"أنا ببساطة نيتشوي أحاول بقدر الإمكان أن أرى بخصوص عدد من النقاط – بمساعدة نصوص نيتشه- ولكن مع ذلك مع أطروحات مضادة لنيتشه (وإن كانت مع ذلك نيتشوية) ماذا يمكن أن نعمل في هذا المجال أو ذاك. لا أبحث عن أي شيء آخر، ولكني أبحث عن هذا بحق" (ميشيل فوكو)
تقديم :
قد لا يختلف اثنان حول قيمة الفيلسوف الفرنسي ميشيل فوكو، وأهميته داخل المسرح الفلسفي ككل. ومكانته الكبيرة تلك، يستمدها من كونه فيلسوفا أبدع مفاهيمه: بتعبير دولوزي؛ ولأنه أيضا فكر بشكل مختلف، بتعبير فوكوي، سواء من حيث الموضوعات والإشكالات التي تناولها، أو من حيث الطريقة التي عالج بها تلك المواضيع.
بدأ فوكو مسيرته الفلسفية، بكتابه الشهير "تاريخ الجنون في العصر الكلاسيكي"، الذي قام فيه لأول مرة بتسليط الضوء على موضوع، طالما اعتبر هامشيا، ليردفه بعد ذلك بمؤلفات أخرى مثل: "مولد العيادة"، و"الكلمات والأشياء"، و"المراقبة والعقاب"، و"تاريخ الجنسانية" بأجزائه الثلاثة... انكب في هذه الأعمال على بلورة حفريات للمعرفة، تأخذ على عاتقها التأريخ للفكر والعلوم، من منطلق أشكلة ظهورها ونشوئها.
وإذ نقوم بعرض بعض الخطوط العريضة للمشروع الفوكوي، في الورقات الآتية (ونحن واعون باستحالة رصد كل الفكر الفوكوي الشاسع في هذا البحث)، فلكي نستجلي حضور نيتشه في هذا الفكر. فكيف يمكن الحديث عن تأثير نيتشوي في فكر فوكو؟ وإلى أي حد يمكن القول بحضور نيتشوي داخل البيت (الفكري طبعا) الفوكوي؟ وإلى أي مدى يمكن الحديث عن تقاطعات بينهما؟
I من الجينالوجيا إلى الأركيولوجيا
لقد شن نيتشه حربا ضروسا ضد المفاهيم والمقولات الميتافيزيقية، التي رسختها بعض الفلسفات، من قبيل: العمق والجوهر والثبات والغائية والأصل...إلخ. فقد اكتشف أن هاته المفاهيم ما هي إلا اختراعات إنسانية محضة، ليس لها من شفيع في مستوى ما هو ميتافيزيقي، إذ لا وجود له في نظر نيتشه، ولا في مستوى ما هو واقعي، إذ يكشف العكس. ورغم ذلك فإن هاته المقولات ظلت بمثابة "أمثولات مناقبية" أو تماثيل مقدسة تعبد. ذلك أن الإنسان وجد فيها ملاذه الآمن، وعونه الدائم في صراعه مع الحياة. إنها تو ورثت وكأنها "عقائد راسخة لدرجة شكلت معها العمق المشترك للنوع البشري"[1]. ولذلك وجه نيتشه صوبها مطرقته التي لا ترحم. ليجد أن العمق الذي نتحدث عنه ما هو إلا سطح متسربل بلباس العمق. إنه يقول: "فإذا كان هناك قناع فلا شيء من ورائه. إنه سطح لا يخفي شيئا سوى ذاته".
وفي مقالة لفوكو بعنوان "نيتشه، فرويد وماركس"، يتطرق فيها إلى دور هؤلاء الثلاثة في "التغيير من طبيعة الدلالة". ويركز على أهمية نيتشه في كونه كشف بأن نظرتنا إلى الأشياء (قيم، فكر، لغة...)، هي إضفاء للدلالة عليها. دلالة ليست ماهية لها، أي ليست كامنة فيها كجوهر، بل هي إنتاجنا. إذ كما يقول فوكو: "لا يوجد بالنسبة لنيتشه مدلول أصلي"[2]. ولذلك فالقيم والكلمات هي تجسيد لصراع القوى والتأويلات، التي تتغي الهيمنة على الدلالة، ورفعها إلى مستوى الحقيقي. ولهذا يرى فوكو أن ميزة التفسير الجديد هو انعدام الركون إلى تفسير واحد و دلالة مطلقة، أكثر من ذلك، إن هذا التفسير يؤكد أنه لا وجود لشيء يستدعي التفسير ، لا لشيء إلا لأن "كل شيء إنما هو في العمق تفسير"[3]. وفي هذا ضرب لمبدأ الدلالة الجوهرية، أو التفسير الأصلي.
وقد كانت وسيلة نيتشه للوصول إلى خلخلة المفاهيم الميتافيزيقية، استعمال "الجينيالوجيا" أو "النسابة"، التي تبحث عن أصل القيم، لتضعه موضع سؤال ولتحدد قيمته، على أن نفهم الأصل هنا فهما جديدا، لا يجعل منه مصدرا ساميا أو ماورائيا[4]. بل على العكس من ذلك شيئا يضرب بجذوره في الواقع، بكل ما يحمله هذا الأخير من صراعات وتناقضات.
يرى فوكو، في مقالة بعنوان "نيتشه: الجينيالوجيا والتاريخ"، أنه يمكن تحديد الجينيالوجيا كبحث متواصل عن البدايات، وليس الأصل، بكل ما تتسم به من شتات في تفاصيلها، وسخافة في هوامشها، وقبح في مظاهرها. فبينما ترمي الميتافيزيقا إلى الكشف عن الأصل الواحد والجوهري، وإبراز اختراق الماهيات للأعراض، والوحدة للأجزاء، تقوم الجينيالوجيا على عكس ذلك، بالبحث عن المصدر الذي "يربك ما ندركه ثابتا، ويجزئ ما نراه موحدا، ويجعلنا ندرك المطابق لذاته غير متجانس"[5].
إنها (أي الجينيالوجيا) إذن، عمل مضاد للميتافيزيقا، يروم خلخلتها، وتكسير صنميتها، والوقوف على ما تحاول إخفاءه، من قبيل: الهوامش، والتفاصيل، القوى والصراعات، الانقطاع والتجزؤ، التعدد والتغير... وليؤدي الطبيب الجينيالوجي –بتعبير فوكو- هاته المهمة، فلا مندوحة له من الاستعانة بالتاريخ، شرط ألا يتم فهمه كما يفعل المؤرخون، أي كتسجيل ورصد للأحداث أو المؤسسات أو الأفكار... أو كما تتصوره فلسفة التاريخ، التي ترى فيه سيرورة غائية، يحكمها عقل، أو "وعي تاريخي" –بتعبير فوكو- أو كما تريد الميتافيزيقا أن تظهره لنا، أي كانبثاق عن الأصل، يشكل ماهية الماضي والحاضر، وربما المستقبل، باختصار كمظاهر وأعراض لوحدة متصلة.
على العكس من ذلك فالتاريخ الجينيالوجي، أو "التاريخ الفعلي"، كما يسميه فوكو، "يعلمنا الاستخفاف بالحفاوة التي يحظى بها الأصل"[6]. يهدف التاريخ الجينيالوجي –حسب فوكو- إلى الإفلات من زمام الاتصال ليكشف الانفصال الذي يخترق الواقع، ومن الحقيقة ليسلط الضوء على الجسد والغريزة المستبعدين من مسرح الحقيقة، وليظهر الحرب والهيمنة بدل السلم والحرية. ذلك أنه يؤمن بالتأويل مبدأ، وبكشف الأقنعة وسيلة. إنه "تاريخ متمرد". يطلعنا على سر من الأهمية بما كان. ألا وهو أن "لعبة التاريخ الكبرى تتمثل فيمن يفوز بالقواعد ويستأثر بها"[7]. لأن هذا الفوز سيتيح لصاحبه أن يهيمن ويسود، باسم "التنظيم" و"العقلنة" و"المعرفة". وحسب فوكو فللحس التاريخي استعمالات ثلاث، تصب في نفس المنحى ألا وهو معارضة التاريخ الميتافيزيقي أو الأفلاطوني.
يتمثل الاستعمال الأول في السخرية ممن الواقع، ومن "الهويات الجوفاء"، تأكيدا لحضور الهامش و ما هو مقصى. والاستعمال الثاني "تفكيك". إنه "التقويض الدائم لهوياتنا"[8]. إبرازا للقطائع والانفصالات والتصدعات التي تخترقنا. ليكمل الاستعمال الثالث، ما جاء به هذين التوظيفين: من خلال "نقد الذات العارفة". بل والتخلص منها. توضيحا لعدم نزاهة إرادة المعرفة، ولكون شياطين الغريزة والهيمنة تستبد بها. إن التاريخ الفعلي يريد أن يوقظنا من سباتنا الطويل. وأن يجرنا لرؤية حقائق غير تلك التي تعودنا على سماعها باستلطاف وبهجة.
