تدل كلمة إفريقية على الناحية الشمالية الغربية من إفريقيا خاصة مناطق طرابلس إلى القيروان و نواحي تونس إلى الجزائر أي المنطقة التي كانت تمثل الولاية التي كانت تشمل ناحية ما بعد مصر في عصر الفتوحات والدولتين الأموية و العباسية إلى أن اِستقلت تلك الناحية في عهد الدولة الأغلبية عند آخر القرن الثاني الهجري .
لقد ورد في كتاب ـ الحُلل السندسية في الأخبار التونسية ـ للوزير السراج بالجزء الأول منه خبر أن ببلاد المغرب مقبرة فيها عشرة من الصحابة بعثهم أهل المغرب رسلا لرسول الله - صلى الله عليه و سلم - فدخلوا مسجده الشريف فلما وقفوا سألوا عنه - صلى الله عليه و سلم - بلسانهم ( آذا ما زان إيربي) و هي كلمات بربرية : فآذا معناها أين، و آمازان معناها رسول، و ايربي معناها ربي، فأجابهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله :- آشكاب - و معناه - و الله أعلم - أي شيء تريدون - انتهى الخبر (1)
فهذا الخبر إن كان صحيحا يدل أن العلاقة كانت موجودة بين العرب و البربر قبل الفتح و تمثلت هنا في تبادل العبارات بين الوفد المغربي و الرسول عليه الصلاة و السلام و لا شك أن الاتصال بين الشمال الإفريقي و بين الجزيرة العربية في بعض النواحي كان قائما بينهما من خلال الفراعنة و الفينيقيين و قد بدأ الفتح العربي الإسلامي لإفريقية في عهد عمر بن الخطاب الذي ورد عليه الشاعر أبو ذؤيب الهذلي و هو خويلد بن خالد من بني هذيل و أبو ذؤيب يعتبر من الشعراء المخضرمين الذين عاشوا في الجاهلية و أدركوا الإسلام و عندما سئل حسان بن ثابت، من أشعر الناس في عصره قال أبو ذؤيب الهذلي و هو صاحب القصيدة الشهيرة التي مطلعها :
أمن المنون و ريبها تتوجع و الدهر ليس بمعتب من يجزع
و هي من عيون الشعر العربي القديم في الرثاء ناهيك أن المنصور العباسي لما مات ابنه جعفر طلب من ينشده القصيدة فلم يظفر بأحد من بني هاشم ليحفظها له فقال : و الله إن لمصيبتي بأهل بيتي أن لايكون فيهم أحد يحفظ هذا لقلة رغبتهم في الأدب أعظم وأشد علي من مصيبتي بابني( 2( .
و تقول الأخبار أن أبا ذؤيب الهذلي قدم مع ابنه و ابن أخيه على عمر بن الخطاب فقال له : أي العمل أفضل يا أمير المؤمنين؟.
فقال عمر : الإيمان بالله و رسوله، قال : قد فعلت، فأيه أفضل بعده؟ قال : الجهاد في سبيل الله. قال : ذلك كان علي و إني لا أرجو جنة ولا أخاف نارا، ثم خرج فغزا إفريقية التي كانت وقتئذ تابعة لقياصرة القسطنطينية لكنها أمست بيد الولاة الذين استقلوا بأنحاء منها ففي ناحية سبيطلة البطريق جرجير الذي تصدى للعرب المسلمين في هذه الغزوة التي عرفت بغزوة العبادلة بقيادة عبد الله بن أبي سرح و معه عدد من الصحابة منهم خاصة عبد الله بن الزبير و عبد الله بن عمر و عبد الله بن عباس و غيرهم. و يقول صاحب الأغاني في خبر أبي ذؤيب الهذلي إنه قد غزا مع هذه الغزوة فلما أخذه الموت أراد ابنه و ابن أخيه أن يمكثا معه بينما الجيش عائد لكن صاحب المؤخرة منعهما لعل ذلك خوفا على جمعهم من الروم فقال لهم ليتخلف أحدكما و ليعلم أنه مقتول فقال لهما أبو ذؤيب حينئذ : اقترعا ! فمضى ابنه مع الجيش و ظل ابن أخيه معه ينتظر أن يدفنه و يخبرنا الأصفهاني عن نهاية أبي ذؤيب قائلا : كان أبو عبيد – و هو ابن أخي أبي ذؤيب – قال : قال لي أبو ذؤيب : يا أبا عبيد احفر ذلك الجرف برمحك ثم أعضد من الشجر بسيفك ثم أجررني إلى هذا النهر فإنك لا ت
فرغ حتى أفرغ فأغسلني و كفني ثم اجعلني في حفيري و انثل علي الجرف برمحك و ألق علي الغصون و الشجر ثم اتبع الناس فإن رهجة تراها في الأفق إذا مشيت كأن جهامة، قال : فما أخطأ مما قال شيئا ولولا نعته لم أهتد لأثر الجيش و قال وهو يجود بنفسه :
أبا عبيد رفع الكتاب و اقترب الموعد والحساب
و عند رحلي جمل نجاب أحمر في حاركه انصباب
و يواصل ابن أخيه الخبر قائلا : ثم مضيت حتى لحقت الناس فكان يقال : إن أهل الإسلام أبعدوا الأثر في بلاد الروم، فما كان وراء قبر أبي ذؤيب قبر يعرف لأحد من المسلمين.
