إذا كان بناء المنهاج الحالي لمادة الجغرافيا بالمرحلة التأهيلية من التعليم الثانوي، قد ارتكز على خلفية المرجعية الديداكتيكية المؤطرة له وفق التصور الابستيمي الأكاديمي (مجالات الجغرافيا – المفاهيم المهيكلة للخطاب الجغرافي – النهج الجغرافي – الوسائل التعبيرية – الإنتاجات). إلا أن بعض المفاهيم المركزية التي تم تداولها ضمن ثنايا وثيقة التوجيهات التربوية والبرامج الخاصة بتدريس التاريخ والجغرافيا بسلك التعليم الثانوي التأهيلي[1]، ومنها "منهج التفكير المجالي"، ظلت بدون تحديد سياقي وتأطير مفاهيمي، وتوضيح دلالي عميق...
يقدم المقال التالي توضيحا نسبيا لثلاثة مفاهيم مركزية/مفاتيح ضمن الحقل الابستمولوجي والديداكتيكي للجغرافية المدرسية وهي مفاهيم أساسية ومترابطة تنطلق من مفهوم إدراك المجال، إلى مفهوم الاستدلال الجغرافي، وأخيرا منهج التفكير المجالي. المقال هو أصلا ترجمة للفصل السادس من كتاب "أسس البحث في ديداكتيك الجغرافيا" لصاحبة "كريسيان دوديل"[2].
تشكل الجغرافيا المدرسية، موضوعا للمعالجة الديداكتيكية الخاصة، انطلاقا من دراسة إدراك المجال، الاستدلال الجغرافي، ومنهج التفكير المجالي. إن استثمار هذه المواضيع الثلاث هو ضروري لكونه يتضمن الخصائص الأساسية للإشكاليات الجغرافية.
*الإشكال الأول : يرتبط بفكرة قرب العالم منا، فالاكتفاء بالمشاهدة من أجل ملاحظة الحقائق الجغرافية مباشرة أو عبر الوثائق.
*الإشكال الثاني : هو مهم لكن يصعب فهمه. حيث تتباين الآراء حول إمكانية وجود الاستدلال الجغرافي؟ فالبعض ينكره، والبعض الآخر يفترض أشكالا من التفكير المماثلة للاستدلال تبعا للمنطق الجيد أو المبدأ النسقي ضمن سياق المقاربة الفرضية – الاستنباطية.
*الإشكال الثالث : تقليديا لم يثر أي اهتمام – ففي الجغرافيا لا شيء يفهم، وكل شيء يجب حفظه عن ظهر قلب – يثير هذا الإشكال حاليا نوعا من الشغف.
وكيفما كان الحال، فإن إدراك المجال، الاستدلال الجغرافي، ومنهج التفكير المجالي أصبحت مفاهيم أساسية ضمن البحث في ديداكتيك الجغرافيا. وهذه المفاهيم تتطلب توضيحا لنشأتها ومحتواها، وتعميقا لقدرتها الإجرائية، وإعادة لتوجيه أهدافها واستعمالاتها. فما هي الاستراتيجية الملائمة التي يمكن استخدامها من طرف الديداكتيكي من أجل الاقتناع بضرورة المعالجة الديداكتيكية انطلاقا من السجل القوي لإبستمولوجية الجغرافيا.
1- إدراك المجال : (la perception de l’espace)
سواء تعلق الأمر بالأبحاث الجغرافية، أو بتدريسية الجغرافيا حديثا، فإن مفهوم المجال قد استثمر اليوم بطريقة قوية. فهو لم يعد تلك الدعامة الملموسة الذي يختزل تحت شكله الكارطوغرافي الحقائق الجغرافية للعالم. فقد تم إغناء مميزات التوطين بحقائق جديدة تتصف بتمييز ضمن تحليل الظواهر بمقاييس مختلفة، وعبر تحديد التمثلات الذهنية للجغرافيا عموما، وللخرائط خصوصا. "فتصوراتنا هي صور معدلة عبر البنيات الثقافية الواعية ولمحيطنا".
يعتبر الهدف الموازي للدراسات الجغرافية، ضمن قاسمها المشترك الذي هو المجال، المجال كفضاء معيش، كمجال مدرك، أو كمجال مفكر فيه من طرف السكان أو الباحثين الجغرافيين، أو الأساتذة والتلاميذ. وكما أشار إلى ذلك "بول فاليري" : "ففي وسط القرية، تتباين محاولات الشخصيات المختلفة لإدراك المجال، فالفيلسوف لن يدرك إلا الظواهر، أما الجيولوجي فلن يدرك سوى الحقب المتبلورة، الخليط والهدم، أما المحارب فلن يدرك إلا الفرص والصعوبات، أما بالنسبة للفلاح فإن كل هذا يمثل بالنسبة له مجموعة من الهكتارات، مجموعة من المجهودات والأرباح".