هكذا، إذن، يفهم فوكو الجينيالوجيا، وهكذا استلهم مبادئها وآلياتها، في أعماله ومؤلفاته، كما يؤكد ذلك بنفسه. إذ يقول: "هناك ثلاثة ميادين ممكنة للنسابات: أولها أنطولوجيا تاريخية لذواتنا في علاقاتها بالحقيقة، تمكننا من تأسيس أنفسنا كذوات معرفية. وثانيها أنطولوجيا تاريخية لذواتنا في علاقاتنا بحقل من حقول السلطة، تتأسس فيه كذوات قيد الفعل في الآخرين. وخيرا أنطولوجيا تاريخية لعلاقاتنا بالأخلاق، تمكننا من تأسيس أنفسنا كفاعلين أخلاقيين"[9]. ويؤكد أن هاته المحاور تجد تحققها ككل في "تاريخ الجنون". وقد انكب على دراسة محور الحقيقة في "مولد العيادة" و"أركيولوجيا المعرفة". بينما تعرض لمحور السلطة في "المراقبة والعقاب". وأخيرا فقد تطرق في "الحياة الجنسية" لمحور الأخلاق[10].
يتصور فوكو، إذن، الجينيالوجيا كدراسات أو متابعات تاريخية، تروم بالأساس الكشف عن الملابسات، التي تحيط بثلاثة حقول (ميادين) أساسية، في المجتمعات الغربية، هي: الحقيقة والسلطة والأخلاق، التي تنتظم في شبكة معقدة من الممارسات الخطابية (الخطاب بمعناه الشامل أي كفكر وعلم وثقافة عامة، سواء أكان ذلك فرديا أم اجتماعيا) وغير الخطابية. لذلك يمكن الحديث عن أواصر "قرابة فكرية" –إن صح التعبير- بين الجينيالوجيا النيتشوية والأركيولوجيا الفوكوية. ويتجلى ذلك في الأهمية التي يوليانها معا للتاريخ، ولكن على أساس فهم جديد له، إذ تسعى الجينيالوجيا إلى إيضاح لعبة القوى وصراع التأويلات التي تخترقه. وفي نفس المسار تسير الأركيولوجيا (الحفريات الأثرية)، بإقامة تاريخ للفكر والمعارف والفلسفة والأدب،" يعمل على إبراز تعدد الفصائل وتقصي جميع بوادر الانفصال"[11]، بالاعتماد على الوثائق وتحويلها إلى أثريات. ففي نظر فوكو أن "التاريخ اليوم يميل إلى الحفريات، ويسعى نحو الوصف الباطني للأثريات"[12]. بعبارة أخرى إن التاريخ الحفري هو بحث داخلي في الوثائق –الأثريات، يتخلص من "السذاجة التاريخية"، ليتحلى بروح "المساءلة والتشكيك".
وتتقاطع الجينيالوجيا مع الأركيولوجيا أيضا، في التخلي عن المفهومات الميتافيزيقية، والمنظورات الأفلاطونية، التي تمجد العمق والغاية والأصل، لتحل محلها النظرة الريبية، ومقولات الانفصال والتصدع والهيمنة. إلا أن اختلاف نيتشه عن فوكو، ربما يكمن في كون الأول يعمل، من خلال جينيالوجياه، على توجيه أصابع الاتهام إلى ما يسميهم بالعبيد أو القوى الارتكاسية العدمية. في حين يقوم فوكو، بأركيولوجياه، على كشف علاقات الهيمنة، ومظاهر الانفصال في التاريخ، دون الجنوح نحو التقييم اتجاه فئات أو طبقات معينة.
يحضر نيتشه لدى فوكو، من خلال جينيالوجياه، وتصوره الجديد والفريد للتاريخ، أي كبؤرة توتر، تضم بين ثناياها، عدوات وهيمنات خلاقة للدلالة والقواعد والنظم.
II. من "جنون" الفيلسوف إلى فيلسوف الجنون:
سنحاول أن نتتبع التقاطعات الممكن إيجادها بين نيتشه وفوكو، ولذلك سنركز على موضوعة الجنون، اعتبارا للأهمية التي اكتستها لدى كلا الفيلسوفين. فكيف يظهر الجنون لديهما؟ وبم يتسم "جنون الفيلسوف" خاصة؟
لقد أسس ديكارت لتلك النظرة الإقصائية والتهميشية للجنون، وذلك حينما أراد أن يحرر ويفصل العقل عن الوهم، ويجنبه الوقوع في الخطأ والشك. كما يؤكد جان لاكروا[13]. فالكوجيطو الديكارتي بربطه بين الوجود والتفكير، يعلي من شأن هذا الأخير، الذي لا يمكن أن يتم إلا بواسطة العقل. هذا الأخير الذي ينظر إلى المجنون على أنه، لا نصيب له منه. وكأن المجنون بذلك شخص خارج "التغطية العقلية". إذ لطالما اعتبر الجنون فكرا أعمى (حسب مالبرانش)، لأنه يختلط بالوهم والتخيل، ولأنه فقدان للقدرة على قيادة الذات، مادام "المِقْوَدُ" (العقل) غائبا.
ومع نيتشه، وقبله شوبنهاور، ستهتز هاته الصورة المرسومة للجنون، على الأقل جنون الفلسوف، فشوبنهاور كما يقول عزيز الحدادي: "عاش بعمق تجربة الجنون ونال من نعيمها ودفئها". فإن كان المجنون هو الشخص الخارج عن الحدود المرسومة من طرف المجتمع، أو التمرد على صورة العقل التي يحدد المجتمع أدق تفاصيلها –فقسمة الجنون/العقل مبدأ إبعادي من صنع المجتمع، كما يؤكد فوكو-، فإن نيتشه بالطبع أول المجانين، ولكن أيضا أكثرهم حكمة وسعادة، إنه "فيلسوف عظيم عاش متعة الحكمة وفتنة الجنون"[14]. وأكثر من ذلك "كان المرض لا بل الجنون حاضرا في نتاج نيتشه"[15].
جنون نيتشه والفلاسفة، هو بمثابة ثورة على عقل المجتمع –العامة، الذي يبغي أن يقيد حريتهم، ويكمم أفواههم، وكأنه يخاطبهم فيقول لهم: إن لم تكونوا مثلنا، فإننا سنتهمكم بالجنون، ونجردكم من العقل والحكمة، ولكن بماذا يمكن أن نتصور مثلا نيتشه وهو يرد عليهم، إنه يصرخ قائلا: "وا أسفاه امنحيني الجنون ذا أيتها القوى الإلاهية. الجنون كي أخلص إلى الإيمان بذاتي (...) أثبتوا لي أنني إليكم! الجنون وحده يبرهن لي عن ذلك"[16]. وهكذا يصير الجنون "غاية للفيلسوف، وليس مجرد قدر يصيبه في كل لحظة. إن نيتشه قد اختار بأناقة شفافة أن يعيش تجربة الجنون"[17].
يعد نيتشه وغيره من "عباقرة الجنون"، ملهمي فوكو في دراسته للجنون. ألم يقل بنفسه: "إن كل أولئك الذين حاولوا (...) تطويق إرادة الحقيقة، ووضعها موضع سؤال ضد الحقيقة، في اللحظة التي كانت فيها الحقيقة تحاول تبرير الممنوع. وتعريف العمق، كل هؤلاء من نيتشه إلى آرتو ، وإلى باطاي ، يجب أن يكونوا بالنسبة لنا علامات سامقة بدون شك على طريق العمل الذي نقوم به كل يوم"[18]. وبالفعل فقد كانوا علاماته المرشدة، ومع اختلاف دراسته للجنون، إلا أنه كان يسير في نفس خطاهم.
وفي "نظام الخطاب"، يتطرق فوكو للمنظور الإقصائي والتهميشي الذي كان يعامل به المجنون، والذي يتجسد مثلا في عدم قبول شهادته أمام الهيئات التحكيمية (القضاء الآن)، واعتبار كلامه من دون معنى، وفي نفس الوقت كان يصور على أنه الناطق باسم الحقيقة، وبوسعه أن يتنبأ ببعض الأحداث، وبعبارة أخرى، كان المجنون يرى بعينين، فعين ترى فيه ذلك المتلفظ بضجيج من الكلمات، جوفاء من المعنى، والعين الأخرى ترى فيه ذلك المتنبي (المجدوب)، الذي يمكن أن يتلفظ في أي لحظة بحقائق قد تكون غائبة حتى عن أعقل الناس.
وفي كتابه "تاريخ الجنون في العصر الكلاسيكي"، يتطرق فوكو بتفصيل لموضوعة الجنون، فيلاحظ الحظوة الثقافية التي اكتسبها الجنون في عصر النهضة. إذ يتحول إلى "شعار قلق عميق" تجاه نظام الحياة و كيفية ادراكه و تمثله. ويبدو ذلك واضحا في سفينة المجانين التي تجوب الأنهار الأوربية، كتعبير عن الإقصاء و"التطهير الرمزي"، من قبل المجتمع لفئة اعتبرت شاذة، وكأنها كائنات غير إنسانية أو من كوكب آخر.
