في تحديد المفهوم :
مفهوم المدينة كما تجمع المصادر المعجمية العربية هي كلمة عربية أصلها "مدَنَ" كما جاء في لسان العرب " مدن بالمكان أقام به ، فعلٌ مُمات ، ومنه المدينة ، وهي فعيلة ، وتجمع على مدائن ، بالهمز ، ومُدِن و مُدُن ، بالتخفيف والتثقيل ..[1]" و هي عند ابن منظور " الحصن يبنى في أُصطُمَّة الأرض مشتق من ذلك . وكل أرض يبنى بها حصن في أُصطُمتها فهي مدينة [2]"فالمدينة على هذا المعنى هي الحاضرة التي يكون لها حصن منيع و دار إقامة للناس والاُصطُمّة مكان وسط من الأرض في الحاضرة يشرف على المدينة .
و قد نجد قرابة لفظية لهذه الكلمة لفعل دين أو دان على نحو ما ذهب إليه تقي الدين أبي بكر ابن زيد الجراعي الحنبلي من أن كلمة مدينة "مشتقة من دان إذا أطاع و الدّين الطاعة "[3] لقوة أو حاكم أو مذهب ينظمها و هنا قد يفهم الدين على انه الحكم والملك (في المعنى السرياني أو الأرمني ) حتى ذهب بعض المفسرين والفقهاء إلى الربط بين الدين والمدينة (أو الملك على المعنى الخلدوني) بل اعتبر أن الملك هو ملك ديني لأنه وحده يحمل الناس على الاستقرار وعلى الطاعة ..فالله وحده من منظور الشرع ""مالك الملك" "يؤتي ملكه من يشاء بغير حساب" وليس للبشر منه سوى "الاستخلاف " و ساكن المدينة أو المدني أو المديني أو المدائني [4]هو مواطن الدولة المأمور بالطاعة والمحمول على الاجتماع فيها مع آخرين مع ما يستلزمه هذا الاجتماع من فعل و حق و واجب و في اللاتينية Citizen أو citoyen ابن المدينة أو المواطن كما نسميه اليوم . ومن ثم كانت المواطنة مشروطة بوجود مدينة يرجع إليها انتماؤنا .
ولكن كيف نفهم المواطنة هل هي إبداع أوروبي محض أنتجه فكر التنوير مع النهضة الأوروبية وظهور الفكر التعاقدي أم أن المواطنة مفهوم ملازم لظهور الدولة –المدينة منذ اليونان وان الفكر العربي الإسلامي لم يكن بغريب عن إنتاج هذا الحق: الحق بالمواطنة ؟
إن المواطنة لا تتحقق بمجرد الانتماء إلى وطن أو مدينة بل إن هذا الانتماء مشروط بجملة ما يأتيه ساكن المدينة حتى يسمى مواطنا وقد كان الفيلسوف الفرنسي ألان Alain حدد شرطين على الأقل لهذا الفعل المواطني هما : الطاعة والمقاومة الأولى لحفظ النظام والثاني لضمان الحرية المدنية واستمرار الحياة المدنية .و الاكتفاء بمبدأ الطاعة دون المشاركة في فعل المقاومة يحول ساكن المدينة إلى مجرد رعي ..فهل فهم فلاسفة العرب والإسلام هذا المعنى التشاركي في الحياة المدنية والسياسية ؟
نحاول رصد محاولات للجواب عن سؤالنا من خلال رصد 3 لحظات من تاريخنا العربي الإسلامي :
لحظة تعقل الفعل السياسي : عند الفرابي .
لحظة التأريخ للفعل السياسي : عند ابن خلدون .
و لحظة الدعوة الثورية لفعل مواطني مسؤول .: عند الكواكبي.