ينشأ إدراك المجال الجغرافي عن ثلاث مميزات خاصة بإبستمولوجية الجغرافيا، والسيكولوجية البشرية، والسياق السوسيو ثقافي. "فالمجال كجزء يمكن قياسه من المساحة الأرضية، لا يهمنا منه سوى الفكرة التي يكونها عنه الإنسان، وعبر اختزال الزمن الذي يعبر عنه. فالتصور مختلف تماما ما بين رجل الأعمال المختص في الاستيراد في روتردام عن فلاح الجبال الفرنسية. كما يختلف المجال الزمني لدى عربات الجياد عن المجال الزمني للقاطرات". وهذا يعني أن استعمال مفهوم المجال هو شائك ومعقد. وبصفة عامة فقد بدأت تطرح فكرة تصورات جهوية حول المجال. تستمد الجغرافيا أصول تصوراتها من مختلف الثقافات بالمعنى الواسع. وكما قال ماك ليهان : "يتحدث الغرب عن المجال في الوقت الذي يتحدث فيه الشرق عن الفسحة (l’éspacement ). فكرة الطبيعة ليست مسألة مجردة ومعزولة والتي يمكن نعتها باسم. فالرموز الصينية هي رسوم وتعابير فكرية. في الغرب، تمثل الأسماء الحد الأقصى أو نهاية الحركات الفردية وهي الشروط نفسها لثقافتنا الخطية. مجموع الظواهر والأحداث التي تشكل اختراع واستعمال المطبعة غيرت الإنسان الغربي، ومعناه للزمان وللمجال، ولتنظيمه الاجتماعي والثقافي".
داخل حقل الجغرافيا، تظل العلاقة ضيقة ما بين مفهوم الإدراك، ومفهوم التمثل الذهني أو المجازي. ويشكل هذان المفهومان وجهين لنفس اللوحة/العملة. وإذا كانت هذه البنية تتميز بكامل ملامح السهولة والبساطة، فإن فهمها يظل معقدا في ديناميته. وقد قام الجغرافيون والأساتذة باستخدام العديد من التجارب المبسطة، والتي وصلت في أغلب الأوقات إلى منافذ مسدودة. كما هو الحال بالنسبة للبحث حول "إدراك المحيط". "هل يمكن اعتبار المحيط شكلا، لكن الأشكال التي ناذرا ما تنشأ بشكل اعتباطي : فهي تلعب دورا مزدوجا. فمن جهة تسجل بروز انشغال مشترك، ومن جهة أخرى تخفي وراءها حقيقة المشاكل التي تساهم في التعريف بها. هو شكل في نفس الوقت كاشف وكتوم. وفي كل الحالات لا يجب أن يترك بشكل محايد، لأنه يختزل وجود ظاهرة حية ومظلمة". فالفرد لا يلاحظ بشكل جيد حتى وسطه المحلي المباشر. رغم أنه يقدم ميزة ضرورية، لا يكفي استثمار التمثلات والتصورات لوحده من أجل التأسيس لشروط تعلم متطور للمجال الجغرافي. وهذا ما يطرح بالنسبة للديداكتيكي مشكلة معرفة نوعية الإجراءات التي يمكن أن تؤدي إلى ضبط تدبير مدرسي فعال للجغرافيا.
بالنسبة لهذه المواضيع، يتعلق الأمر بتحديد إشكالية دقيقة، "ومن تجاوز الاتجاه الأول والبسيط، الذي يعتبر التمثلات كمسألة "موجودة مسبقا" وبتدقيق هي سابقة للتعلم وثابتة. هذا البعد الذي يشيء الإفراط في التمثلات والذي يهدف إلى الاستدلال على أشكال التفكير المنظمة بشكل جيد رغم أنها تظل غير واعية بالنسبة للأطفال، وربما تشكل فرضية جد قوية". كل فرد له تصوراته وتمثلاته الخاصة به والمتميزة بكونها متحركة وضبابية، لها لغتها وشخصيتها وقدرتها على التواصل. العودة إلى الخطاطة المادية أمر مرغوب فيه لكنه غير كاف. "كل سلوك مجالي لا ينفتح بالضرورة على معرفة للمجال. معرفة الجسم الخالص تسبق معرفة المجال وفي نفس الوقت تجعله ممكنا. وهذا ما يمكن توضيحه من خلال تحليل المراحل التي تنطلق من الهوامش إلى الإدراك المتزايد للتنافر. وهكذا يمكننا القول بأن معرفة الجسم هو شرط لمعرفة المجال. وهذا ما يمثل مسلكا والذي يمكن من معرفة بعض خاصيات أشكال المجال".
