سنحاول في هذا المقـــال التطرق لمفهوم "الانخـراط/ L’implication"، بالاعتماد على الدراسة التي أنجزها البيداغوجي الفرنسي Patrick BOUMARD ، فعرضنا سيكون بمثابة قراءة في قراءة، أي قراءة للدراسة التي أقامها باتريك بومار لمفهوم الانخراط بمنهجها و إشكالاتها و كذا مفاهيمها. بالتالي و من الناحيـة المنهجيـة كان لابد لنا من الإحاطـة بمفهوم الانخراط من الناحية الدلالية/اللغوية لا لشيء إلا من أجل تقريب الصورة و من تم الانفتاح على الدلالة الفلسفية و التربوية التي يحملها، من هنا سيأتي مقالنا على مجموعة من المحطـات النظرية و التي هي كالآتي:
1- مفهوم الانخـراط/L’implication وقفة مع الدلالات: -و من خلالها سنعرض للدلالة المعجمية لهذا المفهوم في صيغتها الفرنسية.
2- مسارات و استعمالات مفهـوم الانخـراط في الحقلين الفلسفي و الإبيستيمولوجي : -و التي سنعرض من خلالها لقراءة المفكر الفرنسي لمراحل تطور هذا المفهـوم.
3- مفهـوم الانخراط و فلسفة التربية أية علاقة؟: -و سنعرض من خلال هذه المحطة وكما يحيل عنوانها للروابط المعرفية ما بين مفهوم الانخراط كمفهوم فلسفي و فلسفة التربية كحقل معرفي لاشتغـال اللوغوس بناءا على الإشكالات التي تم طرحها في المحطة السابقة.
4- الانخـراط و هدف التربية الجمـالية: -و مهمتها الإشارة إلى أحد الأوجه النظرية لمفهوم الانخراط ممثلتا في التربية الجمالية.
5- انخراط العائلات في السيرورة التعليمية لأطفالهم: -و هي المحطة الأخيرة التي سنسعى من داخلها إبراز أحد الأوجه التي يكتسيها مفهوم الانخراط في المجـال التطبيقي/العملي.
1- مفهوم الانخـراط/L’implication وقفة مع الدلالات:
إن ضرورة التطرق للدـلالة المعجمية لمفهوم الانخراط و خصوصا في الصيغة الفرنسية نابعة بالأساس من التعدد الدلالي "La Polysémie " لهذا المفهوم و الإشكالات الناتجة عن ذلك، وهو ما سيتضح لنا بصورة أكبر مع التتبع المعرفي الذي قام به بـاتريك بـومار .
إذا و لكي نلج في صلب موضوع هذه المحطة نقول بأن L’implication كما ورد في معجم HACHETTE الموسوعي (Dictionnaire HACHETTE encyclopédique) تعطـى له دلالة أولية/أسـاسية تجعلنا على دراية بالفلك الذي يدور به موضوع دراستنا و مفادها "أي هاته الدلالة" هو كالآتي:
« 1 Action d’impliquer, fait d’être impliqué dans, par ex Son implication dans cette affaire a été prouvée. » ; « 2 Fait de s’impliquer dans une activité, motivation. »[1]
من هنا يمكـن أن نستشف بأنه يحيل مباشرة على لانخراط و الاشتـراك في فعـل و نشاط ما، أي التدخـل الواعي أو الغير واعي مما يدل بالضرورة على تغير الحالة الأولى للموضوع و فاعلية المتدخل.
إن هذا التعريف يبدو للوهلة الأولى بسيطا غير أنه و بمجرد ما نجعله موضوعا للتفكير الفلسفي حتى يصير مركبا و منطويا على عدة إشكـالات، هاته الأخير التي ستكوِّن مجال اشتغال باتريك بومـار و ذلك عن طريق تتبعه لمسار تبلور هذا المفهوم. وهو ما ينقلنا إلى المحطة الموالية.
