يأتي النمط التشاركي في الإدارة المدرسية على طرف النقيض من الأنماط السلطوية في الإدارة، فهذا النمط من الإدارة التشاركية ينظر إلى العاملين في المدرسة من خلال النظر إلى أعمالهم كافة، وليس مجرد منفذي للتعليمات التي تصدر من المستويات العليا في الهرم الإداري في المدرسة أو المؤسسة التعليمية، وإنما كأشخاص قادرين على تحمل المسؤوليات والمشاركة في التصدي إلى المشكلات ووضع الحلول المناسبة لها, والمساهمة في وضع الخطط والسياسات إذا منحوا الفرصة. ويوفر هذا النمط التشاركي المناخ المؤسسي الإيجابي الذي يدفع في اتجاه تحفيز الطاقات الإبداعية لدى العاملين في المؤسسة التربوي .(Mcgreger,1960:51)
أولاً: مفهوم النمط التشاركي في الإدارة المدرسية
إن النمط التشاركي في الإدارة، كما يعرفه كيث وجيرلينج (Keith & Girling, 1991:27)، هو ذلك "النمط الإداري الذي يقوم على المشاركة "النظامية" و"الملموسة" للعاملين في المؤسسة في عمليات صنع القرارات المتعلقة بسياسات المدرسة ومهامها ومشكلاتها".
لقد جاءت كلمة "نظامية" ترجمة لكلمة (Regular)، التي يقصد بها الكاتبان بأن المشاركة صفة ضرورية للنمط الإداري في المؤسسات، وكلمة "ملموس" ترجمة لكلمة (Significant)، وذلك من أجل تمييز المشاركة التلقائية التي تحدث في المدرسة حتى ولو كانت تمارس بشكل سلطوي، كأن يفوض المدير مسؤولية الصف للمعلم (Vann,1992:30) لتتعدى إلى المشاركة على مستوى صناعة القرار المتعلق بالمناهج وصياغة الأهداف التعليمية والتصدي للمشكلات، ومناقشة السياسات ونقدها، واقتراح البدائل الملائمة.
ويرى (Vann,1992:30) أن الأخذ بالنمط التشاركي في الإدارة المدرسية يتطلب توافر شرطين ضروريين هما:
1. توفر درجة عالية من الثقة المتبادلة بين العاملين في المؤسسة التربوية، إضافة إلى الثقة بالنفس لدى المديرين أو العاملين.
2. توفر مستوى عالٍ من القناعة بمفهوم القيادة التشاركية، وصناعة القرار على أساس تعاوني.
ثانياً: مبررات استخدام النمط التشاركي في الإدارة المدرسية
لقد حدث الكثير من التغيرات في واقع المدرسة المعاصرة، وفي تصور المجتمع لها ولدورها، بحيث أصبح هذا التطور يجد في النمط التشاركي في الإدارة المدرسية اقتراباً أنسب لروح العصر ولواقع المدرسة نفسه، ويمكن إجمال هذه التطورات بما يلي:
1. التطور الحادث على الوظيفة التعليمية للمدرسة:
كانت وظيفة المدرسة التقليدية تتمثل في تلقين مجموعة من المعارف والمهارات الأساسية كالكتابة والقراءة والحساب، أما وظيفة المدرسة المعاصرة كما يراها الفكر التربوي الحديث فيناط بها دور يتعدى ذلك الدور التقليدي بكثير، والذي يتمثل في الجوانب التالية:
تدريب الطلبة على مهارات التفكير العليا.
الفهم العميق للمحتوى المعرفي للمقررات الدراسية.
ربط ما يتعلمه الطالب بحياته اليومية خارج نطاق المدرسة.
إشراك الطالب في بناء معرفته، وذلك عن طريق تعزيز روح الحوار والنقاش لديه.
زيادة ثقة الطالب بقدرته على الانجاز والإبداع.
