تتنوّع العقود و التشريعات المبرمة بين الأفراد في المجتمع سواء على مستوى الحياة العامّة أم الخاصّة بحسب طبيعة العلاقة بين المتعاقدين و كذلك حسب خصوصيّة موضوع التعاقد لكنّها في مجملها لا تخرج عن أن تكون إمّا عقود إلزام أو عقود إباحة.
من عقود الإزام ما نمارسه ضمن حياتنا اليوميّة من بيع و شراء و كراء و خدمات حيث يكون الطرفان ملزمين بجملة من الواجبات مقابل تمتعهما بحقوق فالمشتري ملزم بدفع ثمن ما أصبح مالكا له و البائع من واجبه التخلي عن موضوع البيع مقابل ما سوف يقبض من ثمن و الخدمات كذلك يتم إسداؤها بمقابل واجب الدفع حسب الاتفاق .
لكننا من ناحية أخرى نجد صنفا آخر من المعاملات القائمة على أساس الإباحة لا الإلزام نذكر على سبيل الذكر لا الحصر ما يتاح من رخص و جوازات يكون خلالها الطرف المعني بموضوع التعاقد في الأصل خارج دائرة الإباحة لأنّ الأصل في هذه المواضيع هو المنع فشرط إباحة الجولان بعربة هو الحصول على رخصة للسياقة أمّا قبل ذلك فهي موضوع منع و شرط تجاوز حدود بلد ما هو الحصول على جواز سفر أمّا دون ذلك فممنوع .
ولو عدنا إلى عقد الزواج باعتباره السند القانوني الأوّل لنشوء خليّة جديدة من خلايا هذا المجتمع الإنساني لحق لنا أن نتساءل إلى أيّ الصنفين ينتمي .هل هو عقد الزام بحيث يكون للطرفين حق وواجب تجاه الآخر أم هو عقد إباحة عن أصل منع .
يبدو أنّ العادات و التقاليد و التشريعات تصنّف الزواج ضمن الصنف الأوّل أي عقود الإلزام من خلال الزام كل طرف بحزمة من الواجبات مقابل جملة من حقوق في حين أنّ الأصل في هذا العقد هو الإباحة عن أصل المنع فقد أوجب المشرع هذا العقد ليضع حدّا لما هو ممنوع في الأصل و كان القصد من ذلك تنظيم العلاقات الاجتماعيّة بين الجنسين عبر هذا العقد المبيح غير الملزم .
و ذلك رغم ما يبدو من محاولات واهية لتعتيم حقيقة المبادلات الماديّة المهينة التي ينطوي عليها هذا العقد بنصوصه القانونيّة الصريحة و ادّعاء الترفّع عن ذلك بل و التباهي بصون كرامة المرأة و المحافظة على حرمة جسدها.
فكلا الطرفين يحمل حزمة من الواجبات مقابل جملة من حقوق حتى وصل الأمر إلى إباحة الجسد مقابل شرط ماديّ صريح بدليل حكم النشوز الذي يسلّط على المرأة ليحرمها حقها في الانفاق عليها ما لم تلتزم بواجبها تجاه زوجها و هو بذلك يلزمها بيع جسدها بمقابل في ظل علاقة موسومة بالقانونيّ الحلال .
في حين أنّ أمر عقد الزواج في جوهره إباحة عن أصل هو المنع و التحريم و التجريم .
الشرع في جوهر حقيقته أوجب هذا العقد ليضع حدّا لما هو ممنوع في الأصل بغاية تنظيم العلاقات الاجتماعيّة بين الجنسين عبر هذا العقد المبيح غير الملزم . و لو أردنا مشابهة هذا العقد بما ذكرنا في سابق حديثنا لكان أقرب إلى الصنف الثاني من العقود التي يقوم فيها التعاقد على الاباحة كالسياقة بفضل الحصول على رخصة رسميّة تبيح ذلك عن قاعدة أصليّة تقوم على المنع أو إباحة السفر بعد الحصول على جواز سفر .
