anfasse16106تساءل الفيلسوف اليوناني سقراط، تساؤلا ظل صداه يتردد سنينا وقرونا طوالا. ترى كيف ينبغي أن نحيا؟ وفي السياق ذاته، تساءل علماء السوسيولوجيا والأنثروبولوجيا وما يحيط بفلكيهما سؤالا آخر، وثيق الصلة بسؤال سقراط فحواه، كيف نحيا معا؟ أسئلة من هذا الحجم -تستلزم منا- أن نتأمل رؤانا في معنى، كيف نحيا معا داخل كل مركب بتمثلاته وتصوراته اسمه الثقافة الشعبية المغربية؟ وأن نحفر عميقا في البنى السوسيوثقافية للذات المغربية؛ بغية الكشف – ما أمكن – عن ذلك التمازج الثقافي الذي تنماز به هذه الذات في ارتباطها بمحيطها المتعدد المكونات والروافد.
من هذا المنطلق، سعينا في هذا المقال إلى التركيز على ذكرى الفصح أو "Pissah" حسب النطق العبري، وطقس "تيفسا" بالنطق أمازيغ الأطلس الشرقي المغربي؛ وذلك باعتبارها تحمل في طياتها مجموعة من التصورات الثقافية والعقائدية التي تُعلي من شأن التنوع الثقافي والحضاري المغربيين. وحتى يكون بمقدورنا الخوض في عمق تفاصيل هذا الموضوع، سنحاول من خلال مقالنا هذا ملامسة بعض الجوانب التاريخية -بقدر ما يسمح به المقام- لنتمكن من تأسيس قاعدة مفاهيمية تؤهلنا لفهم خصائص هذا الطقس.

ثمة مفارقة يشهدها تاريخنا الراهن تسترعي الانتباه. في الوقت الذي تعيش فيه الساحة العربية والإسلامية حالة من التأزم المريع مشوبة بالتشظي والتناحر والتهجير والاحتراب الطائفي، بسبب الدين والمذهب في مجتمعات عدة، يشهد الغرب المسيحي بشقّيه الكاثوليكي والبروتستانتي تقاربا وتكاملا باتجاه مسعى مسكوني. ففي موفى شهر أكتوبر القادم، وتحديدا في الحادي والثلاثين، تحل الذكرى المئوية الخامسة لحدث الانشقاق العظيم الذي شهدته أوروبا بسبب حركة الاحتجاج/الإصلاح، يتحول بموجبها بابا الكنيسة الكاثوليكية فرانسيس برغوليو إلى سويسرا رفقة سكرتير المجلس البابوي المونسنيور بريان فايل (Brian Farrell)، لدعم أواصر وحدة المسيحيين وإعلان بدء فعاليات المصالحة بقصد دفن اتهامات الفتنة ورأب الصدع، وبقصد التوجه في مسار مسكوني جامع نحو أنجلة العالم. وما شهدته أوروبا جراء الفتنة البروتستانتية صدعٌ رهيبٌ هزّ الغرب تخلّلته معاناة طويلة ودامية، لعلّ أبرزها حرب الثلاثين سنة (1618/1648م) التي انتهت بعقد صلح أوغسبورغ بين الأطراف المتنازعة، الذي تمخض عن قاعدة (cuius regio eius religio)، أي أن كل حاكم يقرّ دين رعاياه بمعزل عما تمليه عليه كنيسة روما، وهو ما تطور لاحقا إلى بلورة "إيتيقا اجتماعية" تقوم على إجلال كرامة الكائن البشري وترسيخ مبدأ التسامح وإقرار حرية المعتقد.

يعتبر محمد شكري ذا قيمة أدبية كبرى، فمن الأمية أتى هذا الكاتب المغربي المتميز ليتربع على عرش الرواية العربية، فهو كاتب استثنائي في الثقافة المغربية والعربية، وهو بمثابة نهر متدفق لا يكف عن الجريان، ولا يتوقف عن الفيض في الإبداع والعطاء، فقد حرص على ألا يكون كاتبا منعزلا يخاطب القراء من "البرج العاجي" بل على أن تعكس كتاباته واقع الناس ، فوظيفة محمد شكري من خلال رواياته لا تختلف عن مهمة المؤرخ الذي يبني الوقائع الماضية أو يتحدث عن وقائع كما هي.
        تحدث محمد شكري عن وقائعه اليومية التي حدثت في فترات من حياته من خلال التطرق لمجموعة من الظواهر الاجتماعية وكذا التاريخية،  كرواية  "الخبز الحافي" و رواية " زمن الأخطاء" التي هي موضوع القراءة، فمن خلالها قدم بانوراما لمراهق أتى من مدينة طنجة، والتي قال عنها بأنها مدينة لم تكن تقل خطورة عن المدن المعروفة بالقرصنة والاغتيالات والمؤامرات، لذلك كانت في عهدها الدولي تعرف بمدينة المافيا وتصفية الحسابات، إلى دراجة أنهم وصفوها بالفرنسية TANGER، كانت تشكل ملجأ ومحمية للمجرمين والمضاربين والمتاجرين في الممنوعات، والمتابعين في بلدانهم الذين كانوا يخلون بسيادة نضامها المتعدد الجنسيات. 