يبرز فوكو أن هذه النظرة العزلية قائمة على الضرورة الاجتماعية، إذ بتهميش أولئك المنبوذين، يتمكن المجتمع الغربي من الحفاظ على تماسكه ووحدته، وتقوية التضامن الاجتماعي[19] (بالمعنى الدوركايمي). ولذلك تم تجميع "أراذل القوم" –بتعبير فوكو- من متشردين وفقراء ومنحرفين ومجرمين ومجانين، ووضعوا في محاجر كبرى، واستغلوا في أداء بعض الأشغال. أراد المجتمع الغربي إذن أن يرى "صورته الجميلة" –بتعبير هنري ليفي- في المرآة، فلما وجد في هذه الأخيرة بعض الأدران والأوساخ، عمل على تنظيفها، وذلك بإقصاء الفئات التي تمثل الشاذ والنقيض واللاعقل.
وبعد الثورة الفرنسية أدرك الغرب فجأة بأن "المجانين والمجرمون حبسوا بلا تمييز في المحاجر نفسها"[20]. ولذلك تم عزل المجانين في مكان خاص بهم، هو المستشفى العقلي، ومعه ولدت "النظرة الطبية-العلمية" للمجنون، كمختل عقلي وجب علاجه، وضمان حقوقه الإنسانية، لكن فوكو يؤكد مرة أخرى أن ذلك لم يكن بباعث إنساني مشفوع بتقدم علمي، بقدر ما كان استجابة لظروف اقتصادية، وملابسات اجتماعية وسلطوية، بدأ خلالها الغرب يعي أهمية السكان، كأهم عناصر المورد الاقتصادي و الاجتماعي.و بالتالي فمن اللازم القيام بما يضمن استمرارية السكان كذلك (بما فيه طبعا علاج المرضى العقليين). وبالرغم من ذلك فقد شكلت هذه المستشفيات العقلية بجهازها العلمي والطبي، "سيطرة عقلية على الجنون إلى الدرجة التي يغدو معها الجنون قسيما للعقل"[21]، كما يقول فوكو.
لقد تطرقنا إلى بعض معالم الجنون كما تناوله فوكو في "تاريخ الجنون". لنتبين كيف أنه أظهر أن "الجنون لا يوجد إلا في مجتمع وبالنسبة له"[22]. لقد أراد فوكو أن يخرجنا من نظرتنا الضيقة عن الجنون، ليفسح أمامنا آفاقا جديدة، يغدو معها الجنون موضوعا اجتماعيا، ويصير بالتالي جنون الفيلسوف وساما على صدره، قد لا يستأهله إلا أصحاب "الجنون الأعظم"، بتعبير فوكو. ذلك الجنون الذي قد يدفع بالمجتمع إلى أن "ينفذ أحكام الإعدام في حق الفلاسفة الذي يخيفونه بجنونهم الرائع والمدهش الذي يمزق الستار الشفاف الذي يخفي وجه الحقيقة"[23].
فالفيلسوف بجنونه الأعظم يرعب المجتمع، ذلك أن هذا الأخير لا يطيق أن يصغي إلى الحقائق، إذ أن جسده يقشعر منها. ذلك أنه لا يحبذ كل ما يزعجه في سباته الطويل. إذ تفضل العامة أن تسكن في قصور الوهم، وفي صروح الاعتقادات الراسخة، على الرغم من أن الأساس قد يكون هشا وقابلا للانهيار في أية لحظة. وغالبا ما يكون الفيلسوف مصدر خلخلة ذلك البناء الذي يشبه بيت العنكبوت. ولذلك فالمجتمعات المتخلفة (التي تسود فيها الأمية والجهل) يعسر عليها أن تتنفس هواء بنسمات فلسفية. إذ إن هاته النسمات تبدو لها (أي لمجتمعات التخلف) وكأنها ريح عاتية. وبالفعل فهي كذلك لمن اعتاد أن يسكن كهوف الجهل، ولمن كان عقله قالبا فارغا إلا من الدوغمائية والتعصب للرأي. وهو حال مجتمعنا، ويا للأسف!
هكذا أطلعنا فلاسفة الجنون على حقيقة هذا الأخير، وهكذا نستطيع أن نصغي رفقة نيتشه، ساد، آرتو وفوكو...، إلى الجنون "إنه يقول حقيقة عن الإنسان قديمة جدا، وقريبة منه جدا، وصامتة جدا، ومهددة له جدا، حقيقة تحت كل حقيقة"[24].
تعرفنا مع نيتشه وفوكو كيف أن الجنون يثور على النظم الاجتماعية، ويتخطى الأسوار العقلانية، ليثبت أن العقل ليس أنموذجا يحتذى، أو صراطا مستقيما يسلك، وإلا فالهلاك، وأن العقلانية ليست "كاتالوجا" (Catalogue) يحفظ، بقدر ما هي إبداع، وثورة على العتيق، وتجديد في الفكر، وإن كان هذا يوسم من طرف المجتمع بالجنون. فما أجمل هذا الجنون الخلاق، وما أحوجنا إلى مجانين من هذا الطراز في مجتمعنا!
لكن هل يقتصر التقاء نيتشه بفوكو في "إعادة الاعتبار للجنون" –إن صح التعبير-؟ ألا يمكن أن نجد تقاطعات أخرى بينهما؟
III. السلطة والقوة والحقيقة والمعرفة:
يحدد دولوز في كتابه "فوكو"، بعض النقاط التي يتقاطع فيها فوكو ونيتشه، والتي يتجلى فيها حضور نيتشه عند فيلسوفنا الفرنسي.ولذلك فإننا سنستعرض هاته النقاط محاولين التوسع فيها.
السلطة والقوة :
لن ندعي هنا أننا سنقدم عرضا وافيا شافيا حول مفهوم السلطة كما تبلور مع فوكو، ذلك أن أمرا من هذا القبيل يحتاج لوحده إلى بحث وربما بحوث عدة. ولكننا سنحاول أن نتلمس أهم معالم هذا المفهوم، لنقوم بربطه بمفهوم القوة لدى نيتشه.
في الكتاب السالف الذكر لدولوز –ترجمه الدكتور سالم يفوت تحت عنوان: "المعرفة والسلطة: مدخل لقراءة فوكو"- يعرض فيه مجموعة من المسلمات بصدد السلطة، التي يرى أن فوكو عمل على دحضها، بالرغم من أنها كانت تعتبر قبل فوكو من الأمور غير المشكوك فيها. وسنقتصر على أهمها، وهي: اعتبار السلطة ملكية، أي القول بأنها في يد طبقة أو فئة من المجتمع دون أخرى، أو أنها في ملك الدولة. إن فوكو يتجاوز هذه النظرة، ولا ينفيها –كما يؤكد دولوز- يتجاوزها حين يعتبر السلطة بمثابة استراتيجية قائمة على مجموعة من العلاقات المتشابكة والمتداخلة فيما بينها، والتي يصعب عزلها جيدا. بعبارة أخرى، إن السلطة في نظر فوكو-في المجتمعات الغربية- تتشكل من شبكات من الممارسات والنظم والخطابات التي يتداخل فيها ما هو اجتماعي بما هو اقتصادي وما هو سياسي وكذا بما هو معرفي أيضا. فعلاقات السلطة كما يقول فوكو "علاقات إنتاجية قبل كل شيء"[25]. إنها "علاقات خلاقة وحربائية". لا تثبت على حالة واحدة. ولذلك نفهم لماذا راح فوكو يدرس السلطة في كل أشكالها، بل ويهتم ب"ميكروفيزياء السلطة" أيضا.
في تصوره للسلطة يتجاوز فوكو التصور اليميني أو الليبرالي للسلطة، الذي ينظر إليها "بمنظار قانوني"، أي أنه يفهم السلطة من خلال سيادة الدستور، والرجوع للقانون (كأعلى سلطة). ويتجاوز كذلك الطرح اليساري الماركسي، الذي يعتبر أن السلطة في يد الدولة، ولذلك يطرحها من خلال ألفاظ الصراع الطبقي وصراع المصالح. وفوكو كما يؤكد دولوز، لا يلغي أو لا يلقي بهذين التصورين إلى سلة المهملات. ولكنه "يريد أن يبين الوجه الجديد الذي تأخذه السلطة"[26]. إنه يخلخل تلك الصورة المرسومة –لمدة طويلة – للسلطة.ولذلك يستغني عن النظرة العمودية للسلطة، القائمة على التبعية، وعلى التمييز بين حاكم ومحكوم، وغالب ومغلوب... أي السلطة كامتياز يحظى به طرف دون الآخر. على خلاف كل ذلك ففيلسوفنا يرى أن السلطة ينبغي أن تطرح من خلال مفاهيم جديدة، أي كاستراتيجية وكنوع من المحايثة والإجرائية[27]. إنها استراتيجية لأنها ليست في ملك أحد، وهي محايثة لأنها تخترق كل أجزاء المجتمع. وهي إجرائية، باعتبارها مجموعة من الإجراءات الواضحة والخفية في نفس الوقت. وفي هذا الصدد يقول فوكو في أحد حواراته "يجب اعتبار السلطة بمثابة شبكة منتجة تمر عبر الجسم الاجتماعي كله، أكثر مما هي سلبية وظيفتها هي ممارسة القمع"[28].