و لعلّ هول المغالطة التي يقوم عليها عقد الزواج يتجلّى بشكل أوضح بسحب قانون الالزام على هذه الامثلة من العقود القائمة في الأصل على مبدإ الاباحة . على ذلك لا يمكن الحديث عما يسمى بالواجب زوجي او الإخلال بالواجب الزوجي.
ما أردنا ان نقوله من خلال ذلك هو انّ عقد الزواج هو في الحقيقة إعلان لدخول منطقة المباح في إطار اعمّ قائم على المنع و هذا لا يعني بأي شكل من الأشكال انّ أحد الطرفين ملزم بهذه العلاقة ههنا يكمن الفرق بين الممكن والمتاح و المباح من ناحية و الواجب و الملزم من ناحية أخرى .
فبموجب هذا العقد تصبح العلاقة بين الزوجين مباحة و تكون خارج هذا الإطار ممنوعة لكن لا يمكن أن تكون ملزمة موجبة للاستتباعات القانونية بمجرد رفضها لأي سبب من الأسباب لأن ذلك ترك لما هو مباح و المباح غير الملزم لك أن تاتيه أو أن تتركه. جواز السفر إباحة لتجاوز الحدود لكن لا يمكن إدانة من لا يتجاوزها رخص السياقة لا تلزمك السياقة لكنها تبيحها بشرط الحصول على الرخصة .
أمّا عن ربط إنفاق الزوج على زوجته بشرط الوفاء بواجب الزوجية و تنشيز المرأة من منطلق هذا المبدإ فليس من الحق في شيء بل لا بدّ أن يتمّ تجريمه من قبل القانون لأن في ذلك امتهان لجسد المراة و متاجرة به في إطار مهين لكرامة الانسان و لحرمة الجسد وعلى المرأة قبل الرجل أن تكون على وعي تامّ بما هي بصدده و أن تمتنع عن الانخراط في هذه المبادلات الماديّة الخسيسة لأنّ الزواج لم يكن أبدا بغاية تأمين المعيشة الماديّة للمراة مقابل خدمات جنسيّة تقدّمها بالجملة لزوجها حتى و إن قيل مغالطة أنّ ذلك مباح حلال بل و واجب. بل على عكس ذلك كان القصد من عقد الزواج هو تنظيم العلاقات الجنسيّة داخل المجتمع و هذا التنظيم لا يمكن أن يقوم على مبدإ المتاجرة الجنسيّة الحلال لأنّه ما من متاجرة جنسيّة يمكن أن تكون حلالا على أي وجه من الوجوه . لذلك لا بدّ من تنقية العلاقات الجنسيّة الزوجيّة من كلّ شروط ماديّة و ذلك عبر الوعي بخطورة ممارسة هذه المبادلة من ناحية و المبادرة بتجريم مثل هذه الممارسات تحت غطاء القانونيّ الشرعيّ الحلال لأن الأصل في ذلك هو المنطق العقلاني السليم.
بموجب ذلك لن يكون هنالك ما يسمّى بالمرأة الناشز لأن إذ لا نشوز إلا نشوز الأفكار الخارجة عن المنطق المنحرفة عن المبادئ الحقيقية التي تقوم عليها مؤسسة الزواج بموجب عقد إباحة .
بموجب ذلك من العار أن تنخرط المرأة المنشزة في هذه المغالطة لتؤكد انّها تقدّم خدماتها الجنسيّة لهذا الزوج على اتمّ وجه و تطالب بنقة مشروطة بهذه الخدمات
من الأجدر أن تطالب المرأة العاملة بضرورة مراعاة خصوصيّتها الجنسيّة خلال ممارستها لواجبها المهني و هذا هو حقّها الذي لطالما حرمت منه بمجرد مساواتها بالرجل
إذ كثيرا ما تظل المراة الحامل على رأس عملها إلى آخر الشهر التاسع مثلها مثل الرجل الذي هو في كامل لياقته الجسديّة و في ذلك ظلم للمرأة لأن العدل يقتضي مراعاة خصوصيّتها الجنسيّة عبر التمييز الإيجابي الذي يحمي كرامتها و يراعي خصوصيّتها.
د. ليلى صالح العبيدي/تونس