لحظة تعقل الفعل السياسي عند الفرابي :
الفرابي عاش في القرن الثالث للهجرة وهو عصر انفتاح الثقافة العربية الإسلامية على الحضارات الأخرى وخاصة اليونانية منها بعد إنشاء بيت الحكمة في بغداد وتشجيع المأمون العباسي على كتابة الكتب وطباعتها وترجمتها ( من يترجم كتابا يعطى وزنه ذهبا) فكان فيلسوفنا ابن بيئة تشجع على الإبداع فجاء كتابه "السياسة المدنية "و كتابه "أراء أهل المدينة الفاضلة" التي ضمنها أفكاره السياسية بمثابة التنظير لما يجب أن تكون عليه المدينة ولساكن المدينة في الإسلام .
يعتبر الفرابي السّعادة قيمة عليا بل قيمة القيم أو هي كما يسميها "الخير على الإطلاق " إذ هي غاية كل مجتمع فاضل فليست هي قيمة فردية بل قيمة مجتمعية لذا تصور إمكان حدوثها في مدينة فاضلة ..والمدنية عنده تقوم على أمرين واحد طبيعي هو الخلق والشيم والثاني وضعي ومكتسب هو اللغة واللسان.
في كتاب السياسة المدنية يشبّه المدينة الفاضلة بالجسد السليم يكون الرئيس فيها أشبه بالقلب وبقية الأعضاء تختلف مراتبها باختلاف قربها أو بعدها عن الرئيس فهناك تفاضل في الملكات كما في الأعضاء للجسم الواحد كذا الشأن لسكان المدينة ...غير أن الكل في المدينة يسعى إلى تحصيل السعادة بترويض الفطر الطبيعية "[5]وهذه الفطر كلها تحتاج مع ما طبعت عليه إلى أن تراض بالإرادة فتؤدب بالأشياء التي هي معدة نحوها إلى أن تصير مع تلك الأشياء على استكمالها لأنها الأخيرة أو القريبة من الأخيرة ".ومثلما يميز بين المدن يميز الفرابي أيضا بين سكان هذه المدن ف "المدينة الفاضلة تضادها المدينة الجاهلة والمدينة الفاسقة والمدينة الضالة ثم النوابت في المدينة الفاضلة فإن النوابت في المدن منزلتهم فيها منزلة الشيلم في الحنطة أو الشوك النابت فيما بين الزرع أو سائر الحشائش غير النافعة " [6] فأهل المدينة الفاضلة هم من يحصلون السعادة وهم من يطلق عليهم بحق أنهم مدنيون .
وأما أهل المدينة الفاضلة فيتفاضلون على أساس فطري /خلقي بحسب الاستعداد ونقصه عندهم فأهل الطبائع المتساوية يتفاضلون بالتأدب و المتأدبون يتفاضلون في الاستنباط ومن له قدرة اكبر على الاستنباط هو الرئيس وهو من يقدر على بلوغ السعادة القصوى .
أما أهل المدينة الجاهلة فأنواع بحسب أنواع مدنهم فأهل المدينة الضرورية يجتمعون على التعاون والكسب المادي .وأهل مدينة النذالة يجتمعون على النذالة كالتعاون على نيل الثروة واليسار وجمعها فوق مقدار الحاجة .ومدينة الخسة يجتمعون على التمتع باللذة من مأكول ومشروب ومنكوح لما به قوام البدن .ومدينة الكرامية يجتمعون على التفاضل والكرامة بالتساوي قولا وفعلا ..وتكون الغلبة عند هؤلاء مطلبا أقصى .على أن تفهم الكرامة هنا بما هي التفضيل المادي لا القيم الخلقية ولكن التكرم هنا اقرب لروح الفعل الخلقي الذي في المدينة الفاضلة لذلك تبدو هذه المدينة الأقرب للمدينة الفاضلة عند الفرابي "فتكون هذه المدينة لأجل هذه الأشياء مشبهة للمدينة الفاضلة وخاصة إذا كانت الكرامات ومراتب الناس من الكرامات لأجل الأنفع فالأنفع لمن سواه إما من اليسار أو من اللذات أم من شيء أخر مما يهواه الطالب للمنافع وهذه المدينة خير مدن الجاهلية "[7] .ومدينة التغلب من يجتمع أهلها على التغلب ويتعاونون على أن تكون لهم الغلبة والقهر والإذلال ..وأما المدينة الجماعية فهي المدينة التي يجتمع أهلها على الحرية وإطلاق إرادات في فعل ما يشاؤون ...غير انه إرادة للفعل في الأمور الحياتية ..