فالسلطة إذن شبكة، أي مجموعة من الخيوط المترابطة، العلاقات المنتجة، ونفهم معنى الإنتاج هنا، بكونها لا تقوم فقط على القمع والحظر والعنف، وبكونها أيضا منتجة لخطاب، وبالأحرى خطابات معينة، تسندها وتعضدها، وبأنها أيضا تتسم بالحيوية والتجدد. إنها (أي السلطة) كما يقول فوكو قائمة على "علاقات القوى المتعددة التي تكون محايثة للمجال الذي تعمل فيه تلك القوى". أو كما يقول دولوز، هي "علاقة قوى، أو أن كل علاقة قوى، هي على الأصح علاقة سلطة"[29]. وقد نتساءل لماذا؟ وعلى الفور يجيبنا دولوز لأن نيتشه أيضا "يرى أن علاقة القوة تتعدى العنف ولا تنحصر فيه أو تتحدد به"[30]. وقد حلل دولوز في كتابه "نيتشه والفلسفة" مفهوم القوة بالنسبة لنيتشه، بشكل عميق ونفاذ. فأول خصائص القوة (في نظر نيتشه) هو كونها لا توجد منفردة، بعبارة أخرى لا يجب أن نتحدث عن القوة بقدرما يجب أن نتحدث عن تعدد القوى، ذلك أن كل قوة تتوجه إلى قوة أخرى، لتدخل معها في علاقة صراع. وتتميز القوة أيضا بكونها لا يمكن أن تنفصل عن إرادة القوة، إذ أن هذه الأخيرة هي "مكمل للقوة، إسناد إرادة القوة إلى القوة"[31]. وإرادة القوة هي التي تريد. وكما أوضح دولوز جيدا، فإننا يجب ألا نقتصر في فهمنا للقوة وإرادة القوة عند نيتشه، على الفهم العادي، أي كعلاقات يطبعها العنف، والتأثير، إذ إن القوة تأثير (فاعلية) وتأثر (حينما تكون ارتكاسية خاصة). وإرادة القوة إرادة ورغبة، كما أن علاقات السلطة عند فوكو قصدية، وهي خلق وإبداع (إرادة القوة)، وعند فوكو علاقات السلطة إنتاج. وهي إثبات ونفي، إبقاء على الشبيه، وإقصاء للمخالف، كما أن السلطة لدى فوكو تشتغل على منظومات لتدعيم خطابات وممارسات معينة.وفي نفس الوقت نفي وتهميش لأخرى.
يرسم فوكو إذن لوحة جديدة للسلطة، تنتظم معالمها (وأهمها) في ركيزتين كبيرتين هما: "السلطة التأديبية" كما عرضها في كتابه "المراقبة والعقاب"، الذي أراد أن يضهر فيه الوسائل بدأت تعمل وفقها السلطة، وكيفية اشتغالها في المؤسسات (الثكنات، الجامعات، ...وخصوصا السجن)، وهاته "السياسة التأديبية" تسعى إلى "إنتاج كائن بشري يمكن معاملته كجسد طيع"[32].
هاته السياسة التأديبية التي يحكمها "عقل تأديبي"، وتشتغل "بتكنولوجيات تأديبية" –بتعابير فوكوية- عقل يخترق أدق التفاصيل والجزئيات. ولذلك لزم الحديث عن "ميكروفيزياء للسلطة" –بتعبير فوكو- أو "السلطة الذرية" –إن صح التعبير- التي تظهر في جزئيات صغيرة، وتبدو تافهة، إلا أنها في نظر فوكو غاية في الأهمية (من قبيل الهندسة المعمارية لأي مؤسسة، تنظيم الوقت، لوائح الحضور والغياب...). إذ تكشف عن آليات المراقبة والضبط التي تشمل كل مناحي الحياة الغربية. إنها "بانوبتيكون" ، يُرَاقِب ولا يُرَاقَب، ويَرى ولا يُرَى.
وتتجلى الركيزة الثانية للسلطة في "السلطة الحيوية" أو "السياسية الحيوية" التي "تعرف كل شيء عن مواطنيها، ولها الحق في نقل وحتى قتل سكانها"[33]. إنها تعرف كل شيء عن مواطنيها لأنها بمثابة "أخطبوط" يتغلغل في المجتمع، في صورة أجهزة إدارية، وأجهزة إعلام وخطابات شتى... وتستعين خاصة بالخطاب العلمي. مركزة على محوري: "الجنس البشري" متجسدا في مفهوم السكان، وأهمية الحفاظ على حيويته، وصحته وأمنه (وزارة الصحة العامة، أجهزة الشرطة)، وعلى تكنولوجيات للجسد، صار بموجبها هذا الأخير، موضوع استثمار، وتجريب، واهتمام به[34] (يتداخل في ذلك ما هو اقتصادي، بما هو علمي طبي، وبما هو جنسي صحي...).ويلخص دولوز أطروحات فوكو الأساسية حول السلطة في:
1. كون القوة (السلطة) ليست بالضرورة سلطة قامعة، وبتعابير فوكوية، "فالفرضية القمعية"، التي يمكن النظر من خلالها إلى اشتغال السلطة، تظل قاصرة عن فهم وإدراك "آليات السلطة".
2. أن القوة تمارس، تشتغل قبل أن تتجسد أو تتملك، إذ يصعب تعيين العلاقات السلطوية وتجسيمها، إذ أنها كما سبقت الإشارة، أكثر تخفيا وتنكرا. وفي الوقت ذاته، أكثر فعالية وإنتاجية (فقوتها تكمن في تخفيها).
3. إن هاته القوة –السلطة شاملة، فهي تسري على الكل، ولا تميز بين غالب أو مغلوب... ويعلق دولوز على ما سبق بقوله إنه "موقف نيتشوي عميق"[35].
وزيادة على ما طرحه دولوز، يمكن أن نجد بين نيتشه وفوكو تقاطعا مهما، فيما يخص نظرتهما معا إلى الحقيقة أو المعرفة.
المعرفة كإرادة قوة، والحقيقة كإرادة سلطة:
إن أهم ما يحسب لنيتشه، كونه طرح الحقيقة كقيمة للنقاش. فقبل نيتشه كانت الحقيقة تعتبر قيمة عليا، تنشد كل الخطابات (علمية-فلسفية-دينية...) بلوغها. إلا أن نيتشه كعادته ليس من عباد التماثيل والأصنام، ولذلك وقفت مطرقته لمفهوم أو قيمة الحقيقة "بالمرصاد". فنفذ "منقب الأعماق الجيد" –بعتبير فوكو- إلى عمق، وبالأحرى إلى سطح الحقيقة، ليكشف أنها لا تعدو أن تكون إرادة سلطة. وبالأحرى إرادة قوة: "تسمون ما يحفزكم ويؤججكم أيها العظماء إرادة الحقيقة. وإني أسمي إرادتكم هذه إرادة جعل ما هو كائن قابلا للتصور (...) هذه هي إرادة القوة لديكم، أيها الحكماء العظماء"[36].
إن ما يوجه البحث عن المعرفة في نظر نيتشه، ليس هو الرغبة في الحكمة أو الحقيقة، بل إنها رغبة دفينة في الحصول على "النفع الحيوي"، الذي بموجبه يستمر الإنسان في الحياة. هي إذن رغبة لا عقلانية، يتدخل فيها ما هو غريزي، رغم ما تقوم به الحقيقة لاستبعاده ونفيه، أكثر من ذلك فقوة المعرفة بالنسبة لنيتشه، لا تقاس بمدى تعبيرها عن الحقيقة بقدرما أن معيارها هو مدى تجذرها في التاريخ الإنساني، وما تشكله من أهمية في المجتمع، وذلك بمقدار ما تحققه من نفع حيوي. يعتبر نيتشه الحقيقة "جمهرة من الاستعارات والكنايات ..."، التي لا تحمل في ذاتها معنى، إلا ما نسبغه عليها. وفي مقدمة كتابه"ما وراء الخير والشر"، يصور الحقيقة كامرأة، فشل الفلاسفة في فهم طبائعها، إنها امرأة تحبذ القوة، وتؤثر الهيمنة، ولا تبالي بشعارات الحكمة والحياد...، فنيتشه يدرك تمام الإدراك أن من يملك الحقيقة، فهو يملك زمام الأمور، ويغدو بالتالي سيد الكل.
