التربية على التنمية المستدامة في مرحلة الطفولة المبكرة ـ أد. علي أسعد وطفة

شكل العرض
  • أصغر صغير متوسط كبير أكبر
  • نسخ كوفي مدى عارف مرزا

للمضي قدما، يجب علينا أن ندرك، أنه في خضم التنوع الكبير من الثقافات وأشكال الحياة الإنسانية، بأننا نشكل عائلة بشرية واحدة، تعيش على أرض واحدة، ويحكمها مصير واحد مشترك. وعلينا أن ننضم معا لنعمل من أجل قامة مجتمع عالمي مستدام، يقوم على احترام الطبيعة، وحقوق الإنسان العالمية، والعدالة الاقتصادية، وثقافة السلام ( "ميثاق الأرض، الديباجة) (The Earth Charter, Preamble).

مقدمة:
تواجه المجتمعات الإنسانية اليوم تحديات طبيعية واجتماعية هائلة بالغة التأثير في مختلف مجالات الوجود الإنساني ولاسيما في مجالات التنمية الاجتماعية والاقتصادية. فموارد الأرض المحدودة تستهلك بطريقة تدميرية وبوتائر متسارعة جدا، وآثار الاحترار الجوي العالمي المدمر لأيكولوجيا التوازن البيئي والتنوع الحيوي بصورة مخيفة. ويأتي ارتفاع مستويات سطح البحر نتيجة الاحترار ليهدد ملايين البشر في مختلف أرجاء المعمورة، ولا سيما في البلدان الفقيرة التي تعاني من ضعف في وتائر نموها. فالهجرة عبر القارات، وارتفاع مستويات الفقر، وندرة الغذاء، وتضاعف الأمراض، وتراجع الأمن الإنساني، تشكل حميعها نسقا من التحديات والمخاطر التي تواجه المجتمعات الإنسانية في مختلف أصقاع الأرض وتهدد الحياة الإنسانية.
وقد عرّفت التنمية المستدامة لأول مرة في عام 1987 من قبل لجنة برونتلاند (the Bruntland World Commission) وهي اللجنة العالمية المعنية بوضع استراتيجية أممية للتنمية (WCED)، وجاء في تعريف هذه اللجنة للتنمية المستدامة بأنها: "... تلبية احتياجات الأجيال الحاضرة دون المساس بقدرة الأجيال القادمة على تلبية احتياجاتها "(WCED, 1987, p. 43).[i] وقد أصبح هذا التعريف أكثر شيوعا وأهمية بين مختلف التعريفات التي وضعت لتعريف التنمية المستدامة، ويعد هذا التعريف اليوم ركيزة أساسية في كل فهم لاحق للتربية المستدامة. ويتضمن هذا التعريف مفهومين رئيسيين:


أولاهما - مفهوم "الحاجة"، ولا سيما الاحتياجات الأساسية لفقراء العالم، التي ينبغي إيلاؤها الأولوية القصوى. وثانيهما - فكرة القيود المفروضة من قبل الدول والحكومات على احترام البيئة وتأهيلها على تلبية الاحتياجات الحالية والمستقبلية لأفراد المجتمع.
وقد وجدت فكرة التنمية المستدامة هذه تعزيزا لها في أعمال قمة الأرض في ريو دي جانيرو (مؤتمر الأمم المتحدة المعني بالبيئة والتنمية، 1992) حيث قدم هذا المؤتمر مفهوما جديدا عميق الصلة بالتنمية المستدامة وهو "الاستهلاك المستدام" وتنص هذه الفكرة على إلزام الشعوب في البلدان الغنية بالعمل على تغيير أنماط استهلاكها وتقنين الهدر الاستهلاكي والصناعي بما من شأنه تحقيق التنمية المستدامة والمحافظة على ديمومة الموارد الطبيعية. Rio De Janeiro 'Earth Summit' (UNCED, 1992))).

ويبدو أن تعريف برونتلاند لم يسلم من الانتقادات الشديدة ولا سيما هذه التي أوردها Amartyn Sen في تناوله المهم لهذا المفهوم، وفي هذا السياق يرى سين أن تعريف برونتلاند(WCED) لمفهوم التنمية المستدامة تعريف ريادي ولكنه يعاني من بعض أوجه الضعف ولاسيما في ارتكازه على مفهوم تلبية الاحتياجات "Need " (Sen, 2000, p. 2).[ii] وهو في هذا السياق يرى بأنه يجب علينا أن ننظر إلى الأفراد بوصفهم " كائنات مبدعة تفكر وتتصرف وتنتج، وليس بوصفهم كائنات تحتاج إلى تلبية احتياجاتها (Sen, 2000, p. 2). وهذا يعني وفق سين أنه يجب النظر إلى الناس والتعامل معهم بوصفهم أناسا قادرين على "التفكير، والتقييم، والحل، والإلهام، والفعل، والقدرة على تشكيل العالم " (Sen, 2000, p.1). ومن هذا المنطلق أعاد سين تعريف التنمية المستدامة على أنها "التنمية التي تعزز قدرات الناس الحاليين دون المساس بقدرات الأجيال المقبلة" (Sen, 2000, p.)، وهذا المنظور الذي ينطلق منه سين يعزز فكرة "القدرة الإنسانية" بديلا لفكرة الحاجة، كما يعزز فكرة الدمج في مفهوم التنمية المستدامة ويوائم بقوة بين فكرتي الاستدامة والحرية، فالبشر وفقا لهذا المنظور ليسوا مجرد مخلوقات لهم احتياجات تسد وتلبى بل أشخاص يتمتعون بالحريات والقدرات قادرون على الفعل والإنتاج في المقام الأول " (Sen, 2000, p. 6).

