: ما هي الفلسفة؟ ص171.
16-حوار جيل دولوز وكلير بارني:
-O comme Opéra
-Gilles Deleuze : Abécédaire, entretien avec Claire Parnet, un téléfilm français produit par Pierre André Boutang et réalisé Michel Parmart, tourné entre 1988 et 1989.
-ألف باء دولوز-ترجمة أحمد حسان.file:///C:/Users/dell/Desktop/ألف%20باء%20دولــــوز.html
17-حوار جيل دولوز وكلير بارني:
-R comme Résistance
18- جيل دولوز-فيليكس غتاري: ما هي الفلسفة؟ ص120.
19- جيل دولوز-فيليكس غتاري: ما هي الفلسفة؟ ص122.
من المثير جدا، أن دولوز لم يستنجد ب"الإعلام المضاد"، وأكد بأنه لم يجد نفعا، ولم يكن كافيا. يقول عن دور الإعلام المضاد في فترة حكم هتلر:"ما من معلومة مضادة أزعجت هتلر. اللهم في حالة واحدة. ما هي هذه الحالة؟ هنا سيتخذ الأمر أهمية. الإجابة الوحيدة هي أن الإعلام المضاد لا يصبح ذا فعالية إلا إذا كان أو غدا فعل مقاومة. وفعل مقاومة ليس معلومة ولا معلومة مضادة. لا تغدو المعلومة المضادة ذات فعالية إلا إذا أصبحت فعل مقاومة"، جيل دولوز: ما هو العمل الإبداعي؟.
20- جيل دولوز: ما هو العمل الإبداعي؟
21- جيل دولوز-فيليكس غتاري: ما هي الفلسفة؟ ص163.
22- جيل دولوز-فيليكس غتاري: ما هي الفلسفة؟ ص142 و143.
23- جيل دولوز-فيليكس غتاري: ما هي الفلسفة؟ ص180.
24- جيل دولوز-فيليكس غتاري: ما هي الفلسفة؟ ص190.
25- جيل دولوز-فيليكس غتاري: ما هي الفلسفة؟ ص199 و200.
26- جيل دولوز-فيليكس غتاري: ما هي الفلسفة؟ ص36.
27- جيل دولوز-فيليكس غتاري: ما هي الفلسفة؟ ص35.
28- لقد عمرت البلاهة زمنا طويلا؛ فبعد مواجهة فلاسفة القرن السابع عشر لقلقهم السلبي المتمثل في منع الخطإ وصد مخاطره، ولدت مشكلة أخرى في القرن الثامن عشر تمثلت في شجب "الأوهام"؛ أوهام العقل. بعد ذلك حدث انزلاق تدريجي ابتداء منذ القرن التاسع عشر لتحل "البلاهة"، (حوار جيل دولوز وكلير بارني، H comme Histoire de la philosophie). لذلك طرح جيل دولوز في أواخر القرن العشرين سؤالا طريفا ومزعجا: كيف نصد البلاهات؟، مؤكدا على خطورة البلاهة أكثر من الخطإ والوهم. يمكن للقارئ الكريم الوقوف على خطورة البلاهة، بالرجوع إلى مقالتنا: "مهمة الفلسفة: مقاومة البلاهة والفظاعة"، موقع أنفاس للثقافة والإنسان، 18 مارس 2016.