"لا نحتاج إلى فلاسفة بالمعنى الذي حدده التقليد الغربي" فتحي المسكين
تقديم
يعتبر فتحي المسكيني التقاليد الفلسفية طرقا للتعبير عن أنفسنا، يتساوى في ذلك الإغريقي والعربي والروماني والأوربي المعاصر، فهذه التقاليد هيئات لأنفسنا، نحن الذين نطوعها ونخترعها ونعطي لها الكلمة عن طريق استعمال هذا البدء الفلسفي أو ذاك من أجل استئناف مستقبل التفكير الإنساني. ويؤكد المسكيني على أنه لم يكتب عن اليونان -رغم أن العرب تفلسفوا انطلاقا من نصوص اليونان- بل هو مجند أساسا لإعادة هيكلة اللحظة الفلسفية العربية أي الإختصاص العائلي لمن يتفلسف بلغة الضاد، ويعتبر الأمر نوعا من الإستئناف المؤجّل لمفهوم الفيلسوف مرة أخرى(1).شجّعني موقف الأستاذ فتحي من التقاليد الفلسفية على مساءلة علاقته بالإغريق؛ فكتاباته تحفل بإشارات إلى الإغريق وعلاقة الملة بالتراث الفلسفي الإغريقي. كما أن انتماء المسكيني إلى "ثقافة الملة إلى حد اللعنة" ودعوته إلى العودة إلى "مصادر النفس العميقة" وانفتاحه على نصوص "الآخر الفلسفي" مثله مثل أسلافه (ابن رشد أنموذجا)، يعتبر رهانا لافتتاح عصر جديد وتأسيس حداثة خاصة: "حداثة مغايرة".
1- المحايثة والتعالي أو اختلاف الأفق بين الإغريق والملة
يستند الاستاذ فتحي المسكيني إلى مفهومي "المفارقة" (التعالي) و"المحايثة" للتمييز بين ماهية الملة وماهية الإغريق. فهو يعتبر الملة جهازا مفارقا مؤسسا على واقعة الروحي ومالكا لأجوبة نهائية حول نفسه وحول سلوكه الروحي سلفا. أما الإغريق فما يميزهم هو المحايثة؛ ذلك أن المدينة اليونانية هي مساحة عمومية للأسئلة والاجوبة بين مواطنين متساوين. إن تميّز الإغريق جعلهم يختلفون عن الملل البائدة، فهم من شكلوا لمن بعدهم بوابة الحقيقة بما هي كذلك(2).
إن التقابل الحاد بين المفارقة (التعالي) والمحايثة(3)، يطرح أسئلة مُحرجة حول إمكانية "الحوار" بين عقل يعتقد في السماء (التعالي) وعقل يؤمن بالأرض (المحايثة)، لكن الاستاذ المسكيني يرفع هذا الإحراج بتأكيد انتمائه للسلالة التوحيدية ولملّة متميّزة لديها شيء آخر لتقوله للإنسانية، ويُعلن بقوة عن أن " اليونان ’’البارّة’’ منا ". يرى المسكيني أن الفلسفة بالطريقة اليونانية أو بالطريقة التي تعارف عليها الغرب ليست هي شكل التفكير الكلي الوحيد، بل هي ممكن من ممكنات التفكير الكلي الذي يمكن أن يقترحه النوع الإنساني على نفسه، ومن الصدفة أن سمي "فيلوصوفيا" في اليونان وتقبّله تقليد البحر المتوسط وحوّله إلى النمط العالي من استعمال العقل البشري"(4).
إن الإحساس القوي والمتواصل بهذا التقابل الحاد بين التعالي والمحايثة دفع إدموند هوسرل إلى اختصار مفهوم الإنسانية على "الإنسانية الأوربية"، وأكد على أن الشعوب تتجمع، حتى في حالة سيادة العداء بينها، على شكل نموذج ذات "موئل" إقليمي وقرابة عائلية، كما هو حال شعوب الهند؛ لكن أوروبا وحدها هي التي كانت رغم المنافسة القائمة بين أممها، تطالب نفسها والشعوب الاخرى بالحضّ على "التأورب"، والإستزادة منه بصورة توصل الإنسانية جمعاء إلى المطابقة مع ذاتها داخل هذا الغرب، مثلما حصل لها قديما في اليونان(5). كما جعلت فيلسوفا مؤمنا بالإختلاف من حجم جيل دولوز، يؤكد على أن الإغريق ابتكروا مسطح محايثة مطلقا، وأن الرأسمالية الآن تعيد إحياء العالم الإغريقي(6). وأن الغرب وحده هو الذي يوسع وينشر بُؤرهُ من المحايثة، وبالتالي يمكن للأوروبي أن يعتبر نفسه، كما فعل الإغريقي من قبل، لا كنموذج نفسي-اجتماعي ضمن النماذج الأخرى، وإنما كالإنسان المُتميّز(7). في حين بقي الشرق منشغلا بالتعالي وخارج الفلسفة مادام لا يفكر في الكينونة(8).