فهل يمكننا إقامة تمييز داخل المحيط ما بين المجال المشع والمجال المتحول. "إدراك العالم المحيط يتم عبر قناتين، إحداهما دينامية ترتبط بالوعي بعبور المجال، والأخرى ثابتة والتي تمكن بشكل ثابت من إعادة تشكيل الحلقات المتعاقبة حول الذات والتي تضعف عند الحدود اللانهائية. إحدى القنوات تقدم صورة للعالم على محور، أما الأخرى فتدمج الصورة في مساحتين متقابلتين، مساحة السماء ومساحة الأرض اللتان تلتقيان عند الأفق". التمثل هو متلازم للإدراك وللحركة الدائمة. لكنه يجب أن يستمر مع الأنشطة المصطلحية والمفاهيمية والإجرائية للمعرفة التخصصية. إذا كان هذا التمديد الوظيفي لم يتم إعداده عند العالية فإن المحاولات من أجل هيكلة التصور الجغرافي تتم انطلاقا من جسم وحقيقة المحيط. ضمن هذا المعنى فإن دراسة الصور الذهنية ضرورية، ويجب أن تتطابق مع دراسات أخرى منسوبة للجغرافية نفسها ولدلالاتها المدرسية والمجتمعية. "إذا كان تشكيل الصورة مهما، ليس لأنها تصرف معرفي خالص والذي يجب ضمان نشأته ولكن لأن المشكل الذي يطرحه يجعل العلاقات ضيقة مع الابستمولوجيا. الرسم هو تمثيل، بمعنى أنه يفرض تشكيل صورة متميزة عن التصور نفسه ولا شيء يبرهن بأن الدعامات المجالية التي تمثل هذه الصورة تكون في نفس المستوى الذي يبرهن على الإدراك المناسب".
ضمن سجل الصور الذهنية، تسرع الجغرافيون والمدرسون وعمموا بشكل مفرط، انطلاقا من حقيقة تربوية مفترضة ومبسطة أكثر مما هي واقعية. الموقف التفضيلي للخطاطة، والشكل، والخريطة. حيث لا يتمكن التلميذ من التعبير عنها شفهيا أو كتابيا، ومن الأفضل إعدادها ݣرافيكيا/مبيانيا. "إذا افترضنا بأن التلميذ [جون إيف] يريد التعرف على منطقة بروطاني، فسيلاحظ الخريطة مع إمكانية إعادة ملاحظتها. فهو يرسلها لاحقا إلى ذهنه مع مشروع استظهارها. كما سيعمل على إتمامها وذلك بتصوير بنية السواحل، والبنية الداخلية للبلد. وهكذا سيعمل [جون إيف] على تذكر الكلمات الموجودة على الخريطة مع مشروع وضعها على نفس هذه الخريطة عند استظهار درسه : الجبال السوداء، جبال أري، حوض شاتولان... إذا تمت مساءلته شفهيا، سينتظر جون إيف أن تعود إلى ذهنه الخريطة المصورة ذهنيا في رأسه مع مشروع إيجادها. عندما يتمكن من استحضارها سيعمل على استظهارها. لغته فقيرة، وجمله غير مترابطة. وسيعبر عنها كالتالي : "هناك جبال سوداء، جبال أري، وفي الوسط حوض شاتولان". فهو يقول ما يبصره. فالخريطة التي سيرسمها ستكون غنية بالجزئيات، لأن الكلمات التي سيتذكرها تظل قليلة ولا تعني سوى بعض الخاصيات العامة. يقارب المدرس النقص اللغوي، بغياب التحليل. فهو متيقن بأنه إذا منحه فرصة الولوج إلى السبورة من أجل رسم الخريطة، سيحصل على مفاجآت متميزة. إذن [فجون إيف] لا يبصر أكثر مما قاله فهو يبصر رسوما وخطوطا أكثر من الكلمات". وهكذا فإن هذا المسار له حدود، فهو يظل نافعا في إطار مقاربة مشكل التمثلات، لكنه لا يمكن أن يشكل موضوعا لاحتمال أكبر لقيمته الإجرائية. فهو يوفر مؤشرات للإدراك، لكنه لا يتضمن كل الحلول المبحوث عنها من أجل معالجة مشكل التمثلات الجغرافية. فهنا أيضا إفراط لغوي بالحديث عن "التمثلات". فالمعارف في هذا المجال ليست لها دعامات قوية. فمن الأفضل الحديث عن الفرضيات أكثر من الحديث عن التمثلات التي تظل غامضة.
الخطاطة، الشكل، والخريطة المحققة ذهنيا من طرف التلميذ لا تمثل سوى حلقة ضمن سلسة مركبة من التمثلات. يشكل تحقيقها أداة استثمار جديدة. لكن الصعوبة الرئيسة تكمن في الاستعمال الأمثل لها. لأن أي إجراءات تثير تساؤلات أكثر مما تحمل من أجوبة. وهكذا فإن الانتظار المعاكس الذي يبرهن على مقاربة معينة. وبعكس إشكالية الأسباب والنتائج. تصدر الأسئلة الݣرافيكية أو اللغوية للتلاميذ في نفس الوقت وتنشأ، ضمن سياق ومنطق معين. ما هو أصل الاقتراح الجغرافي للمشكل؟ ضمن أي وضعية يعبر عنه؟ إلى أي حقل مفاهيمي ينتمي؟ كيف يشتغل؟ لا يكفي إثارة انتباه التلاميذ ثم مطالبتهم بوصف أو رسم، أو ملاحظة أو تخزين أحيائهم، أو قراهم، أو مشهد جغرافي معين. اعتياديا يظل القسم طيعا لهذا النوع من التمرين. رغم أن هذه الفرصة، تمكن التلاميذ من بث العديد من أشكال التفكير والتساؤلات التي يجب جمعها، وعلى المدرس أن يتوفر على أعمال كل واحد منهم.