وقد لقي هذا التوجه صداه مع موقف تشوماخر (Schumacher, (1999) حيث يقول:" إن التنمية لا تبدأ مع السلع والأشياء بل مع الناس فيما يتعلق بتعليمهم، وقدرتهم على التنظيم والانضباط. وبدون هذه العوامل الثلاثة ستبقى الموارد جميعها مجرد إمكانية مفترضة ". (Schumacher, 1999, P139).[iii]
ومنذ انعقاد مؤتمر القمة العالمي للتنمية المستدامة في جوهانسبرغ عام 2002، أصبح مسلما به وعلى نطاق واسع أن للتعليم دورا رئيسيا يؤديه في تحقيق ثقافة الاستدامة وتكريس منظورها الذي يربط الرفاه الاقتصادي بالتنوع الثقافي والتنوع البيئي (UNESCO 2007, p.6).
ونشهد اليوم اتفاقا عاما بأنه يجب على التعليم من أجل التنمية المستدامة أن يكون جزءا لا يتجزأ من التعليم الجيد للجميع على النحو الذي تم تحديده في ضوء مؤتمر داكار لعام 2000. ( 2000 Dakar Framework for Action )[iv]. ويلاحظ في هذا السياق أن التركيز على مفهوم الاستهلاك المستدام يجب أن يكون المحور الأساسي للتعليم في السنوات الأولى من أجل تعزيز التنمية المستدامة.

ويمكن لنا في هذا السياق النظر إلى الإجراءات المستدامة على أنها "إجراءات تلبي احتياجات الأجيال الحاضرة دون المساس بقدرة الأجيال القادمة على تلبية احتياجاتها المستقبلية. وقد ركزت توصيات "قمة الأرض"( The UN "Earth Summit" in Rio (1992)) للأمم المتحدة في ريو (1992) على ثلاثة أقانيم للتنمية: التنمية الاجتماعية، والتنمية الاقتصادية، وحماية البيئة، وهذه الركائز الثلاثة مترابطة ومتعاضدة لا يمكن الفصل فيما بينها في مجال التنمية المستدامة. ولذلك فإن التحدي الذي يواجه المربين في مرحلة الطفولة المبكرة يتمحور حول تطوير النظم التعليمية والمناهج والممارسات التربوية التي تعزز الإجراءات المستدامة فيما يتعلق بكل من هذه الركائز الثلاثية.
وتوفر "الركائز" الثلاث للتعليم من أجل التنمية المستدامة ولأجلها رؤية للتعليم قوامها تحقيق التوازن بين الرفاه الاقتصادي والبشري وبين الثقافة بمعاييرها الإنسانية القائمة على احترام البيئة. ولذلك فمن المهم أن ندرك أن التنمية المستدامة تعتمد هذه الركائز الثلاثية معا، وبالتالي فإن أي ممارسات أو سياسات لا تأخذ هذه الركائز معا أو أي منها بالحسبان فإنها بالضرورة آيلة إلى الفشل. وهذا يعني بالضرورة أنه يجب على المربين التركيز في وقت مبكر على تعليم الأطفال القدرة على الرؤية النقدية لوضعية المنتجات الصناعية والغذائية ومآلاتها تقنيا واقتصاديا وثقافيا. وهذا يشير إلى أهمية كبيرة في التحول من النهج التقليدي الذي لا يحفل بالطابع النقدي لهذه المنتوجات الصناعية.
ومن الناحية العملية، فإن التعليم من أجل التنمية المستدامة ينطوي على إمكانية دمج عدد من الأنماط التربوية في مجال تطوير المناهج الدراسية ضمن توجات التربية على التنمية المستدامة، كالتربية للمستقبل؛ والتربية على المواطنة؛ والتربية على التسامح؛ والتربية على السلام؛ والتربية على التعدد الثقافي ". والتربية في مجال التثقيف الصحي؛ ثم التعليم البيئي؛ والثقافة الإعلامية. وتشكل هذه التوجهات التربوية منصة فعالة لتطوير المناهج الدراسية الحديثة ولاسيما تلك المعنية بتطوير الوعي الاقتصادي التنموي للأطفال في مجال التربية المستدامة.

