اتسم البحث العربي منذ نشأته الأولى بالنزوع إلى المعنى أو الدلالة، لذلك حرص العرب منذ القدم على تحصيل مراد الشاعر برصد معاني النصوص، والعناية ببسطها وتوضيحها. فشرح المعنى وإبرازه وإظهاره يعكس بوضوح التذوق السليم والطيب، والرؤية العميقة المتأنية لفهم المعاني المطوية والمقاصد الخفية، وإبراز ما يختزله النص من دلالات وإشارات، عن طريق تحليل الأقوال للوصول إلى المتعة الأدبية واللذة الفنية التي تسكن النص المشروح.
وقد انطلق الشراح في شرحهم للنصوص الشعرية، من مجموعة من العناصر والمستويات التى اتخذوها وسائل لخدمة وشرح المعنى العام للنصوص. وكان اهتمام البطليوسي بهذا العنصر بالغا، حيث اهتم به وأولاه عناية خاصة. وبما أن تعدد الدلالة في النص الشعري، كان من مشاغل الشراح واهتماماتهم، فقد كانت هذه القضية من أوليات اهتمامات البطليوسي كذلك، حيث عمل جاهدا على تحديدها وتقليب المعنى في الوجوه المتعددة التي يحتملها البيت، مع محاولة اختيار المعنى المناسب، وفي أحيان أخرى اعتماد المقارنة والترجيح بينها، وقد نحا البطليوسي في البحث عن ذلك عدة مناحي، كتأخير المعنى الكلي وتقديم معاني الألفاظ، والبحث عن عناصر الشرح الأخرى، أو تقديم المعنى الكلي على أي عنصر من عناصر الشرح؛ كل ذلك أجراه في خطوات منضبطة هي:
1
عنف المرأة الكويتية على الرجل من خلال رواية سعار لبثينة العيسى ـ ذ. الكبير الداديسي
يلاحظ قارئ الرواية العربية المعاصرة أن عددا من الكاتبات الخليجيات قد بدأن يقتحمن عوالم الرواية ويتسللن بصمت لفرض أنفسهن بعد التراكم الذي غدون يحققنه في الخزانة العربية . وبعدما قدمنا لقرائنا روايات (بنات الرياض) رجاء عبد الله الصانع من السعودية ورواية (سلالم النهار ) لفوزية شويش السالم من الكويت ورواية (طشاري ) لأنعام كجاجي من العراق، إلى جانب أعمال أخرى من الشام والمغرب العربي نواصل في هذه السلسة مع الرواية الخليجية لنقدم رواية (سعار) للروائية الكويتية بثينة العيسى وهو ثاني عمل لهذه الكاتبة الشابة بعد رواية (ارتطام لم يسمع له دوي) الصادرة عن دار المدى سنة 2004.
قبل أن يغوص القارئ في متاهات صفحات الرواية يستوقفه هذا العنوان المستفز للذاكرة ، ويجعل الفرضيات تتناسل أمامه ويبدأ في ضرب الأخماس في الأسداس محاولا إيجاد تفسيرات لهذا المدخل القرائي وربطه بالكاتبة كامرأة خليجية، وبالمجتمع الخليجي عامة وما يمكن أن يحيل عليه .. وحتى نسهل عليه الطريق نخبره أن كلمة العنوان (سعار) لم ترد في الرواية إلا مرة واحدة ، وكانت كافية لفهم دلالة العنوان وعلاقته بالمتن الحكائي ، تحكي الساردة في الصفحة 172 كيف توصلت بهدية من صديق أبيها الذي كان يتسلى و يتحرش بها وكانت تلك الهدية مكونة من روايات و بطاقة مكتوب عليها إلى سعاد وقد شدد الكاتب دال سعاد فبدت الكلمة مثل (سعار) تقول الساردة (.. أسرعت إلى دولابي عثرت هناك على ثلاث روايات ... مصحوبة ببطاقة كتبت فيها ( سعار) شددت ذيل الراء أسفل لتستحيل راء وتحولت أنا بفضلك منذ ذلك اليوم إلى مرض قاتل)[1] فما هي التيمات التي قاربتها الرواية؟ وكيف قدمت الرواية علاقة الرجل بالمرأة في الخليج ؟؟ ولماذا تحولت البطلة من سعاد إلى سعار؟
"غواية القراءة": بحثا عن المشترك الثقافي.. ـ سعيد الشقروني
كيف نصل إلى المعنى الذي يحتفي بالمعنى ويختفي خلف الحروف؟ وكيف نتأكد من أن هذا المعنى دون غيره هو ما تغياه الكاتب؟ بلغة مغايرة: ما الأداة المسعفة على الحكم على فلاح هذا الكتاب أو غيره في إيصال مضمونه باعتباره المشروع الأسمى –المضمر أحيانا- لأي مغامرة كتابة؟؟
ربما، أو أكيد، هذا ما حاولت المناهج النقدية الإجابة عليه باختلاف التيارات والتوجهات الأدبية. وأكيد أن محاولة البحث عن جواب مقنع لهذا السؤال أو توقعه –مع استحضارنا أن الحكم النقدي يظل دائما محاصرا بطوق التنسيب- هو ما جعل النقد متمتعا بالخصوبة الكافية لإنجاب تجارب نقدية متنوعة ومختلفة باختلاف رؤى أصحابها ورصيدهم الثقافي.
