تقديم:
رسخ الزمن و المجال علاقات تجارية بين فاس و مدن و بوادي المغرب ثم علاقاتها مع الأمم الأخرى، و كان للإنتاج الحرفي الدور الأساسي في تنشيطها حيث وفر السلع و البضائع للمبادلات لتلبية حاجيات الزبناء في كل الأماكن. وشكلت القوافل وسيلة أساسية لتصريفها خارج الحاضرة الادريسية. وتدين فاس في غناها و عظمتها لنشاطها التجاري، وتلازم نفوذها التجاري بنفوذها الروحي و السياسي داخل المغرب، غير أن هذا الامتداد التجاري سيعرف تغييرات جذرية بدءا من المناطق التقليدية للنفوذ التجاري لفاس: الجزائر طرابلس و مصر ثم بلاد السودان و في إفريقيا الغربية، بفعل التحولات التي عرفتها هذه الأماكن و ماشهدته من الغزو الاستعماري و اكتساح الرأسمالية لها.
فما هي روابط فاس ببلاد السودان و إفريقيا الغربية؟ و ماهي التحولات الجديدة التي سيعرفها الامتداد التجاري لفاس فيها في مطلع القرن العشرين؟
1 ـ روابط تجار فاس بإفريقيا الغربية:
لا تسعفنا الوثائق المغربية عن تتبع تاريخ هجرة المغاربة إلى إفريقيا الغربية، و سنستقصي معلوماتنا من كتب الرحالة الأوربيين المستكشفين و ضباط الجيش الفرنسي في حملاتهم العسكرية على بلاد السودان، فـ"ليوبولد بانل"Leopold Panel يؤكد أنه أثناء إقامته في سان لويس (السينغال) عام 1850 تعرف على تاجر مغربي من مدينة فاس، كان قد هاجر قبل التاريخ المذكور بسنتين أو ثلاث[1]. و يبدو أن وجودهم ظل محدودا و لم يسترع انتباه الأوربيين المستكشفين للمدينة، أذ لم يشر إلى وجودهم فيدهيرب L. Faidherbeفي الإحصاء الذي تم بالمدينة سنة 1858 حيث بلغ عدد سكانها و أجوازها زهاء 15 ألف نسمة.و اعتبرها من أجمل مدن سواحل إفريقيا الغربية[2]، حيث كانت الإمراض الاستوائية تفتك بهم، و تحد من جرأتهم و من نشاطهم التجاري الذي يتعدى المغرب الى دكارو سابقا إلى القاهرة[3]. .
و سنجد حديثا عن التجار الفاسيين و بشكل لافت في رسالة جوابية اخبارية وجهها الطبيب دانفرفيل Docteur D’Anfreville الى السكرتير العام بعد قيامه بالبحث في الموضوع، الرسالة مؤرخة في 12 فبراير 1905 من سان لوي ، حيث بلغ عددهم 112 نفرا يشكلون الجالية المغربية بهذه المدينة[4] ، يمارسون كلهم التجارة وبعضهم يشغل إدارة تسيير الدور التجارية. و جاء معظم هؤلاء من المدن الساحلية الغربية و من فاس ويمثلون إلى حد بعيد البورجوازية الحضرية المغربية، وقد اهتمت سلطات فرنسا بدراستها و تتبع مواقفها من مسالة التسرب الفرنسي الاستعماري إلى غرب إفريقيا لاسيما و المغرب في هذه الفترة لايزال يحتفظ باستقلاله. و بدأت طرق الملاحة البحرية تعوض بشكل كبير الاتصال البري بين المغرب و السينغال، فالإبحار من طنجة إلى سان لوي سهل و يستغرق أياما معدودة، و غير مكلف للتجار. و من التجار الأوائل الّذين استقروا في السينغال التاجر الفاسي علي الكتيري الذي استقر في سان لوي و تعاطي تجارة الكتب العربية المستوردة من مصر و تونس، ثم وسع تجارته و شرع في تسويق المنتجات الجلدية و المنسوجات المجلوبة من المغرب أو من انجلترا. و من ابرز التجار الآخرين الحاج حميد برادة الذي زاول تجارة الزرابي و البلاغي الصفراء المجلوبة من فاس و التي ينتعلها