نظم مختبر المواد الاجتماعية (التاريخ والجغرافية) وتدريسها بمركز تكوين مفتشي التعليم بالرباط يوم الأربعاء 4 ماي2016 يوما دراسيا حول "قضايا في ديداكتيكية التاريخ و الجغرافية". عرف حضورا قويا للمهتمين بالموضوع من أساتذة وطلبة المركز، مفتشين تربويين ممارسين – تخصص اجتماعيات وأساتذة مادة الاجتماعيات، إضافة إلى طلبة ماستر تدريسية العلوم الاجتماعية والتنمية بكلية علوم التربية بالرباط وطلبة الإجازة المهنية بالمدارس العليا للأساتذة.
انطلقت أعمال هذا اليوم بكلمة افتتاحية للدكتور محمد أمطاط مدير مختبر المواد الاجتماعية (التاريخ والجغرافية) رحب خلالها بالحضور وأكد على المكانة البارزة التي تحتلها المواد الاجتماعية في المناهج الدراسية، و أيضا على قيمة الديداكتيك كحقل معرفي قائم الذات، يتأثر بالتحولات التي تعرفها المدرسة و المعرفة العلمية لتموقعه بينهما.
كما أشار الدكتور أمطاط أن تنظيم اليوم الدراسي جاء في إطار سعي المختبر إلى تطوير البحث في هاتين المادتين من خلال الانفتاح على العمل الميداني بمفهومه الواسع (منهاج، توجيهات تربوية، ممارسات فصلية...) من جهة، والاشتغال على الأطر النظرية و المفاهيمية التي تساعده على بلورة تصورات منهاجية لتدريس مادتي التاريخ والجغرافية. معلنا بعد ذلك عن بداية ورشة العمل الأولى حول موضوع "ديداكتيكية التحقيب التاريخي". ليتناول الكلمة منسق الورشة الدكتور عكي شاكر نائب مدير المختبر، الذي تحدث بدوره عن أهمية وسياق تنظيم هذا اليوم الدراسي، كما أكد أن اختيار موضوع "التحقيب التاريخي"، يرجع للبس الذي يعتري المفهوم والاضطراب الذي تعرفه الممارسات التربوية المتعلقة به. الأمر الذي دفع المختبر إلى استقبال الدكتور محمد صهود من كلية علوم التربية الرباط ليحاضر في الموضوع، نظرا لاشتغاله عليه لأكثر من تسع سنوات جمع خلالها بين الممارسة الميدانية كمفتش تربوي (تخصص اجتماعيات) و التكوين الأكاديمي الذي تكلل بأطروحة لنيل شهادة الدكتوراه في علوم التربية بعنوان "التحقيب التاريخي من التأصيل الإبيستمولوجي إلى التعلم المنهجي مقاربة ديداكتيكية وفق مدخل الكفايات (السنة الأولى باكالوريا نموذجا)".
استهل الدكتور محمد صهود محاضرته بسؤاله الاشكالي حول كيفية جعل التحقيب التاريخي مادة للتعلم المنهجي؟. من أجل الجواب عن تساؤله قدم تشخيصا لواقع تعلم التحقيب التاريخي في الثانوي التأهيلي، حيث أشار إلى أن التعريف الذي وضعته الوثيقة الإطار للتحقيب التاريخي بكونه " قدرة من القدرات التي تتفرع عن كفاية التموضع في الزمن والمجال" يدفعنا للتساؤل حول ما إذا كان التحقيب قدرة أم كفاية؟ وحول ضمنيته للتموضع في الزمن، أو كونه تصورا عاما للزمن؟. حيث يرى الدكتور إن اعتبار التحقيب قدرة يشوش على مفهوم القدرة نفسه، لأن التحقيب منهجية في التفكير التاريخي تتضمن مكونات قابلة للتعلم والانعكاس.