التنمية المستدامة (ESD)[v] في مرحلة الطفولة المبكرة؟
 تؤكد اتفاقية الأمم المتحدة لحقوق الطفل (1989) (The UN Convention on the Rights of the Child) [vi]أن جميع الأطفال الحق في التعليم، وتؤكد خطة العمل " من أجل التنمية المستدامة " التي وضعت في '"قمة الأرض"' في ريو (1992) على تعزيز التعليم الابتدائي الأساسي في قمة أولياتها. ولكن هذا الاهتمام لم يشمل مرحلة الطفولة المبكرة حيث يكون التفاعل الأعمق بين الأطفال ووسطهم البيئي. إذ غالبا ما يواجه الأطفال في مرحلة الطفولة المبكرة أكبر التحديات البيئية، وفي هذه المرحلة يكون الوقت مناسبا لبناء الاتجاهات الثقافية الإيجابية وغرس القيم التنموية البيئية في عقل الطفل وتكوينه النفسي. ويمكن القول في هذا السياق بالاستناد إلى البحوث والتجارب أن الأطفال الصغار جداً قادرون على التفكير الجيد فيما يتعلق بالقضايا الاجتماعية والبيئية، وبناء على ذلك فإن التعليم والتربية على االتنمية المستدامة يكون أكثر فعالية كلما كان هذا التعليم في وقت سابق وكلما كان الأطفال أصغر سنا.
وخير مثال على هذه الرؤية يمكن الإشارة إلى تجربة الطفل الإنكليزي تشارلي سيمبسون (Charlie Simpson) البالغ من العمر سبع سنوات، ففي عام 2010 استطاع هذا الطفل أن يستقطب انتباه الجمهور في غرب لندن بما أبداه من بسالة إنسانية في التضامن مع ضحايا زلزال هايتي المدمر، فبعد مشاهدته للأخبار على شاشة التلفزيون قام تشارلي بالركوب على دراجته لمسافة خمسة أميال (8 كم ) كم متوجها إلى حديقة قرب منزله في لندن لجمع التبرعات والأموال وذلك من أجل شراء الطعام والماء والخيام لضحايا الزلزال في هايتي كاستجابة لنداء اليونيسف. وكان تشارلي يتوقع في ذلك الحين أن يجمع أقل من 500 جنيه استرليني، ولكن اهتمام وسائل الإعلام بتجربته الملفتة للنظر ساعده على جمع أكثر من 210،000 جنيه إسترليني لصالح ضحايا الزلزال. وتقدم قصة تشارلي مثالا على ما يمكن للأطفال أن يقوموا به في المستويين الفردي والمجتمعي من خلال التركيز على التعليم من أجل التنمية المستدامة في وقت مبكر[vii].
وعلى هذا الأساس، أعطت الجمعية العامة للأمم المتحدة في عام 2009 (الجمعية العامة للأمم المتحدة، 2009)[1] اهتماما خاصا لحقوق الأطفال في أن يستمع إليهم، مؤكدة من جديد "أن المبدأ العام للمشاركة من قبل الأطفال يشكل شرطا أساسيا وحيويا لتنفيذ جميع الحقوق الأخرى المدرجة في اتفاقية حقوق الطفل ". وضمن هذا المسار دعت الجمعية العامة الدول إلى ضمان حقوق الأطفال في التعبير عن جميع القضايا التي تمسهم، دون تمييز على أي أساس، وذلك من خلال مواصلة تنفيذ اللوائح والترتيبات التي تنص على ذلك ولا سيما مشاركة الأطفال في جميع الظروف سواء أكان ذلك في داخل الأسرة والمدرسة أو في إطار الحياة الاجتماعية التي تحيط بهم "
ويمكن الإشارة في هذا المقام إلى المبادرة التي اضطلعت بها مؤخرا جامعة يوتيبورغ وجامعة تشالمرز للتكنولوجيا، بالمشاركة مع المركز المشترك للبيئة والاستدامة(Centre for Environment and Sustainability) في عام 2004 وذلك بالدعوة إلى مؤتمر دولي حول التعليم من أجل التنمية المستدامة الذي عقد لاحقا في غوتيبورغ Goteborg. بعنوان التعلم لتغيير عالمنا Learning to change our world. وأدت حلقات العمل المكثفة في هذا المؤتمر التركيز على مفهوم التعليم للتنمية في مرحلة الطفولة المبكرة (3). وانطلقت توصيات هذا المؤتمر من مسلمات الاعتقاد بأن الأطفال كائنات ذاتية فعالة ونشطة فيما يتعلق بحياتهم الخاصة، وأنهم يؤثرون ويتأثرون في الوسط الذي يعيشون فيه ولاسيما إذا كان ضمن وسطهم ما يتطلب ذلك ولاسيما الانخراط في أوساط بيئية واجتماعية. وقد اتخذت هذه التوصيات مسارا ابتعدت فيه عن الطابع التقليدي للتفكير في مرحلة الطفولة بوصفها مرحلة رومانسية تفيض ببراءة الأطفال وألعابهم ضمن سياق حياة آمنة ومأمونة غامرة بالسعادة تنأى عن الأحداث من حولهم. وقد أسفر هذا المؤتمر عن عدة توصيات التعليم من أجل التنمية المستدامة. ومن أهم القضايا التي ركز عليها المؤتمر أهمية التعلم من أجل التنمية المستدامة في مرحلة الطفولة المبكرة كنقطة انطلاق للتعلم مدى الحياة وذلك من أجل التنمية المستدامة؛ كما أكد المؤتمر على تكريس قيم المساواة بين الجنسين وحقوق الإنسان والقيم الديمقراطية في التعليم المبكر للطفل بوصفه تأصيلا إنسانيا، فالتعليم في هذه المرحلة من الطفولة يشكل نقطة انطلاق في اتجاهات العمل على تربية الطفل على مبادئ التنمية المستدامة.

وركز المؤتمر على أهمية تكامل المناهج المدرسية في مجال تعزيز المشاركة الطفولية في حماية البيئة والتعايش معها وتعزيز القيم والقناعات لدى الأطفال بأهمية التغيير في البيئة والمجتمع بما يعزز مسارات التعليم من أجل التنمية المستدامة. طبعا لم تكتمل الترجة.  فالتعليم في مرحلة الطفولة المبكرة يوفر الأساس للتعلم مدى الحياة وبناء القدرات النقدية، وتوفير الرعاية الأولية والثانوية للشباب، بما في ذلك تعزيز إمكانيات الرعاة الأساسيين للتنمية المستدمة.

وقد أبدى المشاركون أهمية التعليم المبكر من أجل التنمية المستدامة في مناهج السنوات الأولى، حيث يتمركز هذا التعليم التنموي في مرحلة الطفولة المبكرة على منهجية دمج القيم التنموية الاجتماعية والاقتصادية والبيئية في مختلف أوجه حياة الطفل ونشاطاته وهذا يشمل الأطفال الذين لم تتجاوز أعمارهم السنة الأولى من العمر، ويتعين اعتماد هذه النهج على نطاق أوسع في المناهج الدراسية الرسمية لنهج التعليم ونهج التعليم غير النظامي في مجال التربية على التنمية المستدامة.

 ومن القضايا التي كرسها المؤتمر أهمية الممارسة العملية للمعلمين بوصفهم نماذج حية فالأطفال يتماهون بمعلميهم ويتمثلون سلوكهم بالاقتداء، وهذا يعني أنه يجب على المعلمين العيش وفقا لمبدأ التوافق بين الفكر والممارسة لتقديم أفضل الممارسات التربوية التنموية. ويتمركز هذا التطبيق العملي في التفاعل الحي مع البيئة الذي يهدف إلى الحد من الهدر في الطاقة والمياه والمواد ومحاربة التلوث، كما يشمل ذلك الممارسة الحية للقيم الاجتماعية التنموية في مجال الممارسات الديمقراطية والإنسانية وهذا يعني باختصار أن المعلمين يجب عليهم أن يمارسوا ما يدرسونه من قيم ونظريات (schumacher, (1999).

وأخيرا نبه المؤتمرون إلى أهمية التركيز على اطلاق البحوث والدراسات وتشجيعها في مجال التعليم المبكر على القيم التنموية ونادوا باجرء المزيد من البحوث والدراسات في هذا الميدان، وذلك لأن التعليم في مرحلة الطفولة المبكرة يعاني من نقص شديد في البحوث.والدراسات والممارسات والمؤتمرات التي تتناول من أجل التنمية المستدامة في الصغر على أساس من النقد والبحث والتقصي.

