ربما حان الحين لنميط اللثام عن أفكار ظلت تراودنا ردحا من الزمان ، كان هدفنا منها كشف النقاب عن بعض العلل التي لازمت جسمنا التعليمي، ولا زالت تنخر كيانه العليل ، طالبين خلالها من القائمين على الشأن التربوي ، والساهرين عليه تنظيرا وتنفيذا ، أن يأخذوا بها – رغم بساطتها – إن أرادوا أن يرضوا نفوسنا التواقة إلى وضع أفضل مما هو كائن، فنحن نريد تعليما حقيقيا، منتجا ، فعالا، مواكبا لروح العصر وتحديات العولمة المتوحشة.
إن مشكلتنا الأساس ، أننا درجنا – منذ أن تخلينا عن دورنا الريادي في الحضارة الإنسانية – على استيراد متطلباتنا في شتى المجالات من عوالم أخرى ، بعيدة كل البعد عن طبائعنا ومعتقداتنا وهويتنا ، والغريب في الأمر أن ذلك لا يرجع إلى نقص أو خصاص في الطاقات المحلية الخلاقة والمبدعة ، وإنما لولعنا المزمن بكل ما هو آت من الغرب ، فحق علينا قول ابن خلدون بأن المغلوب مولع دائما بتقليد الغالب.
إننا نفتقد الشجاعة اللازمة لمواجهة حقيقة تخلفنا التعليمي والاقتصادي والاجتماعي وهلم جرا، فنحن مستغرقون بوعي أو بدونه ، في قرار مكين يستحيل الخروج منه بشكل سريع.
إن التعليم هو الوقود الذي يحرك مجتمع المعرفة ، ولهذا يجب أن يسعى المجتمع بمكوناته كافة ، من أجل الحفاظ على بريقه وتوهجه . وتحقيقا لذلك يجب البدء بتغيير بعض المصطلحات التي لم يعد لها مكان في عصر التكنولوجيا، ونظم الاتصال المتطورة ، ومنها على سبيل المثال لا الحصر ، استبدال التعليم بالتعلم ، فهذا الأخير أكثر مواءمة ، وهو الأنسب في الظروف الراهنة لما يعرفه العالم من انفجار معرفي ، فقد أصبحت المعلومات مطروحة في الطريق يأخذها العربي والعجمي ، كما آن الأوان لتفعيل بعض الأقوال المأثورة التي طالما زينا بها إنشاءاتنا في صغرنا ، ومنها التعلم من المهد إلى اللحد ، فقد فرضت الضرورة هذا المبدأ ، وكل من حدد تعليمه أو وضع له سقفا زمنيا يتوقف عنده ، يصبح مهددا بالأمية والجهل ولو بعد حين..والأدبيات التربوية الحديثة فعلا ، غدت تنادي مؤخرا بالتعلم مدى الحياة ، ما دامت الشبكة العنكبوتية قد نسجت خيوطها في أغلب البيوت ، فما عاد هناك من عذر أمامنا للتعلم ثم التعلم ولا شيء غير التعلم.
وربما يتوهم المرء أن الانتقال من التعليم إلى التعلم من السهولة بمكان ، فالعارفون بخبايا الأمور يصفون هذا الانتقال بأنه ثورة بمعنى الكلمة ، فهو يستوجب تفكيرا مليا، وتدبرا عميقا ، من أجل وضع الاستراتيجيات القابلة للتنفيذ.
إن تغيير عقليات الفئات المستهدفة بمختلف فروقاتها الفردية ، ودفعها للإيمان بجدوى التعلم ، يمكننا من بناء فرد قوي يستطيع البقاء في زمن شعاره الثابت : البقاء للأصلح . والأمر يتطلب شيئا من الإرادة ، ما دام الإنسان قد فطر غريزيا على التعلم ، فتكفينا استثارة هذه الغريزة ، وتوجيهها الوجهة اللائقة بها ، لجني النتائج المرتضاة.
ومن الحلول التي نراها مساعدة على ردم الفجوة ، وتقليص الهوة التي تفصل تعليمنا عن المطلوب ، ضرورة اهتمام المسؤولين بالبعد الاجتماعي للتعليم ، ونقصد هنا دمقرطة التعليم ، فالملاحظ أن هناك اهتماما مشهودا بتعليم الصفوة على حساب فئات عريضة من المجتمع، مناها الإعلان العالمي لحقوق الإنسان بالحق في التعلم بل والجودة فيه ..وأنى لها ذلك ؟!
