غَادِرٌ هذا البَحْرُ..
سَلَّمْناهُ يَد المحبَّةِ فأغْرَقَ الألوانَ
نثَرْنَا السَّمعَ بيْنَ ا لتّموُّجِ والتَّمَوُّج
فعَمَّقْنَا الأحْزَانَ
عِنْدَ عُيُونِنَا تصْطًّفُ القُضْبَان
النوارسُ تنْقُرُ حَوَاشِي الذِّكْريَات
وترمِي مِن خًلفِنَا سِرًّ الحِكَايَاتِ
ويقْتَاتُ اللّيلُ مِن أجْسَادِنا
مَنْ أحَاطَنَا العِلْمَ أنَّ البحرَ بِدَايةٌ
وأنَّ النهَايَة فِي يَدِ غَاوِيةٍ ترعَى خُيُوطَ الهِدَايةِ
حتَّى تَسْتَحِمَّ شَمْطَاءَ الدَّجَلِ مِن دَجَلِهَا
وترْمِي مِكْنَسَتِهَا فِي فَمِ جَبَلٍ يَتفَوَّهُ رَائِحَةَ المَوْتَى
لا زَمَنَ سَيَختُمُ نِهَايَةَ أفُقٍ يَشْتَعِلُ وَهْجاً
لا مكَان َسيُخلدُ الرَّكْبَ وهو يحْرقُ العَرَاءَ
سيَظَّلُ البَحْر يُطَارِدُ أفُقاً لا يَمَلُّهُ البِعَادُ
وتظّلُ عُيُوننُا أبَداً سُورَة لِألْفِ آيةٍ
وأنْتَ أيُّها الظِّل مِرْآةٌ بيَنَ الجنَّةِ والنَّارِ
شَاهِدٌ عَلى الحِيرةِ
كِتَابٌ عَلى السَّرِيرَةِ
غَادِرٌ هَذَا البَحْرُ...
سَقَيْنَاهُ مَاءَ عُيُونِنَا فَأَظْمَأَ الأَنْهَارَ
وَلمَّا عُدْنَا لِوَهْمِنَا نَشْكُو الانْتِظَارَ
توَقَفَتْ قَواربٌ تحْمِلُ جُثة الغُرباءِ
وَوقَفَ البُومُ سَاخِراً مِنْ حُلمِنَا
يُخَاصِمُ ظِّلالِنَا وَعَلَى وَعْدِهَا رَاقِصَة
السَّاقُ لِلسَّاقِ قَبَسٌ
وحُرْقَةُ الأرْدَافِ أتَتْ عَلَى أبْراَجِ المَدِينَةِ
فَسَارَ مَا سَارَ
حِينَ ابْتَسَمَتْ العَاصِفَةُ وَهَزَّتْ كِيَانَ العَرْشِ
مَمْلَكَةٌ فِي المَاءِ
جُنُودُهَا غَارِقُونَ
سَادتُهاَ يَتَلعْثَمُونَ وَحْيًا مِنَ السَّمَاءِ
وجَلالتُهُ بَيْنَ نَارٍ وَنَار
يَصْنَعُ السُؤَالَ وَتَغِيبُ الِإشَارَةْ
يُقَاطِعُ سَيْلَ الأَرَقِ ويُهْدِيهِ عُصارَةْ
مَنْ يُعِيدُ قَوَارِبَ المَوْتَى لِقَاعِ البحْرِ ؟
من يُعْمِي عُيُونَ البُومِ؟
مَنْ ظِّلُهُ أقْرَبْ لِظِّلِ الجَلاَلَةِ؟
فالنَّارُ تأَكُلُ بِسَاطَ القَصْرِ
ومَسَافَةُ الهَرَبِ عَاقِرةٌ
وَأَدَتْهَا العَجُوزُ السَاحِرَة فْي قَلْبِ المِكْنَسَةِ
غَادِرٌ هَذَا البَحرُ....
أفْنَى عُمْرَهُ فِي وَهْمِ الخُلُودِ
فأسَاءَ لِخُلوتِهِ
غَادِرٌ وَإنْ تَرَبّعَ عَلَى جُنُونِ الآخَرِينَ
وإنْ هُمْ به عَالقُونْ لِصَوْلَتهِ
بِالأَبيْضِ يَحْمِلُونَ السَّلامَ
والعُرَاةُ مِمَّنْ حَضَرُوا مَلُّوا الكَلاَمَ لٍنَعْرَتِهِ
حُفاةٌ يَتَقَدَّمُون
هُوَ البحْرُ وَإنْ سَالَتْ دِمَاءُناَ
وعَظُّمَتْ ذُنُوبُنَا
لاَ يَتَأَخَرُ هُنَيْهَةً عَنِ التّقَيُؤِ
هُوَ وَإنْ تَمَزّقَتْ الأشْرِعَةُ وَتَقَطّعَتْ الحِبَالُ
يَمْلِكُ عِصْمَةَ العِنَادِ بيْنَ أَطْرَافِهِ
يَمْلِكُ حَكْمَةَ الصَّمْتِ حَتَّى تَهْدَأَ الزّوْبَعَةْ
هُوَ اليَمِينُ فِي اليَمِينِ مَشْبَعَةْ
هُوَ اليَسَارُ فِي اليَسَارِ مَشْيَعَةْ
هُوَ الجِهَةُ الوَحِيدَةُ لِلْفُجُورِ
هُوَ المَحَجَّةُ الأَخِيرَةُ لِلْعُصُورِ
هُوَ البحْرُ
وإن عَلَتْ عَلَى أَعْمَاقِنَا صَفَحَاتُ كمدٍ
وَنُقِشَتْ عَلَى الأَحْجَارِ آثَارُ التّعوُّدِ
فَمَشِيئَةُ العَرَاءِ فَرِيضَةٌ
مِنْ قَبْلُ ومِنْ بَعْدُ
فَهُوَ البَحْرُ يَعْشَقُنَا بِهَوَاهْ...
يَكْرَهُنَا بِهَوَاهْ....
وَنَحْنُ عَبِيدٌ لاَ نَرَاهْ ...
وُجُوبُ الطَّاعَةِ إيمَاناً وَاسْتِسْلامًا مِنّا
و العُقُوقُ كُفْرٌ وَجُحُودٌ
واسْتِعْدَادٌ لِحُفرِ جَهنّمَ وَبِئْسَ الخُلُودِ
عُمْرُهُ بِدَايَةٌ
وَمَوْتُهُ نِهَايَةٌ
وَبَيْنَهُمَا شَتَاتٌ لِلْمَرَايَا ...
فَهُوَ البَحْرُ يَعْشَقُنَا بِهَوَاهْ...
يَكْرَهُنَا بِهَوَاهْ....
وَنَحْنُ عَبِيدٌ لاَ نَرَاهْ ...
غَادِرٌ هذا البَحْرُ..
سَلَّمْناهُ يَد المحبَّةِ فأغْرَقَ الألوانَ
نثَرْنَا السَّمعَ بيْنَ التّموُّجِ والتَّمَوُّجِ
فعَمَّقْنَا الأحْزَانَ
عِنْدَ عُيُونِنَا تصْطًّفُ القُضْبَان