و كذلك أخبر الخبر ابن قتيبة في كتابه( الشعر و الشعراء ( 3) ) إن أبا ذؤيب الهذلي يمكن أن يكون أول شاعر عربي دخل إفريقية و ظل فيها إلى اليوم برفاته في مكان ما من النواحي الجنوبية للبلاد التونسية فهو الذي أوطن الشعر المغرب العربي.
و يؤكد أبو العرب محمد بن أحمد بن تميم القيرواني المتوفي سنة 333 للهجرة في كتابه ) طبقات علماء إفريقية و تونس( و ذلك في فصل ) ذكر من دخل إفريقية من الصحابة و التابعين( قائلا : ) ومن بني هذيل نفر منهم : أبو ذؤيب الهذلي الشاعر توفي بإفريقية فقام بأمره عبد الله بن الزبير حتى واراه في لحده) (4).
أما في كتاب ( معالم الإيمان) للدباغ من جزئه الأول ففيه بعض الأخبار عن أبي ذؤيب حدث قال : بلغنا أن النبي صلى الله عليه و سلم عليل فاستشعرت حزنا و بت بأطول ليلة لا ينجاب ديجورها و لا يطلع فورها فظلت أقاسي طولها حتى إذا كان السحر أغفيت فهتف بي هاتف يقول :
خطب أجل أناخ بالإسلام بين النخيل و معقد الآطام
قبض النبي محمد فعيوننا تذري الدموع عليه بالتسجام
لكن صاحب ) معالم الإيمان( ينقل كذلك خبر غزو أبي ذؤيب لإفريقية دون أن يؤكد دفنه فيها حيث يقول :
غزا أبو ذؤيب إفريقية مع عبد الله بن سعد ابن أبي سرح و مات بها فدفنه عبد الله بن الزبير و قيل إنه قدم مع عبد الله ابن الزبير بكتاب فتح مصر و قيل توفي بطريق مكة قريبا منها فدفنه ابن الزبير و قيل مات غازيا بأرض الروم و دفن هنالك دفنه ابنه أبو عبيد و لا يعلم لأحد من المسلمين قبر وراء قبره و كان عمر ندبه إلى الجهاد فلم يزل يجاهد حتى مات بأرض الروم و دفنه هنالك ابنه أبو عبيد يروي أنه قال لإبنه عند موته :
أبا عبيد رفع الكتاب و اقترب الموعد و الحساب (5)
تلك أخبار أبي ذؤيب و الله أعلم.
المراجع :
1 ـ الحلل السندسية في الأخبار التونسية - الوزير السراج، تحقيق محمد الحبيب الهيلة - الدار التونسية للنشر، 1970 - الجزء الثاني ص 223.
2 ـ الأغاني ج 6 ص 250 - طبعة دار الثقافة - بيروت .
3 ـ الشعر و الشعراء - ابن قتيبة - الدار العربية للكتاب 1983 - الجزء الثاني- ص 547
4 ـ طبقات علماء إفريقية - أبو العرب بن تميم - تحقيق الشابي و نعيم حسن اليافي - الدار التونسية للنشر - الدار الوطنية للكتاب، الجزائر، 1985.
