تقوم دعوى منظري التفنيد على أساس أن القضية غير القابلة للتفنيد ليست ذات معنى، وقد شفعوا هذه الدعوى بالمتطلّبات التي اشترطها برتراند راسل لكي يكون للعبارة أو المصطلح معنى.هذا المعنى المشار إليه آنفاً في نظرية راسل الوصفية هو وصف للشروط الضرورية والكافية للعبارة لكي تحدد مرجعيتها الموضوعية.
ولمزيد من التوضيح:
تقوم نظرية راسل الوصفية على البحث عن الكيفية التي تشير بها الأسماء إلى أشياء في العالم، ووفقاً لها تشير الأسماء إلى أشياء محددة بقدر ما تمثّل وصفاً محدداً أو أكثر يصف شيئاً مرجعياً.
هذا الأساس للنظرية الوصفية يتضمن افتراضين فرعيين:
- معنى الموضوع و هو مجموع الشروط الوصفية الضرورية والكافية التي تجعل الموضوع يشير إلى الشيء.
- معنى المحمول و هو مجموع الشروط الوصفية الضرورية والكافية التي تجعل المحمول صحيحاً بالنسبة لموضوعه.
ولأن الدعاوى الدينية تتبوأر حول وجود كائن غيبي كلي القدرة، وكلي العلم هو "الله"، فقد وجدت دعوى التفنيد فيها حقلاً قابلا لتطبيق نظرية التفنيد؛ على اعتبار أن مصطلح "الله " لا يمكن تحديد مرجعية له؛ لأنه لا يحقق المتطلبات الكافية والضرورية الكفيلة بذلك.
وقد مثّل وسدوم -أحد منظري التفنيد- على عدم قابلية المصطلح لتحديد مرجعية بقصة تخيلية هي قصة " حارس الحديقة".
قصة حارس الحديقة
عاد شخصان إلى حديقتهما المهملة منذ زمن طويل، ووجدا بين النباتات القديمة أعشاباً نامية بشكل ملفت، فقال أحدهما للآخر: لا بد أن الحارس كان هنا واعتنى بهذه النباتات. وبعد سؤال الجيران قال الجيران إنهما لم يروا أحداً دخل الحديقة فقال الأول للثاني: لا بد أنه عمل بينما كان الجيران نائمين. فقال الثاني: لو كان ذلك صحيحاً لسمعه أحدهم.
فقال الأول: انظر إلى الطريقة التي رتبت بها هذه الأعشاب، توجد غاية وإحساس بالجمال، أعتقد أنه يوجد شخص اعتنى بها، وهو غير مرئي بالعين المجردة أعتقد أننا إذا بحثنا أكثر سنجد تأكيداً أكبر على ذلك.
فحصا الحديقة بحرص أكبر وكانا يصلان أحياناً الى أشياء جديدة تؤكد وجود الحارس، وأحيانا أخرى يصلان إلى نتيجة أخرى تؤكد العكس إلى درجة أنهما ظنا في بعض الأحيان أن شخصاً خبيثاً مخرّباً كان يعمل في الحديقة.
بعد ان انتهيا من البحث قال الأول: لا أزال أعتقد ان الحارس كان يأتي بينما قال الآخر: أنا لا أعتقد.
يناقش وسدوم أن الاعتقاد الأولي بوجود حارس غير ملاحظ كان فرضاً تجريبياً، ولكن مع تقدم التجربة بات واضحا أنه لم يعد هناك واقع قابل للمراقبة عن حارس يختلف حوله المعتقد بوجوده وغير المعتقد بذلك.
خلافهما الوحيد كان حول وجود حارس غير مرئي وغير مسموع، ولم تعكس كلماتهما المختلفة الخلاف حول ما وجداه في الحديقة، ولا الخلاف حول ما يمكن ان يجداه لو فحصا أكثر، ولا الخلاف حول ما ترك في الحديقة بدون عناية.
لم تكن غاية وسدوم اقناع قرائه بوجود الله أو بعدمه، ولكنه يناقش أنه فيما خصّ بعض الأسئلة لا نستطيع أن نصدر حكماً يفصل بين أجوبة محورية عبر تحرّ امبريقي، ولكن يمكن أن يكون مناسباً البحث عن جواب أكثر معقولية.
ويناقش وسدوم أن سؤال المرء عن وجود الله يصاحب شعوراً تجاه العالم.
خلاف الصديقين حول وجود حارس غير مرئي يترافق مع خلاف حول شعور كل منهما تجاه الحديقة.
بالرغم من ان وسدوم لم يكن يقصد اقناع قرائه بأنه لا يمكن التمييز بين مفهوم الله ومفهوم حارس الحديقة، ولكنّ هذا بالضبط ما استنتجه "فلو" أحد منظري التفنيد.
تكييف فلو لقصة وسدوم كانت عبر تحرّ تجريبي يقوم به الصديقان باستخدام سياج كهربائية وكلاب بوليسية لكنهما لم يعثرا على علامة مباشرة على الحارس.
لكنّ المؤمن لا زال يقول: يوجد حارس غير مرئي وغير محسوس لا يصدر صوتاً وليس له منظر.إنه حارس يأتي الى الحديقة لكي يعتني بها؛ لأنه يحبها.
أخيرا يصيب الشاك اليأس ويقول: ماذا تبقى من تأكيدك الأصلي؟
كيف يختلف حارسك غير المرئي وغير المحسوس عن الحارس التخيلي، أو عن عدم وجود حارس على الإطلاق.
ما يجعل هذا المثال موضحاً هو أن المعتقد بوجود الحارس لن يسمح لأية حقيقة امبريقية يمكن للصديقين ان يراقباها أن تقف ضد اعتقاده هذا.