وبناءً على هذا التصور لدور المدرسة المعاصرة على الصعيد التعليمي، فإنه من الصعوبة بمكان أن تقوم المدرسة بأداء تلك المهام في إطار النمط التقليدي للإدارة المدرسية الذي يرى أن المعلم منفذ للسياسات، فهذه المهام تظل غامضة على المعلم، كما هو الحال بالنسبة للمدير، إلا إذا تم إخضاعها لنمط من التفكير من الأطراف المعنية في المدرسة كافة، وذلك من أجل الوصول إلى نوع من التصورات المشتركة التي تمثل الأساس لعملية التعلم فيما بعد. هذا بالتأكيد يحبذ الأخذ بالنمط التشاركي في الإدارة المدرسية لما يوفره من مناخ مدرسي يدعم التعاون فيما بين المدير والمعلمين والعاملين داخل المدرسة، وذلك يؤدي إلى وضوح في الرؤى فيما بينهم اتجاه المهام التعليمية المتضمنة في المنهاج المدرسي.
2. النجاح الذي حققه النمط التشاركي في إدارة المؤسسات الاقتصادية:
زيادة فعالية النمط التشاركي في المؤسسات الاقتصادية من حيث قدرتها الإنتاجية؛ سواء كماً أم كيفاً، وذلك لما يتضمنه هذا النمط من تحفيز لطاقات العاملين الفكرية والفنية في مجال تطوير العمل وحل المشكلات المتعلقة به، أو في مجال رفد عمليات صناعة القرارات والسياسات في المؤسسة، هذا من جانب، ومن جانب آخر، فالنمط التشاركي يزداد فيه إحساس العاملين بالرضا الوظيفي والانتماء للمؤسسة التي يعملون بها، الأمر الذي يزيد من دافعيتهم نحو العمل المنتج (Keith & Girling, 1991:28).
3. التغير المتسارع على تصور المجتمع لدور المدرسة:
إن المدرسة المعاصرة كما ترسخ في وعي المجتمع لابد أن تستجيب لكثير من المتطلبات "غير التعليمية"، وذلك انسجاماً مع الدور الاجتماعي الذي تلعبه المدرسة المعاصرة، وطالما أن تلك المتطلبات نفسها عرضة للتغيير المتسارع في هذا العصر، فإن المدرسة المدارة تقليدياً لا تستطيع أن توائم محك الانسجام مع تلك التغيرات، في حين تأتي الإدارة التشاركية بديلاً قوياً لما توفره من قنوات اتصال واسعة ومتعددة مع المجتمع، عن طريق توظيف الإمكانيات كافة لدى العاملين واستغلالها .(Robinson & Timperely, 1996)
ثالثاً: فوائد النمط التشاركي في الإدارة المدرسية
إضافة إلى الفوائد التي يمكن أن نجنيها على مستوى تفجير طاقات العاملين الفكرية والفنية، وزيادة دافعيتهم نحو العمل المنتج، فإن هناك مجموعة من الفوائد التي يمكن تحقيقها على مستوى المدرسة ككل، نورد منها ما يلي:
1. وضوح الرؤيا:
إن المدرسة المدارة تقليدياً يتم إملاء برامج العمل والأهداف والسياسات على العاملين بغض النظر عن إدراكهم لها، الأمر الذي يؤدي إلى الغموض واختلاط الفهم من جانبهم، ما ينعكس سلبياً على أدائهم. أما في حالة النمط التشاركي بما يوفره من مناخ منفتح للحوار بين العاملين والمديرين، فإن هذا الأمر يقود إلى فهم واضح للسياسات والأهداف والبرامج والقرارات فيما بين أفراد المجتمع المدرسي، وبالتالي تمنح هيئة المدرسة فرصة متابعة تطور الواقع المدرسي بشكل منتج (Vann,1992:31).
2. تعظيم مستوى الاتفاق حول القرارات المراد تنفيذها في المجتمع المدرسي:
انسجاماً مع الفائدة السابقة واستمراراً لها، فإن القرارات التي يتم اتخاذها ضمن النمط التشاركي، تحمل في طياتها قدراً كبيراً من آراء قطاع واسع من أعضاء هيئة المدرسة ومشاركاتهم وتصوراتهم، الأمر الذي يقود إلى مستوى عالٍ من الاتفاق حول هذه القرارات (Vann,1992:31).