5 ـ معالم الإيمان للدباغ - تحقيق إبراهيم شبوح - القاهرة 1968
فرغ حتى أفرغ فأغسلني و كفني ثم اجعلني في حفيري و انثل علي الجرف برمحك و ألق علي الغصون و الشجر ثم اتبع الناس فإن رهجة تراها في الأفق إذا مشيت كأن جهامة، قال : فما أخطأ مما قال شيئا ولولا نعته لم أهتد لأثر الجيش و قال وهو يجود بنفسه :
أبا عبيد رفع الكتاب و اقترب الموعد والحساب
و عند رحلي جمل نجاب أحمر في حاركه انصباب
و يواصل ابن أخيه الخبر قائلا : ثم مضيت حتى لحقت الناس فكان يقال : إن أهل الإسلام أبعدوا الأثر في بلاد الروم، فما كان وراء قبر أبي ذؤيب قبر يعرف لأحد من المسلمين.
و كذلك أخبر الخبر ابن قتيبة في كتابه( الشعر و الشعراء ( 3) ) إن أبا ذؤيب الهذلي يمكن أن يكون أول شاعر عربي دخل إفريقية و ظل فيها إلى اليوم برفاته في مكان ما من النواحي الجنوبية للبلاد التونسية فهو الذي أوطن الشعر المغرب العربي.
و يؤكد أبو العرب محمد بن أحمد بن تميم القيرواني المتوفي سنة 333 للهجرة في كتابه ) طبقات علماء إفريقية و تونس( و ذلك في فصل ) ذكر من دخل إفريقية من الصحابة و التابعين( قائلا : ) ومن بني هذيل نفر منهم : أبو ذؤيب الهذلي الشاعر توفي بإفريقية فقام بأمره عبد الله بن الزبير حتى واراه في لحده) (4).
أما في كتاب ( معالم الإيمان) للدباغ من جزئه الأول ففيه بعض الأخبار عن أبي ذؤيب حدث قال : بلغنا أن النبي صلى الله عليه و سلم عليل فاستشعرت حزنا و بت بأطول ليلة لا ينجاب ديجورها و لا يطلع فورها فظلت أقاسي طولها حتى إذا كان السحر أغفيت فهتف بي هاتف يقول :
خطب أجل أناخ بالإسلام بين النخيل و معقد الآطام
قبض النبي محمد فعيوننا تذري الدموع عليه بالتسجام
لكن صاحب ) معالم الإيمان( ينقل كذلك خبر غزو أبي ذؤيب لإفريقية دون أن يؤكد دفنه فيها حيث يقول :
غزا أبو ذؤيب إفريقية مع عبد الله بن سعد ابن أبي سرح و مات بها فدفنه عبد الله بن الزبير و قيل إنه قدم مع عبد الله ابن الزبير بكتاب فتح مصر و قيل توفي بطريق مكة قريبا منها فدفنه ابن الزبير و قيل مات غازيا بأرض الروم و دفن هنالك دفنه ابنه أبو عبيد و لا يعلم لأحد من المسلمين قبر وراء قبره و كان عمر ندبه إلى الجهاد فلم يزل يجاهد حتى مات بأرض الروم و دفنه هنالك ابنه أبو عبيد يروي أنه قال لإبنه عند موته :
أبا عبيد رفع الكتاب و اقترب الموعد و الحساب (5)
تلك أخبار أبي ذؤيب و الله أعلم.
المراجع :
1 ـ الحلل السندسية في الأخبار التونسية - الوزير السراج، تحقيق محمد الحبيب الهيلة - الدار التونسية للنشر، 1970 - الجزء الثاني ص 223.
2 ـ الأغاني ج 6 ص 250 - طبعة دار الثقافة - بيروت .
3 ـ الشعر و الشعراء - ابن قتيبة - الدار العربية للكتاب 1983 - الجزء الثاني- ص 547
4 ـ طبقات علماء إفريقية - أبو العرب بن تميم - تحقيق الشابي و نعيم حسن اليافي - الدار التونسية للنشر - الدار الوطنية للكتاب، الجزائر، 1985.
5 ـ معالم الإيمان للدباغ - تحقيق إبراهيم شبوح - القاهرة 1968