يجــيء من خاطر الكون وسوسـة
من جبّ حديقة الله يجــيء
خاتم برق أو نفثة شعاع
يلقي على قفطان الأرض ظلـه
يدلق في أجران الطين سره
لا يقيــم*
عرفت القصيدة المغربية، منذ فترة الثمانينيات، قفزة نوعية في بنيتها، ، ويعود الفضل في هذا لشعراء كرسوا منجزهم الثقافي خدمة للقصيدة، وهذا أدى إلى بروز تجارب شعرية جديدة ومغايرة. فالقصيدة هي استمرارية في الزمكان الشعري، ونحن غير قادرين عن الحديث عن القطيعة في الشعر بشكل كامل مضمُونا على الأقل، فالحداثة في بعدها الإنساني والقيّمي لا تعني القطيعة مع الماضي بمقدار ما تعني التحاور معه بأدوات خلاقة وقادرة على القفز بنتائج أفضل دائما مرورا إلى إعادة بنائه من جديد، والانطلاق بالتالي نحو آفاق أرحب وأخصب.. ظهر واضحا في ساحة الشعر المغربي ثلة من الشعراء والشعراء/النقاد الذين كان لهم دور أساس في إرساء المعالم المعرفية لقصيدة النثر تنظيرا وممارسة بما لهم من احتكاك بتجارب مشرقية كان لها دور السبق والريادة، وأعامل أوروبية الفرنسية منها بالخصوص. هذه الفترة ستعرف لعب دور مهم للملاحق الثقافية بالجرائد المغربية التي كان تعتبر الساحة الفكرة والسجالية حول القصيدة ومستقبلها، والتعريف بالشعراء الجدد الذين سيحملون المشعل فيما بعد. مع دور واضح للجامعة المغربية في التنظير الأكاديمي: حيت أنجبت نقادا كبار كمحمد بنيس ومحمد مفتاح وآخرين. رغم كل هذا ظلت هناك مجموعة لا بأس بها من المحافظين، الذي لم يعلنوا اطمئنانهم للقصيدة المغربية الجديدة، التي اتخذت لنفسها مسارا مستقيما ومتطورا. هذا المسار الذي اتخذ قوة متجددة مع أجيال متعاقبة وصولا لما يعرف اليوم بالمغرب "شعراء الحساسية الجديدة".
هسيس الرحيل في ليلة لم يدنُ منها القمر: قراءة في ديوان "إرحل" للشاعرة خديجة الطنطاوي ـ مالكة عسال
مقدمة
أغنت الشاعرة خديجة الطنطاوي المكتبة المغربية بديوان رائع من الحجم الصغير تحت عنوان"- إرحل " في طبعته الأولى ، يتضمن 12 قصيدة موزعة على 87 صفحة ..
فقبل الغور في مراسيم النصوص ،وكشف الغطاء عن مستورها ،والحفر في تضاريسها ، استفزتني اللوحة التي تتشكل من لافتة بيضاء وسط حشد من الجمهور تتوسطها لفظة واحدة "إرحل "كفعل أمر..
استقراء اللوحة
ترفل اللوحة في مجموعة من الألوان :الأحمر والأصفر والأبيض والأسود ، احتضنها اللون البرتقالي الباهت الذي يغطي سائر الغلاف ، والألوان اتخذت أمكنتها حسب وظيفتها الطبيعية بحكم الصورة الفوتوغرافية المأخوذة من الواقع ..حيث اتخذا كل لون خطابه الرمزي الذي يميزه عن الآخر :
ــ فالبرتقالي الباهت يعني لون الشمس كرمز للحرية والانعتاق من كابوس الجبروت..
ــ والأبيض يرمز إلى أيام السعد والهناء والسلم الاجتماعي ،الخالية من الكدر ،لون حمام السلام / لون الورد الأبيض الرامز إلى الأمل والتفاؤل والأحلام الجميلة ..
ــ اللون الأحمر ويرمز إلى الدم المهدور للتضحية والاستشهاد ضد الظلم والهيمنة والاستعباد ..
ــ اللون الأسود المائل أحيانا إلى البني ، ويرمز إلى اللحظات المشؤومة المشوبة بالحلكة والأحزان والأيام المغبونة المفعمة بالمآسي ..