مـــــــقــــــــدمــــــــــــــــة:
      منذ العصور الغابرة اهتم الانسان بالزمن وذلك لأهميته البالغة في ضبط حياته الخاصة ،وتنظيم علاقاته الاجتماعية، وهكذا ابتكر العديد من التقنيات التي تمكنه من حساب الزمن بطريقة دقيقة . ومن أقدم الادوات التي استعملها لهذا الغرض نجد: الساعات الشمسية، الساعات النارية والتي تعتمد على مبدأ يقوم على الاحتراق لحساب الزمن.
    بالإضافة إلى ذلك لجأ الانسان   إلى النجوم لتقييم الزمن ، إلا ان كل تلك  التقنيات السالفة الذكر كانت لها  نقاط ضعف عديدة، لكن اكتشاف وتطوير الساعة المائية مكن إلى حد كبير من تجاوز تلك العيوب التي تعتري الساعات الاخرى ، فهي ساعة يمكن استعمالها ليلا ونهارا وكيفما كانت الأحوال الجوية، فباتت من اهم اختراعات الانسان ، وما يؤكد تلك الأهمية هو امتدادها الكبير في الزمان والمكان ، فاستعمالها تبت في جميع بقاع العالم، كما أن ظهورها كان منذ القرن الثاني قبل الميلاد واستمر حتى القرن الثامن عشر. و المغرب بدوره كان من الأمم التي عرفت الساعة المائية منذ سنوات خلت.
     سنحاول في هذا العرض التعريف بالساعة المائية وذلك من خلال محورين:

1.1.         المسألة السكانية: من الديمغرافية إلى الديمغرافية التاريخية.
تعرف الديمغرافية بإسم علم السكان، والكلمة مشتقة من اللغة اليونانية، بمعنى وصف  الخصائص السكانية ، من حيث توزيع الأفراد على مجموعة معدلات نسبية ، مثل : الولادة ،الوفاة، الفئة العمرية ...إلخ. أصبحت الديمغرافية في الآونة الأخيرة من بين الحقول المعرفية  المساعدة للتاريخ ، لما تمنحه من قيمة علمية تأخذ بعد الرقم و الإحصاء قصد استجلاء الظاهرة السكانية في الماضي ،و إعانة المؤرخ على تفسير وفهم العديد من القضايا التاريخية، وإعادة كتابة تاريخ تركيبي .إن إنشغالها بالتاريخ دفع الباحثين الى وصفها بالتاريخية، وبالتالي سمية ب  "الديمغرافية التاريخية" .
       تتقاطع "الديمغرافية التاريخية" مع "الديمغرافية" من حيث المنهج والموضوع ، فهي تنقل المنهج الديمغرافي وتحاول تطبيقه في دراسة التاريخ الديمغرافي لساكنة معينة في تاريخ معين، وموضوعها هو موضوع الديمغرافية (أي السكان وما يرتبط بها من ظواهر)، إلا أن الإختلاف الأساسي بين التخصصين، هو كون الديمغرافية التاريخية تدرس الخصائص الديمغرافية للسكان وترصد تغيراتها في تاريخ الزمن الماضي ،وهنا تختلف مصادرها وتقنياتها ومناهجها بالضرورة عن متيلاثها في الدراسة الديمغرافية الآنية ، مع حضور مناهج التقدير الكمي في كل منهما .

لا يتجاوز تاريخ ظهور الإنسان حسب قصة الخلق الدينية 8000 سنة؛ في حديث ابن زمل الجهني أنه قال للنبي : رأيتك على منبر فيه سبع درج، و أنت على أعلاها. فقال: الدنيا سبعة آلاف سنة أنا في آخرها ألفا؛ أخرجه الطبراني وأورده الفريابي في كتاب دلائل النبوة؛ ورغم أن ابن حجر والهيثمي والألباني شككوا فيه معتمدين على ابن الحيان الذي اشتبه في الإسناد، فإن الفريابي أورد أيضا أحاديث أخرى تشير لنفس المدة. اختلف الفقهاء والمهتمون بالحديث في حساب تاريخ ظهور آدم على الأرض، فعند الطبري لا يتجاوز 5000 والسيوطي 7000 وهناك من ذهب بالحساب ل10 آلاف سنة، وحتى 40 ألف لدى أصحاب الإعجاز وألاعيب الخفة بالآيات والأحاديث لجر المدة نحو 100 ألف؛ سخرية الموقف أنه حتى لو اعتبرنا أن تاريخ آدم يصل لمئة ألف سنة، فإن ما تم اكتشافه قبل أيام ينسف هذه البنية برؤاها وحساباتها.