هذا "التقابل الحاد" دفع ثانية الغرب إلى توجيه خطاباته لنفسه مع العمل على تجريد الملل الأخرى من أصالتها وعدم الإنصات لخطاباتها ونداءاتها، بل وإقصائها من النقاش الحالي حول مصير الإنسانية ومن الحوار الديمقراطي الغربي ومن إيتيقا النقاش. حتى أن فيلسوفا عزيزا على قلب الأستاذ المسكيني وهو يورغن هابرماس، يعتبر أن أخلاق الحوار لا تتخطى أعضاء التأليفة المسيحية-اليونانية، فهي وحدها التي تكوّن الجماعة المثالية للمتحاورين الجيدين والمثال الوحيد على كونية العقل(9). إن دعوة فتحي المسكيني إلى العودة إلى أنفسنا العميقة وعدم الحاجة إلى "المساعدة" الغربية لفهم أنفسنا، هي طريقة رشيقة للرد على التنطّع الغربي، وتنبيه للعقول الحرة للملة كي تنخرط في تفكير عميق حتى "لا تترك للشعوب تُغيّر أفقها، وتخترع الحياة التي يناسبها"(10).
2- علاقة الملة بنفسها وبالغير الفلسفي
يشير الأستاذ فتحي المسكيني إلى أن الملة لم تعرف "واقعة الكوجيطو"، وأن "موت الإنسان" كحدث معرفي وقع خارج أفقنا ولم يقع فينا بشكل "شخصي"، ومن تم هو لم يمس جوهر علاقتنا بأنفسنا القديمة، بل أن الملة لا تنتمي إلى الحداثة بما يكفي لمقاومتها من الداخل. في حين يُشيد بالصحة الجيدة للملة ومعنوياتها المرتفعة بقوله:" نحن نملك بنى ذاتية وسيروات إنتاج ذاتي وهووي في صحة جيدة وتعمل بكامل سرعتها ومداها. وبالمقارن مع ’’الإنسان الأخير’’ في الغرب فإن ’’المسلم الأخير’’ يتحلى عندنا بمعنويات ميتافيزيقية عالية، فهو لا يعاني من أي أمراض عدمية"(11). ويستخلص فتحي المسكيني أن أفق أنفسنا القديمة ما يزال صالحا للسكن وقابلا للتعمير وقادرا على رسم حدود العالم من خارج وتدبير المقام البشري.
لكن رغم ذلك، فإن الملة لم تتعد إلى حد الآن عتبة غيرية منفعلة بلا أي قدرة جذرية على صنع أشكال جديدة من المستقبل(12). رغم أن التوحيديين هم الذين اكتشفوا لأول مرة معنى "حرمة" الحياة الإنسانية(13)، ومفهوم الإستخلاف الذي اعتبره المسكيني "كوجيطو الملة".
تمنح خصوصية الملة هذه مشروعية الدعوة إلى "حداثة مغايرة"، والتي يعتبرها المسكيني اعترافا جذريا بالحداثة وليست ضدها(14) وانتماء بواسطة الحرية. لكنه يدعو العقول الحرة إلى ضرورة الإحتراس من أن تصبح أدوات لأخلاق أو إنسانية لا تؤمن بها(15). وهو يُوجّه أمره إلى تلك العقول التي نبتت في أفق المسلم الأخير، والتي عليها أن تطرح التساؤلات المناسبة حول ذاتها وعلاقتها بالآخر الفلسفي. أخذا بعين الإعتبار مواصلة "الإله الإسلامي" حياته العادية بعد موت الإله الأخلاقي في أفق الإنسانية الأوربية. إن التأكيد على الصحة الجيدة للإله الإسلامي يترتب عنه موقف صارم من كل إساءة إلى رموز الملة، وفي نفس الآن تفتح إمكانية الإنخراط في الدفاع عن "إنسانية إسلامية" أو "أنوار أخرى"، وعن "حداثة أخرى" أو "حداثة مغايرة"(16).
إن مطلب تحقيق "حداثة مغايرة" فكرة مطلوبة ل"المحدثين بلا حداثة"، أولئك الذين أتوا ما بعد عصر التنوير، وفي وقت فقد "التنوير" نفسه بريقه الأدبي وأركانه النظرية الي جعلته ممكنا(17). تبدو هذه الوضعية مقلقة لمجتمعات ما بعد استعمارية، أتت لحظة نهاية الحداثة ودخول الإنسانية في ما صار يسمى "عصر الإمبراطورية" أو "العولمة"؛ أي في عصر يقدّم الدّليل على أن عملية التنوير ليست فقط مهمة طويلة الأمد جدا بتأكيد كانط، بل لا فائدة منها بعدما أصبحت المجتمعات الحديثة خاضعة ومراقبة وموجّهة بآليات سلطوية وتكنولوجية وإيديولوجية معقّدة وجد متطورة.