ليس هناك على ما يظهر "أي خلاف" بين أجناس الأدب وأنواعه وأنماطه، مادامت تستثمر الكلمة باعتبارها الثابت الذي يصب في كل القوالب المتحولة والقادرة على احتضان الشعور والأحاسيس رغم اختلاف الوسائل والأدوات.
شعرية الحزن و الاحتجاج الهادئ : نظرات في ديوان "تغريبة" للشاعر مصطفى الغرافي ـ عبد الإله الكريبص
تخلص تجربة ديوان "تغريبة" للمقاييس الجمالية والمعرفية الواسمة للكتابة الشعرية في صيغتها الحداثية. ولتيمة الغربة ما يجعل منها أمارة تختص بها هذه التجربة من منظور يعيد توظيفها في سياق شعري يستوحي فيه كل الظلال الدلالية للانكسار والرحيل القسري. فهل يتعلق الأمر باقتفاء الأثر الشعري أم إن المسألة ذات قيمة إبداعية خالصة تنبع من عمق التجربة وخصوصيتها وقدرتها على تمثل العناوين الكبرى الضامنة لتفرد القصيدة الحديثة كالأسطورة والرمز والمعجم الصوفي والثقافة الكونية ممثلة في أنساقها الفلسفية وتجاربها الإنسانية الخالدة. وهذا في حد ذاته شكل من أشكال الاغتراب الثقافي الذي يغني التجربة وهي تنفتح على المتاح خارج؛ أي تعصب للذات وعلاقاتها بالمساحات التي تحتلها ماديا وروحيا. لكن هل "تغريبة" من حيث هي تجربة إبداعية اختيار إرادي وملاذ آمن بالكتابة أم هي احتماء المضطر بما اضطر إليه؟ يحق للمتلقي أن يطمئن إلى مشروعية السؤال عن سر إفراد " تغريبة" وتنكيرها فالشعر معطى لغوي قبل كل شيء. هل الأمر يتعلق بتفردها بآثارها النفسية و بجهل خصوصيتها أم بغير ذلك من عوامل تفتح أفق التلقي على المزيد من الأسئلة القلقة. قد نعثر على بعض الأجوبة بتصفحنا لهذا العمل لكن سرعان ما تستحيل هذه الأجوبة إلى أسئلة جديدة تتناسل من رحم اللغة والتباساتها.
تأصيل الأنواع وتصنيفها في النقد العربي الحديث ـ د. مصطفى الغرافي
لقد جاء اهتمام النقد العربي الحديث بمباحث الأجناس متأخرا نسبيا، ويرجع ذلك إلى البواعث الإيديولوجية، التي وجهت عناية المعاصرين إلى الإكباب على التراث فحصا وتنقيبا، يحدوهم في ذلك طموح إلى إبراز سمات الحداثة في هذا التراث إثباتا لأسبقية العرب إلى الكشوفات الأدبية والنقدية دفعا لتهمة التأخر عن الغرب. أما البداية الفعلية للاهتمام بمباحث الأجناس فلم تنطلق، عربيا، إلا في الثمانينات لتبدأ في التنامي منذ ذلك الحين، حتى استوت في السنوات الأخيرة في دراسات متخصصة محضها أصحابها لفحص قضايا الأجناس من وجهة أنظار متغايرة. وقد رأينا أن نصرف بعض جهدنا في هذا البحث إلى فحص المسألة الأنواعية في المنجز النقدي لباحثين ثلاثة من المغرب العربي (عبد الفتاح كيليطو – سعيد يقطين – فرج بن رمضان) في سعي لاستخلاص معالم الدرس الأنواعي في النقد العربي الحديث.