يحتل العمران منزلة مرموقة في تاريخ كل الحضارات والدول، وتتمثل هذه المنزلة في أنه قاص صامت للتاريخ، اذ ينقل إلينا الماضي جذوره وملامحه إلى الحاضر، بل إنه علامة من علامات الترف والدعة في عرف ابن خلدون، إذ يقول:" إن البناء واختطاط المنازل إنما هو من منازع الحضارة التي يدعو إليها الترف والدعة"[1] .
ولا يقتصر الأمر على ما ذكر، وإنما اعتبرت آثار الدولة علامة مميزة لقوتها في أصلها" والسبب في ذلك أن الآثار إنما تحدث عن القوة التي بها كانت أولا وعلى قدرها يكون الأثر فمن ذلك مباني الدولة وهياكلها العظيمة فإنما تكون على نسبة قوة الدولة في أصلها".[2]
وقد انخرط المغرب الإسلامي في سلك هذه الحركة العمرانية منذ قيام دولة المرابطين حتى عهد الناصر الموحدي، وقد شملت حركة البناء والتعمير تنوعا وكثرة فمن بناء مدن... إلى منشآت عسكرية من حصون وقلاع وأسوار، وبجانب تلك المنشآت العامة التي انتشرت في أنحاء البلاد مثل المساجد والمدارس والمستشفيات والحمامات والفنادق والقناطر وغير ذلك من المنشآت"[3].

anfasse19069قد يتبادر إلى الذهن منذ الوهلة الأولى، ونحن أمام مفهوم من المفاهيم الأساسية في الفكر السياسي العربي المعاصر، أي مفهوم العلمانية، أننا أمام مفهوم جديد على الساحة الفكرية العربية، بينما في حقيقة الأمر أنه كان ضمن مجال اهتمامات مفكرينا الأوائل منذ أواخر القرن الماضي وبداية هذا القرن.
فإذا كانت العلمانية اليوم تعد مدخلا رئيسيا نحو تحديث الدولة أساسا والمجتمع والاقتصاد، فإنها في بداية هذا القرن طرحت لنفس الغرض، أي من أجل التحديث السياسي.
وفي هذا المقال سنحاول التعامل مع نصوص أعطت أكثر من غيرها أهمية متميزة لعلاقة الدين بالدولة، وأدخلته ضمن دائرة مجال الحداثة السياسية من خلال محطتين بارزتين في الفكر السياسي العربي، ليس من الممكن غض الطرف عنهما دون الوقوف على مغزييهما، وما يمثلانه كحدثين فكريين داخل الساحة الفكرية العربية.
في المحطة الأولى سنركز على جدال دار بين مفكرين يعتبران من رواد الفكر العربي واللذين ساهما في تأسيس قواعد الفكر السياسي العربي المعاصر، ونعني بهما فرح أنطون ومحمد عبده. في هذا الجدال سنقف على محورين أساسيين: الأول يتعلق بمسألة التسامح في المسيحية والإسلام. والثاني يتعلق بمسألة العلاقة بين الدين والدولة. وبالتالي كيف تم الربط بين المسألتين عند كل واحد منهما.
أما في المحطة الثانية، فسنركز على موقف علي عبد الرازق من مسألة الخلافة، هل هي واجبة أم غير واجبة في الإسلام. وسنحاول تتبع قراءته للتاريخ الإسلامي منذ ظهور النبوة. وكيف استطاع تبرير موقفه من مسألة الخلافة. وقراءتنا لن تعتمد على عزل علي عبد الرازق وكتابه الإسلام وأصول الحكم من المناخ السياسي والفكري –داخل مصر وخارجها- الذي كان سائدا آنذاك.
وطريقة عملنا في هذا المقال ستسلك سبيلين: الأول محاولة استقراء النصوص، واستخراج موقف كل نموذج من علاقة الدين بالدولة. والثاني سيتم الاعتماد فيه على محاولة استخراج جوهر ومنطق التفكير في علاقة الدين بالدولة، بمعنى هل التفكير يقف عند حدود مسألة العلاقة بين الدين والدولة أم يتجاوزهما إلى مسألة أعمق؟ وما هي آليات تفكير كل نموذج؟