روح النص لدى سكينة حبيب الله ـ عبد الواحد مفتاح
من نافل القول أن سكينة حبيب الله شاعرة متميزة، شواهد غفيرة دلت على ذلك، لكن ما يثير الشعر في الحديث عن هذه الجميلة، هو ذلك الإصرار وثيق الصلة بينابيع الطفولة، على ارتكاب المشي الحفيف فوق المسالك الوعرة لهندسة الكتابة، وخطاطاتها الخطيرة، المسنودة بتلك الحالة البعيدة والمضيئة للضعف الإنساني، الذي هو سند القصيدة عندها، وهي قصيدة خلعت منذ وقت مبكر رهان البلاغة عن أنوثتها،
فالدالة الشعرية في قصيدة هذه الشاعرة لا تكترث لماضي اللغة الحاملة لها، وهي لغة مسكينة بهذا المعطى، لا كبيرَ دورٍ لمادتها في تكثيف هذه الدلالة وانتشارها الاستهلاكي، فهي دلالة منحوتة عن فيض ذات الشاعرة نفسها، لتصير بذلك الكتابة هنا نفيا لكل سلطة وهو ما يجعلني أنظر إلى هذه القصيدة وهي تسوق دلالها تماما كما يسوق الراعي قطيعه.
تطبيق المنهج السيميائي على ﺇحدى ليالي ألف ليلة و ليلة: حكاية ﺇبراهيم بن الخصيب مع جميلة بنت أبي الليث عامل البصرة -مراد ليمام
إن البناء الفني لحكايتنا " إبراهيم بن الخصيب مع جميلة بنت أبي الليث" يقوم بالأساس على خط البحث عن محبوبة مجهولة تدعى ( جميلة) من قبل ابن الحاكم (إبراهيم). الذي صادف صورتها صدفة عند كتبي، فعلقت بذهنه سالبة عقله وعواطفه.
وهذا الخط يلعب دور العمود الفقري في ترابط مختلف مكونات الحكاية من الوضعية البدئية إلى الوضعية النهائية. حيث خضعت لعملية تحول ملحوظة طبعت بميسمها علاقة القوى الفاعلة بعضها ببعض. ويكشف مسار الحكاية عن عنصر حاسم في تحولها، ويتمثل هذا العنصر في تحول عميق على مستوى المسار الذي عرفته حياته يستنبط من منطق التحول النصي، الذي أفرز أنماطا من العلاقات بين القوى الفاعلة في المقصوص.
وتقف العلاقات التفاعلية على أساس الوحدة المضمونية التي يقوم عليها الفضاء القصصي في تمظهراته الحكائية السردية. والذي سنسعى إلى بنائه بصرف النظر عن الاعتبارات الخارجية عن النص أو الخاصة بالتعبير.
بلاغة التركيب في أعمال الفنان عبد السلام أزدم ـ عبد الواحد مفتاح
تتميز تجربة الفنان التشكيلي والنحات المغربي عبد السلام أزدم بتعدديةٍ هي فيض بليغ عن ينابيع التجريب، الذي اتخذه أسلوبا ونهجا معرفيا. فهذا الفنان الذي يحاكي المادة، ويثير تساؤلاتها البصرية فوق المربع الأيقوني للوحته، في تدفق للمفردات الصباغية التي يستعملها، والتي إن قمنا بتتبع لقانونها الداخلي لن نجده غير الحرية، التي يتخذها الفنان كموقف انساني وممارسة فعلية –لا تقنية فنية تشاكس ادراكنا البصري وهذا كل شيء.
لوحة عبد السلام أزدم الآتية من جُهد إبداعي، أحافير الاشتغال عليه واضحة، ليست غير تَماثًلات للغةٍ مفتوحة على الخلخلة والانكشاف، الذي يَتملك كامل فضائها برهافة عالية، وصمت ذو بلاغة ساردة. فهذه اللوحة التي يمتطيها الفنان سندا للحوار مع الأخر. هي هنا استثمار في العابر والهش والبسيط في تجديل بين اللون والفضاء والمنسي من سيرتنا...