سكان سان لوي. و كانت دكاكين التجار الفاسيين تشبه المتاجر الأوربية في تنظيمها و طرق معاملاتها. كما بدأت الدور التجارية المغربية في السينغال تتعامل تجاريا مع المؤسسات الفرنسية فتفوقت أنئذ المنتجات الفرنسية عن الانجليزية. ذلك أن منطقة سان لوي و تحديدا سواحل السينغال الحالية شهدت عبر تاريخها تنافسا حادا بين القوة الاستعمارية الأوربية فبعد أن وصل اليها البرتغاليون سنة 1360، خضعت للنفوذ الهولندي منذ 1638، ثم للفرنسيين منذ 1677، و احتلها الانجليز سنة 1758 ثم استعادها الفرنسيون سنة 1779، ثم احتلتها فرنسا سنة 1855.[5]، أما تاريخ تأسيس سان لوي فيعود الي سنة 1658 من قبل الفرنسيين.[6]
و تصل قيمة تعاملات بعض هؤلاء التجار في هذه الفترة أرقاما كبيرة، فعلي الكتيري يروج نصف مليون فرنك و أبو بكر كنون ربع مليون فرنك. ومن أسباب نجاحهم سهولة اندماجهم في المجتمع المحلي بزواجهم من نساء البلد، فالزيجات الفاسيات يرفضن مرافقة أزواجهن خارج فاس و بالأحرى إلى هذه الديار حيث كن يشترطن عدم إرغامهن على مغادرة الحاضرة الادريسية في عقود زواجهن.
أما تومبوكتو فكانت وضعيتها وصلاتها بالمغرب مختلفة تماما، فهي تقع ضمن الفضاء السيادي للدولة المغربية، فإلى حدود نهاية القرن الثامن عشر يشير الضابطان الفرنسيان لوسيان هوبير Lucien Hubert و موريس دولافوس Maurice Delafosse أنها كانت تابعة لنفوذ سلطان المغرب، غير أن غزوات الطوارق عليها و على المسالك المؤدية إليها أضعفت تلك الصلات. وأهم الطرق التجارية التي ارتبطت بها مع المغرب هي:[7]
• طريق من تافيلالت الى تومبوكتو عبر تيمومين و عين صالح أو درعة.
• إلى تومبوكتو عبر تاودني.
• من الساحل الاطلنتي و المغرب إلى بلاد الهاوسا عبر النيجر.
و خلال نهاية القرن التاسع عشر و مطلع القرن العشرين ساهمت الطريق من تلمسان إلى تومبوكتو بشكل أكبر في تصريف المنتجات المغربية في بلاد السودان، حيث بقيت سلع المغرب مطلوبة فيها[8]. و بلغ عدد القوافل التي تستقبلها تومبوكتو سنة 1887من جهة الشمال 400 قافلة ، فكانت بذلك أكبر مدن السودان و أكثرها غنى تمثل ميتروبول الصحراء لنشاطها التجاري. فالتاجر المغربي كان ينظر إلى تومبوكتو على أنها « بلاد مباركة، إنها منها منجم ذهب ، يكفيك أن تنحني للأرض لجمعه، فرحلة واحدة إليها تغني المرء »[9] . و كان فرنسيو الجزائر ينظرون بامتعاض شديد لنجاح التجارة المغربية في السودان، و كتب شارل بروسلار Charles Brosselard سنة 1860، يقول« المغرب بلد لايعدم المواد الطبيعية، و لا الصناعة، فتجارته \كية و نشيطة و متأنية، لا يتراجع أمام الشركات...يتمتع بسمعة و ثقة مستحقين، و يمكننا أن نتفاوض معه على قدم المساواة (في الجزائر و السودان)»[10] ، فالسلع المغربية بقيت تصل إلى تلمسان عن طريق قوافل فاس و تازة و وجدة و تافيلالت هذه الأخيرة كانت ترتبط بفاس بقافلة شهريا تتكون من 50 إلى 100 جمل و في موسم جني التمور تصل إلى ثمانية قوافل، و تتوزع منها السلع الفاسية نحو الجزائررغم ثقل الرسوم الجمركية المستوفاة في المركز الحدودي بين مع المغرب و الذي أقامته فرنسا من جهتها لمنع دخول السلع الانجليزية إليها.