المقاربة الوحيدة الواضحة والبناءة ضمن البحث حول إدراك المجال الجغرافي وتمثلات التلاميذ، ترتبط بالعودة إلى ضبابية الصيرورة بهدف تقليصها. فهل يجب بناء تعريف إجرائي للإدراك و المدرك حسيا (percept). يظل هذا المفهوم أكثر غموضا وتنوعا. "تمثل كل تجربة إدراكية المنتوج النهائي لصيرورة التفيئ لأن كل إدراك هو إخراج بهذا المعنى فإن كل ما يمكن إدراكه يوجد ضمن فئة الإدراك الحسي التي من خلالها تتجمع، وتبلغ دلالاتها. يقتضي الإدراك فعلا تفييئيا يعبر عنه بمفاهيم الشروط الداخلية والخارجية انطلاقا منها نقيم التداخلات".
وهنا تتواجه ثلاث سجلات من المعطيات.
*في المقام الأول : يمكن للإدراك والتمثلات المفترضة أن تمثل موضوعا لوصف فينومينولوجي لمنظومة التفكير لدى التلميذ في شموليتها.
*في المقام الثاني : فهي تمثل أيضا التعبير المختزل والذي يمكن أن يعدل من الأسئلة الجغرافية المقترحة في القسم، في علاقة بالمعرفة التخصصية.
*في المقام الثالث : فهي تعبر عن المتغير الوسيط ضمن المبادلات ما بين المدرس والتلاميذ.
إذا كانت إحدى فرضيات الديداكتيكي فيما يتعلق بتملك المعارف الجغرافية هو الارتقاء بالتعلم الإدراكي، فمن الضروري إجراء تصنيف لكل المعايير الخاصة بالتلميذ وبالمادة الدراسية وبالمدرس وبالمدرسة وبالمجتمع، والتي تتدخل في صيرورات التصورات والتمثلات. "التعلم بالإدراك، هو كشف العلاقات الموجودة ما بين خاصيات المواضيع والأحداث التي نصادفها. التعرف على الفئات والأنظمة التفييئية الخاصة. تعلم التنبؤ والتأكد من ارتباط الأشياء فيما بينها. لا يرتكز التعلم الإدراكي على القيام بتمييزات دقيقة، لكنه يرتكز على إعادة الطرق الخاصة بتقنين المحيط حسب خصائصه الموضوعية، وارتباطاته، أو إضافاته".
لا يتعلق الأمر بإجراء تجريبي وحتمي من أجل ضمان أن التلميذ قد فهم جيدا واستوعب معلومة جغرافية. توضح التجربة بأن المدرس يفاجأ دائما، يتضايق ولا يهتم عندما يكون التلميذ في حالة تمثيل ݣرافيكي لمشهد مرئي أو انطلاقا من شريحة، يرسم في المقام الأول الجزئيات (الأعمدة الكهربائية، السحب، الزهور، السياجات) في الوقت الذي يهمل تمثيل ما ننتظر منه (الخطوط الكبرى للتضاريس، سفح مشجر، منطقة صناعية) لكن هل يمكن له تخيله؟
دراسة التصورات والتمثلات في الجغرافيا لا يمكنها أن تشكل اقتصادا لمقاربة منهجية صلبة بالاعتماد على نظرية العلاقة بالمعرفة وانطلاقا من البنية الإجرائية للمعرفة الجغرافية. فهي ضرورة مباشرة بالنسبة للمدرس والديداكتيكي قصد القيام بتفكير ابستمولوجي حول أشكال المعرفة المبعثرة قبل الاهتمام بمعالجة مضامينها بالنسبة للتلاميذ. التساؤل حول إدراك المجال الجغرافي والتمثلات المصاحبة له تفرض تدقيق مجال الجغرافيين، ضمن التراتبية العلمية وليس بالرجوع إلى مدرسة معينة في التفكير الجغرافي.
في إطار السلوكية، يظل الخطر الكبير في الاستعمال غير الدقيق لمفاهيم "المعيش" و"المدرك"، وحيث تظل الوضعية العلمية للجغرافية دائما خفية. إذا كانت هذه المفاهيم المهمة مرغوب فيها فلا يجب استثناء تحليلها تحت ذريعة تيهان جديد للمقاربة التربوية.
2- الاستدالال الجغرافي : le raisonnement géographique))
تعني كلمة الاستدلال هنا كل الأنشطة الفكرية والتي ترتكز على تحليل أولي للمعطيات، من أجل إنتاج معطيات جديدة. من خلال نشاط الذات ما بين اللحظة أو المشكل المطروح، واللحظة التي يأخذ فيها القرار بإعلان النتيجة. صيرورة النتيجة هي تنظيم هذه الأنشطة الفكرية. ضمن تاريخ العلوم، شكل الاستدلال موضوعا لتأملات مختلفة بهدف إعطائه شكلا، ومنطقا، وفعالية قصوى ضمن التراتبية العلمية. فليس من العبث أن نتحدث وبطريقة ملموسة عن الاستدلال العلمي بمرجعية نماذج العلوم الحقة.