2- مسارات و استعمالات مفهـوم الانخـراط في الحقلين الفلسفي و الإبيستيمولوجي:
في معرض بحث باتريك بومـار تم تقصي أهم مراحل تطور معنى مفهوم الانخراط و استعمـاله، هذا التطـور الذي أنتج مجمـوعة من الإشكـالات نسطـر على أهمها في علاقة الذات بالموضوع وتداخلهما ومسألة الحيادية في العلم و كذا دور الذات في إنتاج المعرفة باعتبارها منخرطة في الواقع الاجتمـاعي و ليست بمنأى عنه، إن باتريك بومار يشير إلى أن استعمال مفهوم الانخـراط يربطنا مباشرة بتيار التحليل المـؤسسي/المؤسساتي و اشتغاله على هذا المفهوم، فـ"رينيه لورو- René Lourau" أحد أبرز رواد هذا التيار كما يوضح لنا ذلك باتريك بومـار ، يعيد جذور استعمال مفهوم الانخـراط إلى هيجل و بالضبط إلى كتاب المنطق، فهو يعلن "أي لورو" في كتابه "نشأة مفهوم الانخراط- Genèse du concept d’implication ": أن معرفتنا لا تستحضر فقط الموضوع الذي تعيه بل تستحضر ذاتها في الوقت ذاته"، ونحن إن أردنا ربط كل ذلك بهيجل يمكن القول أن من خصائص الروح التعقل الذاتي "وعي الوعي"، لذا لا عجب أن باتريك بومار بمجرد ذكره للجذور الهيجيلية للتحليل المؤسسي يذكر مباشرة فيمينولوجيا هوسرل و التحالف الذي يريد تيار التحليل المؤسسي إقامته معها في شخص سارتر، وكل ذلك في سبيل انتقاد الوضعية العلمية و وهم المقاربة الموضوعية و التأكيد على أولوية الذات في بناء المعنى، و الانخراط كما يقول باتريك هو الحجة العظمى لنقد هذا الوهـم، إن كل هذا ينصب حول عدم إمكانية فصل ما هو ذاتي، غير أن التحليل المؤسسي و باتريك بومار ذاته "فهو الآخر ينتمي لهذا التيار" سيذهب إلى أبعد من ذلك بإبراز دور ما هو ذاتي في إنتاج المعرفة، وهو الشيء الذي تم التدليل عليه من خلال "Le contre-transfert freudien "، بحيث أن هذا الأخير يتمثل في العلاقة التي تجمع المحلل النفسي و المحلل نفسانيا و التي يتولد جراءها إحساس لاشعوري في نفس المحلل بتداخل ذاته مع المريض، الشيء الذي يلعب دورا مهما في تشخيص حالة المريض و معرفتها، من هنا يلعب انخراط الذاتية دورا مهما في بناء المعرفة، و يذهب باتريك إلى أن التيار المؤسساتي الذي يهتم بالحقل الإجتماعي و ليس فقط بالمؤسسة المدرسية يفضل البعد المنهجي لسؤال دور الذات في بناء المعنى، و هو السؤال الذي نجده حاضرا في ممارسة التحليل النفسي. لذا سيقوم التيار المؤسسي في شخص رينيه لورو بدفع أبحاثه في الحقل الاجتمـاعي الكلي، بطرحه للدور الجوهري للذات في بناء المعارف، مما سيجعل مفهوم الانخراط كما ذكر باتريك بومار إلى لعب دور أساسي في الأبحاث الأنثربو-إجتماعية.
وهو ذات الشيء الذي يذهب إليه مفكر مؤسساتي آخر هو "جـاك أردوانو-Jack Ardoino"، مسطرا على الاختلاف مابين الانخـراط الواعي و الغير واعي.
إن الإشكـال الإبيستيمولوجي الذي طرحه مفهوم الانخراط لا نجد الإجابة عنه بدور الذات الأساسي فقط لدى رينيه لورو أو جاك أردوانو بل أيضا لدى المفكر الألماني هاينس جورج غادامير في المجال الهيرمونيطيقي و تأكيده على قراءة النص أو اللوحة الفنية بما نحن عليه حتى ينصهر أفق الماضي و الحاضر فينبثق فهم جديد.
استعمـال آخر لمفهوم الإنخراط يحيلنا إليه باتريك بومار تم توظيفه من بعض التيارات الأنثروبولوجية الأنجلوساكسونية، هذا التوظيف و بحسب البحث الموضوع أمامنا إنطلق من الأزمة الباراديمية لتيار التحليل المؤسسي و المتمثلة في إهمـال الواقع الاجتماعي و دوره، من هنا كانت الإجابة المقدمة من طرف هاته التيارات هي الانخـراط في الواقع الاجتماعي و تحليله انطلاقا من "التفاعل الرمزي" لأفـراده، مما يجعل الباحث مجـرد واصف و ليس بمحلل، فيتم على سبيل المثال تحليل النظام التعليمي انطلاقا من التفاعل الرمزي ما بين التلاميذ و الفاعلين التربويين، وهو الشيء الذي اعترض عليه كل من رينيه لورو و باتريك بومـار و تم تمييزه عن "L’implication " بـ"sur-implication ".