و تتضح أهمية تجارة تومبوكتو في أعين فرنسيي الجزائر في هذه الأرقام التي أوردها شارل بروسلار، فمابين سنتي 1854 و 1860 عبرت من المغرب إلى الجزائر 276 قافلة و صلت إلى تلمسان، قدرت قيمتها عند البيع بـ 2.380.000 فرنك.[11]
و أدى الغزو الفرنسي لتومبوكتو و احتلالها من قبل القائد بوانيي Colonel Boinnier سنة 1893،[12] إلى تراجع النشاط التجاري للمغاربة فيها حيث كانوا يمثلون الزبون الأول لهذه المدينة، و استقر فيها منذ سنة 1900 تجار فرنسيون ومن سان لوي ونشطت تجارتها مع مدينة سان لوي.. التي يجلبون منها سلع التوين فنافست التجارة المغربية و التجارة مع طرابلس[13]. و هذا الاكتساح التجاري الفرنسي للوجود المغربي هو ما يشرح حركة غزو نظمها ذوي منيع و أولاد جرير، انطلقت من تافيلالت و مرت بالساورة لتغير على الفرنسيين في تومبوكتو في نونبر 1904.[14] لان قوافلهم التجارية تضررت، و تقلصت مساحة مراعيهم في مجال ترحالهم بسب الاحتلال الفرنسي للمنطقة.
2 ـ بضائع التجارة الفاسية بإفريقيا الغربية.
و لا تصدر فاس المنتجات التي تنتجها فقط حنطاتها و إنما غدت فاس منذ وقت طويل مركز تجميع للبضائع من داخل المغرب ثم تعيد توزيعها أو تصدرها. تدين التجارة الفاسية في وجودها لوجود صناعة للحرف متنوعة و نشيطة غزيرة الإنتاج، ومن أبرز هذه المنتجات الحرفية التي قامت عليها التجارة داخل فاس المنتجات الجلدية، و في مقدمتها التي تجد إقبالاً في المدن المغربية الكبيرة من قبل الفئة الغنية التي تعد الزبون الأول للبلاغي الفاسية ذات الجودة العالية، كما يتم ترويج هذه البلاغي في قبائل شمال المغرب، وكان لحرفي ولتجار البلاغي وكلاء يساهمون في وترويج سلعهم داخل المنطقة الخليفية[15].