لقد اجتهد الجغرافيون كثيرا من أجل تحديد مفاهيم الاستدلال الجغرافي. "ففي الجغرافيا كما في باقي العلوم، المقاربة الأساسية هي المقاربة العلمية. لكن الاستدلال الجغرافي يقدم أصالته : مقابلة التحاليل بمقاييس مختلفة". وبالعودة إلى نظرة تاريخية حول الجغرافيا وتدريسها. تقليديا تم تطوير نوع من التفكير الجغرافي. "يتميز هذا الفكر الجغرافي بهاجس البحث عن التوطين وتفسيره، حيث تتدخل علوم أخرى وتغذيه". وهكذا تتأرجح نظرية الاستدلال الجغرافي ما بين نموذج العلوم الحقة وخصوصية الجغرافيا. لأنه في نفس الوقت الذي يأمل فيه الجغرافيون منح تخصصهم استدلالا علميا مألوفا، لاحظوا بأن عدم تجانس معارفهم يتناقض مع المقاربة الفكرية المطبقة غالبا في الرياضيات والفزياء والبيولوجيا. وقد تمت قيادة هذه المحاولة من أجل التوفيق بين بعض المقاربات العلمية المطبقة في الجغرافيا بالنظر إلى التنوع الأقصى الذي يطبع العلم الجغرافي نفسه. هذا التقابل المصطنع ، يخشى ارتباك التيهان المنهجي ويدفع أكثر إلى عودة شكل من الاستدلال الجغرافي الخالص والذي لا يمكن أن يبلغ مداه إلا انطلاقا من التأملات الإبستمولوجية حول الجغرافيا.
تدمج إجراءات إعداد الاستدلال الجغرافي في نفس الوقت الخطاطة العامة للمقاربة العلمية وبديهيات الجغرافيا بهدف إعداد نموذج قابل للاستعمال. وقد تم اقتراح التنسيق انطلاقا من المفاهيم المفاتيح، التيارات، المساحات، المحاور، التوزيعات.
إذا كانت إحدى الاقتراحات تستحق التبسيط، فإنها لا تعبر عن الدينامية الحالية للجغرافيا. فهل من الملائم إيجابا البحث أكثر عن بناء حجة للجغرافيا انطلاقا من المعطيات الأكثر دلالية لمفهوم المجال، ولمعالجته واستعمالاته : المجال الجغرافي هو حقيقة ضمن سجل المجال-الزمن، ينشا العلم الجغرافي عن الاقتصاد حيث ينفتح البحث عن التفسيرات والمعرفة الموضوعية من جهة، أكثر من تحليل التصورات الذاتية من جهة أخرى، وأخيرا فإن استعمال المعرفة يقر بمنطق تفكير جغرافي ويصور مسبقا علاقة المجال ببعض خصائص الحركة البشرية.
يرتبط الاستدلال الجغرافي بخصائص صعبة البناء نتيجة الحجج الخاصة بالجغرافيا. وهذا ما يشكل مركز إشكالية ديداكتيك الجغرافيا. أليس من الضروري الوعي بهذه الوضعية بهدف أن لا ننخدع مجددا باقتراحات عجيبة التي تطمح إلى معالجتها بسهولة؟ فالدورة الحديثة لتدريس الجغرافيا، بمختلف مستويات تحليل الاستدلال، ارتباطا مع مقاييس وتراتبية المجموعات المجالية، يخشى أن تنشأ عن هذا المنطق المزعج. فبعض المواضيع لها أهمية كبرى بالنسبة للجغرافيا ويمكنها أن توفر عناصر لحل مشاكل التعلم. ودائما يجب عدم الخلط بين الأهداف والأدوات. تعلم الاستدلال الجغرافي ليس هو فقط التعلم بالمقاييس المختلفة من خلال مقابلة التحاليل، واختيار المستوى المجالي الأفضل من أجل معالجة المسألة؟ كيف يمكن تجنب الخلط الاعتيادي والنقص في التمييز المستوحى ما بين عمق وشكل إجراء معين؟ هل يمكننا الطموح إلى تعلم الاستدلال في حين أن وظيفته الأولى تكون تطبيقية حسب طريقة مبنية بهدف ضبط وتملك المعرفة، موضوع التعلم. فكيفما كانت مشروعية وأهمية تراتبية المستويات، هل يمكن استعمالها كمعايير إجرائية لتأمل ديداكتيكي في الوقت الذي تتميز بكونها محرومة من استقلالية المعنى؟
3-منهج التفكير المجالي : (le savoir penser l’espace)
يشكل منهج التفكير المجالي بالنسبة لتدريس الجغرافيا موضوعا فائق التأمل. وفي أفق هاجس بلوغ الإشكالية المبنية بشكل جيد لتعلم الجغرافية، ركزت نصائح البيداغوجيين حديثا حول ضرورة وضع منهج التفكير المجالي في نفس مستوى معرفة القراءة، معرفة الكتابة، ومعرفة الحساب. وإذا كان العديد من الجغرافيين والمدرسين يقرون بحتمية غايات معينة في طار إعادة تثمين تعليمهم، فإن موضوع منهج التفكير المجالي ليس بسيطا لكي ينكشف إجرائيا عند هذا اليوم. فالحلول الخاطئة متوفرة. فهل نكتفي " من أجل منح المعنى الجغرافي للمجال لدى الطفل، من العمل على تمديد الفكرة الملموسة التي يتوفر عليها في ذهنه؛ في حين أن مفهوم الزمان هو أكثر تجريدا وبناؤه على المستوى الذهني يظل بطيئا". وهكذا فإن التمييز الكبير يكمن في معالجة هذه الإشكالية.