نشير هنا إلى الصعوبة التي اعترضت إيمانويل كانط وهو يفكّر في التنوير وإمكانية نجاحه ليس فقط بالنسبة ل"الذوات" و"الشعوب" بل ل"الإنسانية". وهنا يمكن أن نطرح السؤال الإشكالي حول دخول الإنسانية عصر التنوير مع إمكانية تمتعها بحرية التفكير والتعبير؟
إن هذا السؤال موجّه أساسا لذوات وشعوب لم تشارك أصلا في اختراع الحداثة ولم تساهم في تطويرها أو نقدها، ولكنها ترغب في التمتع ب"وضعية اعتبارية" في أفق الإنسانية الحالية أي "أفق ما بعد المّة المسيحية" بتعبير فتحي المسكيني، وبالتالي الإنزياح عن منجز الحداثة المثير القاضي بتمرين الإنسانية على تكلم لغة الإله المسيحي وتفريغ العالم من "الآخر".
3- فتحي المسكيني وابن رشد: خصوصية العلاقة مع الإغريق
يمنح الأستاذ فتحي المسكيني ابن رشد مكانة متميزة في تاريخ الفلسفة بصفة عامة، ذلك أن أصالة فيلسوف الملة الكبير تتأتى من اعتباره واقعة فلسفية كونية لها من الخطورة الفلسفية ما يجعلها في معاصرة جوهرية مع هيغل وهايدغر. يرصد المسكيني عند ابن رشد ما يسميه ب"الإنتقال الفجائي" من التنبيه من طبيعة الحكمة من حيث فحص الموجودات، أي من حيث هي مسألة أنطولوجية، إلى التوسل إلى ذلك بتدبّر سياق لاهوتي يجد في مسألتي العبادة والطاعة الأساس الوجيه لمعرفة الله. يجتهد فتحي المسكيني ليقرّب بين مفهوم الحكمة عند اليونان ومفهوم العبادة عند الملة، بحيث يفترض أن ابن رشد إنما يقصد إلى تدبير "العبادة" الإسلامي بحيث يُقابل ما يشير إليه معنى "العناية" لدى الإغريق. يرى المسكيني أن مقصد ابن رشد هو ترتيب أفق الحقيقة في فضاء الملة، بحيث تصير العبادة والتي هي الضرب الأصلي من الطاعة، هي الترجمة الجذرية لمعنى العناية اليوناني...، [بحيث] تنقلب المعرفة إلى ضرب جذري من "العبادة" ومن ثمة من "الطاعة". أخذا بعين الإعتبار، بأن الغرض الأسنى من معرفة الموجودات عند ابن رشد هو معرفة الذات الإلهية نفسها(18).
يتضح أن غاية ابن رشد القصوى من التفلسف كانت هي خدمة الملة بما لا يتنافى وثقافتها وفهمها لنفسها، وهو الأمر الذي جعله يهتم بما قالته مدونات الملة عن نفسها، وبالتالي انزاح عن الإهتمام بالموجودات إلى الإهتمام بالألوهية؛ أي الإنتقال من مقام الحكمة بالمعنى اليوناني إلى مقام الألوهية الذي توفره الملة(19). ويمكن أن نستدل على تغيير وجه ابن رشد عن الموجودات بالتركيز على أفعاله وممارساته في حياته العملية وعلاقته بقضايا ومشاكل الملة. فهذا القاضي الفقيه الذي ينتمي إلى "نظام خطاب ثقافة الملة"(20)، لم ينظر إلى مشاكل الناس ومقتضيات حياتهم بشكل فلسفي، ولا استند في ذلك إلى أفكار أرسطو أو غيره، بل طبق أحكام الملة بأمانة، كما صاغها في كتابيه "بداية المجتهد ونهاية المقتصد" و"مناهج الأدلة في عقائد الملة".
يبدو جليا أن خصوصية الإجتماع الملّي قد فرض على ابن رشد التفكير على حدوده، واستعمال عقله بما يتناسب والبنية الذهنية والأخلاقية والسياسية السائدة في عصره. فلم يكن يملك الشجاعة للذهاب أبعد من الحقائق التي تم فرضها بالترغيب والترهيب منذ أن ميّزت الملة وفقهائها وأولي الأمر منها بين خير الأمور وشرّها بطريقة قاطعة ونهائية. لم يتمكّن إذن ابن رشد النظر إلى قضايا الملة اعتمادا على قدراته العقلية وإرادته الذاتية، بل استند إلى قوانين وقواعد وتشريعات مُعدّة قبلا، الشيء الذي منع "حسّه الفلسفي" من إدراك مخاض التحوّل الذي كان يعتمل بين ثنايا المجتمع ومؤسسات "دولة مُضر". يبدو أن الأستاذ فتحي المسكيني قد أدرك قصور ابن رشد في النظر العقلي إلى الوسط الإجتماعي والقوى المتصارعة داخله، لهذا قال بأن "ابن رشد الذي يهمنا هو الشخص وليس الشارح. إنه شخص نموذجي عن نوع من المفكرين الذين وجدوا أنفسهم في مواجهة ثقافة الملة على نحو لم يعرفه اليونان ولا أرسطو نفسه. ولذلك فإن نموذجية ابن رشد أخطر من كل شروحه على أرسطو. إنه بطل أخلاقي، وليس منظرا"(21). ففي الوقت الذي ربط فيه أرسطو بين تحكيم العقل وتأدية وظيفة تجعل الناس قادرين على التصرّف السليم والعيش في سعادة، فإن ابن رشد سعى إلى تطبيق تشريعات وقواعد الملة في القضايا العملية من جهة، وأقدم على "تأويل" أقوال الحكماء حتى تتوافق مع الحقيقة كما تدركها الملة من جهة أخرى. يؤكد فتحي المسكيني، أن مقصد ابن رشد هو ترتيب أفق الحقيقة في فضاء الملة، لكنه ترتيب متعسّف يصعب معه الربط بين مفهوم "العبادة" الإسلامي ومفهوم "العناية" اليوناني وعلاقتهما بالمعرفة وسياسة الحقيقة. هذه الوضعية جعلت ابن رشد يُفكر على حدود الملة ومن أجلها: إنه على حدودها، لأنه المشار إليه بأنه "فيلسوف"، وهو يفكر من أجلها، لأنه قاض في مدينة الملة"(22). من هذا المنطلق يعتبر فتحي أن ابن رشد : "لافيلسوف"، فقط لأنه قاضي قرطبة، وبقدرما هو قاض هو لافيلسوف؛ إنه يستعمل عقله في مدينة الملة، وذلك لأن دولة العقل مازالت غير ممكنة(23).