ينتمي تجار البلاغي اجتماعيا إلى الفئة البورجوازية الفاسية، فأغلب تجار"سوق السباط" بفاس يُجيدون القراءة والكتابة وينتمون إلى طُرُقٍ دينية "مثقفة" مثل الطريقة التجانية والدرقاوية والكتانية ومن أشهر الأُسَر التي تهيمن على هذه التجارة أُسْرة الشرايبي وأولاد لزرق وأولاد برادة، وتملك هذه الأسر متاجر داخل فاس وفروعاً لها في المدن المغربية، وقد صُدِّرَتْ من هذا السوق سنة 1918 200.ألف زَوْج من البلاغي إلى الخارج[16]، وإلى حدود سنة 1920 بقي يزود أسواق الجزائر ومصر والسينغال بحاجاتها من البلاغي[17]، وتستورد السينغال سنوياً ما بين 110 ألف و115 ألف زوج من البلاغي للرجال وما بين 250 ألف و300 ألف زوج من بلاغي النساء، بسعر يصل إلى 16,5 فرنك للزوج الواحد من البلاغي وهو ما يُعطي رقما للمعاملات المالية يصل إلى 2 مليون فرنك للصفقات التجارية التي تتم بين فاس والسينغال فقط[18]، و تتم الصادرات عبر عدد من الموانئ كالعرائش او عبر مرسيليا اة جبل طارق بواسطة مجموعة من "القبالين" الممثلين التجاريين إلا أن هذه التجارة كانت موسمية بحيث تتقوى فقط خلال أشهر من السنة مثل نونبر ودجنبر ويناير من كل سنة، و قد هيمنت لاحقا طنجة على صادرات فاس نحو السينغال، والتجار الذين لا يتوفرون على وكلاء لهم فيه يتعاملون مباشرة مع دور تجارية في دكار. و كانت السوق السينغالية ما تمتص الجزء الأكبر من الإنتاج المحلي من البلاغي، بـ "سوق السباط" إضافة إلى بعض المنتجات الجلدية[19]. و بلغت قيمة صادرات فاس من البلاغي سنة 1901 حولي 1.5 ملون فرنك مقابل 1.570 مليون فرنك سنة 1902[20]، يصدر نصف البلاغي الفاسية إلى مصر بينما يقتسم النصف الثاني بين السينغال من جهة ثم الجزائر وتونس و طرابلس من جهة ثانية. و تصل قيمة بالغي الموجهة إلى السينغال سنويا الى 400 الف فرنك[21].
و أهم مصدري البضائع الفاسية إلى السينغال سنة 1904هم: العسري و جلول و الكتيري و القباج وصلحة[22].واتسمت تجارة البلاغي بفاس بعدم استقرار مبادلاتها بفعل الأزمات التي عرفتها حرف البلاغي مبكراً من عهد الحماية فظهرت فيها الأزمة منذ سنة 1916، حيث بادرت إدارة الحماية إلى إنشاء لجنة للبحث عن الأساليب الناجعة لوقايتها[23].
ومن المنتجات الحرفية التي قامت حولها حركة تجارية نشيطة الزرابي التي مكنت فاس من الارتباط تجارياً مع العالم الخارجي سواء مع الأسواق الأوربية حيث غزتها الزربية الفاسية المتميزة بألوانها وأشكال زخارفها الهندسية الجميلة، وجودة الصوف المستعملة فيها ومتانة عُقَدِها، فخلقت لها زبناء في بلدان كثيرة. وتحكمت عوامل كثيرة في صادرات تجارة الزرابي من فاس مثل القدرة الإنتاجية لحِرف الزرابي، وقدرة الأسواق الخارجية على استيعاب هذا المنتوج.
و تحكم تجار كبار في تصريف الانتاج الحرفي الفاسي في السينغال وهم[24]:
ـ بن زويغ، و هو تاجر كبير.
ـ الشركة المغربية، يمثلها م.فابريس. Fabrez M.
ـ مولاي علي الكتيري، له ثلاثة ممثلين بالسينغال، تصل قيمة معاملاته إلى 60 ألف فرنك سنويا مع السينغال.
ـ الحاج ابراهيم السوسي، محمي فرنسي، تصل قيمة معاملاته إلى 50 ألف فرنك.
ـ الحاج احمد العسري تصل معاملاته الى 50 ألف فرنك.
ـ الحاج أحمد الديوري، تصل قيمة معاملاته إلى 20 ألف فرنك.
ـ محمد بن القادر جلول، يمثله أبوه الذي استقر في السينغال، تصل معاملاته إلى 20 ألف فرنك.
ـ الحاج عبد الرحمان لحلو، تصل قيمة معاملاته إلى 20 ألف فرنك.
ـ بن صلحة، تصل قيمة معاملاته إلى 20 ألف فرنك.
و يبدو أن التجار اليهود الفاسيين لم يكن لهم نشاط كبير في التجارة مع تومبوكتو و لا مع السينغال بشكل مباشر، حيث اهنموا بالتجارة مع الدول الأوربية التي كانوا أكثر انفتاحا عليها و تخصصوا في السلع الثمينة .