تفترض قدرة منهج التفكير المجالي بأن نعترف بأن للعلم الجغرافي ميزة الذكاء الكامنة في تنظيمه. "يرتكز المقترح القبلي الأساسي للبرنامج العقلاني على عدم إسناد أي بنية أصلية للمحيط. فليس هناك قانون تنظيمي إلا الذي يأتي من داخل البنية، بمعنى أن كل بنية مرتبطة بالإدراك سواء كانت ذات مصدر بيولوجي، معرفي، لغوي، أو آخر، حيث تفرض في المحيط عبر التنظيم وليس عبر مختصر له. ويتم تصور قوانين هذا التنظيم كنسبية للمجال، ثابتة عبر الحقب، والأفراد، والثقافات". وهكذا فإذا كانت الأعداد في الرياضيات تمثل موضوعا إجرائيا للحساب، فالأمر نفسه بالنسبة للظواهر الجغرافية التي تصبح قابلة للضبط حسب تناسق مبني ومركب. يطرح نظام من الترميز حسب نظام مناسب مع منطق المادة التخصصية. "يهدف التحليل الجغرافي إلى جعل الأنظمة الحقيقية مفهومة، وتقديم النموذج، وبتعبير آخر بناء يختزل إسقاط عناصر من النظام الحقيقي كيفما كان عبر لغة أو لغة – ذاتية/ميتا- لغة". يرتكز الرياضيون على قواعد عشرية، ثنائية، أو أخرى. في حين يتبنى الجغرافيون المقاييس كمرجعية للظواهر.
يتماثل منهج التفكير المجالي بالأساس مع معرفة الخريطة. يكشف تاريخ تدريس الجغرافية، في بعض الفترات، حدود الرغبة في التشجيع على الكارتوغرافيا، رغم صعوبات التلاميذ في مجال استعمالها. وبملاحظة تعقد المشاكل في هذا المجال، تمتد المرحلة الأولى إلى يومنا هذا والتي ترتكز على الابتعاد عن بيداغوجية الخريطة والمبيان، حيث ألغيت الممارسة الكارتوغرافية والمبيانية عموما لدى التلاميذ. بعد هذه الوضعية تشكلت مرحلة ثانية والتي ارتكزت على التأسيس لمنهج التفكير المجالي تحت مفهوم الفارقية المجالية/التمايزات المجالية ( spatialité différencielle).
انطلاقا من تصنيف أعده جون تريكار، ميز إيف لاكوست بين 8 مراتب مجالية، تنتظم فيها المجموعات المجالية الملموسة أو المجردة :
*المجالات التي تقاس أحجامها بعشرات الآلاف من الكلمترات : (القارات- المحيطات- السلاسل الجبلية الكبرى كالأنديز – دول كالاتحاد السوفياتي سابقا) ؛
*المجالات التي تقاس أحجامها بآلاف الكلمترات : (البحر الأبيض المتوسط – الدرع الإفريقي – البرازيل – الولايات المتحدة الأمريكية) ؛
*المجالات التي تقاس أحجامها بمئات الكلمترات : (الألب – الحوض الباريزي – فرنسا) ؛
*المجالات التي تقاس أحجامها بعشرات الكلمترات : (التجمع الحضري اللندني)؛
*المجالات التي تقاس أحجامها بالكلمترات : (جماعة)؛
*المجالات التي تقاس أحجامها بمئات الأمتار (حقل – حي – قرية)؛
*المجالات التي تقاس أحجامها بعشرات الأمتار : (جزيرة)؛
*المجالات التي تقاس أحجامها بالأمتار : (سفح).