إن طرافة ابن رشد عند الأستاذ المسكيني هي جمعه بين خطين متباينين: خط القاضي وخط الفيلسوف، فهو يُفكّر في حدود الملة ومن أجلها، والفرق هنا بين القاضي والفيلسوف إنما هو ما يفرّق بين استعمالي العقل: الخصوصي والعمومي. إنه استباق لفيلسوف الملة في اكتشاف مفهومي "الإستعمال الخصوصي للعقل" و"الإستعمال العمومي للعقل" الذي قال بهما إيمانويل كانط بعد ابن رشد بقرون يؤكد فتحي المسكيني ᴉ .
4- مفهوم "الدهشة" و"العناية" بين اليونان والملة
يرى سقراط في الدهشة المصدر الأساسي للتفلسف، ويؤكد أرسطو على أن الدهشة هي التي دفعت الناس إلى التفلسف. فمن رحم الدهشة نبع التساؤل الفلسفي وكل أفعال التفلسف، الشيء الذي دفع مارتن هايدغر إلى اعتبار "السؤال تقوى الفكر". فما العلاقة التي أقامها فلاسفة الملة مع هذين المفهومين الظافرين: "الدهشة" و"السؤال"؟ :
يؤكد الأستاذ فتحي المسكيني على أن "السؤال" هو باب الكفر والسبيل الملكي إليه في ثقافة الملة ومُعتقدها، وبهذا المعنى كان الفيلسوف محكوما عليه سلفا بالإقامة الجبرية على حدود الكفر، طالما هو يشتغل بالسؤال وبالمسؤول عنه(24).
أما بالنسبة ل"الدهشة"؛ فهي عند الإغريق أصل التفلسف وإمكانيته، في حين تتحوّل عند فيلسوف الملة الكبير ابن رشد إلى "الإندهاش من واقعة الإغريق أنفسهم"، وعند المعاصرين من أهل الملة إلى "الإندهاش من الحداثة":
- يقول فتحي بخصوص "الإندهاش من الإغريق" :" إن أمرا خطيرا قد طرأ على واقعة التفلسف بما هو كذلك: إن المندهش منه لم يعد ما كان يدفع الإغريق إلى الإندهاش، بل إن مقام الدهشة الفلسفية قد غيّر من نفسه شديدا. فممّ اندهش ابن رشد؟ يبدو أن دهشته مباينة لدهشة الفيلسوف الإغريقي، وذلك من حيث إن مقام هذا الإندهاش لم يعد النفس، ولا طبيعة الخرج الفلسفي الذي يتولد لديها عند استبصار الموجودات. إنه إذا كان الإندهاش الإغريقي قُنية تحصل عن ضرب من تدبير النفس أو تدبير المنزل الفلسفي للنفس، فإن الدهشة الفلسفية التي حملت ابن رشد على التفلسف رأسا لهي أخطر من تدبير النفس أشواطا، وذلك أنها تتعلق بنحو مبتكر من الإندهاش، ألا وهو الإندهاش من واقعة الإغريق أنفسهم. إن ما لا يعرفه الإغريق هو أنهم قد صاروا قدرا أنطولوجيا لغيرهم، وذلك على نحو أصلي، أي أنهم قد ارتسموا لمن بعدهم أفقا هو الإمكان الأصلي لمعنى الفلسفة عندهم. إن ذلك القدر هو ما صار يحمل على الإندهاش بلا رجعة"(25).
- أما بخصوص "الإندهاش من الحداثة"، فيقول فتحي:" إن دهشة العرب من الحداثة هي أهم حدث روحي في تاريخهم المعاصر... . فالعلاقة بالحداثة ليست علاقة تقليدية بأمة أخرى، بل هي اصطدام روحي بأفق تاريخي لم يقع التهيّؤ له أصلا... . يمكن أن نتأول كل ظواهر الخصومة "الإسلامية" مع الغرب بمثابة علامة على دهشة لاهوتية أساسية لم نشرع بعد في مساءلتها مساءلة فلسفية(26).