3 ـ نهاية تجارة القوافل و ميلاد تجارة البحر.
دخلت تجارة القوافل بين المغرب و الجزائر و مرحلة الأفول و الركود عند نهاية القرن التاسع عشر و مطلع القرن العشرين،فالروابط التجارية التي جمع فاس بإفريقيا الشمالية و بلاد السودان كانت بفضل القوافل التجارية، فالجمل كان هو ناقل سلعها، فالسلع الأوربية أدت الى انقراض بضائع فاسية مثل الأقمشة : الحايك، الشاشية: الكربوش الفاسي، الأحزمة، الحقائب، الكراسي الجلدية و غيرها. كنما ساهمت الاضطرابات الداخلية التي دخلها المغرب في مطلع القرن العشرين من توقف التجارة الفاسية و اضمحلالها ففتنة بوحمارة أوقفت نهائيا نشاط فاس التجاري مع شرق المغرب. اضافة إلى الغزو الفرنسي لمعاقل التجارة الفاسية في بلاد السودان و ظهرت فيها إدارة استعمارية جديدة لها خطتها و أهدافها في المنطقة، كلها عوامل جعلت الاجر الفاسي يولي وجهته من تجارة القوافل إلى التجارة عبر البحر حتى مع الأمم الإسلامية في شمال أفريقيا، فأصبحت بضائع فاس تخرج منها في اتجاه العرائش و طنجة ليس فقط في اتجاه تلمسان و تونس و طرابلس و مصر بل حتى إلى داخل المغرب، وان كان هذا التحول انعش التجارة الفاسية لاسيما مع السينغال، حيث تزايد عدد الدور التجارية الفاسية به لتصل إلى 30 متجرا سنة 1904 منتشرة في دكار و سان لوي[25]، هذه كانت و طيلة القرن التاسع عشر أكبر مركز لجمع و توزيع السلع، وظهرت فيها أولى البنوك: البنك الفرنسي لغرب إفريقيا، و بفعل نشاطها منحت نظاما بلديا كالذي يوجد في المدن الفرنسية ، تتمتع بميزانيتها في التسيير الذاتية. لهذا فاختيار التجار الفاسيين للاستقرار فيها له ما يبرره للاستفادة من أوضاعها و موقعها، فالتاجر الفاسي معروف ب حدقه و فطنته في سعيه التجاري في غياب أي عون من الجهاز المخزني المغربي.
و لتنظيم التجارة الأوربية الناشئة بالمغرب بعد فرض الحماية على المغرب، سارعت سلطات الحماية إلى أحداث أجهزة لها و تشجيعها و منها.
ـ مكاتب البريد للاتصالات. يعود زمن ظهرها إلى فترة تهيئة المغرب للاحتلال، وكان أولها مكتب البريد الانجليزي الذي ألحق بقنصليتها بفاس، و هو تابع لشركة خصوصية يوجد مقرها بجبل طارق، ثم تبعها مكتب بريدي فرنسي فآخر الماني و تنافست في مابينها لجلب الزبناء الفاسيين لاسيما التجار.