3. حل الخلافات بشكل فعال:
في ضوء النمط التشاركي، يتم التطرق والتصدي إلى الخلافات بروح الانفتاح والثقة والحوار البناء، وبخاصة أن ذلك يتم في ضوء ما تم الاتفاق عليه من أهداف وسياسات وبرامج للمدرسة (Newman,1993:4).
4. القدرة على التكيف مع التغيرات في البيئة المحيطة:
إن هذه الفائدة تشير إلى قدرة المدرسة على الاستجابة لمتطلبات المحيط الاجتماعي للمدرسة، التي أصبحت عرضة للتغيير المتسارع تبعاً لروح هذا العصر. وفي الواقع، إن المدرسة المدارة تقليدياً يصعب عليها الاستجابة لهذه الميزة التي ترى بضرورة مواكبة المدرسة لروح التغيير المتسارع في هذا العصر، الذي يتميز برفع توقعات المجتمع المحلي من المدرسة، وذلك نظراً لمحدودية قدرة الإدارة الأوتوقراطية في تلمس تلك المتطلبات المتغيرة والاستجابة لها. وعلى العكس من ذلك، فإن المدرسة ذات النمط التشاركي في الإدارة تمتلك قنوات الاتصال، وتعدد الطاقات الفكرية المتوفرة، بحيث تستطيع تلمس تلك المتطلبات والاستجابة لها (64:Robinson & Timperely, 1996).
5. المقدرة على التجدد:
يقصد هنا "بالمقدرة على التجدد" بأنها إعادة تركيب بنية المدرسة الإدارية (طبيعة الأدوار- العلاقات – قواعد الاتصال)، الأمر الذي يصعب أن يتم من خلال إملاء القرارات الفوقية في حالة المدرسة الأوتوقراطية، ولكن يمكن أن يتم هذا التغيير من خلال المشاركة الشاملة من قبل أعضاء هيئة المدرسة كافة، في البحث عن ماهية التغيير، والنقاش الهادف والناقد حوله، كخطوة منطقية وفي الاتجاه الصحيح على طريق التغيير المنشود (Newman,1993:4).
رابعاً: معيقات استخدام النمط التشاركي في الإدارة المدرسية
تتفاوت حدود المشاركة من مؤسسة إلى أخرى، كما أن فعالية المشاركة تتفاوت حسب حجم المعيقات التي تعترض حركة العاملين بموجب النمط التشاركي، ويحدد (Keith & Girling, 1991:43) ثلاثة أصناف من المعيقات:
1. المعيقات المؤسسية (Organizational Barriers):
تلك المعيقات التي تنبع من "الثقافة" السائدة في المؤسسة، والتي تتمثل في منظومة القيم والأعراف التي تسود المؤسسة، والتي تعكس نفسها، وبشكل ضمني، على المناخ المؤسسي بشكل عام. إذا كانت هذه القيم تجعل العاملين مجرد مأمورين، فإن هذا سيؤدي إلى إحباط النمط التشاركي، وفي الاتجاه نفسه، فإذا كانت هذه القيم ترى في العامل كثير التساؤل والناقد بأنه "صانع للمشاكل"، فكيف يمكن خلق مناخ مؤسسي منفتح؟
بناءً على ما تقدم، فإنه لا بد من العمل على تفكيك هذه الثقافات السائدة واستبدالها بثقافات أكثر إيجابية تدعم الإدارة التشاركية.
2. معيقات نابعة من المديرين أنفسهم (Managerial Barriers):
هذه المعيقات نابعة من الميل الطبيعي لدى المديرين للاحتفاظ بالسلطة والمسؤولية عن المدرسة، وفي كثير من الحالات ما يشعر المديرون بالخوف والريبة اتجاه الدعوى إلى تفويض الصلاحيات والمسؤوليات للعاملين. كل هذه الأمور، بلا شك، تنعكس سلباً على فعالية العاملين ومشاركتهم في إدارة جوانب المدرسة المختلفة.