على أننا لا نفهم هذا التنظير للمدينة وساكنها عند الفرابي إلا على نحو فهمه لمراتب الوجود أو مراتب العقول من العقل الهيولاني أو العقل بالقوة إلى العقل بالفعل إلى العقل المستفاد إلى العقل الفعال . وإذا حصل ذلك لإنسان ما كان الذي يوحى إليه بواسطة العقل الفعَال هو الله تعالى. لأن الله الذي يفيض منه إلى العقل الفعَال فإن الأخير يعود ويفيضه إلى العقل المنفعل لهذا الإنسان. وبالتالي يصبح هذا الإنسان فيلسوفاً. أما ما يفيضه العقل المستفاد إلى مخيلته فإنه يصبح نبياً منذراً بما سيكون ومخبراً بما هو الآن من الجزئيات. وهذا الإنسان هو في أكمل مراتب الإنسانية وفي أعلى درجات السعادة وهو يدرك المعقولات أو الكائنات العلوية "البريئة من الأجسام" وفق حالتها الراقية والشريفة حيث يراها بدون حجاب.
فتحصيل السعادة في المدينة هو من ترويض الفطر الطبيعية لان المدينة هي من الأمور الطبيعية عند الفرابي شأنه في ذلك ما ذهب إليه المعلم الأول وتحقيق الهرمونيا ( التجانس) في المدينة بين الحاكم والمحكوم بين المدينة وساكن المدينة بين النفس والجسد بين النفس الشهوانية أو الغضبية من ناحية والنفس الناطقة من ناحية أخرى لأن المدينة نموذج مصغر من الكوسموس .والسياسة بما هي حكمة عملية ليست بالنهاية سوى مبحث فلسفي ميتافيزيقي واهتمام الفرابي بها لا يزيد عن كونه "اهتمام ميتافيزيقي ونظري " كما يقول عبد السلام بنعبد العالي.[8]
لحظة التأريخ للفعل السياسي : عند ابن خلدون :
رغم كون ابن خلدون سنيا و رغم كونه يبرر الخلفاء الراشدين فهو لا يكتب أساسا ليبرر الخلافة الإسلامية بل ليبحث في طبيعة الملك و مكوناته لا عن شرعية هذا الملك . لأن هذا الفكر المقنن الجامد – الفقه وعلم الكلام - لم يعد يستطيع فهم الواقع الإسلامي حسبه ,أي فهم المجتمع والسياسة و قواعدها . لذلك سوف يختار ابن خلدون مجالا جديدا ينطلق منه لمعالجة المسألة هو مجال التاريخ أو علم العمران البشري وسيصل إلى نتيجة جديدة و هامة سيكشف له عنها منهج النظر و التدقيق التاريخي ألا وهي انفصال الدين عن الدولة في المجتمع الإسلامي باستثناء تجربة الرسالة النبوية الأولى .و أن طبيعة الملك السياسي العربي قبلي البنية يقوم على عصبيات كما سماها ابن خلدون . لذا سنجده يفرد فصلا خاصا [9] في المقدمة للحديث عن " انقلاب الخلافة إلى ملك " .