ـ إحداث هياكل إدارية للإشراف على قطاع التجارة، أدمجت إدارة الحماية أنشطة التجارة والصناعة والفلاحة والاستيطان في مؤسسة واحدة، فمنذ سنة 1912 تابعة للإقامة العامة بالرباط ثم تحولت سنة 1915 إلى "مديرية الفلاحة والتجارة والاستيطان"[26]، ومنذ فاتح مارس1921 أصبحت تحمل أسم "المديرية العامة للفلاحة والتجارة والاستيطان"[27]. (Direction Général de l‘Agriculture, du Commerce et de la Colonisation)
ـ ربط فاس بين فرنسا و مستعمراتها بغرب افريقيا في الملاحة الجوية:
أهَّلَ الموقع الجغرافي مدينة فاس أن تصبح محطة محوريةً في حركة الملاحة الجوية التي تربط فرنسا بمستعمراتها في أفريقيا الشمالية وغرب أفريقيا، و كانت فاس ترتبط برحلة جوية منتظمة للبريد الجوي[28] بين فرنسا والجزائر والمغرب، استفاد منه رجال الأعمال وبعض السياح للتنقل إلى فاس، وحملت لها سنة 1936 مؤشرات جديدة على الازدهار فبسبب تزايد النشاط الصناعي والتجاري للمدينة اضطرت غرفة التجارة والصناعة إلى الاهتمام أكثر بالطيران المدني التجاري، فتم تشييد مطار مدني مستقل لمدينة فاس، وساهمت في إنشائه وزارة الطيران الفرنسي وبلدية فاس بتجهيز أرضية هذا المطار واقتناء المعدات اللازمة للطيران سنة 1936 [29]، فأصبح معلمةً ومحطة بارزة لتوقف الطيران الفرنسي به[30]، وقد استفادت التجارة الفاسية منه من خلال تسهيل تنقل رجال الأعمال، وتنشيط الحركة السياحية بهذه المدينة.
ـ السكك الحديدية مع فاس :
تعود أولى مشاريع ربط فاس عاصمة البلاد قبيل الحماية بمكناس والمدن الساحلية إلى العهد الحفيظي، حيث حاول المخزن المغربي إنجاز مشروع خط للسكة الحديدية يربط طنجة بفاس تحت إشراف أوربي،. وبعد فرض الحماية على المغرب استلزمت السيطرة العسكرية على البلاد إنجاز خط للسكة الحديدية يربط الرباط بفاس عبر مكناس.
وارتبطت فاس بطنجة بخط حديدي امتد على مسافة 320 كلم منها 205كلم في منطقة النفوذ الفرنسي من المغرب وهذا الخط تم تفويت إنجازه لشركة فرنسية إسبانية بقانون 13مارس 1914 وتأسست في يوليوز1916 [31] ، واستفادت منها التجارة من خلال تقليص تكاليف النقل ومدته وتوفير السلامة أكثر للبضائع عند نقلها من مكان للآخر، كما أصبحت هذه الجهة منفتحةً بشكل لم يسبق له مثيل على العالم الخارجي خاصةً بعد تشييد ميناء القنيطرة الذي ينعت بميناء فاس وبوابة التجارة الفاسية على التجارة الدولية، لهذا تطورت واردات وصادرات مدينة فاس من مختلف البضائع، و هكذا انقطعت صلات فاس التقليدية مع شرق المغرب و مع تومبوكتو و أصبحت لها امتدادات تجارية في مجالات أخرى لاسيما مع الميتروبول بفضل تلك التغييرات الجديدة و تفوقت تجارة البحر على تجارة البر الفاسية و هي نفس التحولات التي عاشتها غرب إفريقيا.
خلاصة.
ارتبطت التجارة الفاسية لحقب طويلة بالتجارة الصحراوية و مع الأمم الإسلامية و مع مجال سيدة الدولة المغربية، غير أن امتدادها في هذا الفضاء الشاسع كان بوازع فطنة و جرأة تجاره الجسورين لم تكن لهم القوة لمجابهة القوى الأوربية التي ملأت هذا الفضاء لضعف بلدانها، وانتهى الحديث عن تجارة القوافل بين المغرب و بلاد السودان باستكمال السيطرة الفرنسية على غرب إفريقيا و على واحات المغربية الشرقية، و إذا كانت تجارة القوافل تحقق نوعا من التوازن بين المصدر و المستورد فإن تجارة البحر لاتؤمن إلا بالربح و الاكتساح للأقوى و إخضاع الآخر بالقوة للهيمنة و هي مبادئ لم تكن تخطر على بال التاجر الفاسي في سعيه التجاري .