في نفس الخط النيتشوي يسير فوكو. ليطور ويعمق فكرة نيتشه عن المعرفة، باعتبارها مرتبطة بإرادة القوة. إذ يؤكد فوكو أيضا، وعلى حد تعبيره "أن الحقيقة ليست خارج السلطة، وليست بدون سلطة". فهو يوضح كيف أن المعرفة متورطة في علاقات مشكوك فيها مع السلطة. ففي "تاريخ الجنون" مثلا يبرز كيف أن الطب النفسي والعقلي، كان وليد ملابسات تاريخية متشابكة، وأن الرحم التي رعته، لم تكن رحم حقوق الإنسان، والنظرة الإنسانية والعلمية، بقدر ما كانت "رحم إرادة السلطة".
المعرفة إذن وليدة الحاجة والتعطش، لكن لا التعطش إلى الحكمة وبلوغ الحقيقة، وإنما التعطش للسلطة، وفرض خطاباتها، وإقصاء ما عداها. وبذلك يخرق فوكو –وقبله نيتشه- قاعدة القول بنزاهة وحيادية المعرفة، ليستبدلها بقاعدة التداخل، شديد التعقيد، مع السلطة ومتطلباتها ومصالحها. "حتى ولو كان مدينا [فوكو] لهذين التراثين [المقصود التحليلان السوسيولوجي والماركسي للمعرفة]. وهما تراثان يعيد النظر فيهما، ويجدرهما بتأمله في نتاج نبتشه"[37]. نيتشه إذن كان من بين الذين فتحوا فوكو على آفاق جديدة للنظر في ترابط وتلازم السلطة (القوة) بالمعرفة (الحقيقة).
تفرض الحقيقة –كما يؤكد فوكو في نظام الخطاب- فرضا، ولها إجراءات متنوعة تسلكها في مهامها تلك. ومن بينها المنع (منع الخطاب حول السياسة والجنس...) والتقسيم (جدار فاصل بين خطاب الجنون وخطاب العقل، وبين الحقيقة والخطأ مثلا...). وكذلك السرديات الاجتماعية (الحكايات المتداولة في كل مجتمع...). وإجراءات أخرى عدة. وفي أحد حواراته حول علاقة الحقيقة بالسلطة[38]، يؤكد فوكو أن "الاقتصاد السياسي للحقيقة" في المجتمع الغربي، يتميز بخمس سمات.
فهي أولا: "متمركزة على شكل الخطاب العلمي ومؤسساته"،بتعبير فوكو، بمعنى أن الخطاب العلمي يحتكر سلطة النطق باسم الحقيقة، ويرغب في إقصاء باقي الخطابات (فلسفة، أدب...)، إنها "النزعة العلموية"، التي ترى أن العلم وحده يقول الحقيقة.
ثانيا: خضوع الحقيقة "للتحريض الاقتصادي والسياسي الدائم"، بتعبير فوكو، أي أن الحقيقة ليست كنزا مطمورا في تربة ما، يكتشف بالحدس أو الذكاء. إنها ليست تحصيلا بقدر ما هي إنتاج وصنع، يسهم فيه ما هو اقتصادي وما هو سياسي.
ثالثا: يتحكم في نشر واستهلاك الحقيقة، أجهزة إعلامية، ومؤسسات تربوية على نطاق واسع.
رابعا: يتم إنتاج الحقيقة تحت هيمنة كبريات الأجهزة والمؤسسات السياسية والاقتصادية، التي تشرف وتراقب هذا الإنتاج، من قبيل: الجامعات، الجيش، المختبرات...
خامسا: غدت الحقيقة مدارا ومحورا تنتظم حوله كل المناقشات السياسية، والصراعات الاجتماعية، فالأمر لا يتعلق، وعلى حد تعبير فوكو "بكفاح لصالح الحقيقة، بل حول مكانة وقيمة الحقيقة، وحول الدور الاقتصادي الذي تلعبه". فضلا عن ذلك فالحقيقة مرتبطة بأنساق السلطة، التي تنتجها وتدعمها، والآثار التي تولدها، وتسوسها. وهو ما يعبر عنه فوكو ب"نظام الحقيقة".
وفوكو في عمله هذا لا يرغب في استبدال الحقائق بأخرى، ذلك أن أمرا من هذا القبيل لن يفلت من قبضة السلطة، لأن "الحقيقة هي ذاتها سلطة"، كما يقول فوكو. وإنما كانت مهمته أن يهز الأرض الصلبة التي كانت تقف عليها الحقيقة، وكشف كل ما تتقنع به من نزاهة وحيادية. وبالتالي إيضاح أن الحقيقة تضرب بجذورها في أعماق تربة السلطة، أو أن هذه الأخيرة هي التي تتجذر في الحقيقة. (فكلاهما صحيح). إن ما أراد القيام به وعلى حد تعبيره هو "إعادة النظر في إرادتنا للحقيقة، إعادة طابع الحدث للخطاب، وأخيرا رفع سيادة الدال"[39].
أسقط نيتشه، إلى جانبه فوكو، الحقيقة من برجها العاجي الميتافيزيقي. لقد أظهروا لنا أنها متجذرة في التاريخ البشري. لا تنفصل عن إرادة القوة، ولا عن إرادة السلطة. إلى جانب ما ذكرناه، يمكن أن نجد تقاطعات بين نيتشه وفوكو، في فكرة موت الإنسان، ولكن بأي معنى؟
IV. موت الإنسان بين نيتشه وفوكو:
يعتبر كتاب "الكلمات والأشياء" لفوكو، من بين أهم مؤلفاته، وفيه يطرح فكرة "موت الإنسان" –التي ترددت مع البنيوية- والتي أثارت مجموعة من الإشكالات، وجلبت عليه انتقادات جمة- خصوصا من دعاة حقوق الإنسان-. وسنحاول أن نلقي الضوء على هاته الفكرة، باعتبارها كما يؤكد دولوز وفوكو نفسه، نقطة التقاء بين فيلسوف المطرقة، وفيلسوف الابستيمية (فوكو).
يرى فوكو،وعلى حد تعبير دولوز "أن الحياة والعمل واللغة تنبثق أول الأمر كقوى متناهية خارجية بالنسبة للإنسان، تفرض عليه تاريخا، لها، وفي مرحلة ثانية يمتلك الإنسان هذا التاريخ ويجعل من تناهيه أساسا له"[40]. ركز فوكو إذن على ثلاثة حقول أساسية بالنسبة للإنسان.منها ما له ارتباط بما هو اجتماعي (العمل). ومنها ما هو فردي (الحياة). ومنها ما يتعلق بالتواصل (اللغة)، باعتبار أن هذه الميادين هي التي تم التركيز عليها في القرن التاسع عشر، الذي شهد ولادة العلوم الإنسانية، أي عصر الإنسان –كما يقول فوكو- ،هذا العصر الذي مثل تعطش الإنسان الغربي لمعرفة كل ما يتعلق بالإنسان. والذي مات فيه الإنسان أيضا. ولكن كيف تحل هاته المفارقة؟
يؤكد فوكو في أحد حواراته، أن الإيمان "بالمعنى"، أي بحرية الإنسان، وسيادته على ذاته وقدراته، لم يعد مستاغا، فالمعنى كما يقول "لم يكن على وجه الاحتمال، سوى نتيجة سطحية أو لمعان أو زبد، وأن مل يخترقنا في العمق، ما يوجد قبلنا وما يسندنا في الزمان والمكان، كما هو النسق"[41]. ولكن ماذا يعني هذا؟
يريد فوكو أن يقول، إن الإنسان الذي تم البحث عنه، بكل تعطش، خلال القرن التاسع عشر، قد تبخر واختفى. ذلك أن هذا القرن –وحسب فوكو- كان قرن الاختراعات الكبرى، وأهمها اختراع العلوم الإنسانية. ومعنى ذلك، على حد تعبير فوكو "جعل الإنسان موضوعا لمعرفة ممكنة". انبثقت هاته المعرفة من رغبة وأمل في التعرف على الإنسان أكثر فأكثر. في جانبه النفسي والاجتماعي واللساني خاصة.
لقد رصدت كل "الترسانة المعرفية والعلمية" –إن صح التعبير- من أجل اختراق الإنسان في أدق تفاصيله وجزئياته، البيولوجية والاجتماعية والنفسية والأنتروبولوجية واللسانية أيضا. بما يعمق معرفة الغرب بالإنسان. وبما يجعل معرفته بنفسه أوسع، وإذا عرف الإنسان نفسه، كان أقدر على قيادتها والسيادة عليها. وامتلاك زمام الأمور فيها. من هنا تؤكد أركيولوجيا فوكو، أن الإنسان كان وليد واختراع القرن التاسع عشر (أي حين أصبح أداة وموضوع المعرفة في ذات الوقت). وبالرغم من كل ذلك "لم يتم العثور أبدا على هذا الإنسان الشهير أو هذه الطبيعة البشرية، أو هذه الماهية الإنسانية"[42]. إذن ما الذي تم العثور عليه؟ يجيبنا فوكو أنه تم إيجاد البنيات في المجال الأنتروبولوجي (مع شتراوس)، وفي المجال اللساني (مع رولان بارت)، وفي المجال النفسي، وجد اللاوعي (مع جاك لاكان). ومع فوكو نفسه وجد ما يسميه ب "لاوعي المعرفة". أي أن تطور المعارف ليس غائيا متصلا يحكمه العقل، بل إنه يخضع لنظم وقواعد تجهلها تلك المعارف نفسها.