3. معيقات تكمن في الموظفين (Employee Barriers):
كثيراً ما نصادف معلمين يرون أن دورهم في المدرسة مجرد تعليم المقررات الدراسية المكلفين بتدريسها ليس إلا، وأن مجرد إعطائهم مسؤوليات جديدة حتى ولو كان مع بعض الصلاحيات، فإنه يعتبره "عبئاً إضافياً" يلقى عليهم، وهذا الأمر بالتأكيد يقف عائقاً أمام تفعيل النمط التشاركي في إدارة مدارسهم.
في ختام هذه الورقة، اعتقد أن واقع الإدارة المدرسية التي تتبنى النمط التشاركي في بلادنا غير معمول به، وعلى العكس فإن الأنماط الأوتوقراطية هي السائدة في مدارسنا، على الرغم من الدورات والمجمعات التدريبية التي تعقد باستمرار من أجل التخلي عن النمط السلطوي المستبد، فما زال توظيف النمط التشاركي غير موجود، وإن كان هناك نوع من المشاركة، فإنه على مستويات ضيقة، يأخذ بعين الاعتبار العلاقات الشخصية، ويحمل في أحيان أخرى طابع التهرب من تحمل بعض المسؤوليات التي لا يرغب المديرون في ممارستها، إضافة إلى كونه محدوداً جداً من حيث عدد المشاركين من أعضاء هيئة المدرسة.
وفي المقابل، إذا أردنا الدعوة إلى الأخذ بالنمط التشاركي في الإدارة المدرسية، فلا بد من الارتكاز على إستراتيجية تغييرية تعتني بإزالة المعيقات المؤسسية، أو تلك النابعة من المديرين أو الموظفين، التي غالباً ما يتم التغلب عليها من خلال إجراء الحوار الهادف والناقد للواقع الإداري القائم في مدارسنا، وعرض فوائد توظيف النمط التشاركي ومزاياه في الإدارة المدرسية.
من خلال استعراض ما سبق، فإنه يعد بمثابة المنطلق لبلورة التصورات المعاصرة لإبراز قصور الأنماط الإدارية القائمة وفعالية النمط التشاركي، وبالتالي توفر الأساس الفكري الذي يمكن أن يبنى عليه إحداث التغيير الإداري المنشود في مدارسنا.
السؤال الذي يطرح نفسه في هذا المقام "لماذا كل هذا التعقيد في تصور قضية التغيير وتبنيها؟"، وإن أردت الإجابة، فإن الإجابة تتضمن تساؤلاً جديداً يتمثل في: "كيف يمكن لنا أن نفرض النمط التشاركي في إدارة مدارسنا الفلسطينية؟".
في اعتقادي، أن العديد من مديري المدارس يرون أن النمط التشاركي اعتداء على سلطاتهم، ومن المعلمين من يرى أن هذه المشاركة تمثل عبئاً زائداً يقع على كاهله، لذا يرغب العديد من المديرين في توفير مناخ مدرسي يجسد ضرورة أن يكون المدير على قمة الهرم، والمعلمين مجرد مأمورين؟
د.حاتم محمد دحلان
دكتوراه مناهج وطرق تدريس العلوم
مدير مساعد بوكالة الغوث الدولية - خان يونس
المراجع
Keith S.& Girling, R: (1991). Educational Management and Participation, USA, Allyn & Baccon.
McGregor D.M.: (1960) The Human Side of Entreprise, New York: McGraw Hill Book Company.
Newman Fred M. (1993): What is a Restructured School? Principal No.1, pp.1-4
Robinson V. & Timperley H. (1996): Learning to be Responsive; The Impact of School Choice & Decentralisation; Educational Managament & Administration. Vol.24, No.1, pp.62-78
Vann Allan S. (1992): Shared Decision Making- Effective Leadership. Principal, No.12, pp. 30-31.
كانت وظيفة المدرسة التقليدية تتمثل في تلقين مجموعة من المعارف والمهارات الأساسية كالكتابة والقراءة والحساب، أما وظيفة المدرسة المعاصرة كما يراها الفكر التربوي الحديث فيناط بها دور يتعدى ذلك الدور التقليدي بكثير، والذي يتمثل في الجوانب التالية:
تدريب الطلبة على مهارات التفكير العليا.
الفهم العميق للمحتوى المعرفي للمقررات الدراسية.
