أطلقت سامسونغ للإلكترونيات هاتفها الذكي غلاكسي نوت 7 في أوائل أغسطس/آب الفائت، وسرعان ما حظي بمراجعات وتقييمات إيجابية من قبل الخبراء.
ولكن في 29 أغسطس/آب وضع أرييل غونزاليس مقطع فيديو على اليوتيوب يظهر هاتف غلاكسي نوت 7 بغلاف محترق وشاشة تالفة، وقال جونزاليس إن الأمر حدث مباشرة بعد شحنه للجهاز، وأنه استخدم شاحن سامسونغ الرسمي.
توالت بعد ذلك البلاغات عن حوادث مشابهة، فسارعت سامسونغ للإلكترونيات إلى طرح برنامج لتبديل جهاز غلاكسي نوت 7، بجهاز آخر من الطراز نفسه اعتقادا منها أنها عالجت مشكلة اشتعال الجهاز التي نسبتها إلى البطارية. لكن يبدو أن قرارها كان متهورا، فقد واجهت الاًجهزة الجديدة المشكلات ذاتها، فبادرت شركات الطيران العالمية واحدة تلو الأخرى بحظر الجهاز على رحلاتها، ما دفع الشركة أخيرا إلى إيقاف إنتاج هاتف غلاكسي نوت 7 كليا وسحبه من الأسواق، وصرحت أنها لن تعيد طرحه ثانية.
كما استردت الشركة ما يقارب 2.5 مليون جهاز من الأسواق في الشهر الماضي، وقدرت الخسائر الناجمة عن ذلك بنحو 5.3 مليارات دولار، إضافة إلى الضرر الذي ألحقته المشكلة بالعلامة التجارية للشركة.
والسؤال المطروح الآن ما الآثار التي ستخلفها المشكلة على ثقة المستهلك بشركة سامسونغ للإلكترونيات بشكل خاص، والهواتف الذكية بشكل عام، وهل سيمتد الأثر ليشمل المنتج الكوري برمته؟
تأثير الأزمة على شركة سامسونغ للإلكترونيات
"كل المعطيات السابقة ترجح أن تتمكن سامسونغ للإلكترونيات من تجاوز أكبر أزمة تواجه هواتفها الذكية خلال شهور، ما لم ترتكب أخطاء جسيمة أخرى"
تأسست شركة سامسونغ للإلكترونيات عام 1969، وتوسعت أعمالها تدريجيا إلى أن احتلت المرتبة رقم 18 ضمن تصنيف مجلة فوربس الأميركية لأكبر الشركات العالمية، وتجاوز عدد منتجاتها ستين منتجا.
وفي مايو/أيار 2016 بلغت القيمة السوقية للشركة نحو 161.6 مليار دولار، حسب الدراسة التي نشرتها مجلة فوربس، التي أشارت أيضا إلى أن عدد العاملين فيها بلغ نحو 236 ألف (110 آلاف منهم في فيتنام)، وأن مبيعاتها السنوية بلغت 177.29 مليار دولار، وحققت أرباحا قدرها 16.5 مليار دولار عام 2015.
تشير الأرقام السابقة إلى أن لدى سامسونغ للإلكترونيات الأموال والمنتجات الرائجة بما يكفي لتغطية الخسائر المالية وتجاوز الأزمة التي سببت تراجعا حادا في قيمة أسهمها.
توقعت كل من وكالة موديز ومؤسسة فيتش الدولية للتصنيف الائتماني أن تمتص ميزانية الشركة القوية والسيولة المالية الكبيرة التي تمتلكها، الآثار المالية السلبية الناجمة عن الأزمة، لكنهما حذرتا من احتمال تضرر علامتها التجارية على المدى الطويل، نتيجة المخاوف المتعلقة بعوامل الأمان والسلامة التي أجبرت الشركة على سحب هاتفها الذكي الجديد غلاكسي نوت 7 من الأسواق.
ومن جانبها، أطلقت شركة سامسونغ للإلكترونيات حملة تهدف إلى الحد من الأضرار التي سببها اشتعال هاتف غلاكسي نوت 7، وذلك من خلال تسهيل استرداد المستهلك لقيمة الجهاز، أو تبديله بجهاز آخر من الشركة نفسها مع استرداد الفرق في السعر، وتقديم حسومات إضافية على أسعار الأجهزة البديلة، لكن الحملة لم تكن منظمة بشكل جيد، ولم تكن متسقة في كثير من الحالات.
إن مدى الضرر الذي سيلحق بسمعة الشركة يرتبط بعوامل عدة، أهمها مستوى جودة الخدمات الموجهة إلى المستهلكين الذين اقتنوا هاتف غلاكسي نوت 7، سواء بالإجابة السريعة على تساؤلاتهم، أو سهولة استرداد قيمة الجهاز أو تبديله، فقد ثبت من الدراسات العديدة التي أجريت بشأن سلوك المستهلكين أن جودة الخدمة تتفوق في حالات عديدة على جودة الجهاز نفسه.