ما يشكل أساس الإنسان هو اللاوعي (اللاشعور عند فرويد)، وهو البنيات، وتعني البنية[43]، نسقا من العلاقات الباطنية، وتتسم بكونها تجريدية أكثر منها تجسيدا. وتظهر في آثارها أكثر مما تظهر في ذاتها، أضف إلى ذلك أنها تنحو نحو الثبات أكثر مما تتسم بالحركة، وأخيرا فهي تؤشر إلى غياب الذات الفاعلة، إذ يصعب تحديد خالقها أو منتجها.وبدل الحديث عن البنية يفضل فوكو استعمال مصطلح النسق، الذي يعرفه على حد تعبيره، على أنه "مجموعة من العلاقات التي تثبت وتتغير في استقلال عن الأشياء التي تربط بينها". إن الإنسان إذن ليس سيد نفسه، ولا مالك ذاته، إنه ريشة في مهب الرياح، رياح البنيات والأنساق واللاوعي واللاشعور. فهو خاضع لمجموعة من القوالب التي تسهم في تشكيله وبلورته، والتي يبلورمنها في لحظة ثانية تاريخا له. فعلى خلاف العصر الكلاسيكي (ق16وق17) –بتعبير فوكو- الذي تم فيه تصور الإنسان من خلال القوى اللامتناهية، التي تشكل قنطرة من أجل تصور وإدراك اللامتناهي (أي الله). على خلاف ذلك كان القرن التاسع عشر عصر الحداثة، الذي يبتدئ –حسب فوكو- مع فكرة أن الإنسان هو سيد لأنه بالضبط عبد، "يحل الله بموجب تناهيه بالذات". ويطلق فوكو على هاته الفكرة تسمية "تحليلية التناهي".
اعتبرت الحياة والعمل واللغة، قوى متناهية، عملت علوم البيولوجيا والاقتصاد واللسانيات على كشفها وفحصها، وظهر أنه "ليست هذه القوى الغامضة، أي قوى التناهي إنسانية، بل ترتبط بقوى الإنسان من أجل تقليصه في تناهيه الخاص، وإشاعة تاريخ فيه، يجعل منه الإنسان في لحظة ثانية تاريخا له"[44].
إن هاته القوى أو المواضيع الخارجية المتناهية، المحكومة بمنطق غريب عن الإنسان، وببنيات وأنساق يجدها الإنسان جاهزة، وتتدخل في تكوينه، وبحكم ارتباطه بها، فذلك يجعل منه كائنا متناهيا. 1. إنه كائن تسمه روزمانة (زمرة) من التناقضات، تحاول تحليلية التناهي[45] الفوكوية كشفها، إذ تسعى إلى إثبات أن الإنسان قابل لممارسة التحليل التجريبي، ويستعلي عليه. 2. إنه غامض يتضمن لا مفكرا به، وكوجيطو جلي. 3.إنه نتاج تاريخ طويل، وهو أصل هذا التاريخ في نفس الوقت. بعبارة أخرى إن دراسة الإنسان أمر معقد، يصطدم بمجموعة من الحواجز، فتطبيق المناهج التجريبية على الإنسان يظل قاصرا عن فهمه وإدراكه، لأنه يستعصي على التجريب، ويبدو الإنسان وكأنه واضح (مرآة شفافة) –الكوجيتو بتعبير ديكارتي- ولكن يدخل اللامفكر به –بتعبير فوكو- في الخط (إن صح التعبير)، ليفسد كل ما كان الإنسان يعرفه عن نفسه (اللاشعور مثلا)، وحين يتجرأ الإنسان ويرغب في البحث عن أصل كينونته، فإنه يقف عاجزا وتخيب كل آماله صعوبة تحديد أصل اللغة مثلا)، فكما يقول فوكو "لكي يفهم الإنسان كينونته، عليه أن يمسك بأصله، ومع هذا فهو يفلت منه حتما". لهذا نفهم لماذا قال فوكو بأن أبحاث العلوم الإنسانية لا تسعى إلى محو "الصورة التقليدية التي سبق أن كونها عن الإنسان فحسب، بل تهدف كلها –في رأيي- إلى جعل فكرة الإنسان ذاتها فكرة غير مجدية، وذلك على مستوى البحث والتفكير، وإن أثقل ميراث تحدر إلينا من القرن التاسع عشر- وهو ميراث آن الأوان للتخلص منه- هو النزعة الإنسانية"[46].
يدعونا فوكو إذن إلى القطع مع التصور الكلاسيكي للإنسان، الذي حدثتنا عنه الفلسفات والديان. فالإنسان كحيوان ناطق، أو ككائن واع، وكإرادة حرة، له ماهيته التابثة، وجوهره الخالص، أو كشيء في ذاته. كل هذا تبخر –في نظر فوكو- مع القرن التاسع عشر. حين أثبتت العلوم الإنسانية، الوجه الحقيقي للإنسان- الذي كان إلى أمد بعيد خفيا ومجهولا عنا- إنه وجه البنيات والنسق واللاوعي والاشعور والسلطة أيضا. وهكذا أصيب الإنسان في أعز ما يملك: الحرية والعقل والاستقلال والتسامي عن باقي الكائنات... فوكو إذن ينعي لنا الإنسان!
يرى دولوز أن قصة موت الإنسان هي "قصة نيتشوية"، وفي نظره أننا "نحرف نيتشه عن مقصده حين نجعل منه فيلسوف موت الله"[47]. فموت الإله قد أعلنه قبله الفيلسوف الألماني لدفيج فيورباخ، الذي اعتبر أن الإله ما هو إلا اختراع إنساني،تم حين أضفى الإنسان كل صفاته من قوة وعلم وقدرة..على الإله. وقد أبرز فكرته هاته في كتابه الشهير "أصل الدين".
ولكن كيف يكون "موت الإنسان" قصة نيتشوية؟ يجيبنا دولوز قائلا: إنه"طالما أن الله موجود، أي طالما أن الشكل –الله يشتغل، فالإنسان لم يوجد بعد، أما عندما يظهر الشكل-الإنسان فإن ذلك لا يتم إلا بفهم سابق لموت الإنسان"[48]. يعني ذلك أن الإنسان حين كان يعتبر الإله موجودا، فهو (أي الإنسان) لم يكن موجودا، ذلك أنه كان رهينا بذلك الإله، في قدراته وملكاته وأفعاله، إنه إن كان موجودا فهو موجود لأجل ذلك الإله. من أجل عبادته وطاعته، أي أنه يستمد مشروعية وجوده من الإله، وبقدرما يعمل من أجل إرضائه، ولكن ما أن يرغب(أي الإنسان) في الوجود وفي أن تتحقق له كينونته، والانفصال عن الإله، إلا ويكون من اللازم عليه أن يدرك موته واختفاءه. إنه الموت المتضمن في موت الإله، أي فقدان الإنسان لركيزة وأساس وجوده.
إن زرادشت حين أعلن موت الإله، لم تكن هاته هي غايته فحسب، بل إنه أراد أيضا أن يسحب البساط من الإنسان، أن يتركه بدون أساسه، وينزع عنه ما يشكل ماهيته ووجوده، إن نيتشه كان يرغب في قتل الإنسان وإماتته، طمعا في الوصول إلى الإنسان الأعلى. وهذا ما يؤكده أيضا فوكو نفسه إذ يقول: "إذا كان نيتشه هو الذي أشهر موت الإله، فإنه هو الذي أشهر في الوقت ذاته ذلك الإنسان المؤله، الذي لم يكف القرن التاسع عشر عن الحلم به قط. وعندما يبشر نيتشه بمقدم الإنسان الأعلى، فإن ما يبشر به ليس مقدم إنسان أشبه بالله منه بالإنسان، وإنما مقدم إنسان لا علاقة له البتة بذلك الإله الذي ما زال يحمل صورته"[49].
ففيلسوف الأعماق يرفض تأليه الإنسان، والنزعة الإنسانية التي سادت في عصر الحداثة، لأنه لا يرى فيها إلا وجها جديدا للعدمية ، أي للحط من قدر ومن قيمة الحياة، باسم الإنسان وشعارات الليبرالية والتقدم والديموقراطية... إلخ.
وفي رأي نيتشه أن الإنسان الأعلى وحده القادر على أن يطلق سراح الحياة من أسر الإنسان ذاته لها. "ولعل فوكو أيضا كان يعتقد أنه ينبغي إماتة الإنسان لإيجاد الإنسان الأعلى"[50]. وهو في منظور فوكو (أي هذا الإنسان الأسمى) وعلى حد تعبير دولوز "أقل من أن يكون اختفاء وأفولا للناس الموجودين، وأكثر كثيرا من انقلاب في تصور الإنسان، انه بزوغ شكل جديد غير الله وغير الإنسان، وثمة أمل في ألا يكون أسوأ من الشكلين السابقين"[51].