ما يغيب في الإنداهشين؛ "الإندهاش من الإغريق و"الإندهاش من الحداثة"، هو تلك الإمكانية التي توفرها الفلسفة كسؤال حول الموجودات والوجود والتي يتم من خلاله تحفيز الإرادة وتكثيف الرغبة في البحث والإكتشاف واختبار ما يستطيعه الجسد ويقدر عليه.
4- التفكير على حدود الملة أقوى من التفكير الحر
هل بإمكاننا استئناف الفلسفة، من حيث هي صناعة مطروحة في أرض لافلسفية؟
سؤال طرحة الأستاذ فتحي المسكيني مستحضرا فضاء الملة المحكوم باللاعقل واللاعمومي واعتبار "السؤال باب الكفر". وهذا يعني أن الملة تبقى خارج الفلسفة، في حين يتم الحكم على الفيلسوف بالإقامة الجبرية على حدود الملة. يُرجع فتحي المسكيني السبب إلى أن الملة تشتق نفسها رأسا من "اللافلسفة"، وأن الفلاسفة لم يمارسوا الفلسفة إلا على حدودها، حرصا على اختلافها عن الدين(27)، بل أن الحداثة نفسها لم تساعد على ظهور الفلاسفة في أرض الملة. هكذا، فرهان الملة على نقل "معاني الفلسفة" منذ الفارابي إلى اليوم، لم يساعد على صناعة الفلسفة، كما أن الدعوة إلى تملّك الحدوس التي تحفل بها مصادر النفس العميقة لم يساهم في ابتكار مفاهيم بالمعنى الفلسفي. هذا ما دفع المسكيني إلى التساؤل عن الموضع الذي يُمكن أن تنساب إلينا منه المعاني التي من شأننا، "اليوم"، "نحن" سكان جنوب الحداثة، الذين نتفلسف بلا "يوم" ميتافيزيقي يخصّنا، وعن المانع من ظهور الفلسفة في أرض الملة؟
يُرجع فتحي المسكيني سبب بقاء الملة خارج الفلسفة إلى افتقارها لتلك المغامرة الجذرية لإرساء صداقة أساسية مع العالم، والتي يتزعمها الشعراء والعلماء، أما الفيلسوف فليس سوى من يستأنف هذا الإمكان الذي يفتحه العلماء والشعراء لعصر ما(28). إن إقامة الفيلسوف في أرض الملة مشوب بالحذر باستمرار، فهو كائن غير مرغوب فيه من طرف الخاصة والعامة، ويمكن أن يُنعت بالكفر والزندقة ويُتّهم بالخروج عن الملة، كما يمكن أن يُطرد أو يُنفى أو تُحرق كُتبه في أي لحظة، وهذا الأمر جعله يقبل أن يعيش ويفكر على حدودها ويعمل لمصلحتها.
إن القبول بوضعية "الغريب" والخادم لملّته في آن، دفع بالفيلسوف إلى ابتكار "طريقة توفيقية" في التعامل مع الآخرين ومع نفسه، فهو الشخص الملتزم بتطبيق القواعد والأوامر والتشريعات التي تنص عليها مدونة الملة وثقافتها، وهو الراغب في "نقل معاني" الملل الاخرى والتعلم منها لصناعة "كلام في الفلسفة". ومن المثير جدا، أن فيلسوفا كابن رشد، سيذهب بعيدا في الإلتزام بمواقف الملة حين مارس الإستعمال العمومي لآلة التكفير، وإن كان ذلك دفاعا عن إمكانية الفلسفة ومشروعيتها. لكنه إنما اضطر بذلك إلى الخروج من نطاق المحايثة التي تسطره الفلسفة لنفسها، إلى إقليم حيث تعمل آلة الملة(29). وبين هذا وذاك، ضاع مطلب "التفكير الحر" الذي هو أساس كل تفلسف، وضاعت فرصة الإلتقاء بالصديق وبالفكر.