وعليه، إن كانت التيارات الإثنوميثودولوجية تقر بأنها لا تقدم أي حقيقة حول المجتمع بل مجرد وصف، فإن التيار التحليل المؤسسي هو ذاته يقر بأنه ليس هناك أي تقدم حيادي/موضوعي نحو الحقيقة، فتكمن في الأخير أهمية الانخراط بحسب باتريك بومار ليس في الانخراط ذاته بل في التحليل الذي يقدمه هذا الانخـراط، وهو الشيء الذي ينبغي أن يتم تناول به التربية، فكيف يمكن إذا تطبيق هذا الطرح في المجـال التربوي؟ و ماهي البيداغوجيا التي يجد فيها هذا الطرح أساسه العملي/التطبيقي؟ هذا ما سنتناوله في المحطة الموالية. و لكن وقبل الشروع في ذلك سنشير إلى تناول آخر غير الطرحين السابقين الواردين في بحث باتريك بومار، لا لشيء إلا لنؤكد على غنى الموضوع و تشعبه.
فنجد هذا الطرح المغاير ممثلا في بحث بيير بورديو المعنون بـ"تـأملات بـاسكالية- Méditations Pascaliennes"، و بالضبط في فصله المعنون بـ"نقد العقل السكولائي- Critique de la raison scolastique" محور L’implication et l’implicite " ، فيعلن ما يلي :
« C’est parce que nous sommes impliqués dans le monde qu’il y a de l’implicite dans ce que
nous pensons et disons à son propos. »[2]
بمعنى أن انخـراطنا في العالم يجعلنا بالضرورة وبصيغة ضمنية نفكر ونتحدث من خلاله، و هذا راجع بحسب بورديو إلى احتلالنا لوضعية معينة في الحيز الاجتماعي، و أن هناك بناءا من طرف الدوكسا يختلف باختلاف الحقول.
إذن فهذا الطرح مغاير تماما للطرحين السالفي الذكر و اللذان يجدان جذورهما في الفلسفة الكانطية و الأنا الترنسدنتالية.
3- مفهـوم الانخراط و فلسفة التربية أية علاقة؟:
إن مهمة هذه المحطة ستتمثل في الإجابة على الإشكالين السابقين، ولكن كنظرة أولية سنلاحظ بأن هناك عدة تناولات لمفهوم الانخـراط من الممكن أن تقدم لنا فهما معينا لفلسفة التربية، فعلى سبيل المثال يمكن تناول الجانب الذي يتطرق للمدرس كفاعل تربوي، فانخـراطه في العملية التربوية و تغييـره للآخر تجعله هو الآخر خاضعا للتغييـر، بمعنى تغيرا في فهمه للعملية التربوية و في الأفكـار المسبقة التي شكلت فهمه حول سير هذه العملية و فهمه للآخر الذي سيدرسه، مما يجعل مهمته مشابهة لعملية contre transfert التي تطرقنا إليها، ومن هذا الجانب يمكن أيضا ربطه بالإشكال المتعلق بكيفية تطبيق الطرح الذي قدمه باتريك بومـار، وذلك بتعليق مهمة المدرس في تقديـم دراسة إنطلاقا من تجـاربه الذاتية المتعلقة بانخراطه في العملية التربوية و تغييـر الآخـر، مما قد يمكن من بناء معرفة حول ماهيـة النظام التربوي الأفضـل، وهو الشيء الذي يتـوافق و النظرة الفلسفية التي قدمهـا بـاتريك بومـار، كمـا يمكننا طرح المسـألة بإعطاء المحـورية هذه المرة للتلاميذ، وذلك بتحفيـز قدرتهـم على إنتاج المعرفة وإكتسابها في ذات الوقت، وذلك بجعلهم ينخرطون في الحياة المدرسية عموما و تسيير القسم خصوصا انخـراطـا شخصيـا و كما وسبق أن أشرنا في المحطة الأولى بأن الانخـراط يحيل إلى تغير الحالة الأولى للذات و الموضوع بمعنى التفاعل بينهما، يمكن القـول بأنه وبحسب موشييلي- Mucchielli يُعتبر السلوك التفاعلي داخل القسم وسيـلة من وسـائل اكتساب المعرفة و إنتاجهـا و إثارة مناخ وجـداني.[3]، ولكن كل هذا يبقـى مجـرد تصور نظـري إن لم يجد تطبيقه في بيـداغوجيـا معينة، و التي لن تكـون سوى "البيداغوجيـا المؤسساتية/المؤسسية- Pédagogie institutionnelle" و التي تعد بحسب آيـدا فاسكيس- Aida Vasquez كما ورد في معجم علوم التربية: "مجموعة من تقنيات و طرائق العمل التي تولدت من خلال ممارسة نشيطة للتعليم، تضع الأطفال و الراشدين داخل وضعيات جديدة و متنوعة تتطلب من كل واحد منهم انخـراطا شخصيا، و روح المبادرة وحب النشاط، والكثير من الصبر."[4]، وبالرغم من إشـارة بـاتريك بـومار في بحثه إلى أن البيداغوجيا المؤسسية خصوصا مع ميشيل لوبرو - Michel Lobrot تطورت نحو البعد البسيكو-إجتماعي و نظرية الجماعات، إلا أنها تظل الأقرب نسبيا إلى التصور الفلسفي الذي يحكم التحليل المؤسسي، ففي الأخير يظل هذا التحليل يركز على الدراسة المنهجية للسلوك الجماعي للأفراد من داخل المؤسسـات.
