تحية طيبة لكم نريد ان نعرف من هو الدكتور عبد القادر بودومة؟
جئت إلى الفلسفة في زمن بدأت فيه الجزائر تعاني من مأساة العنف و العنف المضاد . لحظتها التحقت بقسم الفلسفة بجامعة وهران ( الجزائر ) أين نلت شهادة الليسانس ، و أثناء فترة التكوين عرفت توجيهاتي الفلسفية طريقها نحو التشكل . إلى أن بلغت و لامست اللحظة النيتشوية . بعد التحرج قمت بتدريس الفلسفة بالثانوية . إلى غاية 2005 . عيّنت بعدها أستاذا مساعدا بقسم الفلسفة جامعة تلمسان ( الجزائر ) . بعد أن نلت شهادة الماجستير الموسومة بـ :" الكتابة و تجربة الإختلاف عند نيتشه " . و في سنة 2010 ناقشت أطرحة لنيل شهادة الدكتوراه في العلوم و الموسومة بـ : " الفينومينولوجيا و سؤال المنهج عند هوسرل " قد نتساءل عن سر هذا الإنتقال الذي أحدثته من لحظة نيتشه إلى لحظة هوسرل . لقد منحني الأول الكثافة الأنطولوجية المحمولة بالقوة الشاعرية . أما الثاني فقد منحني الصرامة المنهجية المحمولة بقوة الانتباه و الرؤية . فهوسرل كان بالنسبة لي ضروريا إذا أردت أن أحتفظ بأنطولوجيتي المتدفقة .
تحضر تجربة المشاريع الفلسفية الكبرى إلى المشهد العربي فتجده لازال محمولا بيأسه . وعوزه ، بمأساة لاتزال تفاقم إلى درجة أصبحنا نشكك في قدرتها على التخفيف من حدتها . مأساة العنف ، و الكراهية، و الحقد و الإرهاب ، أعتقد أنّنا بحاجة إلى مشاريع من نوع آخر ، مشاريع نؤسس من خلالها أخلاق الأمل ، و الصداقة ، و الغفران و التسامح . ووحده التفكير الفلسفي يحمل القدرة على تأسيس مثل هذا التوجه ، طبعا بعد فشل الخطاب الديني ، و الخطاب السياسي ، و حتى الخطاب الثقافي في احتواء هذه الأزمات . فالضروري اليوم هو الابتعاد عن التنظير و التأمّل و الالتفات بصورة جذرية إلى القضايا العملية للراهن من موقع "محلي" locale ، و ليس من موقع قومجي ، أو وطني ، طبعا نحن لا ننكر أهمية الأسماء التي أتيت على ذكرها . لكنها أسماء لاتزال مشاريعها لم تخرج بعد من قاعات الدرس ، و المؤتمرات .
هناك الكثير من المفكرين العرب يهتمون بفلاسفة الاختلاف. أين موقع فلاسفة الحداثة في المشهد الفلسفي العربي أمثال هابرماس؟
إنّ ميلنا نحو فلسفة الاختلاف لا يعني أبدا أنّنا نحكم سلبا على باقي الفلسفات . فالاختلاف لا يمثل بالنسبة إلينا موقفا" أرثوذكسيا " . و إنّما هو انفتاح على الامكانات المتعددة التي تمنحها لنا الفلسفة عموما . الاختلاف هو الحمولة و الكثافة الأنطولوجية المميّزة للذات . ذات تبحث على الدوام عن أماكن جديدة لعلّها تهتدي في نهاية المطاف إلى ما يخفف من عنفها الأنطولوجي ، أما فيما يخص الفيلسوف هابرماس و إن كان يفضل الإقامة بعيدا عن فلاسفة الاختلاف فإنّنا نؤكد أنه لا ، ولم يحدث قطعا مع الاختلاف ذاته . فهو المؤسس لحوار ايتيقي مع كل الفلسفات لا يمكنه إلاّ أن يكون مختلفا في تعدده و تنوّعه . حتّى في اتقاده لدريدا ، و ليوتار ، و باطاي ، و هيدغر و فوكو . لم يتخلى في تصوّرنا عن هاجس ترميم الذات المتشظية . بالإضافة إلى ذلك فإن البحوث و الدراسات في جامعاتنا و مراكز بحوثنا العربية بدأت تلتفت إلى فلسفته بصورة كبيرة.
* بدات الانتاجات الفلسفية في الجزائر تزدهر , لماذا تاخرت الكتابات الفلسفية بالجزائر مقارنة بالمغرب وتونس؟
إن الجزائر و إلى غاية 2005 لم يكن بجامعاتها إلا ثلاث أقسام للفلسفة وكان يشرف على التكوين و التأطير أساتذة من ذوي اختصاص غير الفلسفة . و معظمهم جاء من دراسات العلوم الإسلامية ، و أصول الدين . فالجزائر عندما قررت تعريب التعليم . لم يكن أمامها إلا مثل هذه التخصصات تشرف على تدريس الفلسفة . وهنا برزت الهوة إذ يصعب أن نكون طلبة متخصصون في الفلسفة و تكوينهم بعيدا كل البعد عن الفلسفة . فالتأخر الذي أشرتم إليه ترجع جذوره إلى بداية استقلال الجزائر .
* : كما تعرف فقدت الساحة العربية والمغربية الكثير من رموز البحث الجامعي في مجال الفلسفة : محمد عابد الجابري ، محمد أركون،فؤاد زكرياء،عبد الرحمان بدوي ،لكن هناك من الباحثين الشباب من يحاول أن يكمل المسير، وهل من تفاؤل بمستقبل البحث الفلسفي؟
تتمة للإجابة عن السؤال الرابع . تحت جيل لا يمتلك مرجعية فلسفية محلية ثابتة ومتماسكة ، جئنا إلى الفلسفة رغبة فيها . و انفتاحنا عليها كان من خلال كتابات تميز بجذرية الممارسة النقدية ، نقد كل مايمت بصلة إلى تلك التنازلات التي كان يتبناّها أصحاب المشاريع النهضوية لصالح اديولوجيات التجريم و التحريم . هذا ما زادنا إصرارا على مواصلة التنوير الذي بدء أفقه يتجلى من خلال ما أسميه : بـ تثوير يوميات الإنسان العربي . وذلك غير تفعيل الإيمان بالفلسفة كإمكان اللا- امكان بتعبير "دريدا" أي كإمكان التحرر خطابات الأصولية . وهذا ما يجعلنا نتفاءل بمستقبل فلسفي يميزنا . طبعا بعيدا عن كل تضخيم من حال هذا المسعى أو الوضع .
*· س: هناك الكثير من مراكز الدراسات والأبحاث في العلوم الاجتماعية ، في المقابل لانجد مراكز مختصة في الفلسفة . إلى ما ذا تعزو في نظرك هذا الغياب ؟
نحن بحاجة ماسة إلى فرق بحثية متخصصة ، تشرف عليها مخابر البحث و الدراسة داخل مؤسساتنا الجامعية ، و مراكز البحث . إذ يكفي الالتفات إلى واقع فعل التفلسف في أوطاننا ليتبين لنا الأمر أنه لم نتمكن من انتاج فلاسفة . و إنما اكتفينا فقط بإنتاج مدرسين للفلسفة . مدرسون يعانون من ميل نرجسي نحو تضخيم الذات . بحيث صار كل واحد منهم يعتقد أنّه الأوحد في حقل البحث الفلسفي . في حين كان لزاما عليه أن يحيط نفسه بطلبة قد يصيرون يوما ما فلاسفة .