فنحن نلاحظ فعلا في التاريخ الإسلامي ظهور عصبيات مختلفة لا عصبية واحدة منذ اجتماع السقيفة و ظهور الصراع الأول حول من يخلف النبي: من المهاجرين أم من الأنصار؟ كان مركزها عصبية قريش [10] .فالخلافة هنا من هذا المنظور لم تقم على أسس دينية كما هو واضح بل على أسس سياسية قبلية بدرجة أولى.[11]
في سياق هذا الفهم التاريخي لواقع الدولة العربية يتنزل فهم معنى المواطنة في الفكر الخلدوني .وابن خلدون لا ينظر لما يجب أن تكون المواطنة لأنه يقطع مع المنهج الفقهي والكلامي كما مر معنا ليتوسل منهجا تاريخيا يستنطق واقع الفعل السياسي كما هو كائن فعلا لا كما يجب أن يكون .فساكن المدينة في دولة العصبية أنواع حسب وضع الدولة نفسها و عمرها – لان للدولة أعمار عند ابن خلدون – فمواطن الدولة عند قيامها هو للملك أو الحاكم "عون على الغلب، وشريك في الأمر، ومساهم في سائر المهمات ".[12] والمقصود انه شريك في بناء سلطان الملك لأنه من "عصابته وظهراؤه على شأنه" فالمحكوم – مواطن الدولة – ابن عشيرة السلطان شريك في الحكم بالمعنى السياسي لفعل الشراكة السياسية كشرط للمواطنة الحقيقية كما سيفهمه الفكر الغربي وينظر له بعد ذلك إلا انه ليس من مشمولاته المقاومة أو امتلاك الحرية في الفعل السياسي على النموذج الديمقراطي فروح القبيلة أو العصبية هنا هي التي تسود وليست روح القوانين . أما في الطور الثاني للدولة و حين تنقلب طبيعة الملك نحو الاستبداد فإن الحاكم سيعمد إلى الموالي ليوليهم مولى أهل عصبيته الذين سينقلبون عليه ويصبحون " في حقيقة الأمر من بعض أعدائه، واحتاج في مدافعتهم عن الأمر وصدهم عن المشاركة إلى أولياء آخرين من غير جلدتهم يستظهر بهم عليهم، ويتولاهم دونه، فيكونون أقرب إليه من سائرهم " .[13] وهنا يلعب سكان المدينة أو المواطنين دور المقاومة أو المعارضة للحاكم قصد الدفاع عن وجودهم السياسي – في إطار تقسيم الغنائم – لان الأصل هو المصلحة – وليس الدفاع عن حرياتهم أو أفكارهم .
فالمواطنة – إن صحت التسمية هنا – عند ابن خلدون نوعان : طبيعية واصطناعية .
طبيعية : المواطن الحقيقي ساكن المدينة ابن عصبية الحاكم وهو شريكه في الحكم .
اصطناعية : ساكن المدينة المستجلب من الموالي أو المصطنعين كما يسميهم ابن خلدون .
وإذا كان الأصل هو النوع الأول فان ظهور النوع الثاني دليل انحلال الدولة وانهيارها لان الأصل في العصبية هو التناصر و النعرة و العشرة والمدافعة وطول الممارسة والصحبة .
و لا نستغرب مثل هذا الموقف من ابن خلدون فهو يشرّح واقعا قبليا لنظام سياسي نشأ في ثقافة قبلية لم تغير العصبية الدينية من أمره شيئا .
لحظة الدعوة لفعل مواطني مسؤول .: عند الكواكبي.
في تحليله لبنية الاستبداد في المجتمع العربي الإسلامي و من خلال تشريحه لنموذج الحكم العثماني آنذاك يأتي الكواكبي على تحديد معنى المواطنة ومن يكون المواطن في دولة الاستبداد الشرقي و كيف يتصور المواطنة تكون فالمجتمع العربي الإسلامي المحكوم بنموذج قداسوي /شرعوي الدين أساس المدنية لا يمكن أن ينتج إلا نموذج مدينة مستبدة .والاستبداد هو بنية توليدية عند الكواكبي .الاستبداد السياسي وليد علاقات القهر الاجتماعي تلك العلاقات التي تخرب المجتمع إذ تشطره إلى شطرين إلى طبقات متناحرة اقتصاديا واجتماعيا ثم إن هذه العلاقات محمية بمؤسسات بدأ من العائلة مرورا بالمدرسة والجامع لتنتهي إلى المدينة (الدولة) .فالاستبداد السياسي إذن ابن شرعي للاستبداد الديني والاستبداد المالي والعائلي والقبلي ...وليس على الإنسان / المواطن في هذه المدينة المستبدة سوى الطاعة بل انه لا يقدر على أن يميز بين الإله الواحد وبين من يستخلفه في الأرض " فالعوام يجدون معبودهم وجبارهم مشتركين في كثير من الحالات والأسماء والصفات وهم ليس من شأنهم مثلا أن يفرقوا بين الفعال المطلق والحاكم بأمره وبين من لا يسأل عما يفعل وغير المسؤول وبين المنعم وولي النعمة وبين جل شأنه وجليل الشأن وبناء عليه يعظمون الجبابرة تعظيمهم لله لأنه حليم كريم و لأن عذابه آجل غائب وأما انتقام الجبار فعاجل حاضر " [14].