حسب هذا التصور تمثل "الخريطة"، مركز الإشكالية الجغرافية لأنها، "شكل التمثيل الجغرافي بامتياز". ولكن عوض اعتبارها كنتيجة لكفاية جغرافية بالنسبة للمدرس والتلاميذ، ينظر إليها كأداة أساسية لعنصر الاستدلال الجغرافي. ويمكن معالجة الخرائط المختلفة من تحليل وفهم الظواهر انطلاقا من المقاييس الخاصة بتطورها. لأنه "من الممكن ملاحظة كل مستوى مجالي، وتصوير شكله المجالي الطبيعي العام بشكل مختلف : مجموعات طبغرافية، مناخية، نباتية، مجموعات حضرية، إثنية، دينية، سياسية، مقاطعات إدارية. وهكذا فناذرا ما تلتقي حدود هذه المجموعات، عكس ما يعتقده العديد من خبراء الجغرافيا الإقليمية الذين عبروا عن وجود الجهات كحقائق خاصة طبيعية وبشرية في نفس الوقت. وبالتساؤل حول التقاء المجموعات، والتداخل ما بين الفئات الكبرى للظواهر ذات المقاييس الأكثر ملائمة، يقود الاستدلال الجغرافي بشكل أفضل "منهج التفكير المجالي". ودائما يفرض هذا التفكير تعلما. من أجل تسهيله، يمكننا مقابلة مختلف الخرائط التي تتطابق مع الملاحظات التي تمت على مجالات بأحجام مختلفة".
ضمن أثر هذا التصور من الفارقية المجالية ومبدأ الترابية، تدققت الأبحاث حول منهج التفكير المجالي. وإذا كانت جل هذه الأبحاث غير متميزة، فإن كل واحدة منها تضيف مساهمتها لحل مشكل معقد والذي يرتبط بمخرج أزمة الجغرافيا وبأزمة تدريسها. "تعيش الجغرافيا أزمة منذ 30 سنة لأنها ترفض الحضور المتزامن للقدرة على الملاحظة (vouloir-voir). لقد كانت القدرة على الملاحظة لدى فيدال دولبلاش، لولانو، ولكورو، قدرة متكاملة وشاملة، باعتبارها القدرة الوحيدة التي تتطابق مع المعرفة الملاحظة savoir voir)) المبنية والمعتبرة كجغرافية. فقد وضح هؤلاء الجغرافيون بشكل غير مباشر بأن النظرة كانت إديولوجية. وهذا يتطابق مع رفض داخلي للتطور عبر تبلور القن. هذا الاتجاه يتضمن تناقضا متطرفا لكونه يتعلق برفض الانتقال من مستوى سميولوجي إلى آخر، في الوقت الذي، تنظم فيه الجغرافيا منظومات حقيقية والتي تختفي عند إعدادها".
*الوضعية الأولى : ينبثق إعداد/تخطيط منهج التفكير المجالي، من حمولة صلبة من المعارف، ومن القدرة على استعمال هذه الأخيرة في بعض حالات الفكر الجغرافي.
تتطور هذه البنية إلى بنية أخرى والتي يمكن أن تجتمع حول موضوع المجال واستعمالاته، يمكن أن تتمحور حول 3 محاور : المجال المعيش والمدرك، والمجال المعطى والمنظم، المجال المندمج والإرادي. "إذا كانت الجغرافيا تريد المساهمة حقا في صيرورة التكوين، فمن اللائق تطوير منهجية تزاوج بين هذه المراحل الأساسية الثلاث".
*الوضعية الثانية : تتعارض تقليديا بشكل ما مع الوضعية السابقة وترتكز قبل كل شيء حول سجل الغايات الإديولوجية والتربوية لتدريس الجغرافيا ولمنهج التفكير المجالي الذي يمكن أن يمنح لها مكانا. المنهج موضع التساؤل ضمنيا يتم تقديمه والبرهنة عليه كمنهج استراتيجي يفضي إلى إرادة التفكير والفعل في المجتمع. وهذا يبرر بأن البرهنة على إشكالية مفهوم ما يدور حول نوع من إرادة الملاحظة، قدرة الملاحظة، ومعرفة الملاحظة (vouloir voir, pouvoir voir, savoir voir).
وكيفما كان هدف الوضعيتين المقدمتين، لا يمكن للديداكتيكي أن يقتنع بهما. تأخذ الوضعية الأولى بعين الاعتبار ابستمولوجية الجغرافيا وتضع شكليا في العالية مختلف نماذج تصور وتدبير المجال. وهكذا تظل التمفصلات ملائمة ما بين المجال المعيش والمدرك، والمجال المعطى والمنظم، والمجال المندمج أو الإرادي، لكن حقيقتها تظل ناقصة بحكم كونها لا تتضمن مسبقا معنى استعمالها.
على عكس الوضعية الأولى، فإن الوضعية الثانية لا تهتم مباشرة بالترقية المدرسية لمنهج التفكير المجالي. وهنا يركز التحليل في العالية على ابستمولوجية المادة من خلال المستويات الإديولوجية والإستراتيجية التي تدمج تماما تاريخ العلم الجغرافي وتدريسيته. بهذا المعنى فإن إرادة الملاحظة، وقدرة الملاحظة هي أكثر وضوحا (vouloir voir, pouvoir voir)، في حين تظل معرفة الملاحظة ( ( savoir voir أقل استثمارا بمعنى أنه في هذه الحالة يظل المشكل الديداكتيكي كاملا.