أهمية مرحلة الطفولة في التأسيس للتربية المستدامة:
تعد السنوات الأولى من حياة الفرد الأساس الحيوي لتشكل شخصية الفرد، وهي الأكثر قدرة على تطوري المواقف والقيم المؤسسة للشخصية الإنسانية. وعلى هذا النحو تتغلغل القيم والمواقف التي تحيط بالفرد في السنوات الأولى من العمر في أعماق الفرد وتشكل منطلقا لسلوكه، وسوف تستخدم دائما كمرجعيات للقرارات الرئيسية التي يتخذها الإنسان على مدى الحياة.
فعندما يواجه شخص ما أوضاعا صعبة ومعقدة، أو عندما يتطلب الأمر اتخاذ قرارات هامة، فإن القيم الضاربة جذورها في التكوين الداخلي للفرد المؤسسة للشخصية في مرحلة الطفولة الأولى ستلعب دورها الحاسم وتوجه خياراته وتحدد قراراته وسلوكياته وردود أفعاله.
لذلك، إذا كنا نرغب في تكوين اتجاهات إيجابية للأجيال القادمة نحو احترام الطبيعة ورعاية الكوكب والمحافظة عليه وحمايته، فمن الضرورة بمكان أن نؤسس مناهج مرحلة الطفولة المبكرة على قيم احترام الطبيعة والمحافظة عليها وعلى ترسيخ أهمية الترابط الحيوي بين البشر والبيئة التي تحتضنهم. فكل ما نرسخه من قيم وممارسات واتجاهات في وعي الفرد في مرحلة الطفولة الأولى سيبقى فاعلا ونشطا ومؤثرا في مسار حياة الفرد المستقبلية حتى النهاية.
فالأطفال حساسون جدا للطبيعة بما تنطوي عليه من مكونات: الحيوانات، والنباتات، والورود، والنار، والمياه، والأرض، والرياح، والحرائق... الخ. وهم يتأثرون بعمق عاطفيا ونفسيا وفكريا في كل ما يتعلق بالمكونات الحيوية للطبيعة. وتبين التجربة أن أغلب الناس من البالغين الذين يعيشون في المدن الكبيرة يتذكرون بسرور لحظات لا تنسى في مرحلة الطفولة ولا سيما تلك السنوات التي قضوها في الأرياف، مع النباتات والبذور والأشجار وأشكالها، والأنهار، والحدائق، والورود والأزهار، والخيول والماشية والطيور والحيوانات الأليفة. وغالبا ما تغالبهم تلك الذكريات الطفولية القديمة. ومن هنا وعلى هذا الأساس فإن يجب اعتماد هذه التجارب الطفولية من أجل بناء استراتيجيات فعالة في التعليم تأخذ في الاعتبار هذه الأحساسي والمشاعر والقيم والتصرفات التي تضرب جذورها في وعي الأطفال من أجل بناء اتجاهات إيجابية خلاقة نحو البيئة. ولذلك،
ومن هذا المنطلق أدرجت مقررات الطبيعة بوصفها نشاطا علميا مؤثرا في الوعي البيئي في مرحلة الطفولة المبكرة. في كثير من بلدان العالم. وفي هذا المسار، ومع الاهتمام العالمي بتدهور البيئة، بدأ هذا الموضوع يجتذب اهتماما سياسيا، ومن المرجح أن يكتسب أهمية كبيرة في التعليم في مرحلة الطفولة المبكرة، في عدد كبير من البلدان، التي بدأت تضمّن الطبيعة والبيئة ضمن المناهج الدراسية للتعليم في مرحلة الطفولة المبكرة.
فرياض الأطفال من الناحية المثالية هي المكان الذي يعيش فيه الأطفال الصغار ويتعلمون ويستكشفون الحدود في عالم آمن وشفاف دون أجندات خفية. ورياض الأطفال في يومنا هذا تعتبر أماكن متعددة الثقافات حيث أن الأطفال فيها هم من خلفيات اجتماعية متنوعة يتعرفون على بعضهم البعض ويتفاعلون ويتنادمون، وليس كما يتم تصويرها من قبل الآخرين ". رياض الأطفال هي أماكن تلتقي فيها أجيال مختلفة ويتفاعل فيها (الأطفال والآباء والأجداد)، حيث لا توجد أسئلة مبهمة أو غير مفهومة في رياض الأطفال بل هناك دائما وقت لطرح الأسئلة والاجابة عليها، فإن عالم الحياة للأطفال يبدأ من نقطة التعلم من المشاكل.

 إعادة التدوير في زمن التسارع الاستهلاكي:
 يمكننا أن نميز في مناهج التربية المتخصصة في مجال التعليم من أجل التنمية في مرحلة الطفولة المبكرة محورين أساسيين للتربية البيئة: (أ) المعرفة والخبرة الملموسة المباشرة للطبيعة؛ و(ب) التحويل وإعادة التدوير.
يتضمن المحور الأول الفعاليات التي تتصل بالوعي البيئي والاستكشاف والمغامرة والتجارب مع العناصر الطبيعية (البذور والنباتات والمياه والتربة والرمال والرياح والطيور الصغيرة والحيوانات الصغيرة وغيرها).
 والثانية – تشكل عملية تدوير واستخدام المواد المهملة في مجال الأنشطة التربوية والفنية جانبا حيويا مهما في مناهج التعليم في مرحلة الطفولة المبكرة. فالتربية والتعليم في مرحلة الطفولة المبكرة تتفاعل جوهريا كما أسلفنا مع عناصر الطبيعة وبقاياها خيث يتم تدويرها وتحويلها إلى أشياء مفيدة مثل اللعب، والأدوات الموسيقية، والمواد الفنية.
فالأشياء المهملة، مثل الصناديق، والأكواب البلاستيكية والزجاجات الفارغة، والورق المهمل والأنسجة، والملابس المستعملة، والقبعات، والأحذية، والنظارات، والمرايا، والأنابيب، والخردة الخشبية، يمكن تدويرها وإعادة استخدامها وتحويلها إلى أشكال وأشياء مفيدة ومثيرة للاهتمام على نحو تربوي. وبالتالي فإن استكشاف المصنوعات القديمة مثل الخيام والمراصد والقوارب والسفن والغواصات والصواريخ والشاحنات والقطارات والصناعات والمصانع، يعطي الأطفال تجربة استكتشاف العالم والإحاطة بأسراره. وهذه العملية تغذي في الطفل رؤية فلسفية عميقة المدى تدل على أن الأشياء في الطبيعة لا تموت وأنها قادررة ضمن سياق الفعل الإنساني أن تعود إلى الحياة من جديد بيد الأطفال وضمن توهجات خيالهم. نعم الدرس الذي نتعلمه من هذا التدوير الإبداعي أن الكائنات الطبيعة لا تموت، وهي إن اندثرت لا تفنى معانيها فهي تنتمي إلى العالم الذي نعيش فيه، ويمكن أن تتحول إلى كائنات أخرى مهمة في الحياة ومفيدة، وهذا يعني أن علاقة الإنسان بالطبيعة تسمو في هذه العملية بمعانيها الإبداعية.
ومع ذلك يجب علينا أن نأخذ بعين الاعتبار أنه ليست كل الأشياء المهملة مناسبة لإعادة التدوير. ففي مراكز تنمية الطفولة المبكرة، يمكننا استخدام مجموعة واسعة من المواد من مجموعات أشمل وأوسع من المواد الأخرى التي لا تصلح للتدوير، وفي كل الأحوال فإن فكرة التدوير والتجديد في معطيات البيئة فكرة أساسة في تعمق صلة الأطفال بالطبيعة إبداعيا وتنميهم على تقدير الأشياء الطبيعية والاهتمام بصيرورتها.