هكذا يلتقي مرة أخرى فوكو ونيتشه، في القول بموت الإنسان. ومعه النزعة الإنسانية، ليدخلا بذلك بوابة ما بعد الحداثة ، التي أظهرت أن شعارات الحداثة والنزعة الإنسانية، لم تكن إلا تمويها، أرادت أن تخلق نموذجا واحدا، وبضاعة موحدة، يستهلكها الكل، وعلى خلاف ذلك عملت فلسفة ما بعد الحداثة مع ليوتار، دولوز، فوكو، دريدا، فاتيمو... على ترسيخ عقلية الاختلاف والتقبل، واحترام الخصوصيات والثقافات.
أضف إلى ذلك أن نيتشه و"الما بعد حداثيين"، يقدرون الفن والإبداع، وكل ما يعبر عن الفرح، ويخرج الإنسان من جفاف وصلابة العقلية التقنوية والاقتصادوية، اللتان تحيلان الحياة إلى مجرد حسابات و أسهم تتأرجح بين النزول و الصعود.
إن الفن يشكل في كل فلسفات ما بعد الحداثة حجر الزاوية. إذ الفيلسوف الما بعد حداثي ينظر إلى الفن على أنه البوابة التي يدخل معها المرء عالما، ملؤه السعادة والفرح، والاحتفاء بالجسد والعاطفة. وأكثر من ذلك ينظر حتى إلى الألم ولحظات البؤس، نظرة فنية، تتيح له تجاوز وبالأحرى التغافل عنها. فوحده الإنسان العادي يعيش اليومي، بينما يرتفع به الفيلسوف ليخلق منه لحظات متعة وتلذذ ممزوجة بالتأمل والحكمة. نوسان وتأرجح الفيلسوف بين اليومي والتأملي، وبين الواقع والمثال قد يكون "سببا في صمت الفيلسوف، أو في جنونه الهادئ الذي يعلن عن ميلاد نشيد مقدس احتفالا بالفن"[52].
هذا النشيد المقدس للفن نجد تجلياته مع فيلسوف الأعماق نيتشه، الذي ظل يرى في الفن ورقة رابحة، يمكن بها استعادة جمال الحياة وسعادة الوجود، وفتح آفاق لمجيء الإنسان الأعلى. يقول نيتشه: "على مدى سنين طويلة علمنا الفن أن ننظر إلى الحياة وإلى شكل من أشكالها بمتعة وسعادة، وأن نستدرج أحاسيسنا إلى الحد الذي نصرخ فيه: أيا تكن هذه الحياة فهي جميلة". هذا الجمال الذي يصنعه الفن هو ما يدعونا فوكو أيضا إليه، ذلك بأن لا يظل الفن مقتصرا على الفنانين والمتخصصين، بل أن ننتقل إلى شيء يسميه فن العيش,وفي هذا الصدد يقول: "ألا يمكن لحياة كل فرد أن تكون عملا فنيا"[53]. يريدنا فوكو على غرار نيتشه أن نجعل من "الفن حياة، ومن الحياة فنا"
الهوامش :
1. نيتشه، العلم والجذل، ترجمة سعاد حرب، دار المنتخب العربي لدراسات والنشر والتوزيع، بيروت، لبنان، ط1، (2001)، ص. 108.
2. فريدريك نيتشه، الفلسفة في العصر المأساوي الإغرقي، تعريب د. سهيل القش، تقديم، ميشيل فوكو، المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر والتوزيع، ط.3، 2005، بيروت، لبنان، ص. 13.
3. نفسه، ص. 12.
4. فريدريك نيتشه، جينيالوجيا الأخلاق، ترجمة وتقديم، محمد الناجي، أفريقا الشرق، الدار البيضاء، المغرب، 2006، ص.
5. فوكو، جينيالوجيا المعرفة، ترجمة أحمد السطاتي/عبد السلام بنعبد العالي، دار توبقال للنشر والتوزيع، الدار البيضاء، ط1، 1988، ص. 53.
6. نفسه، ص. 51.
7. نفسه، ص. 57.
8. نفسه، ص. 64.
9. حوار فوكو مع هوبير دريفوس، وبول رابيناور "بصدد نسابة الأخلاق"، ص-ص. 77-102، مجلة بيت الحكمة، عدد1، سنة 1، دار قرطبة للطباعة والنشر، الدار البيضاء، 1أبريل 1986، ط.3 ص. 87.
10. نفسه، ص. 87.
11. فوكو، جينيالوجيا المعرفة، م. س. ص. 70.
12. نفسه، ص. 71.
13. جان لاكروا، دلالة الجنون في فكر ميشيل فوكو، ص(85-92)، مقتطف من كتاب ميشيل فوكو: نظام الخطاب ، ترجمة محمد سبيلا، دار التنوير للطباعة والنشر، بيروت، لبنان، ط1، 1984، (ص 88-89) بتصرف.
14. عزيز الحدادي، للأشياء رائحتها، لقاء الفيلسوف بالرسام، منشورات ما بعد الحداثة، فاس، ط1، 2007، ص. 74.
15. جيل دولوز، نيتشه،، تعريب أسامة الحاج، المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر والتوزيع، بيروت، لبنان، ط1، 1998، ص. 17
16. نفسه، ص. 129.
17. عزيز الحدادي، للأشياء رائحتها، م.س. ص. 76.
18. ميشيل فوكو، نظام الخطاب، م.س. ص. 16.
19. إديث كيرزويل، عصر البنيوية من ليفي شتراوس إلى فوكو، ترجمة جابر عصفور، دار قرطبة للطباعة والنشر، الدار البيضاء، ط2، ماي 1986، ص. 213.
20. أوبيرينوس، ميشيل فوكو: مسيرة فلسفية، ترجمة جورج أبي صالح، منشورات مركز الإنماء القومي، بيروت، لبنان، ص. 14.
21. إديث كيرزويل، عصر البنيوية من لفي شتراوس إلى فوكو، م.س. ص. 215.
22. جان لاكروا، دلالة الجنون في فكر ميشيل فوكو، م.س. ص. 92.
23. عزيز الحدادي، للأشياء رائحتها، م.س. ص. 78.
24. جان لاكروا، دلالة الجنون في فكر ميشيل فوكو، م.س. ص. 91.
25. حوار فوكو مع برنار هنري لفي، بعنوان :لا لسيطرة الجنس"، ترجمة مصطفى كمال (ص-ص. 61-76)، مجلة الحكمة، م.س. ص. 69.
26. جيل دولوز، المعرفة والسلطة، مدخل لقراءة فوكو، ترجمة سالم يفوت، المركز الثقافي العربي، الدار البيضاء، المغرب، ط1، 1987، ص. 31.
27. جيل دولوز، المعرفة والسلطة، م.س. ص-ص. 31-33، بتصرف.
28. فوكو، نظام الخطاب، م.س. ص. 74.
29. فوكو، جينيالوجيا المعرفة، م.س. ص. 78.
30. جيل دولوز، المعرفة والسلطة، م.س. ص. 77.
31. جيل دولوز، نيتشه والفلسفة، ترجمة أسامة الحاج، المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر والتوزيع، بيروت، لبنان، ط2، 2001، ص. 66.
32. ميشيل فوكو، مسيرة فلسفية، م.س. ص. 123.
33. نفسه، ص. 126.
34. نفسه، ص-ص. 123-126. بتصرف.
35. نفسه، ص. 78.
36. فريدريك نيتشه، هكذا تكلم زرادشت، ترجمة وتقديم محمد الناجي، أفريقيا الشرق، الدار البيضاء، 2006، ص. 104.
37. أوبيردريفوس، بول رابينوف، ميشيل فوكو: مسيرة فلسفية، م.س.، ص106.
38. فوكو، نظام الخطاب، ص-ص. 81-83، م.س.، بتصرف.
39. ميشيل فوكو، نظام الخطاب، م.س. ص. 34.
40. جيل دولوز، المعرفة والسلطة، م.س. هامش 23، ص. 96.
41. الحوار –المعركة، مجلة الحكمة، م.س.، ص.6.
42. الحوار – المعركة، ص-ص. 5-25، ترجمة مصطفى كمال، مجلة الحكمة، م.س.، ص. 19.
43. إديث كيرزوبل، عصر البنيوية، م.س.، ص-ص. 289-290، بتصرف.
44. جيل دولوز، المعرفة والسلطة، م.س.، ص-ص. 95-96.
45. ميشيل فوكو، مسيرة فلسفية، م.س. ص. 33، بتصرف.
46. الحوار-المعركة، مجلة الحكمة، م.س.ص. 8.
47. المعرفة والسلطة، م.س. ص. 144.
48. نفسه، ص. 145.
49. مجلة الحكمة، م.س. ص. 20.
50. وهذا ما يؤكده جان لاكروا في مقالته: دلالة الجنون في فكر ميشيل فوكو، م.س. ص. 92.
51. جيل دولوز، المعرفة والسلطة، م.س. ص. 147.
52. عزيز الحدادي، للأشياء رائحتها، م.س. ص. 10.