[1]- Panel, L. Relation d’un voyage du Sénégal a Souera en 1950. Ed. Le livre africain, Paris, 1968. CF, TAMOUH, Z. le Maroc et le Soudan au XIX siècle. Thèse de doctorat. Université Paris I. Paris, 1982. P. 51. Inédit
نقلا عن، عبد الواحد أكمير، المغاربة واللبنانيون في إفريقيا الغربية، ص.1
http://www.aljabriabed.net/n87_03akmir.htm
[2]- M.L. Faidherbe, Notice sur la colonie du Sénégal Arthus Bertrand Editeur, p.10.
[3]- R. Tourneau , Les souks
ضمن كتاب، تقاييد تاريخية2015، مطبعة انفو برانت فاس، 2015، ص.3.
[4]- L. d’Anfreville, L. Bulletin du comité de l ’Afrique française.( Renseignements Coloniaux), n°1, année 1905, p.154.
[5]- L. Faidherbe, Notice sur la colonie du Sénégal Arthus Bertrand Editeur, p.14.
[6]- A. Sabatié, Le Sénégal, sa conquête et son organisation 1364-1925. Imprimerie du Gouvernement Saint –Louis, ;p.5.
[7]- Lucien Hubert et Maurice Delafosse , Toumbouctou. Ed., Grande Imprimerie Parisienne , Paris 1894, p5 et 7
[8] - Ibid., p.12.
[9]- M. Charles Brosselard, Tlemcen et Toumbouctou, .Imprimerie De A Bourget, Alger 1861, p.7.
[10]- Ibid. ,p. 12.
[11]- Ibid., p.12.
[12]- Lucien Hubert et Maurice Delafosse , Toumbouctou. Ed., Grande Imprimerie Parisienne , Paris 1894, p.14.
[13]- A. Hacquard, Monographie de Toumbouctou. Pris, p. 48.
[14]- L. Mercier , Harkas Doui-Menia et Ouled Djerir vers le Sahel. In Bul. ,Renseignements Coloniaux. N°7 ,1905, p.265 à 267.
[15] - Guyot, Le Tourneau et Paye, «Le commerce des babouches à Fès », in. B.E.M., volume III, n° 11, janvier 1936, pp.41-42.
[16] - Andrien Massonnaud, «L’évolution des corporation depuis notre installation au Maroc », in. B.E.M., volume IV, janvier 1937, p.42.
[17] - Guyot, Le Tourneau et Paye, «Le commerce des babouches à Fès…», op.cit, p.42.
[18] - Ibid.
[19] - J. Berque, «Deux ans d’action artisanale à Fès…», op.cit., p.161.
[20]- René Leclerc, Le commerce et l’industrie à Fez., in Bulletin de l’Afrique Française, Renseignements Coloniaux, n°7, 1905, p. 244.
[21]- Ibid., p.245.
[22]- Camille Fidele, Les intérêts français et les intérêts allemands au Maroc in Bulletin de l’Afrique Française, Renseignements Coloniaux, n°7, 1905, p.260.
[23] - A.N.R., n° (1915), Rapport Mensuel-Direction de l’Agriculture du Commerce et de la Colonisation, mois de juin 1916, p.7.
[24]- René Leclerc, Le commerce et l’industrie à Fez…, op.cit, p.233.
[25]- Ibid., p.233.
[26] - E. F, L’Institut National Agronomique de France au Maroc, in L’Afrique Française ; 28ème année ; n° 12, décembre 1918, p.420.
[27] - Dahir du 28 février 1921 (19Djoumada II 1339), in. B.O., n° 437,du 8mars 1921, p.395.
[28] - Georges Lucas, Fès dans le Maroc moderne…, op.cit., p.49.
[29] - A.C.C.F., C.C.I. de Fès. Note; Liaison aérienne Maroc-France, n° E5000-D29. Fès, le 8 avril 1936.
[30] - A.M.F., Région de Fès, Délégation aux Affaires Urbaines, Bulletin de Renseignements (Confidentiel), du 26 juillet 1949.
[31] - - B.O.259 et 260 supplément des 8 et 15 octobre 1917, p.7.