ما العمل إذن لاستئناف التفكير الفلسفي في أرض الملة؟
لاحظ الأستاذ فتحي المسكيني الدور الذي لعبه مارتن هيدغر لاستئناف التفكير الإنساني؛ فهو الذي أعاد للحظة اليونانية كل شبابها، وحاول أن ينطلق منها كلحظة ليس فقط معاصرة لنا، بل كلحظة تدعونا إلى استئناف المستقبل، مستقبل التفكير الإنساني(30). لكنه اعتبر هذه اللحظة فقط طريقة للتعبير عن أنفسنا، وبالتالي هناك بدء ما يمكن أن يكون يونانيا أو عربيا... . لهذا دعا المسكيني إلى ضرورة العودة إلى النفس القديمة واستعمال هذه الإمكانية من التعبير عن أنفسنا. إنها قراءة ملّية موجبة لعلاقة هايدغر باليونان وللإمكانية التي تُتيحها لاستئناف التفكير. أما بالنسبة لدولوز-غتاري، فما يظل مشتركا بين هيدغر وهيغل-مثلا- هو تصورهما لعلاقة الإغريق والفلسفة كأصل، ومن ثمة كنقطة انطلاق لتاريخ خاص بالغرب، حيث تمتزج الفلسفة بالضرورة مع تاريخها الخاص بها. [لكن]، مهما بلغ تقرب هايدغر من حركة الإنتشال الإقليمي فإنه يخونها مع ذلك ما دام يجمدها بصفة نهائية بين الكينونة والكائن، بين الإقليم اليوناني والأرض الغربية التي أطلق عليها الإغريق (بحسب هيدغر)، إسم الكينونة(31). إن الطرح التاريخاني لعلاقة الإغريق والفلسفة كأصل، يعكس الطموح الكبير للإشادة بخصوصية شعب (عرق، لغة، تاريخ...) ودولة (توحيد مصير الفلسفة مع الدولة البروسية عند هيغل ومصير الفلسفة مع الإشتراكية الوطنية عند هيدغر...).
ما يغيب عن قراءة هيغل وهيدغر لعلاقة الفلسفة بالإغريق حسب دولوز-غتاري،هو التأكيد على "قوة الوسط"؛ ليس ما تجده الفلسفة عند الإغريق، كما يقول نيتشه، هو الأصل وإنما وسط ومحيط وبيئة مكتنفة، فالفيلسوف يكف عن كونه كوكبا تابعا... . إذا كانت الفلسفة قد ظهرت في اليونان فذلك جاء نتيجة احتمال بدل ضرورة، نتيجة محيط أو وسط بدل أصل، نتيجة صيرورة أكثر مما هو نتيجة تاريخ، نتيجة جغرافيا بدلا من تأريخ مرحلة، نتيجة نعمة بدلا من طبيعة(32).
خاتمة
إن مُساءلة علاقة فتحي المسكيني بالإغريق تتوخى إثارة العلاقة مع الذات ومع الآخر تاريخيا، والبحث عن مقام جديد في هذا الشكل الجديد من العالم الذي أطلق عليه الأستاذ المسكيني إسم "الإمبراطورية". إنه مقام الفعل البشري الجديد، الذي يختلف عن مدينة "اللوغوس" اليونانية وعن مدينة "الملة" اللاهوتية وعن مدينة "الدولة" الحقوقية الحديثة، لكنه مقام مُهدد هو الآخر بأخطاره الخاصة. لذلك، فإقرار المسكيني بدور فضاء الإمبراطورية في ترتيب وجه جديد من المقام الحر في العالم وبداية تشييد مدينة الوجود ما بعد الميتافيزيقية يدخل فقط ضمن الإشارة التي يمكن أن يوفرها شاعر حالم أو أستاذ فقد الثقة في الفلسفة(33). لكن المسكيني يبقى متفائلا...، داعيا إلى وجوب تقبّل هذه الواقعة الروحية الجديدة، خاصة وأن "العرب عاشوا حكايات الأنطولوجيا والميتافيزيقا في وقت معيّن، وقدموا أشياء رائعة لم يعطيها التقليد الأوربي"(34).
إن بداية تشكّل فضاء الإمبراطورية وولوج الإنسانية العصر ما بعد الحديث، يسمح للملة إمكانية الإنخراط في بناء "مدينة الوجود الكونية" وتنظيم "الهجرة إلى الإنسانية". لكن يجب التأكيد مع دولوز-غتاري على الخصائص الجديدة التي تميز السيادة الإمبراطورية؛ والتي تتمثل في غياب "طبيعة داخلية للإجتماع" وضعف "تذوق الآراء والحوار"، واجتياح التعالي المطلق، وحلول النزعة التوحيدية [الدينية] مكان الوحدة الإمبريالية(35). إن هذه الخصائص ستشكل حواجز حقيقية أمام استعمال مصادر النفس العميقة، والرغبة في تشكيل "ذاتيات جديدة بلا هوية"، والفوز ب"حداثة مغايرة".
نُنبّه أخيرا إلى أن تكرار سؤال العلاقة مع الإغريق لا يبتغي إضافة أجوبة أخرى حول سؤال تقليدي، بل يهدف إلى معاودة تلك العملية التي ربطت الفلسفة بالإغريق، أي بين التفكير الحر والوسط الإجتماعي الخالص. لكن حلم التكرار والمعاودة يصطدم بانتصار نمط جديد من القواعد الصلبة المنظّمة للوجود البشري على الأرض، ألا وهو النظام الرأسمالي وإيديولوجيته الليبرالية، وظهور منافسين جدد ل"فلسفة" لم تجد إمكانية تجدّدها في الشكل الحالي ل"الدولة الديمقراطية" وسيادة "كوجيطو التواصل".
الهوامش:
1- فتحي المسكيني.... فاتحا وراعيا الكينونة،
https://www.youtube.com/watch?v=O80K0_odE3M&t=318s
2- فتحي المسكيني: الهوية والزمان، تأويلات فينومينولوجية لمسألة "النحن"، دار الطليعة، بيروت-لبنان، الطبعة الأولى، 2001، ص110.