البناء النقدي لعقلية الطفل إزاء تضخم النزعة الاستهلاكية:
 تهدف المناهج التربوية الإنمائية في المراحل الأساسية المبكرة للتعليم عبر عمليتي التحويل والتدوير (Transformation) (أي إعادة تدوير المخلفات الطبيعية والصناعية وإعطائها معنى جديدا) إلى تحقيق أهداف فلسفية ونفسية وتربوية في آن واحد. لقد دفع التصنيع وظهور المجتمع الاستهلاكي إلى توليد حاجات صنعية زائفة ومتكلفة، وهذا بدوره أدى إلى تراكم هائل في حجم النفايات الصناعية والطبيعية.
 يعتقد الشخص العادي، في جميع أنحاء العالم، أنه لا يمكننا أن نعيش دون البضائع التي تنتجها التكنولوجيا الصناعية المتقدمة. فوجود المال والانخفاض النسبي في أسعار المنتجات الصناعية يولد الرغبة في شراء المنتجات الصناعية واستخدامعها المتزايد على نحو متسارع جدا. فعملية استبدال البضائع والمنتوجات بوتائر متسارعة، ونحن اليوم. نحن نعيش في حلقة مفرغة مرعبة تجمع بين الإنتاج والاستهلاك. فاستراتيجيات التسويق تغري الناس بشراء أحدث المنتجات المتطورة، وعلى نحو متسارع يفقد بالمنتجات السابقة أو المستخدمة حاليا (التي لا تزال مفيدة) قيمتها وأهميتها حيث تدفع إلى مكاسر الإهمال والعدمية وتتحول إلى مجرد نفايات صناعية بائدة غير مرغولة.
 وتأسيسا على هذه المعطيات يتم تعزيز الروح الاستهلاكية وتمكين سلوك الاستبدال في عقولنا وعاداتنا واتجاهاتنا، وينمي فينا النزع إلى مواكبة الجدة والجديد واحتقار القدامة وازدراء القديم. إن النزعة الاستهلاكية ليست سوى طريقة واحدة للتعبير عن الروح الحقيقية لعالم الإنتاج الصناعي الرأسمالي الذي تتمثل في دورته الاستهلاكية المتسارعة أبدا، والتي بموجبها يحل الجديد محل القديم وسرعان يما يتحول الجديد التكنولوجي نفسه إلى قديم يترامى في ركام النفايات الصناعية المدمرة للبيئة والإنسان. وبالتالي فإن هذه الوضعيات والمواقف تجعل الناس يتخلصون من سياراتهم والأجهزة المنزلية والملابس والأحذية والأمتعة الشخصية والهواتف المحمولة وأجهزة الكمبيوتر وأجهزة التلفزيون والصوت والكاميرات والعمل على اقتناء الجديد بصورة مستمرة ومتجددة.

وبدأ المجتمع الإنساني اليوم تحت تأثير هذا التراكم النفوي يشعر بالقلق الكبير ولا سيما بشأن النفايات الإلكترونية التي تحمل مخاطر الإشعاعات الضارة بالإنسان والبيئة ولاسيما البطاريات، والرقائق المشعة وغيرها كثير من المواد الخطرة على الصحة والبيئة.

ويكمن الخطر الأكبر لهذه القيم الاستهلاكية في مجال تفكك العلاقات الإنسانية: لقد أصبح الحب عاطفة سريعة الزوال، وغدت الصداقة شعورا سطحيا، وتحولت العلاقات الإنسانية إلى علاقات مادية تتسم بالتسارع والزوال، وقد أدى ذلك إلى ظهور قيم سلبية مخيفة مثل خيانة الآخرين والغدر بهم بسهولة ولأتفه الأسباب، أو التخلي عن هذه العلاقات الإنسانية واستبدالها بسرعة كبيرة، حتى أصبح الناس يشعرون بالاغتراب والإهمال وكأنهم سلع قديمة يجب تجديدها ورميها في سلة المهملات، وقد غدا الأمر مخيفا إلى درجة أن قليلا من سوء الفهم بين الأصدقاء والأحبة يكفي لقطع الروابط حتى بين الآباء والأبناء، أو وبين الأمهات والبنات، أو بين الأزواج والزوجات، وتوضح الوقائع أن الأبناء يتخلون بسرعة كبيرة عن ذويهم المسنين إذ سرعان ما يجد هؤلاء المسنون أنفسهم في دائرة الإهمال والنسيان من قبل أقرب الناس إلى قلوبهم وحياتهم.
ومن هنا تأتي الأهمية الكبيرة جدا لمنظور إعادة الاعتبار إلى القديم وتقدير قيم المستهلك والمهمل عبر رؤية جديدة وقيم متجددة، فتقييم بعض الأشياء التي تم التخلص منها يضفي كثيرا من المعاني ويوقظ مبدأ الشعور بالديمومة والاستمرارية والانتماء في حياة الناس ووجودهم. فاحترام الطبيعة وتقدير البشر يمكن أن يؤصل من جديد لاستعادة العلاقات الإنسانية بين الناس والناس كما بين الناس والأشياء، وذلك يدوره يؤدي إلى تعزيز قيم المحافظة على القديم واحترام ما كانت عليه الأشياء وتقدير كينونة الأشخاص كما كانو وكما يجب أن يكونوا عليه من احترام وتقدير.
وعلى هذا النحو يمكن إضفاء المعاني الجديدة لأشياء وأمور قديمة، وذلك عندما يتم توظيفها من جديد لغايات جديدة، على سبيل المثال، إن تحويل زجاجة من البلاستيك إلى لعبة للأطفال، أو تحويل أي منتوج قديم مستهلك إلى صورة فنية جديدة جديدة، أمر يؤدي إلى الحصول على قيمة تتجاوز حدود المنفعة المادية الخاصة بالأشياء، فالأمر هنا يكمن في إضفاء المعنى والدلالة على الأشياء المدورة والفانية. إن إعادة التدوير (بصرف النظر عن قيمها الاقتصادية والبيئية) تحمل في ذاتها قيما نفسية ودلالات وفلسفية وتربوية: وتتمثل هذه القيم في إضفاء المعنى على القديم والتركيز على دلالتي أهمية الأشياء وديمومتها ولاسيما في الأمور التي تتعلق بالناس. وهذا السلوك التربوي يؤصل لعملية استكشاف القيمة الإنسانية للإنسان وكرامته الذاتية، فالإنسان قمية تتجاوز حدود النظرة المحدودة إليه إنه توق إلى المستقبل والحلم والسعادة والحب والجمال.