و بذلك يتضح لنا كيف أن الانخـراط كمفهوم مرتبط أشد ارتباط بميدان فلسفة التربية، ويتيح لنا تناوله فلسفيا إمكانية تأسيس فهم معيـن لهـا. هذا التنـاول الفلسفي له سنحـاول رؤيـة تجليـاته في التربية الجمـالية كمـا تصورهـا فريدريك شيــللر.
4- الانخـراط و هدف التربية الجمـالية:
إن مفهـوم الانخـراط قد يبدو بمنــأى عن ميدـان التربيـة الجمـالية، ومن الممكن أن يتم اعتـبـار تناولنا ليس إلا موازاة شكليـة مع مـا سبق وعدم وجود رابط حقيقي، ولكن وبالرغـم من ذلك سنـعرض هذا التنـاول متبعين في ذلك فعـل رينيـه لورو الذي سطر كتاب المنطق لهيـجل كإحالة أولى لنشـأة مفهــوم الانخـراط، فنحن هنا بصدد تسطيـر كتـاب مدخـل إلى علم الجمـال لهيجل و بالضبط في الفصل الثالث المعنون بـ"الفن منظورا إليه من وجهة النظر الفلسفية" المحـور الثاني "شيللر، غوته، شيلنغ" كإحـالة أولى لفهـم انخـراط الفرد في تمثيـله الموضوعي على ضوء رسـائل التربية الجمـالية لشيللر التي ذكرها هيـجل، فشيـللر و كما ذكـر هيجـل ينطلق من مبدأ أن كـل إنسـان فرد يحتوي على بذرة الإنسـان المثـالي، و هدف التربيـة الجمـالية هو تنمية هذه البذرة، و ذلك بجعـل الحسي/الطبيـعي ينخـرط في العـقلي، و جعـل كل مـا هو نوعي فـردي و متميز أي طبيعي مهذبـا وعقليـا، ومفـاد ذلك هو تهـذيب انخـراط الذات الفردية الضروري في تمثيلها المـوضوعي الذي هـو الدولة فهذه و بحسب ما جـاء على لسـان هيـجل فهذه الأخيرة تمثل كل مـا هو عقلي و أخـلاقي، إن الانخـراط الـذات الفردية في شكـلها الموضوعي مرحلة ضرورية وحتـمية و لكن تنميـة كل ما هو نوعي و طبيعي في هذه الــذات وفق العـقلاني و الأخلاقي هو رسـالة التربية الجمـالية، "فيـكون الجميـل نتيـجة لانصـهار العــقلاني و الحسي، علمـا بأن هذا الانصهــار هو الواقــع الحقيقي في نظـر شيللر"[5]، بصيغــة أخـرى نقول بأن انخــراط الـذات الفـردية أي ممثلة ما هو طبيعي في تمثيـلاتها و أشـكـالها الموضوعية هو الـواقع الحقيقي، و هـذا الطـرح يجعلنا نتلمس فيه تشـابها نسبيا مع الرؤية الهيـجيلية، فلقد ذهب هيــجل إلى تقسيـم مراحل تطور الروح إلى روح ذاتي و موضوعي ومطـلق، و أن من خصـائصه تغييـر محيطه بغية ابتـكـار تمثيلـه الموضوعي، من هنا كانت الدولة لدى تجسيد الروح المـوضوعي و شرط التحـرر الفـردي، إذا و بنـاءا على ذلك كله يمـكن القـول أن الانخـراط كمفـهوم قد نجــد له دلالات فلسفـية متعددة تتـغيـر بتغـير نـظـرتنـا الفلسفية و مجـال تـوظيـفه.