والحال أن الإسلام كدين حسب الكواكبي بعيد كل البعد عن هذا التوظيف " فهو مشحون بتعاليم إماتة الاستبداد وإحياء العدل والتساوي "[15] . فالمؤسسة الفقهية هي التي ملكت الدين والمدين ( المواطن في المدينة ) " فمن أين جاء فقهاء الاستبداد بتقديس الحكام عن المسؤولية حتى أوجبوا لهم الحمد إذا عدلوا والصبر عليهم إذا ظلموا وعدوا كل معارضة لهم بغيا يبيح دماء المعارضين " [16].فليس الإنسان في مثل هذه المدينة / مدينة المستبد مواطنا بل رعي يؤمر فيأتمر بموجب نص شرعي قاطع وليس عليه أن يتدخل في شان الحكم والملك فهو شان للخاصة ممن اصطفاهم الله واستخلفهم عليه .شأنهم في ذلك شأن الفتاة القاصر التي لا تكتب عقد نكاحها بمفردها بل بموافقة ولي أمرها وولي أمر الأمة هم أهل الحل والعقد ( كما سنرى ذلك بوضوح عند الماوردي مثلا [17]) .أولياء الأمر أهل الحل والعقد هم من نراهم يتبارزون لإرضاء السلطان والتمديد لولايته .وليس للإنسان الفرد /المواطن في الدولة أو الرعي سوى واجب الطاعة لذا سيقترح الكواكبي تفجير هذه المنظومة التقليدية التي تضع المواطنة في المدينة الإسلامية مجرد رعية تتبع إرادة الراعي وسلطانه عليها كحال القطيع يساق إلى المذبح أو يحلب وذلك بتأسيس بديل لسياسة الشورى الارستقراطية بما سماه التشريع الديمقراطي أو الاشتراكي[18] .
فالعلة حسب الكواكبي إذن ليست في الدين كعقيدة فهو ابن المجتمع بل في التوظيف السياسي المصلحي للدين .العلة في الفهم الانتهازي للدين عند فقهاء الأمة وهنا يطلب تغيير العلاقات الاجتماعية القهرية التي أنتجت مثل هذه الطفيليات السياسية بعلاقات ديمقراطية وعادلة تؤسس لمواطنة حقيقية يكون فيها الفرد حرا مختارا واع بما يفعل ومسؤول عن اختياره وذلك لا يكون إلا بتأسيس ثقافة للمواطنة. وهذا لا يكون إلا بتملك وعي مواطني حديث أسس له الكواكبي في خمس وعشرين مبحثا كمبحث الحقوق العامة ومبحث المساواة أمام القانون ومبحث ضمان الحريات وحرية العمل والتنقل وتامين العدالة ...الخ وهي مباحث لو نقاربها بالفكر السياسي الحديث هي جوهر ولب مبادئ حقوق الإنسان ..و يرى أن هذه المباحث هي القواعد الأساسية :"التي تضافر عليها العقل والتجريب وحصحص فيها الحق اليقين فصارت تعد من المقررات الاجماعية عند الأمم المترقية "[19].