وبما أن هدفنا الأوحد ، توفير أفضل تعليم ممكن لفلذات الأكباد ، فمن اللازم اللازب تحيين البرامج والمقررات المدرسية الحالية ، فرغم التجديد الذي طالها ، لا زال التلقين يمتزج فيها بممارسات تواكلية ، سرعان ما يكتشف المتعلم لا جدواها عند أول اختبار حياتي حقيقي ، لهذا يجب وضع برامج تفيد في اكتساب العقلية العلمية المنهجية ، وفي بناء الكفايات الضرورية للتكيف مع كافة الوضعيات.
إن التلقين شكل من أشكال القهر ، حيث يفرض هذا النهج من التدريس على المتعلمين مجرد الإعادة والتكرار، والحفظ بشكل ميكانيكي يقتل الخلق والإبداع. أول خطوة إذن في درب الإصلاح ، هي محاولة التغلب على هذا التلقي السلبي.
الخطوة الثانية ، مراجعة أشكال التقويم أو التقييم وإعادة النظر في أساليبه وطرقه المعمول بها ، من أجل نجاعة أفضل، وضمان أكبر لتكافؤ الفرص بين المتعلمين.
هذا . ولا يفوتنا التذكير في الختام ، أن المتعلم يجب أن يظل محور العملية التعليمية التعلمية ، بل يفترض تحسيسه بحرية أكبر في التعلم ، هذه الحرية التي ليست شيئا ثانويا ، نختزله في مجموعة من التعاريف ، نودعها في عقول السامعين ، إنما هي ممارسة واعية ، تمكن المتعلم من التعرف على مشاكله الحقيقية والفعلية ، هذا التعليم المعالج للمشكلات هو الأنجع لمجابهة التحديات التي يرشح بها عالمنا.
وإذا أضفنا إلى الحرية نعمة الحوار، فذاك لعمري الطريق الأسلم للفلاح.
أحمد السبكي المغرب
إن تغيير عقليات الفئات المستهدفة بمختلف فروقاتها الفردية ، ودفعها للإيمان بجدوى التعلم ، يمكننا من بناء فرد قوي يستطيع البقاء في زمن شعاره الثابت : البقاء للأصلح . والأمر يتطلب شيئا من الإرادة ، ما دام الإنسان قد فطر غريزيا على التعلم ، فتكفينا استثارة هذه الغريزة ، وتوجيهها الوجهة اللائقة بها ، لجني النتائج المرتضاة.
ومن الحلول التي نراها مساعدة على ردم الفجوة ، وتقليص الهوة التي تفصل تعليمنا عن المطلوب ، ضرورة اهتمام المسؤولين بالبعد الاجتماعي للتعليم ، ونقصد هنا دمقرطة التعليم ، فالملاحظ أن هناك اهتماما مشهودا بتعليم الصفوة على حساب فئات عريضة من المجتمع، مناها الإعلان العالمي لحقوق الإنسان بالحق في التعلم بل والجودة فيه ..وأنى لها ذلك ؟!
وبما أن هدفنا الأوحد ، توفير أفضل تعليم ممكن لفلذات الأكباد ، فمن اللازم اللازب تحيين البرامج والمقررات المدرسية الحالية ، فرغم التجديد الذي طالها ، لا زال التلقين يمتزج فيها بممارسات تواكلية ، سرعان ما يكتشف المتعلم لا جدواها عند أول اختبار حياتي حقيقي ، لهذا يجب وضع برامج تفيد في اكتساب العقلية العلمية المنهجية ، وفي بناء الكفايات الضرورية للتكيف مع كافة الوضعيات.
إن التلقين شكل من أشكال القهر ، حيث يفرض هذا النهج من التدريس على المتعلمين مجرد الإعادة والتكرار، والحفظ بشكل ميكانيكي يقتل الخلق والإبداع. أول خطوة إذن في درب الإصلاح ، هي محاولة التغلب على هذا التلقي السلبي.
الخطوة الثانية ، مراجعة أشكال التقويم أو التقييم وإعادة النظر في أساليبه وطرقه المعمول بها ، من أجل نجاعة أفضل، وضمان أكبر لتكافؤ الفرص بين المتعلمين.
هذا . ولا يفوتنا التذكير في الختام ، أن المتعلم يجب أن يظل محور العملية التعليمية التعلمية ، بل يفترض تحسيسه بحرية أكبر في التعلم ، هذه الحرية التي ليست شيئا ثانويا ، نختزله في مجموعة من التعاريف ، نودعها في عقول السامعين ، إنما هي ممارسة واعية ، تمكن المتعلم من التعرف على مشاكله الحقيقية والفعلية ، هذا التعليم المعالج للمشكلات هو الأنجع لمجابهة التحديات التي يرشح بها عالمنا.
وإذا أضفنا إلى الحرية نعمة الحوار، فذاك لعمري الطريق الأسلم للفلاح.
أحمد السبكي المغرب