وعلى مدى أطول فإن سمعة سامسونغ للإلكترونيات ترتبط بجودة هاتفها الذكي غلاكسي أس 8 الذي تخطط لإطلاقه في غضون أربعة أشهر، ونجاح الحملات الإعلامية التي سترافق عملية الإطلاق، والدعم الذي سيقدمه عشرات الآلاف من مطوري التطبيقات والألعاب الموجهة لنظام التشغيل أندرويد، حيث كانت حصة هواتف سامسونغ الذكية التي تستخدم نظام التشغيل أندرويد الأعلى على مستوى العالم، إذ بلغت مبيعاتها من الهواتف الذكية عام 2015 نحو 320.2 مليون جهاز مقابل 225.9 مليون لشركة آبل و104.1 ملايين لشركة هواوي وفق بيانات شركة غارتنر للأبحاث.
كل المعطيات السابقة ترجح أن تتمكن سامسونغ للإلكترونيات من تجاوز أكبر أزمة تواجه هواتفها الذكية خلال أشهر، ما لم ترتكب أخطاء جسيمة أخرى.
هل تؤثر هذه الأزمة سلبا في سمعة المنتج الكوري؟
"لا شك أن نجاح الهاتف الذكي غلاكسي أس 8 الذي تنوي سامسونغ للإلكترونيات إطلاقه في الأشهر المقبلة، سوف يساهم في إزالة الضرر عن سمعة المنتج الكوري بسرعة قياسية"
على الرغم من تحسن قيمة العلامات التجارية للمنتجات الكورية خلال الأعوام العشرة الماضية، إلا أنها لا تزال متخلفة نسبيا عن مثيلاتها في البلدان المتقدمة، ولا تزال منافسة المنتج الكوري عموما قائمة على أساس الأسعار من خلال اتباع إستراتيجية "أفضل قيمة مقابل السعر".
وتعتبر شركة سامسونغ للإلكترونيات استثناء، فقد احتلت عام 2016 المرتبة الثالثة بعد آبل (المرتبة الأولى) وغوغل (المرتبة الثانية) من حيث قيمة العلامة التجارية للشركات العالمية، وفقا لشركة براند فاينانس، المتخصصة في تقييم العلامات التجارية. ولم يرد ضمن العلامات التجارية المئة الأولى عالميا سوى اسم شركة كورية واحدة أخرى هي هيونداي التي احتلت المرتبة 38.
لا شك أن أزمة سامسونغ للإلكترونيات الحالية سيكون لها تأثير سلبي في سمعة المنتج الكوري، لكن يتوقع أن يكون هذا التأثير محدودا ومحصورا ضمن مدة زمنية قصيرة، فسمعة منتجات دولة معينة هي مسألة إستراتيجية لا ترتبط بسلعة واحدة ولا بشهور قليلة.
ولا شك أن نجاح الهاتف الذكي غلاكسي أس 8 الذي تنوي سامسونغ إطلاقه في الأشهر المقبلة سوف يساهم في إزالة الضرر عن سمعة المنتج الكوري بسرعة قياسية.
هل تؤثر أزمة سامسونغ للإلكترونيات في سوق الهواتف الذكية بشكل عام؟
"بشكل عام فإن الأضرار التي تلحق بإحدى العلامات التجارية لا تؤثر سلبا في العلامات التجارية للشركات المنافسة، بل ربما يكون لها تأثير إيجابي"
لقد أصبح الهاتف الذكي جهازا متعدد الاستعمالات، فهو يستخدم للأعمال والترفيه والألعاب، إضافة إلى كونه أداة للتواصل الاجتماعي، وتحول بذلك إلى حاجة إنسانية من الصعب التخلي عنها.
وقد بلغ عدد الهواتف الذكية المباعة عام 2015 نحو 1.44 مليار جهاز، وتتوقع شركة آي دي سي للأبحاث بيع نحو 1.48 مليار هاتف ذكي عام 2016، بزيادة قدرها 3.1% عن العام السابق.
إن التوقف عن إنتاج الهاتف الذكي غلاكسي نوت 7، سيؤدي إلى نقص ملموس في عدد الهواتف الذكية المنتجة من قبل شركة سامسونغ للإلكترونيات في الربع الرابع من عام 2016، والربع الأول من عام 2017، لكن يتوقع أن تستفيد شركات أخرى من هذا النقص وتعوضه، مثل شركة آبل وهواوي وجوجل.
وبشكل عام فإن الأضرار التي تلحق بإحدى العلامات التجارية لا تؤثر سلبا في العلامات التجارية للشركات المنافسة، بل ربما يكون لها تأثير إيجابي.