قلم العرب في بلدان الغرب - حسن يارتي

شكل العرض
  • أصغر صغير متوسط كبير أكبر
  • نسخ كوفي مدى عارف مرزا

حينما يقرر الكاتب العربي التوجه إلى بلدان الغرب للاستقرار وخوض تجربة الكتابة بلغة البلد المضيف، يجد نفسه تلقائيا أمام تحديات كبيرة تؤثر على إنتاجه الأدبي. فتجربة الكتابة في ثقافة ومجتمع جديدين، يجعل الكاتب يتأرجح بين ضفاف الظروف الاجتماعية والثقافية واللغوية المختلفة وفرص محدودة للغاية للتعبير الأدبي. فلا يمكن بأي شكل من الأشكال تفادي هذه التأثيرات التي تلقي بظلالها السلبية على إنتاجه وتجعل من عملية الكتابة تحدًيا صعبًا ومعاناة حقيقية.

بلا أدنى شك، أبرز التحديات التي يواجهها القلم العربي في بلدان الغرب  في بادئ الأمر هي مشكلة اللغة التي تعتبر لغزًا حين يحاول الكاتب التعبير عن تجاربه وأفكاره بلغة ليست لغته الأم. هذا يؤدي إلى فقدان القوة والعمق الذي يحمله في لغته العربية مع بعض الجوانب التي قد تكون حاسمة في تشكيل هوية واضحة لمؤلفاته سواء السردية، النثرية أو الشعرية.

لا ننكر هنا أن اللغة الأجنبية يمكن أن تكون أداة قوية للتعبير عن تجارب متنوعة، بدليل أن بعض الكتاب يتمكنون من عبور حدود اللغة والثقافة، وفي نفس الوقت يعتنون بجذورهم اللغوية ويحتضنون تراثهم الأدبي بلا عقبات. إلا أنها تشكل تحديًا كبيرا لفئة لا بأس بها من المبدعين الذين يحتاجون إلى التغلب عليه لتحقيق إبداع فعّال ومقبول في الوسط الثقافي الذين يحاولون التسلل إليه.

Hassan yartiحسن يارتيبالإضافة إلى ذلك، يواجه الكاتب العربي صعوبة في التأقلم مع البيئة الغربية وقيمها المختلفة. وقد يعاني من الشعور بالغربة والعزلة، حيث يجد نفسه محاطًا بمجتمع غير مألوف يختلف تمامًا عنه. هذا التأثير الاجتماعي والعاطفي يعد عقبة كبيرة في طريقه للتعبير الأدبي، حيث يؤثر على تجربته ومشاعره وأفكاره التي تشكل أساس عمله الإبداعي حيث يتجلى ذلك بوضوح من خلال التحديات التي يعانيها في استكشاف نقاط التلاقي بين ثقافته الأصلية وثقافة المجتمع المضيف. إذ قد يواجه صعوبة في تشكيل نصوصه وأفكاره بطريقة يفهمها ويقدرها القارئ الغربي.

على صعيد آخر، لا يمكن الحديث عن المعاناة دون أن نلقي الضوء على التحدي الاقتصادي، الذي يشكل عقبة كبيرة أمام الكتّاب العرب. إذ يجدون صعوبة في تأمين الدعم المالي الضروري لتنفيذ وإنتاج مشاريعهم الأدبية، خاصةً إذا كانت هذه المشاريع باللغة العربية أو تعبّر بشكل واضح عن الهوية العربية والإسلامية. ففرص النشر والترويج لهذا النوع من الكتب يكاد يكون معدوما، مما يعيق وصول تلك الأفكار والرؤى إلى الجمهور.

إن تأثيرات هذه المعاناة المستمرة على القلم العربي في بلدان الغرب لا تكون إيجابية إلا فيما ندر. لا مفر من التعامل مع قلة الإلهام والانغماس في شعور الإحباط والعزلة وعدم الثقة، مما يتسبب في تأثير سلبي على إنتاجه الأدبي. هذا الصراع يثير التوتر والقلق لدى الكاتب، حيال قبول ثقافته وأعماله في المجتمع الجديد، ما ينعكس بشكل بارز على قدرته على الإبداع المطلق والتجديد في نوع الكتابات.

على الرغم من هذه التحديات، يكون تأثير الحياة في البلدان الغربية إيجابيًا لبعض الكتاب كما ذكرت سلفاً. يكون التفاعل مع الثقافة المحلية وتبادل الخبرات مصدر إلهام للكتّاب العرب، مما يثري إنتاجهم الأدبي بآفاق جديدة وأفكار خارج الصندوق، بحيث يكون مواصلة خوض التحديات والتغلب عليها بمثابة رحلة إبداعية تسهم في تطوير الكتّاب وتحسين جودة إبداعهم الأدبي.

في النهاية، تؤكد معاناة الكاتب العربي في البلدان الغربية على أهمية توفر بيئة داعمة ومتفهمة للكتابة الأدبية. على الحكومات والمؤسسات الثقافية أن تعمل على توفير الدعم المناسب والموارد للكتاب العرب، بالإضافة إلى تشجيع التواصل والتفاعل الثقافي بين الكتّاب العرب والمجتمعات المضيفة من خلال القنصليات والرابطات والمؤسسات التي تعنى بذلك.

*كاتب مغربي

تعليقات (0)

لاتوجد تعليقات لهذا الموضوع، كن أول من يعلق.

التعليق على الموضوع

  1. التعليق على الموضوع.
المرفقات (0 / 3)
Share Your Location
اكتب النص المعروض في الصورة أدناه. ليس واضحا؟