 ـ تمكين الأطفال امن مواجهة التحديات الحيوية:
هل يمكن فعليا لقضايا البيئة والمحيط الحيوي للإنسان لأن تثير اهتمام الطفل؟ مثل: الاحتباس الحراري، والثقب في طبقة الأوزون، وتراجع احتياطيات المياه، والتصحر، وتلوث الهواء، والأمراض الناجمة عن تدهور البيئة، والقمامة السمية والذرية. فمن الواضح أن تناول هذه القضايا البيئية في الصحف، وعلى شاشات التلفزيون، وفي برامج الدردشة اليومية، يثير اهتمام الأطفال ويحرض فيهم الفضول المعرفي. ولأن هذه المشكلات ترتبط حيويا بحياة الأطفال، فإنهم يواجهون هذه القضايا بوصفها تحديات وجودية تحظى باهمامهم وتفكيرهم وقلقهم.
وفي هذا يقول قال الفيلسوف الاسباني أورتيغا ذ غاسيت (Ortega y Gasset.) " لا شيء يحيط بي هو غريب بالنسبة لي"، "أنا نفسي عين ظروفي"، وهذا يعني أن الأحلام، والرغبات، وهذا الأمر بالتأكيد ينسحب على الأطفال. فالمحيط الحيوي الذيي نعيش فيه وكل وما ينطوي عليه من أشياء وقضايا ومشكلات ثقافية ونفسية ومادية تشكل شخصيتي وكينونتي الذاتية، وبما أنني جزء من الطبيعة، فإن كل مشكلة تؤثر على البيئة - الهواء والنباتات والغابات والأنهار والحيوانات وظروف الحياة على الأرض - تؤثر في وجودي وفي كياني.
"فالإنسانية –كما جاء في ميثاق الأرض - هي جزء من عالم متطور واسع، إنها الوطن الذي نعيش فيه كجماعة بشرية حية.. وعلينا أن نقرر العيش بإحساس عالمي من المسؤولية، كما علينا التعرف على أنفسنا كجماعة كونية تمثل مجتمع الأرض برمته وكذلك ضمن سياق مجتمعاتنا المحلية ". وهكذا فإن المبدأ الأول لهذا الميثاق هو "الاعتراف بأن جميع الكائنات مترابطة ترابطا عميقا وجوهريا وأن كل مظهر وشكل من أشكال الحياة يحظى بقيمته الكونية بغض النظر عن قيمته للبشر ".

التجارب الحيوية للأطفال منهجا تنمويا:
ما أفضل الصيغ والطرائق الأفضل التي يمكن أن تعتمد لإدراج هذه القضايا البيئية الحيوية والموضوعات في مناهج التربية والتعليم في مرحلة الطفولة المبكرة؟ وفي معرض الإجابة أ يمكن القول أن أفضل طريقة وأكثر أشكال التعلم فعالية في السنوات الأولى من العمر والمرحل الأولى من التعليم المبكر هي طريقة المشروع. ويمكن أن نورد هنا باختصار شديد موجزا لمشروع واحد وضع من قبل مجموعة من من الأطفال الذين تتراوح أعمارهم بين 3 إلى 4، بمساعدة من معلميهم، في أحد المراكز التعليمية في مرحلة الطفولة المبكرة.

ديدان الأرض:
 وجد فيليب حشرة صغيرة تحت أوراق جافة من شجرة البرتقال عندما كان يلعب في الحديقة، فنادى زملاءه الذين كانوا في مكان قريب قائلا لهم بدهشة انظروا انظروا ماذا وجدت؟ أحد الأطفال سأله أحد رفاقه ما هذا يا فيليب؟ فأجابه فيليب قائلا: "إنها دودة الأرض". وعندا عاد الأطفال إلى الفصل بدؤوا يتحدثون عن الدودة التي شاهدوها تحت شجرة البرتقال، وشكل هذا الموضوع الموضوع الرئيسي للحوار في الفصل الدراسي. واستطاع المعلم أن يوظف الحادثة توظيفا تنمويا بتشجعيه للأطفال على الحوار والتساؤل في محاولة منهم لفهم ما لاحظوه تحت الشجرة وبين أوراقها المتناثرة. وبدأ الأطفال يبدون تعليقاتهم وشروحاتهم المتنوعة. وعلقت ليزا على الموضوع بالقول: والدي يعمل على تربية دود الأرض. ثم سألها المعلم لماذا يقوم والدها بتربية دود الأرض؟ وجاء الجواب حالا من ليزا بالقول: "انه يبيع سماد دودة الأرض". ويسأل المعلم "هل دود الأرض يجعل السماد أفضل؟ وهنا أخذ المعلم يركز على هذه المسألة محاولا أن يجعل الأطفال يفهمون سر السماد وعلاقته بدودة الأرض.