ربط ما يتعلمه الطالب بحياته اليومية خارج نطاق المدرسة.
إشراك الطالب في بناء معرفته، وذلك عن طريق تعزيز روح الحوار والنقاش لديه.
زيادة ثقة الطالب بقدرته على الانجاز والإبداع.
وبناءً على هذا التصور لدور المدرسة المعاصرة على الصعيد التعليمي، فإنه من الصعوبة بمكان أن تقوم المدرسة بأداء تلك المهام في إطار النمط التقليدي للإدارة المدرسية الذي يرى أن المعلم منفذ للسياسات، فهذه المهام تظل غامضة على المعلم، كما هو الحال بالنسبة للمدير، إلا إذا تم إخضاعها لنمط من التفكير من الأطراف المعنية في المدرسة كافة، وذلك من أجل الوصول إلى نوع من التصورات المشتركة التي تمثل الأساس لعملية التعلم فيما بعد. هذا بالتأكيد يحبذ الأخذ بالنمط التشاركي في الإدارة المدرسية لما يوفره من مناخ مدرسي يدعم التعاون فيما بين المدير والمعلمين والعاملين داخل المدرسة، وذلك يؤدي إلى وضوح في الرؤى فيما بينهم اتجاه المهام التعليمية المتضمنة في المنهاج المدرسي.
2. النجاح الذي حققه النمط التشاركي في إدارة المؤسسات الاقتصادية:
زيادة فعالية النمط التشاركي في المؤسسات الاقتصادية من حيث قدرتها الإنتاجية؛ سواء كماً أم كيفاً، وذلك لما يتضمنه هذا النمط من تحفيز لطاقات العاملين الفكرية والفنية في مجال تطوير العمل وحل المشكلات المتعلقة به، أو في مجال رفد عمليات صناعة القرارات والسياسات في المؤسسة، هذا من جانب، ومن جانب آخر، فالنمط التشاركي يزداد فيه إحساس العاملين بالرضا الوظيفي والانتماء للمؤسسة التي يعملون بها، الأمر الذي يزيد من دافعيتهم نحو العمل المنتج (Keith & Girling, 1991:28).
3. التغير المتسارع على تصور المجتمع لدور المدرسة:
إن المدرسة المعاصرة كما ترسخ في وعي المجتمع لابد أن تستجيب لكثير من المتطلبات "غير التعليمية"، وذلك انسجاماً مع الدور الاجتماعي الذي تلعبه المدرسة المعاصرة، وطالما أن تلك المتطلبات نفسها عرضة للتغيير المتسارع في هذا العصر، فإن المدرسة المدارة تقليدياً لا تستطيع أن توائم محك الانسجام مع تلك التغيرات، في حين تأتي الإدارة التشاركية بديلاً قوياً لما توفره من قنوات اتصال واسعة ومتعددة مع المجتمع، عن طريق توظيف الإمكانيات كافة لدى العاملين واستغلالها .(Robinson & Timperely, 1996)
ثالثاً: فوائد النمط التشاركي في الإدارة المدرسية
إضافة إلى الفوائد التي يمكن أن نجنيها على مستوى تفجير طاقات العاملين الفكرية والفنية، وزيادة دافعيتهم نحو العمل المنتج، فإن هناك مجموعة من الفوائد التي يمكن تحقيقها على مستوى المدرسة ككل، نورد منها ما يلي:
1. وضوح الرؤيا:
إن المدرسة المدارة تقليدياً يتم إملاء برامج العمل والأهداف والسياسات على العاملين بغض النظر عن إدراكهم لها، الأمر الذي يؤدي إلى الغموض واختلاط الفهم من جانبهم، ما ينعكس سلبياً على أدائهم. أما في حالة النمط التشاركي بما يوفره من مناخ منفتح للحوار بين العاملين والمديرين، فإن هذا الأمر يقود إلى فهم واضح للسياسات والأهداف والبرامج والقرارات فيما بين أفراد المجتمع المدرسي، وبالتالي تمنح هيئة المدرسة فرصة متابعة تطور الواقع المدرسي بشكل منتج (Vann,1992:31).