لقد أكد الدكتور خلال تشخيصه للتحقيب التاريخي في مستوى المعرفة عدم مسايرة التوجيهات التربوية للتطورات الحاصلة على المستوى النظري في حقل الممارسة التحقيبية. كما أن الكتب المدرسية، لا تعكس تحقيبا تاريخيا مبنيا على أسس منهجية مسايرة للتطورات الحاصلة على المستوى الابستمولوجي لأنها تقدمه كمُنتج ومُعطى ، ليوضح بناء على ما سبق أن التحقيب يمارس كمنتج وليس كسيرورة منهجية على مستوى الممارسة الفصلية. وختم الدكتور صهود هذا التشخيص بالسؤال حول " كيف يمكن جعل مهارات التحقيب مادة منهجية للتعلم؟
جوابا عن تساؤله قدم الدكتور صهود تعريفه للتحقيب على أنه "مفهمة ترمي إلى إبراز تحول المجتمع في الزمن و تأثير هذا التحول و منعطفاته. تتم هذه المفهمة عبر سيرورة منهجية تتأسس على صياغة إشكالية للتحقيب تستهدف بناء الحقب وإنتاج مفاهيم تحقيبية، عبر القيام بعمليات توقيت الوقائع والأحداث التاريخية انطلاقا من استقراء الوثائق. و وضع كرونولوجيا لهذه الوقائع والأحداث، ثم تأويلها" أي أن التحقيب سيرورة تبدأ بالإشكال وصولا إلى بناء حقبة مرورا بتوقيت و وضع كرونولوجيا ثم التأويل.
انطلاقا من التعريف السابق عرض الدكتور صهود مكونات نموذجه الديداكتيكي ومستوياته. حيث هيكل السيرورة المنهجية للتحقيب التاريخي حسب مقاربة ديداكتيكية على أربع مستويات:
- المستوى الإشكالي: تتم فيه صياغة إشكالية تحقيبية انطلاقا من تحديد زمن ومجال وموضوع الحدث أو المفهوم.
- المستوى الكرنولوجي: يتم خلاله توقيت الأحداث والوقائع ضمن سلم زماني، في أفق ترتيبها تزامنيا و تعاقبيا و موضوعاتيا.
- المستوى التأويلي: يتم فيه تحديد معالم الحقبة والمنعطفات بواسطة التأويل، في أفق رصد الاستمرارية والتحول.
- المستوى التركيبي: يتم خلاله تركيب المنتوج التحقيبي. انطلاقا من الطرح الإشكالي ووصولا إلى الخلاصات.
بعد توضيح مقاربته الديداكتيكية. قدم الدكتور صهود في ختام عرضه منتجا تحقيبيا استحضر فيه الإشكالية التحقيبية. حيث كانت الحقبة التاريخية التي اختارها هي عشرية القلاقل باعتبارها حقبة فرعية ضمن ما سمي بالقرن 19 الممتد، تنطلق من 1900سنة بداية الحكم العزيزي و 1912 سنة توقيع معاهدة الحماية.
وختم الاستاذ عرضه بالتذكير بإشكالية دراسته " كيف يمكن ردم الهوة المنهجية في التحقيب بين الخطاب الابستمولوجي و الاسطوغرافي من جهة والواقع الديداكتيكي من جهة أخرى بشكل يساهم في تنمية الجانب الفكري والمنهجي للمتعلم في الممارسة الديداكتيكية؟" لتكون نقطة انطلاق لورشة النقاش حول التحقيب التاريخي التي أشرف الدكتور شاكر على سير أعمالها. وقد أسفرت هذه الورشة عن نقاش ديداكتيكي جد مثمر أبان عن إحساس المتدخلين بعمق الإشكالية من خلال إغنائهم للموضوع بأفكار و مقترحات و انشغالات عبرت عن واقع تدريس التاريخ بالمدرسة المغربية بشكل عام وتدريس التحقيب التاريخي بشكل خاص. وانتهت أشغال الورشة الأولى بتقديم الأستاذ شاكر خلاصة عامة حول نقاشاتها انسجمت في مجملها مع أطروحة الأستاذ صهود وأكدت على ضرورة توسيع الورشات حول الموضوع لتقريب الممارسين بشكل أكبر من مقاربته الديداكتيكية.