وبدأت الأسئلة والإجابات تتدفق بين التلاميذ، وبعد فترة من الوقت، استطاع التلاميذ بناء هذا الاستنتاج: "الديدان تشكل زغب الأرض وهي التي تساعد النباتات على التفتح والنمو ". وفي كل هذه اللحظات من الحوار كان اهتمام الأطفال بالقضية واضحا، وكانوا جميعا يريدون معرفة المزيد عن ديدان الأرض. بعض الأطفال قالوا إنهم لم يروا دودة الأرض سابقا، وهم لم يكونوا على علم أبدا بقدرة هذه الديدان الصغيرة على جعل الأرض أكثر يناعة وخصوبة لنمو الأشجار والنباتات.
وبعد ذلك اقترح المعلم الفصل على الأطفال القيام بمشروع يمكنهم أن يعرفوا كيف تتحرك الديدان في داخل التربة وكيف تصنع الأنفاق الناعمة، كما يمكنهم من معرفة تتعلق بالمواد التي تتغذى عليها الديدان وسبب كراهيتها لأشعة الشمس. وقد اقترح بعض الأطفال دعوة والد لويزا (مربي الديدان) للحديث عن عمله في هذا المجال. ثم اقترح بعضهم أن يقوموأ ببناء " مشتل لدودة الأرض" في حديقة المدرسة ومن ثم الاستفادة من هذا المشتل لوضع السماد المنتج على النباتات المدرسية،
عندما جاء والد لويزا إلى المدرسة، أحضر " مشتل دودة الأرض" وهو مشتل مصنوع من الزجاج، حيث يمكن للأطفال مراقبة عمل ديدان الأرض. وأوضح في شرحه حولها كيف تتكاثر الديدان، وكيف تؤثر في التربة وتخصبها، كما شرح لهم لماذا يكون هذا السماد جيدا للحدائق. ثم تحدث عن الكائنات الحية الدقيقة التي تعيش في التربة، وعن أهميتها بالنسبة للنباتات بشكل عام، وللخضروات على وجه الخصوص. وفي نهاية المطاف، كان الأطفال فرحين جدا لما استوعبوه من معرفة حول ديدان الأرض ودورها في تخصيب التربة ونمو النباتات.

وفي المرحلة الثانية من المشروع اقترح الأطفال بناء مشتل لديدان الأرض. وقد وجدوا اقتراحات عملية عديدة جيدة وعملية لتحقيق هذا المشروع من خلال شبكة الإنترنت،. واقترح الأطفال، بإدارة المعلم، استحضار عدة مواد ضرورية: زجاجة من البلاستيك، مقص لقطع جانب من الزجاجة، كيلوغرام من التربة، وبعض الرمل، وشريط لاصق، وكيس من البلاستيك الأسود، وقطعة من رقائق الألومنيوم لتغطية الزجاجة (ولحماية الديدان من الضوء وأشعة الشمس) واقترحوا جمع بقايا الطعام، وقشور الفاكهة المتعفنة، والأهم من ذلك، كان عليهم إحضار عدد صغير من ديدان الأرض. وقد كتب المعلم على السبورة كل الأشياء التي اقترحها الأطفال وكل ما قالوه ثم طلب منهم أن يرسموا الأشياء والمواد المطلوبة على أوراق بيضاء.
في المرحلة الأخيرة تمّ تقسيم المهام بين الأطفال لإحضار هذه المواد باشراف المعلم، وبعد الحصول على المواد المتفق عليها، بدؤوا العمل وفق المخطط الذي وضعوه، حيث قام الأطفال بقض جانب واحد من الزجاجة البلاستيكية، ثم وضعوا طبقات التربة والرمل والأوراق الجافة وقشور الفاكهة. وأخيرا، وضعوا الديدان وغطوا كل شيء يأوراق الخس الجافة، وأخيرا غطوا الزجاجة بقطعة البلاستيك الأسود، وبعد عدة أيام قام الأطفال بإزالة البلاستيك لمراقبة ما يحدث. وبعد أربعة أسابيع أخرى كان الفرق واضحا تماما: أصبحت المواد تربة مختلطة، وقد تغير وتكوين المواد داخل الزجاج كما لونها.
وبينما كانت الديدان - التي أطلق عليها أحد الأطفال "عمال التربة" - تقوم بدورها في انتاج التربة السمادية، كان الأطفال يتابعون على الأنترنيت كل ما يتعلق بالدود وطبيعته ودوره الحيوي، واستطاعوا عبر ذلك أن يتعلموا أشياء كثيرة غريبة، لقد عرفوا بوجود عدة أحجام من ديدان الأرض، بعضها يبلغ طوله 0.5 سم ويضل طول بعضها الآخر إلى 3 أمتار. وقرأ الأطفال أن هذه الديدان تم تبجيلها كحيوانات مقدسة في مصر لأنها تسمد تربة ضفاف نهر النيل، وأن بعض الناس يأكلون هذه الديدان، لأنها مغذية جدا وتمتلك على كمية كبيرة من البروتينات.
وبعد بضعة أيام، عندما أصبحت التربية السمادية جاهزة، وضع الأطفال هذه التربة في أواني النباتات وزعوا الورود فيها. وأعادوا زراعة الورود التي فقدت نضارتها بعد إصابة أصيصها بكرة قدم طائشة.
ومع ذلك، لم ينتهي المشروع هناك ليوضع في رفوف خزانة الكتب في الصف، لقد وجد الأطفال كتابا يتحدث عن دودة الأرض بوصفها كبطل لما تقدمه من سماد رائع كان يستخدم لمساعدة النباتات الطبية في النمو، الذي استطاعت أن تكون سببا في إنقاذ حياة بعض الأطفال. فالمعرفة التي اكتسبها الأطفال هذا المشروع ألهمتهم ودفعتهم إلى زراعة حديقة خضروات في المدرسة، وبناء مشتل لانتاج النباتات الطبية.

خاتمة: لمن تقرع الأجراس؟
 تقتضي الضرورة في مجال التربية على الاستدامة أن تعترف الحكومات والسياسيين بأهمية التعليم المبكر في بناء مجتمع مستدام. وفي هذا السياق يمكن القول أن الأمم المتحدة والمنظمات الدولية والحكومات الوطنية استطاعت أن تحصل على نتائج مبهرة في مجال بناء وعي كبير بالمشكلات والتحديات التي تضع الحياة على كوكبنا في حالة الخطر. لقد أصبح الناس أكثر حساسية للأخطار التي تهدد البيئة والمحيط الحيوي الذي نعيش فيه. ومع ذلك، لم يدركوا جيدا حتى الآن أن مرحلة الطفولة المبكرة هي المرحلة المميزة لبناء وعي جديد واتجاهات إيجابية حول أهمية البيئة ورعاييتها من أجل استدامة الحياة على كوكبنا.