2. تعظيم مستوى الاتفاق حول القرارات المراد تنفيذها في المجتمع المدرسي:
انسجاماً مع الفائدة السابقة واستمراراً لها، فإن القرارات التي يتم اتخاذها ضمن النمط التشاركي، تحمل في طياتها قدراً كبيراً من آراء قطاع واسع من أعضاء هيئة المدرسة ومشاركاتهم وتصوراتهم، الأمر الذي يقود إلى مستوى عالٍ من الاتفاق حول هذه القرارات (Vann,1992:31).
3. حل الخلافات بشكل فعال:
في ضوء النمط التشاركي، يتم التطرق والتصدي إلى الخلافات بروح الانفتاح والثقة والحوار البناء، وبخاصة أن ذلك يتم في ضوء ما تم الاتفاق عليه من أهداف وسياسات وبرامج للمدرسة (Newman,1993:4).
4. القدرة على التكيف مع التغيرات في البيئة المحيطة:
إن هذه الفائدة تشير إلى قدرة المدرسة على الاستجابة لمتطلبات المحيط الاجتماعي للمدرسة، التي أصبحت عرضة للتغيير المتسارع تبعاً لروح هذا العصر. وفي الواقع، إن المدرسة المدارة تقليدياً يصعب عليها الاستجابة لهذه الميزة التي ترى بضرورة مواكبة المدرسة لروح التغيير المتسارع في هذا العصر، الذي يتميز برفع توقعات المجتمع المحلي من المدرسة، وذلك نظراً لمحدودية قدرة الإدارة الأوتوقراطية في تلمس تلك المتطلبات المتغيرة والاستجابة لها. وعلى العكس من ذلك، فإن المدرسة ذات النمط التشاركي في الإدارة تمتلك قنوات الاتصال، وتعدد الطاقات الفكرية المتوفرة، بحيث تستطيع تلمس تلك المتطلبات والاستجابة لها (64:Robinson & Timperely, 1996).
5. المقدرة على التجدد:
يقصد هنا "بالمقدرة على التجدد" بأنها إعادة تركيب بنية المدرسة الإدارية (طبيعة الأدوار- العلاقات – قواعد الاتصال)، الأمر الذي يصعب أن يتم من خلال إملاء القرارات الفوقية في حالة المدرسة الأوتوقراطية، ولكن يمكن أن يتم هذا التغيير من خلال المشاركة الشاملة من قبل أعضاء هيئة المدرسة كافة، في البحث عن ماهية التغيير، والنقاش الهادف والناقد حوله، كخطوة منطقية وفي الاتجاه الصحيح على طريق التغيير المنشود (Newman,1993:4).
رابعاً: معيقات استخدام النمط التشاركي في الإدارة المدرسية
تتفاوت حدود المشاركة من مؤسسة إلى أخرى، كما أن فعالية المشاركة تتفاوت حسب حجم المعيقات التي تعترض حركة العاملين بموجب النمط التشاركي، ويحدد (Keith & Girling, 1991:43) ثلاثة أصناف من المعيقات:
1. المعيقات المؤسسية (Organizational Barriers):
تلك المعيقات التي تنبع من "الثقافة" السائدة في المؤسسة، والتي تتمثل في منظومة القيم والأعراف التي تسود المؤسسة، والتي تعكس نفسها، وبشكل ضمني، على المناخ المؤسسي بشكل عام. إذا كانت هذه القيم تجعل العاملين مجرد مأمورين، فإن هذا سيؤدي إلى إحباط النمط التشاركي، وفي الاتجاه نفسه، فإذا كانت هذه القيم ترى في العامل كثير التساؤل والناقد بأنه "صانع للمشاكل"، فكيف يمكن خلق مناخ مؤسسي منفتح؟
بناءً على ما تقدم، فإنه لا بد من العمل على تفكيك هذه الثقافات السائدة واستبدالها بثقافات أكثر إيجابية تدعم الإدارة التشاركية.