3- يميز فتحي المسكيني بين التصور اليوناني للإله والتصور الشرقي له، يقول:"الإله الصانع/خالق الكون المادي مفهوم يوناني، في عالم لا وجود فيه للعدم، في تصور العالم، لا يلعب فيه مفهوم العدم دورا أساسيا، لن يكون الإله إلا صانعا. يصنع من تلك الهيولة التي لا شكل لها، يعطيها شكلا يعطيها مُثلا. أما في التصور الشرقي، حيث مفهوم العدم مركزي، هناك ثقافات لا تعرفها، الصينيون لهم مفهوم الفراغ مثلا، ولا بد أن تصورهم مختلف. الآن عندما نتحدث عن ثقافة فيها مفهوم العدم، علاقتنا بالعالم تمر بفرضية الخلق من عدم، الإله خالق وليس صانعا"، فتحي المسكيني... فاتحا وراعيا الكينونة، حوار أجراه خالد كرونة وأ. خميّس الورتاني،
https://www.youtube.com/watch?v=O80K0_odE3M
4- المفكر فتحي المسكيني...فاتحا لعصر طريف من التفكير الحر، حوار أجراه خالد كرونة وأ. خميّس الورتاني،
https://www.youtube.com/watch?v=U5aNz_lmILw&t=3559s
5- جيل دولوز وفليكس غتاري: ما هي الفلسفة؟ ترجمة مطاع صفدي وفريق مركز الإنماء القومي، مركز الإنماء القومي، الطبعة الأولى، 1997، ص110.
6- جيل دولوز وفليكس غتاري: ما هي الفلسفة؟ ص111.
7- جيل دولوز وفليكس غتاري: ما هي الفلسفة؟ ص110.
إذا كان الإغريقي يحتل موقعا متميزا عند دولوز وغتاري، فإن فتحي المسكيني يؤكد أن "الإغريق قد فقدوا فجأة كل نموذجيتهم وانقلبوا إلى أمراض طفولية"، فتحي المسكيني: الدين والإمبراطورية، ص91.
8- يقول جان بوفري:"إن المنبع موجود في كل مكان، غير محدد، إنه صيني كما هو عربي وهندي .. لكن هناك المرحلة الإغريقية كحالة خاصة، كان لليونان الإمتياز الغريب في منح كينونة للمنبع"، هامش رقم 6، جيل دولوز وفليكس غتاري: ماهي الفلسفة؟ ص107.
9- فتحي المسكيني: الهوية والحرية، نحو أنوا ر جديدة، جداول للنشر والتوزيع، بيوت-لبنان، الطبعة الأولى، 2011، ص205.
حين سئل مارتن هايدغر هل يمكن "مساعدة أوروبا" من طرف ثقافات "الشرق" في السيطرة على الماهية التدميرية، ردّ قائلا:"أنا على قناعة من أن تغييرا ما لا يمكن أن يتهيّأ إلا من نفس الموقع من العالم الذي منه صدر العالم التكنولوجي الحديث. لا يمكن أن يأتي هذا التغيير من اعتناق بوذية الزن أو تجارب شرقية أخرى من العالم. إن مساعدة التراث الأوربي وحدوث تملك جديد لهذا التراث هما ضروريان من أجل حصول تغيير في ماهية التفكير"، فتحي المسكيني: الهجرة إلى الإنسانية، ص118.
10- فتحي المسكيني: الهجرة إلى الإنسانية، ، كلمة للنشر والتوزيع، أريانة-تونس، الطبعة الأولى، 2016، ص206.
يطالب الأستاذ فتحي المسكيني ليس فقط "العودة إلى أنفسنا العميقة"، بل الرجوع إلى ما يسميه ب"حضارتنا العميقة" والتي تمتد من النبي إبراهيم إلى اليوم؛ أي من "سفر التكوين" إلى "قرآن" التوحيدي الأخير. إن دعوته هذه، تأتي في سياق فقدان "الفرد" الليبرالي لخلفيته الروحية التقليدية، وتحوله إلى هشاشة أخلاقية منفجرة، في الوقت الذي يواصل "الفرد التوحيدي" الإحتفاء باكتشافه الجليل ل"حقل التعالي" وقدرته على رسم حدود العالم من خارج. انظر فتحي المسكيني: العالم ليس كافيا أو في سياسات التعالي: مدخل فلسفة، موقع مؤسسة مؤمنون بلا حدود، 24 يوليو 2019.
11- فتحي المسكيني: الهوية والحرية، نحو أنوار جديدة، ص220.
12- فتحي المسكيني: الهوية والحرية، نحو أنوار جديدة، ص222.
13- فتحي المسكيني: الهوية والحرية، نحو أنوار جديدة، ص220.
14- فتحي المسكيني: الهوية والحرية، نحو أنوار جديدة، ص224.
لكن المسكيني يناقض هذا الإعتراف بالحداثة بقوله:" الحداثة المغايرة هي فن إقامة خارج الأفق الهووي الذي اشتغل لحد الآن، أي أفق الحداثة"، فتحي المسكيني: الهوية والحرية، نحو أنوار جديدة، ص223.