ديوان "الثلجنار" جمالية المتضادات ـ عزالدين بوركة
المعافاة من الجغرافيا والالتحام بالشعر الصافي واللذيذ، وهي السِمة البارجة لديوان "الثلجنار"، هذا الديوان الذي جاء ثمرة تعاون جاد ووهاج بين شاعرين مغربي وجزائري، هما عادل لطفي وعبد الرزاق بوكبة، هذا الشاعر الجزائري الذي صار له حضور لافت في الساحة الثقافية المغربية. لما له من عميق طرح وبليغ اشتغال، أبرزه في العديد من اللقاءات التي جمعته بقُرائه بالمغرب.
ما يثير الانتباه في هذا العمل بالإضافة إلى الأجواء الاحتفالية التي رافقة صدوره، حيث كتب عنه نقاد وازنون على الصعيد المغاربي، ذلك أنه جاء برؤية تجديدية، شديدة البياض على مستوى الكتابة في القصيدة الزجلية الحديثة، وإضفاء لمسة جمالية أنيقة عليها، في مخالفة للكلاسيكي والمتداول، الذي كان يساهم في الحجر على هذا النوع الإبداعي القريب من ذائقة الناس، في بعده الشفوي.
أما الشذرة فكان باب القول الشعري في هذا الديوان، وهو الباب ذا الإسقاطات الصوفية الإشراقية، التي جعلت ثنائية الثلج النار ثنائية تَوَقُد وشطح يُعلي من تَوَهُجِهِ، الذي يهب القصيدة مُجمَل بريقها.
محمود درويش وتحولات التجربة الشعرية ـ البشير ضيف الله
يجمع أغلب النقاد والدارسين لتجربة الشاعر الفلسطيني «محمود درويش» على أن هذه المرحلة التي أعقبت توقيع «اتفاقية أوسلو» 1994م،أهم مراحل تجربته الشعرية على الإطلاق ، وأكثرها نماء، وأقربها إلى روح الشاعر الذي بلغ درجة عالمية النص بعد انفتاحه على التجارب العالمية المختلفة، وبعد أن طوَف بمدن وعواصم ومنابر أدبية كبرى، فكان طبيعيا أن ينزاح محموله الشعري انزياحا متساميا ينبثق منه تاركا عباءة الانكفاء على قضية أو إيديولوجيا معينة تحدُ من ممارساته النصانية كشاعر منطلق، وعليه فقد خرج من كونه شاعر القضية الفلسطينية و«هدهد» القومية العربية ليكتشف الآخر/النص، الآخر بكل تأثيثاته وحيثياته، ويصبح شاعر الإنسانية ككل؛ وعرف بذلك تحولا لافتا خصوصا على صعيد البنية الإيقاعية ،فهو شاعر إيقاعي بامتياز.
تحولات العناوين:
لعل ما يستوقفنا من متحولات أسلوبية رغم حفاظه على كثير من الخصوصيات المشهودة في المراحل السابقة؛ ذلك الحراك الذي أصبح يميز عناوين مجموعاته ونصوصه الشعرية، خاصة وأن العنوان مفتاح إجرائي محوري في الدراسات الأسلوبية و السيميائية ، باعتباره عتبة رئيسية ،أو «مجموعة من العلامات اللسانية، كلمات أو جمل أو حتى نصوص، قد تظهر على رأس النص لتدل عليه وتعينه وتشير لمحتواه، ولتجذب جمهوره المستهدف..» (1).
الكتابة السردية في الأدب المغربي الحديث ـ د. مصطفى الغرافي
تندرج دراسة الباحث أحمد المديني الموسومة بـ ''الكتابة السردية في الأدب المغربي الحديث- التكوين والرؤية'' (مكتبة المعارف، الرباط - 2000) ضمن أفق تحليلي يروم بناء معرفة دقيقة ومتعمقة بالمنجز الذي راكمه المبدعون المغاربة في مجال الإنتاج السردي في الفترة الزمنية الممتدة بين 1956-1980.
تكشف ملابسات السياق التاريخي والثقافي الذي اشتبكت معه أسئلة الكتاب وانبثقت عنه ظروف التأليف أن الباحث رمى من تخصيص أطروحته الجامعية لفحص خصائص ومميزات الظاهرة السردية في المغرب إلى دراسة الإنتاج القصصي والروائي المغربي بوصفه حقلا نصيا ذا امتياز بغية حصر إشكالاته الأساس واختبار الإوليات المتحكمة فيه (ص5).