2. معيقات نابعة من المديرين أنفسهم (Managerial Barriers):
هذه المعيقات نابعة من الميل الطبيعي لدى المديرين للاحتفاظ بالسلطة والمسؤولية عن المدرسة، وفي كثير من الحالات ما يشعر المديرون بالخوف والريبة اتجاه الدعوى إلى تفويض الصلاحيات والمسؤوليات للعاملين. كل هذه الأمور، بلا شك، تنعكس سلباً على فعالية العاملين ومشاركتهم في إدارة جوانب المدرسة المختلفة.
3. معيقات تكمن في الموظفين (Employee Barriers):
كثيراً ما نصادف معلمين يرون أن دورهم في المدرسة مجرد تعليم المقررات الدراسية المكلفين بتدريسها ليس إلا، وأن مجرد إعطائهم مسؤوليات جديدة حتى ولو كان مع بعض الصلاحيات، فإنه يعتبره "عبئاً إضافياً" يلقى عليهم، وهذا الأمر بالتأكيد يقف عائقاً أمام تفعيل النمط التشاركي في إدارة مدارسهم.
في ختام هذه الورقة، اعتقد أن واقع الإدارة المدرسية التي تتبنى النمط التشاركي في بلادنا غير معمول به، وعلى العكس فإن الأنماط الأوتوقراطية هي السائدة في مدارسنا، على الرغم من الدورات والمجمعات التدريبية التي تعقد باستمرار من أجل التخلي عن النمط السلطوي المستبد، فما زال توظيف النمط التشاركي غير موجود، وإن كان هناك نوع من المشاركة، فإنه على مستويات ضيقة، يأخذ بعين الاعتبار العلاقات الشخصية، ويحمل في أحيان أخرى طابع التهرب من تحمل بعض المسؤوليات التي لا يرغب المديرون في ممارستها، إضافة إلى كونه محدوداً جداً من حيث عدد المشاركين من أعضاء هيئة المدرسة.
وفي المقابل، إذا أردنا الدعوة إلى الأخذ بالنمط التشاركي في الإدارة المدرسية، فلا بد من الارتكاز على إستراتيجية تغييرية تعتني بإزالة المعيقات المؤسسية، أو تلك النابعة من المديرين أو الموظفين، التي غالباً ما يتم التغلب عليها من خلال إجراء الحوار الهادف والناقد للواقع الإداري القائم في مدارسنا، وعرض فوائد توظيف النمط التشاركي ومزاياه في الإدارة المدرسية.
من خلال استعراض ما سبق، فإنه يعد بمثابة المنطلق لبلورة التصورات المعاصرة لإبراز قصور الأنماط الإدارية القائمة وفعالية النمط التشاركي، وبالتالي توفر الأساس الفكري الذي يمكن أن يبنى عليه إحداث التغيير الإداري المنشود في مدارسنا.
السؤال الذي يطرح نفسه في هذا المقام "لماذا كل هذا التعقيد في تصور قضية التغيير وتبنيها؟"، وإن أردت الإجابة، فإن الإجابة تتضمن تساؤلاً جديداً يتمثل في: "كيف يمكن لنا أن نفرض النمط التشاركي في إدارة مدارسنا الفلسطينية؟".
في اعتقادي، أن العديد من مديري المدارس يرون أن النمط التشاركي اعتداء على سلطاتهم، ومن المعلمين من يرى أن هذه المشاركة تمثل عبئاً زائداً يقع على كاهله، لذا يرغب العديد من المديرين في توفير مناخ مدرسي يجسد ضرورة أن يكون المدير على قمة الهرم، والمعلمين مجرد مأمورين؟
د.حاتم محمد دحلان
دكتوراه مناهج وطرق تدريس العلوم
مدير مساعد بوكالة الغوث الدولية - خان يونس
المراجع
Keith S.& Girling, R: (1991). Educational Management and Participation, USA, Allyn & Baccon.
McGregor D.M.: (1960) The Human Side of Entreprise, New York: McGraw Hill Book Company.
Newman Fred M. (1993): What is a Restructured School? Principal No.1, pp.1-4
Robinson V. & Timperley H. (1996): Learning to be Responsive; The Impact of School Choice & Decentralisation; Educational Managament & Administration. Vol.24, No.1, pp.62-78
Vann Allan S. (1992): Shared Decision Making- Effective Leadership. Principal, No.12, pp. 30-31.