15- فتحي المسكيني: الهوية والحرية، نحو أنوار جديدة، ص191.
16- في هذا السياق، يقول فتحي:" في واقع الأمر لم تكن الأزمنة الحديثة غير مجموعة من "الحداثات" المتعددة والمتنافسة: من إنسانوية "النهضة" الإيطالية إلى تنوير "الإصلاح" الألماني إلى أنوار "الثورات" الأمريكية والفرنسية والبلشفية، وهو هاجس "تحديثي" انتهى مع "الثورات المحافظة" للنازيين بانتحار الحداثة في "أوسفيتش". لكن ما يجمع بين جملة هذه الحداثات ليس هيّنا: إنه، حسب سلوتردايك، الهوس بتوحيد "المعمورة" في "كرة" واحدة. ...، وفجأة توالت أسماء جديدة لنمط وجودنا في العالم. العالم لم يعد "آية" بل صار "موضوعا". وفجأة لم يعد الإنسان "خليقة"، بل صار "ذاتا" . وفجأة لم يعد "الله" خالقا، لقد أصبح موظّفا لدى العقل البشري. "البشري" إسم صار صفة ميتافيزيقية لكل شيء بل الافق المعياري الداخلي ل"توحيد" من نوع جديد، يقضي هذه المرة بأن "العالم" واحد و"الإنسانية" واحدة وأن "المصير" واحد، ولكن في أفق رجاء أُرغم فيه الإله التوحيدي على بطالة لاهوتية طويلة الأمد"، فتحي المسكيني: الهوية والحرية، نحو أنوار جديدة، ص108 و109.
17- فتح المسكيني: الدين والإمبراطورية، في تنوير الإنسان الأخير، في تنوير الإنسان الأخير، مؤمنون بلا حدود للنشر والتوزيع،الرباط-المغرب، 2018، ص222.
18- فتحي المسكيني: الهوية والزمان، تأويلات فينومينولوجية لمسألة "النحن"، ص117.
19- فتحي المسكيني: الهوية والزمان، تأويلات فينومينولوجية لمسألة "النحن"، ص116.
20- فتحي المسكيني: الهجرة إلى الإنسانية، ص14.
21- فتحي المسكيني: الهجرة إلى الإنسانية، ص14.
22- فتحي المسكيني: فلسفة النوابت، ص111.
23- فتحي المسكيني: فلسفة النوابت، ص112.
24- فتحي المسكيني: فلسفة النوابت، ص121.
25- فتحي المسكيني: المسكيني: الهوية والزمان، تأويلات فينومينولوجية لمسألة "النحن"، ص109 و110.
26- فتحي المسكيني: الهوية والزمان، تأويلات فينومينولوجية لمسألة "النحن"، ص56.
27- فتحي المسكيني: فلسفة النوابت، ص126.
28- فتحي المسكيني:فلسفة النوابت ص129.
يقول فتحي:"إن ما يؤرّق الفلسفة هو أنها محكوم عليها سلفا بأمرين لا ثالث لهما: أن تعاصر العلم من حيث هو استفزاز جذري للعالم. أو تعاصر الشعر من حيث هو استفزاز جذري للإنسان. فالعلم لا يلتفت إلى الإنسان إلا مكرها مثلما أن الشعر لا يلتفت إلى العالم إلا مكرها. العلماء والشعراء هم السكان الأصليون للأرض، أما الساسة والأنبياء فهم صناع المؤسسة التي تجني ثمار كل ما هو أصلي"، فتحي المسكيني: فلسفة النوابث، ص129.
29-فتحي المسكيني: فلسفة النوابت، ص123.
يطرح فتحي السؤال التالي:"كيف ينهي ابن شد عن تكفير الغزالي للفلاسفة ويشكك في حصول إجماع في شأنه، ثم هو من بعد هذا النهي يعمد إلى إصدار أحكام التكفير؟ᵎ ما الذي يزج الفيلسوف في ورطة التكفير مثله مثل علماء الملة؟ النوابث ص123.
30- فتحي المسكيني....فاتحا وراعيا للكينونة.
31- جيل دولوز وفيليكس غتاري: ما هي الفلسفة، ص108.
32- جيل دولوز وفيليكس غتاري: ما هي الفلسفة، ص108 و109.
33- يقول فتحي:"نحن مضطرون إلى تقبّل واقعة روحية جديدة، وهو أن الفيلسوف البطل غير ممكن. الفيلسوف الذي يقترح علينا رؤية للعالم ويقترح علينا تفسيرا جديدا للأسئلة الميتافيزيقية الثلاث؛ النفس والعالم والله، هذا النوع من الفلاسفة لم يعد ممكنا.. . فلا عيب من أن نقول إن الفيلسوف العربي لا وجود له .. ولا عيب أن نقول أننا لا نملك فلاسفة"، فتحي المسكيني....فاتحا وراعيا للكينونة.
34- فتحي المسكيني.... فاتحا وراعيا للكينونة.
35- جيل دولوز وفليكس غتاري: ما هي الفلسفة، ص103.