53. بصدد نسابة الأخلاق، حوار هوبيردريفوس وبول رابيناو مع فوكو، -ص-ص. 77-102)، مجلة الحكمة، م.س. ص. 86.
لائحة المصادر و المراجع :
- فريديريك نيتشه، العلم والجذل، ترجمة سعاد حرب، دار المنتخب العربي لدراسات والنشر والتوزيع، بيروت، لبنان، ط1، (2001.
-فريدريك نيتشه، الفلسفة في العصر المأساوي الإغرقي، تعريب د. سهيل القش، تقديم، ميشيل فوكو، المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر والتوزيع، ط.3، 2005، بيروت، لبنان .
فريدريك نيتشه، جينيالوجيا الأخلاق، ترجمة وتقديم، محمد الناجي، أفريقيا الشرق، الدار البيضاء، المغرب، 2006.
- فوكو، جينيالوجيا المعرفة، ترجمة أحمد السطاتي/عبد السلام بنعبد العالي، دار توبقال للنشر والتوزيع، الدار البيضاء، ط1، 1988.
- مجلة بيت الحكمة، عدد1، سنة 1، دار قرطبة للطباعة والنشر، الدار البيضاء، 1أبريل 1986، ط 3.
- ميشيل فوكو: نظام الخطاب ، ترجمة محمد سبيلا، دار التنوير للطباعة والنشر، بيروت، لبنان، ط1، 1984.
- عزيز الحدادي، للأشياء رائحتها، لقاء الفيلسوف بالرسام، منشورات ما بعد الحداثة، فاس، ط1، 2007.
- جيل دولوز، نيتشه،، تعريب أسامة الحاج، المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر والتوزيع، بيروت، لبنان، ط1، 1998.
- إديث كيرزويل، عصر البنيوية من ليفي شتراوس إلى فوكو، ترجمة جابر عصفور، دار قرطبة للطباعة والنشر، الدار البيضاء، ط2، ماي 1986.
- أوبيرينوس، ميشيل فوكو: مسيرة فلسفية، ترجمة جورج أبي صالح، منشورات مركز الإنماء القومي، بيروت، لبنان، ص.
- جيل دولوز، المعرفة والسلطة، مدخل لقراءة فوكو، ترجمة سالم يفوت، المركز الثقافي العربي، الدار البيضاء، المغرب، ط1، 1987.
[1] - جيل دولوز، نيتشه والفلسفة، ترجمة أسامة الحاج، المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر والتوزيع، بيروت، لبنان، ط2، 2001.
[1]. نيتشه، العلم والجذل، ترجمة سعاد حرب، دار المنتخب العربي لدراسات والنشر والتوزيع، بيروت، لبنان، ط1، (2001)، ص. 108.
[2]. فريدريك نيتشه، الفلسفة في العصر المأساوي الإغرقي، تعريب د. سهيل القش، تقديم، ميشيل فوكو، المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر والتوزيع، ط.3، 2005، بيروت، لبنان، ص. 13.
[3]. نفسه، ص. 12.
[4]. فريدريك نيتشه، جينيالوجيا الأخلاق، ترجمة وتقديم، محمد الناجي، أفريقا الشرق، الدار البيضاء، المغرب، 2006، ص. 11.
[5]. فوكو، جينيالوجيا المعرفة، ترجمة أحمد السطاتي/عبد السلام بنعبد العالي، دار توبقال للنشر والتوزيع، الدار البيضاء، ط1، 1988، ص. 53.
[6]. نفسه، ص. 51.
[7]. نفسه، ص. 57.
[8]. نفسه، ص. 64.
[9]. حوار فوكو مع هوبير دريفوس، وبول رابيناور "بصدد نسابة الأخلاق"، ص-ص. 77-102، مجلة بيت الحكمة، عدد1، سنة 1، دار قرطبة للطباعة والنشر، الدار البيضاء، 1أبريل 1986، ط.3 ص. 87.
[10]. نفسه، ص. 87.
[11]. فوكو، جينيالوجيا المعرفة، م. س. ص. 70.
[12]. نفسه، ص. 71.
[13]. جان لاكروا، دلالة الجنون في فكر ميشيل فوكو، ص(85-92)، مقتطف من كتاب ميشيل فوكو: نظام الخطاب ، ترجمة محمد سبيلا، دار التنوير للطباعة والنشر، بيروت، لبنان، ط1، 1984، (ص 88-89) بتصرف.
[14]. عزيز الحدادي، للأشياء رائحتها، لقاء الفيلسوف بالرسام، منشورات ما بعد الحداثة، فاس، ط1، 2007، ص. 74.
[15]. جيل دولوز، نيتشه،، تعريب أسامة الحاج، المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر والتوزيع، بيروت، لبنان، ط1، 1998، ص. 17.
[16]. نفسه، ص. 129.
[17]. عزيز الحدادي، للأشياء رائحتها، م.س. ص. 76.
[18]. ميشيل فوكو، نظام الخطاب، م.س. ص. 16.
[19]. إديث كيرزويل، عصر البنيوية من ليفي شتراوس إلى فوكو، ترجمة جابر عصفور، دار قرطبة للطباعة والنشر، الدار البيضاء، ط2، ماي 1986، ص. 213.
[20]. أوبيرينوس، ميشيل فوكو: مسيرة فلسفية، ترجمة جورج أبي صالح، منشورات مركز الإنماء القومي، بيروت، لبنان، ص. 14.
[21]. إديث كيرزويل، عصر البنيوية من لفي شتراوس إلى فوكو، م.س. ص. 215.
[22]. جان لاكروا، دلالة الجنون في فكر ميشيل فوكو، م.س. ص. 92.
[23]. عزيز الحدادي، للأشياء رائحتها، م.س. ص. 78.
[24]. جان لاكروا، دلالة الجنون في فكر ميشيل فوكو، م.س. ص. 91.
[25]. حوار فوكو مع برنار هنري لفي، بعنوان :لا لسيطرة الجنس"، ترجمة مصطفى كمال (ص-ص. 61-76)، مجلة الحكمة، م.س. ص. 69.
[26]. جيل دولوز، المعرفة والسلطة، مدخل لقراءة فوكو، ترجمة سالم يفوت، المركز الثقافي العربي، الدار البيضاء، المغرب، ط1، 1987، ص. 31.
[27]. جيل دولوز، المعرفة والسلطة، م.س. ص-ص. 31-33، بتصرف.
[28]. فوكو، نظام الخطاب، م.س. ص. 74.
[29]. فوكو، جينيالوجيا المعرفة، م.س. ص. 78.
[30]. جيل دولوز، المعرفة والسلطة، م.س. ص. 77.
[31]. جيل دولوز، نيتشه والفلسفة، ترجمة أسامة الحاج، المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر والتوزيع، بيروت، لبنان، ط2، 2001، ص. 66.
[32]. ميشيل فوكو، مسيرة فلسفية، م.س. ص. 123.
[33]. نفسه، ص. 126.
[34]. نفسه، ص-ص. 123-126. بتصرف.
[35]. نفسه، ص. 78.
[36]. فريدريك نيتشه، هكذا تكلم زرادشت، ترجمة وتقديم محمد الناجي، أفريقيا الشرق، الدار البيضاء، 2006، ص. 104.
[37]. أوبيردريخوس، بول رابينوف، ميشيل فوكو: مسيرة فلسفية، م.س.، ص106.
[38]. فوكو، نظام الخطاب، ص-ص. 81-83، م.س.، بتصرف.
[39]. ميشيل فوكو، نظام الخطاب، م.س. ص. 34.
[40]. جيل دولوز، المعرفة والسلطة، م.س. هامش 23، ص. 96.
[41]. الحوار –المعركة، مجلة الحكمة، م.س.، ص.6.
[42]. الحوار – المعركة، ص-ص. 5-25، ترجمة مصطفى كمال، مجلة الحكمة، م.س.، ص. 19.
[43]. إديث كيرزوبل، عصر البنيوية، م.س.، ص-ص. 289-290، بتصرف.
[44]. جيل دولوز، المعرفة والسلطة، م.س.، ص-ص. 95-96.
[45]. ميشيل فوكو، مسيرة فلسفية، م.س. ص. 33، بتصرف.
[46]. الحوار-المعركة، مجلة الحكمة، م.س.ص. 8.
[47]. المعرفة والسلطة، م.س. ص. 144.
[48]. نفسه، ص. 145.
[49]. مجلة الحكمة، م.س. ص. 20.
[50]. وهذا ما يؤكده جان لاكروا في مقالته: دلالة الجنون في فكر ميشيل فوكو، م.س. ص. 92.
[51]. جيل دولوز، المعرفة والسلطة، م.س. ص. 147.
[52]. عزيز الحدادي، للأشياء رائحتها، م.س. ص. 10.
[53]. بصدد نسابة الأخلاق، حوار هوبيردريفوس وبول رابيناو مع فوكو، -ص-ص. 77-102)، مجلة الحكمة، م.س. ص. 86.