5- انخراط العائلات في السيرورة التعليمية لأطفالهم:
سنحـاول في هذه المحـطة الانطلاق من دراسة كـان قد أقـامها بيـداغوجي كندي يدعى جـون إيبوليتو- John Ippolito تحت عنوان: "إخـراط العـائلات المهمشة في تـربية أطفـالهم- Impliquer les parents marginalisés dans l’éducation de leurs enfants "، وكـان هدف هذه الدراسة كمـا يعلن جون إيبوليتو هو كيفية جعل العـائلات الأكثر تهميشـا تنخـرط بشكـل أكثر نشـاطا في التعلم المدرسي لأطفـالهم، علـى اعتبـار أن الأبـوين يلعبان دورا محوريا في النجاح المدرسي لأطفالهم، فهو يقول "أي إيبوليتو":
« À l’heure actuelle, on s’entend pour dire que les parents jouent un rôle crucial dans la réussite scolaire des élèves. Comme nous le verrons, de nombreuses études témoignent d’un lien important entre leur participation et le rendement scolaire des enfants. »[6]
بمعنى أن هناك دراسات تـؤكد هذا الطـرح، إلا أن هذا سيخـلق إشكـالا جد مهم يتمـثل في من المسـؤول عن النجـاح و الفشل المدرسي للتلاميذ هل المدرسة أم الأبوين بمعنى إلى من تعود محورية هـذا الدور؟. من هنـا يقتـرح جـون إيبوليتو ما يسمى "التـواصل بين المنزل و المدرسة- La communication entre le foyer et l’école"، اعتبـار لمحورية كلا الطرفين و مركزيتهما، ولكن وجب قبـل ذلك دراسة و تدارس مجموع العـوامل التي تـؤدي إلى فشل هذا التـواصل و بالتالي عدم الحصـول التلاميذ على التربية و التكوين المستحق، ففشل هذا التواصل لا يمكن أن يـكون من فراغ، لـذا نجـد جون إيبوليتو قد قام بطـرح مجموعة من التصورات لباحثين و بيداغوجيين أمريكيين و كنديين، وكل تصور يأتي على إحدى العوامل التي يعتبرها مركزية في فشل هذا التواصل، ولكي لا يتشعب الموضوع بذكر كل طرح على حدة سنلخص أهم العوامل التي اشتغل عليها إيبوليتو و حـاول إيجاد حل لها: "عامل يتلخص فيما هو سياسي و اقتصادي، عامل ذاتي للأبـوين يتمثل في عدم قدرتهم على مساعدة أطفالهم في واجباتهم المدرسية نظرا لنقص في تكوينهم، عامل مجتمعي يتلخص في ما هو إثني (اختلاف الأعـراق)"، ولقد قـام إيبوليتو بإنشاء فريق بحث équipe de recherche من أجل تقصي هذه العـوامل و تدارسهـا و فتح حـوار مع هذه العـائلات، و الشيء الذي تمت ملاحظته هو تفـاعل العائلات مع فريق البحث هذا خصوصا في مسألة عدم قدرة الآبوين على مجـاراة المستوى التعليمي لطفلهم. فتم الخروج بتوصيات تراعي العوامل السالفة الذكر و كذا إنشاء المزيد من فرق البحث في هذا المجـال و هو الشيء الذي في حيز التطبيق، إن اعتمـادنا على هذه الدراسة كان في سبيل تبيـان الوجه التطبيقي الذي يكتسيه مفهوم الانخـراط، مع العلم أن السيـاق الاجتمـاعي الذي أتت فيه هذه الدراسة مغاير لسياقنا الاجتمـاعي، إلا أن حمولتها النظرية تتجـاوز الاختلافات النسبية و هو الشيء الذي ينطبق على كل فكر نظري/علمي.
*الطالب يـاسين إيزي، مـاستر الفلسفة و التربية، جـامعة مولاي إسماعيل، المدرسة العليا للأساتذة- مكناس
[1] Dictionnaire HACHETTE encyclopédique. imprimé en France par Maury-Collection 11 Edition 01, 2002, p. 804
[2] http://philippe-geleoc.info/news/451/1/0/bourdieu-meditations-pascaliennes?layout=print&autoprint=0
[3] سلسلة علوم التربية، العدد 9 و10، معجـم علوم التربية : ج1 مصطلحات البيداغوجيا و الديداكتيك، جمـاعة من الباحثين، دار الخطابي للطباعة و النشر- البيضاء- الطبعة الأولى 1994، ص 168
[4] نفس المرجع السابق، ص 260
[5] هيغل، مدخل إلى علم الجمـال، ترجمة جورج طـرابيشي، دار الطليعة- بيروت، الطبعة الأولى 1978، ص 112
[6] - Ipolito, John. Impliquer les parents marginalisés dans l’éducation de leurs enfants. Faire la différence…,
De la recherche à la pratique. Juin 2013. Monographie n°43, p.1