بعد استراحة قصيرة أعلن الدكتور محمد أمطاط عن انطلاق الورشة الثانية حول موضع "تقويم التعلمات الجغرافية" بتقديم الاستاذ المحاضر الدكتور أحمد الشرقاوي من المركز الجهوي لمهن التربية والتكوين بمكناس.
استهل الدكتور أحمد الشرقاوي محاضرته بالإشارة إلى كون التقويم التربوي بالمغرب يندرج ضمن إشكالية عامة، أثارت جدلا حادا بين متخلف الفاعلين والمهتمين بالمسألة التعليمية انصب على ضعف مردودية التعليم وقلة منفعته الاجتماعية وعدم تلبيته لحاجات المستهدفين منه تلاميذ ومربين ومجتمع. الامر الذي دفعه للاشتغال حول موضوع التقويم التربوي بالتعليم الثانوي في الاجتماعيات عامة والجغرافيا خاصة بين الأدبيات التربوية والجغرافية والتوجيهات الرسمية، من أجل تحديد مدى ملاءمة القرارات المؤسسية التي اتخذت في هذا الإطار لمادة الجغرافية.
وقد تناول الدكتور الشرقاوي في المحور الأول من محاضرته موضوع التقويم في الأدبيات التربوية الجغرافية من خلال تقديم مفهوم التقويم وأدواته، ثم تحديده للأسئلة الأساسية في الخطاب الجغرافي (وصفية، تفسيرية،تعميمية).
انتقل الدكتور الشرقاوي بعد ذلك للحديث عن التقويم في التوجيهات التربوية الرسمية، من خلال تحليل الأطر المرجعية لسنة 2010 الخاصة بالاختبار الجهوي للسنة الثالثة إعدادي و الأولى باك. ليخلص أن التوجيهات التربية أهملت إن لم نقل تجاهلت عند تناولها للتقويم، منطق مادة الجغرافية مركزة أكثر على الكفايات. وأشار إلى بعض التناقضات بين الأهداف المسطرة والإجراءات المقترحة ترجع في مجملها إلى مشكل اعتماد قالب موحد لكل المجالات يحول دون إبراز تفرد محال عن آخر، إضافة إلى مشكل عدم انسجام المستويات المهارية المرتبطة بالكفايات والقدرات مع الوضعيات الاختبارية، وأكد الأستاذ على أن مشكل مخاطبة الوضعيات الاختبارية للذاكرة يبقى من أهم المشاكل، لكونه يتنافى مع طبيعة الأنشطة التفاعلية المعتمدة في التدريس، ولكونه السبب الرئيسي للجوء المتعلمين للغش من جهة، و لغلبة ذاتية الأساتذة في التصحيح من جهة أخرى.
بناء على ما سبق أوصى الدكتور الشرقاوي بإعداد أطر مرجعية موحدة تخص جميع المستويات الدراسية تراعي خصوصية كل مادة. يتم تصنيف الأسئلة فيها إلى ثلاث مجموعات رئيسية ( موضوعية، مقالية متفرعة، مقالية مفتوحة). يتطلب إعدادها تحديد الأهداف و الكفايات وإخضاعها للتجريب للتأكد من مصداقيتها وثباتها، دون إغفال خصوصية المادة. كما هو الحال بالنسبة لمادة الجغرافية التي تتطلب أسئلة وصفية وأسئلة تفسيرية و أسئلة تعميمية وأخيرا اسئلة تخطيطية.
وقد ختم الاستاذ الشرقاوي محاضرته بالتأكيد على الحاجة الماسة لتعديل الأطر المرجعية وإعادة النظر في الوضعيات الاختبارية. ليفتح المجال لانطلاق ورشة نقاش حول الموضوع من تنسيق الأستاذ أمطاط عرفت بدورها نفس التفاعل والحماس الذي عرفته الورشة الاولى.
في نهاية هذا اليوم الدراسي قدم الدكتور محمد أمطاط كلمة ختامية تضمنت تقريرا عاما وتوصيات لورشتي العمل، كما أعلن عن تفكير مختبر المواد الاجتماعية (تاريخ وجغرافية) في إعداد ندوة وطنية حول ديداكتيك التاريخ والجغرافية في غضون السنة المقبلة.