يجب أن تنبثق الشبكة المقترحة من أجل تطوير منهج التفكير المجالي من ابستملوجية المادة. "خاصية الابستمولوجية التكوينية هو البحث عن استخراج جذور مختلف أصناف المعارف انطلاقا من أشكالها الأساسية ومتابعة تطورها في المستويات اللاحقة إلى حدود التفكير العلمي الذي يتضمنها". وهذا ما يدمج من جهة الأفكار المقترحة سابقا من طرف إيف لاكوست وكلود رافستان في كل مرة بمرجعية إضافية ودقيقة ضمن سجل غايات التربية الجغرافية. ثم الحقل المركب لتمثلات ولتصورات العلم هو الأخذ بعين الاعتبار خلاصة تقليد التفكير الجغرافي وتطوره أكثر من المنظومة الذهنية والإبستيمية لدى التلاميذ اليوم، ضمن مكوناتها العلمية والاجتماعية والثقافية.
وهذا ما يحيل على معايير الباحثة "برناديت مرين شوماخير"، مع استعمال مختلف نسبيا : وهنا يشكل المحور السلوكي على الأقل هدفا أكثر من أداة للاستثمار. وأخيرا فإن صعود منهج التفكير المجالي مشروط بتطور الكارطوغرافيا نفسها. فقد أشار إلى ذلك العديد من الجغرافيين بأن الخريطة تحتل بالنسبة للجغرافيا نفس المكانة التي تحتلها الأرقام بالنسبة للرياضيين لكن دون استخلاص من كل الخلاصات الإجرائية المأمولة من هذا التوازي.
إن إعادة النظر في نوعية تدريس الجغرافيا بشكل يوازي إعادة التفكير حول العمق الديداكتيكي للكارتوغرافيا. يجب أن يكون هذا الأخير في قلب التفكير الجغرافي. وهذا ما يفرض نوعا من التحول العميق ضمن التعبير الكارطوغرافي العادي واستعمالاته. لا يتعلق الأمر بفحص الخرائط، واكتسابها، أو إعادة إنتاجها، ولكن المزاوجة حسب علاقة جدلية ضيقة بين تطور تفكير التلاميذ، ومنطق العلم والسجل المبياني. بهذا المعنى، من الأفضل استعمال الصيغة التالية منهج التفكير في استعمال المجال أكثر من منهج التفكير المجالي. عند حدود استعمالها في المدرسة هذه العبارة الأخيرة هي مفرطة/متطرفة لأنها تفرض أدوارا للباحثين، للمقررين، للفاعلين، وهو ما لا يمكن غالبا حالة الساكنة المدرسية. هذه المفاهيم يتم تبريرها دائما. في الأصل فإن الأساتذة الجامعيين هم الذين ضمنوا هذه الترقية. بالنسبة للمدرسين، إشكالية تدريس الحقائق الجغرافية هو مختلف تماما عن البحث الجامعي. وهو المبرر للاختيار الأول للديداكتيكيين بالنسبة لمنهج التفكير في استعمال المجال. ما بين التساؤلين الاثنين، يمكننا اعتبار الفارق الدلالي الذي يكشف عن صيرورة النقل الديداكتيكي.
وفي إطار تمييز مفهوم منهج التفكير في استعمال المجال في التدريس، تتضمن اللحمة المفاهيمية التي يجب إعدادها مختلف مستويات التحليل. مواضيع الإدراك، الاستدلال ومنهج التفكير المجالي تشكل ثلاث فئات أساسية. يؤدي تدقيقها الإجرائي إلى تمييز نوعين من الفئات في نفس الوقت. إدراك المجال المعيش، الاستدلال الذاتي، منهج التفكير الأساسي والذي يعرف في علاقة مع التلميذ نفسه ويمكن أن يحلل ككاشف فطري/غريزي. إدراك المجال غير المعيش، الاستدلال العلمي، منهج التفكير المبني يرتبط بمنطق العلم الجغرافي، وهو ما يحيل على المكتسبات. كل فئة يمكن تقسيمها إلى مجموعتين من المفاهيم التي تعبر عن مختلف الترابطات الممكنة انطلاقا من حقائق الفرد، ومن العلم وتدريسه. تشكل مجموع هذه الفئات والمجموعات شبكة مفاهيمية أساسية والتي يجب على الديداكتيكي التركيز عليها مسبقا بهدف تدقيق التعريف الإجرائي لكل واحد منها، بمضمون دقيق، وبمعالجة ملائمة، من أجل التحكم المتزايد في منهج التفكير في استعمال المجال الجغرافي. ويفرض بناء واكتساب المعرفة الجغرافية بأن مختلف هذه المحاور من التفكير تتشكل ضمن شبكة إشكالية معدة ومستثمرة بطريقة تزامنية ومتكاملة.
1- وزارة التربية الوطنية، 2007، التوجيهات التربوية والبرامج الخاصة بتدريس التاريخ والجغرافيا بسلك التعليم الثانوي التأهيلي، 2006، مديرية المناهج
والبرامج، الرباط، ص : 5.
[2] -Christian Daudel, 1990, les fondements de la recherche en didactique de la géographie, édition Peter Lang, Berne, pp :151-171