استنتاجات : نستنتج إذن أن فكرة المواطنة هي فكرة متأصلة في ثقافتنا وفكرنا العربي الإسلامي قبل انفتاحه على الثقافة الغربية وان كانت لم تسلم من تأثيرات الفكر اليوناني أو النهضة الأوربية إلا أنها قد دشنت مع ابن خلدون خاصة لحظة استشراف ما قد تكون عليه هذه الفكرة حين تتخلص من إسار الفلسفة والفقه لتتأسس من منظور علم الاجتماع السياسي اليوم كحق من حقوق الإنسان المدنية تتحدد بشروط المشاركة الفاعلة في بناء الحياة المدنية على أساس الحرية وبشروط الفعل المسؤول القائم على ايتيقا الحوار .
[1] ابن منظور: لسان العرب انظر مادة مدن.
[2] نفس المرجع
[3] تقي الدين أبو بكر بن زيد الجراعي : تحفة الراكع والساجد في أحكام المساجد – تحقيق الشيخ طه الولي – ط1- 1981 .ص 151.
[4] انظر لسان العرب خاصة حين يقول : " وإذا نسبت إلى مدينة الرسول عليه الصلاة والسلام قلت مدني والى مدينة المنصور قلت مديني والى مدائن كسرى مدائني للفرق بين النسب لئلا يختلط ".
[5] الفرابي : كتاب السياسة المدنية – دار سراس للنشر -1994 ص 76
[6] الفرابي : كتاب السياسة المدنية – نفس المرجع والصفحة .
[7] كتاب السياسة المدنية – دار سراس للنشر -1994 ص 79.
[8] عبد السلام بنعبد العالي :"الفلسفة السياسية عند الفارابي" – دار الطليعة – بيروت ط 1 1979 ص 20.
[9] هو الفصل 28 "انقلاب الخلافة إلى ملك " يقول فيه :"..فقد تبين أن الخلافة قد وجدت بدون الملك أولا ثم التبست معانيهما و اختلطت ثم انفرد الملك حيث افترقت عصبيته من عصبية الخلافة.."
[10] يمكن مراجعة شروط الإمامة عند الفقهاء وخامسها وهو النسب وهو ان يكون الخليفة من اهل قريش على قول النبي (ص) "قدموا قريش ولا تقدموها " وان بدا هذا ثابتا عند الماوردي مثلا في الاحكام السلطانية ص 4 الا انه غير ثابت عند ابن خلدون – راجع المقدمة الفصل 26 في اختلاف الامة في حكم هذا المنصب وشروطه .
[11] فالأنصار كانوا الأغلبية في مدينتهم و يتصرفون باعتبارهم أسيادا فيها وبالتالي يستعيدون سيادتهم التي تنازلوا عنها للرسول أيام حياته أما المهاجرين فقد سارعوا بدورهم إلى الاجتماع ممثلين بابي بكر وعمر وأبو عبيدة بن الجراح فوجدوا أنفسهم يواجهون خصوصيات قبلية (عصبية) لا علاقة لها بالإسلام و لا بالرسالة النبوية وذلك حين اقترح الأنصار أن " يكون منكم أمير ومنا أمير "قصد اقتسام السلطة على أسس قبلية بحتة . غير أن المهاجرين وأمام هذا الإصرار لجؤوا إلى أسبقيتهم في الدفاع عن الإسلام و اعتبروا المحدد في الخلافة هو هذه الأسبقية ( الصحبة) ثم إنهم من قبيلة قريش قبيلة النبي و لا سلطة خارج هذه القبيلة للحفاظ على وحدة الجماعة.
[12] انظر الفصل التاسع عشر في استظهار صاحب الدولة على قومه وأهل عصبيته بالموالي والمصطنعين .
[13] الفصل 19 من المقدمة – نفس المرجع .
[14] الكواكبي – طبائع الاستبداد – ص 31 - دمشق 1973 -
[15] نفس المرجع السابق ص 35 .
[16] نفس المرجع ص 31.
[17] انظر الماوردي : الأحكام السلطانية – الباب الأول في عقد الإمامة طبع دار الفكر بيروت .
[18] الكواكبي ص 36 .
[19] الكواكبي ص 144