ويستنتج فلو أن الاعتقاد المفترض بوجود حارس غير مرئي وغير محسوس هو ليس تأكيداً على الاطلاق، لأن التأكيد الذي لا يمكن تفنيده لا يؤكد شيئاً وهو بلا معنى، والعبارة عن الله تشبه عبارات المعتقد بوجود بحارس الحديقة غير المرئي ، ليخلص فلو إلى نتيجة أن المؤمنين والحال هذه يفشلون في انجاز المتطلبات الوصفية للغة ذات المعنى.
وكما ذكرنا في البداية معنى العبارة المرجعية هو وصف للشروط الضرورية والكافية لتحديد مرجعيتها.
وبشكل مشابه معنى المحمول هو وصف الشروط الضرورية والكافية للمحمول لكي يكون صحيحا لموضوع الجملة.ويلزم عن ذلك أخيراً أن معنى الجملة هو وصف للشروط الضرورية والكافية التي يجب أن تحويها للجملة لكي تكون الجملة صحيحة.
يناقش فلو أن عبارات المؤمنين لا يمكن أن تكون صحيحة؛ لأنها لا تسمح لأي شيء أن يقف ضدها. ، وبالتالي يمكن أن نستنتج من نقاش "فلو" أمرين:
أولاً: المؤمنون لا يميزون الله عن إله تخيلي أو إله على الإطلاق، فهو يقول إن دعاوى المؤمنين لا تمنح أية مجموعة من الشروط الوصفية التي تسمح لنا بأن نحدد أن مصطلح " الله" يشير الى الله وليس الى أي شيء اخر.
ثانياً: حتى لو كان بالإمكان تأسيس مرجعية لله، فإن دعاواهم لا تمنح شروطاً ضرورية وكافية يمكن اختبارها فيما إذا كانت صحيحة عن الله او عن شيء آخر ويمثّل بهذا المثال:
شخص يخبرني أن الله يحبنا كما يحب الأب أولاده، لكن عندما نرى الولد يموت بسرطان حنجرة لا يمكن معالجته يكون والده الأرضي محموما بينما لا يعطي أبوه السماوي اي إشارة اهتمام.
يحاول فلو عبر المثال أن يناقش ضد عقلانية الاعتقاد بحب الله لنا.
عدم وجود دليل على اهتمام الله يحرم هذا الاعتقاد من تبريره المعرفي.يذهب فلو أبعد من ذلك فعبارة "الله يحبنا" مع نقص الدليل التجريبي يجعل العبارة ليست تأكيداً على الإطلاق وبلا معنى، وما يجعلها بلا معنى في نظر فلو أنها لا تصف مجموعة من الشروط التي يجب أن تكون مقنعة لكي تكون العبارة صحيحة.
ويطرح فلو سؤالاً على محاوريه:ما الذي يجب أن يحدث أو قد حدث لكي يفند لكم حب الله أو وجوده؟بهذا السؤال يتحدى فلو محاوريه أن يظهروا أن العبارة تلبّي متطلبات العبارة ذات المعنى.
استجابة أوغدن للتحدي
تصدى أوغدن للتحدي بالقول: ما لم تتبنّ الثيولوجيا مفهوما للتجربة البشرية تتضمن تجربة الذات والآخرين والكل اللانهائي، فإنها لن تستطيع أن تعتبر التأكيدات عن الله قابلة للتحقق.ومن جانب اخر تستمد اللغة التي نتحدث بها عن الله معناها من تمثيلها الرمزي لوجوه من تجربتنا.
القابلية للتحقق تشمل الدعاوى الدينية، ولكنها لا تقتصر على التجربة الإمبريقية؛ لأن التجربة الإنسانية أوسع من التجربة الامبريقية، فالكائنات البشرية لا تدرك ذاتها فقط من خلال إدراك حسي، وإنما من خلال إدراك لا حسي أيضا والدعاوى الثيولوجية تستند إلى تجارب لا حسية.
التجربة الإنسانية تعطي شروطاً كافية وضرورية لتحديد مرجع لمصطلح "الله"، وتعطي شروطاً ضرورية وكافية لتحديد فيما إذا كان المحمول مناسبا لموضوعه. وفي سبيل وضع شروط كافية وضرورية لفهم الله يعمد أوغدن إلى استخدام مفهوم "عدم القابلية للتجنب".وفحواه أن الناس لا يستطيعون تجنب اعتبار حياتهم وأفعالهم ذات قيمة، كما لا يستطيعون تجنب امتلاك ثقة بالقيمة النهائية للوجود، وهي الثقة التي يعبر عنها مصطلح الإيمان.
عدم القابلية للتجنب هو الأرضية الموضوعية لمصطلح "الله" الذي هو الكينونة المقابلة للأرضية الموضوعية، وبهذه الطريقة يعتبر أوغدن نفسه قد حدّد معنى وصفياً لمصطلح "الله"، يعطي شروطاً ضرورية وكافية تجعل المصطلح يشير الى الله.
وبهذا تكون الثيولوجيا الليبرالية قد حققت – في نظر أوغدن-المتطلبات الوصفية التي تجعل التأكيدات الثيولوجية ذات معنى.اضطر الثيولوجيون الليبراليون لمواجهة تحدي منظري التفنيد إلى الاستناد على مفهوم للتجربة الإنسانية لا يقتصر على الوجه الحسي لها، وإنما يتشعب ليشمل آفاقها اللاحسية، وفي هذا ما يعزز رجحان العلاقة العمودية بين الفرد والله لأنها هي الكفيلة بتجسيد هذه التجربة ببعدها اللاحسي.