1. عبد الفتاح كيليطو: النص الأدبي وقواعد النوع
أدونيس و حداثة ... الاستبداد ! ـ الصادق بنعلال
" أعتقد أن الربيع العربي يمثل تطورا ذا أهمية تاريخية ، فهو ضمن هذا المفهوم على الأقل استطاع أن يزلزل أسس بعض الأنظمة الديكتاتورية ، و يمكن بذلك أيضا أن يفتح مجالا واسعا للتخلص من التبعية التاريخية للقوى الغربية " : نعوم تشومسكي .
1 - يحظي الشاعر الكبير علي أحمد سعيد ( أدونيس ) بمكانة بالغة الأهمية في مجال الثقافة العربية الحديثة و المعاصرة ، و في مضمار الصوغ و النقد الشعريين تحديدا ، لقد ساهم باجتهاد قل نظيره في التنظير و الاستقراء غير المسبوقين لاستكناه المنجز الثقافي و الإبداعي العربي طيلة عقود من الزمن ، أملا في إحداث قدر من التحول الإيجابي و التغيير المنشود في جسد عربي مثخن بجراح التخلف الحضاري . فطالما أقلعنا معه في " زمن الشعر " نحو عوالم جمالية مصحوبين ب " كتاب التحولات و الهجرة في أقاليم النهار و الليل " ، مفضلين الإبحار ب " مفرد بصيغة الجمع " نستعذب الترنم ب " أغاني مهيار الدمشقي " ، و نستشرف " الثابت و المتحول " في موروثنا الثقافي الباذخ ، كل ذلك في " وقت بين الرماد و الورد " !
في أفق رواية حضارية إنسانية : قراءة في "شمس المتوسط" ـ الصادق بنعلال
" الأدب يفتح إلى اللانهاية إمكانية هذا التفاعل مع الآخرين و هو إذن يثرينا لا نهائيا . يزودنا بإحساسات لا تعوض تجعل العالم الحقيقي أشحن بالمعنى و أجمل. ما أبعده عن أن يكون مجرد متعة ، و تلهية محجوزة للأشخاص المتعلمين ، إنه يتيح لكل واحد أن يستجيب لقدره في الوجود إنسانا " : تزيفيتان تودوروف (1)
تصدير أولي :
نروم من خلال هذه الإطلالة النقدية استكناه جانب من المنجز الإبداعي المتميز للكاتب المغربي دائم التألق الدكتور نور الدين محقق ، و نحن إذ ندرك مدى تنوع انشغالات الكاتب ، و عنايته بميادين معرفية ثرية : النقد السينمائي و التشكيلي و النقد الأدبي و التأمل الفلسفي و الإبداع الروائي و القصصي و الشعري .. فإننا سنقتصر على التعاطي النقدي مع خطابه السردي ممثلا في رواية "شمس المتوسط" ، لاستقراء بعض المكونات و السمات الجمالية و الرؤيوية التي تسم عالمه الحكائي . و غني عن البيان أن الكاتب أثرى المكتبة العربية بإبداعات سردية بالغة العمق الدلالي و الصوغ الفني ، أقلها بريد الدار البيضاء و وقت الرحيل و النظر في المرآة و إنها باريس يا عزيزتي و شمس المتوسط .. و هي في مجملها توجز معالم الرؤية الأدبية و الفلسفية للكاتب إزاء العالم و الإنسان و المجتمع !
صدرت هذه الرواية سنة 2013 بدمشق – سورية ، و تضم 144 صفحة من القطع المتوسط ، و قد ضمت إلى جانب الاستهلال و الاختتام الشعريين تسعة فصول ، آخرها تحت عنوان شمس المتوسط أي العنوان الأصلي للرواية ككل .
قراءة في شعر الشاعر المغربي محمد اللغافي الموسوم بالكرسي ـ سعيدة الرغيوي
اختار الشاعر " محمد اللغافي" أنْ يُصدِّر كتابه الشعري" الكرسي" بقلمه قائلا:
إلى الأصابع الحالمــة
أصابع بترها مقص البطالة
بدءا من مقهى رجيانا..سيدي مومن
إلى شرق البلاد وغربها
شمالها وجنوبها
كان بودي أن أعانقكم واحدا...واحداً
ولأني لا أعرف كيف ذلك
أكتفيت بتقبيلكم دفعة واحدة