ويلاحظ في هذا الخصوص أن التعليم في مرحلة الطفولة المبكرة لم يأخذ مكانه جيدا في بيئة القرارات الوطنية الكبرى. ولعل السبب في هذا الغياب هو أن التربية في مرحلة الطفولة المبكرة لم يعترف بها كما ينبغي شرطا ضروريا للتنمية والاستدامة، والأطفال ما زالوا يأخذون أهميتهم كمواطنين ذي أهمية ثانوية ومن الدرجة الثانية. وهذا هو السبب الذي يوجب علينا أن نناضل ونستخدم الضغط الاجتماعي لوضع الأطفال في مراحل الطفولة المبكرة على جدول الأعمال الوطني، والتأكيد على وجوب النظر إليهم بمنظور المواطنة الكاملة. ومن هنا تبرز أيضا ضرورة العمل في الميدان السياسي والاقتصادي - من أجل وقف تدمير الكوكب – وهنا على المجتمع أن يعترف بالأهمية الاستراتيجية للسنوات الأولى من الحياة، في تعزيز ورعاية مواقف إيجابية جديدة تجاه البيئة، وتطوير الأنشطة التربوية البيئية المستدامة في مرحلة الطفولة المبكرة.
وختاما، فإن يتوجب علينا أن نناشد السلطات والمثقفين والمعلمين إلى الاهتمام بالدور الحيوي الذي يمكن أن تؤديه التربية والتعليم في مرحلة الطفولة المبكرة من أجل تكوين المواطنين الأحرار في مجتمع مستدام. فبناء المجتمع المستدام "يتطلب تغييرا في العقل والقلب"، كما قيل في ميثاق الأرض، وهذا التغيير لا شيء سيكون أفضل منه عندما نبدأ به به في السنوات الأولى من حياة الإنسان حيث يتم غرس الاتجاهات الإيجابية في نفوس الناشئة والأطفال بالأهمية الكبرى للتنمية المستدامة عبر رعاية البيئة واحترام مكونات المحيط الحيوي للإنسان.

 
[1] United Nations General Assembly (UNGA, 2009)
[i] World Commission on Environment and Development (WCED), 1987 Our Common Future, Oxford University Press, Oxford.
[ii] Sen, A. K. (2000). "The Ends and theMeans of Sustainability." Key note .
[iii] - Schumacher, E. F. (1999). Small isBeautiful, Economics as if People Mattered, 25 years later ... with commentaries, Hartley & Marks Publishers, Inc., Point Roberts.
[iv] Dakar Framework for Action (2000).Education For All: Meeting OurCollective Commitments, World Education Forum Dakar April 26-28.
[v] (ESD) education for sustainable development.
[vi] UN Convention. (1989). The UNConvention on the rights of the child. New York: United Nations.
[vii] John Siraj-Blatchford;  Kimberly Caroline Smith;  Ingrid Pramling Samuelsson ; Education for Sustainable Development in the Early Years, ORGANISATION MONDIALE POUR L´EDUCATION PRESCOLAIRE WORLD ORGANIZATION FOR EARLY CHILDHOOD EDUCATION ORGANIZACIÓN MUNDIAL PARA LA EDUCACIÓN PREESCOLAR : http://www.327matters.org/Docs/ESD%20Book%20Master.pdf

 

 

تعليقات (22)

This comment was minimized by the moderator on the site

التربية من أجل التنمية المستدامة هي عملية تربوية لتحقيق التنمية البشرية، فهذا المفهوم يشمل التعليم من أجل الحد من الفقر وترسيخ حقوق الإنسان والمساواة والتنوع الثقافي والتفاهم الدولي والسلام، وترى منظمة اليونسكو أن رؤية التربية من أجل التنمية...

التربية من أجل التنمية المستدامة هي عملية تربوية لتحقيق التنمية البشرية، فهذا المفهوم يشمل التعليم من أجل الحد من الفقر وترسيخ حقوق الإنسان والمساواة والتنوع الثقافي والتفاهم الدولي والسلام، وترى منظمة اليونسكو أن رؤية التربية من أجل التنمية المستدامة تعنى عالما يكون لكل فرد فرصه الاستفادة من جودة التعليم وتعلم قيم وسلوكيات وأساليب الحياة اللازمة من أجل تحقيق مستقبل مستدام و تحول مجتمعي ايجابي، و يعد التعليم والتربية على التنمية المستدامة يكون أكثر فعالية كلما كان هذا التعليم في وقت أبكر وكلما كان الأطفال أصغر سنا، لان السنوات الأولى من حياة الفرد هي الأساس لتشكل شخصية الفرد، وهي الأكثر قدرة على

تطور المواقف والقيم للشخصية الإنسانية

اقرأ المزيد
ابتسام خالد العتيبي
This comment was minimized by the moderator on the site

*التربية على التنمية المستدامة في مرحلة طفولة مبكرة*
التنمية المستدامة هو مصطلح اقتصادي اجتماعي أممي، رسمت به هيئة الأمم المتحدة خارطة للتنمية البيئية والاجتماعية والاقتصادية على مستوى العالم، هدفها الأول هو تحسين ظروف المعيشية لكل فرد في...

*التربية على التنمية المستدامة في مرحلة طفولة مبكرة*
التنمية المستدامة هو مصطلح اقتصادي اجتماعي أممي، رسمت به هيئة الأمم المتحدة خارطة للتنمية البيئية والاجتماعية والاقتصادية على مستوى العالم، هدفها الأول هو تحسين ظروف المعيشية لكل فرد في المجتمع، وتطوير وسائل الإنتاج وأساليبه، وإدارتها بطرق لا تؤدي إلى استنزاف موارد كوكب الأرض الطبيعية، حتى لا نحمل الكوكب فوق طاقته، فالتعليم من أجل التنيمة المستدامة في مرحلة الطفولة المبكره لابد ان تلعب دوراً مهماً في تعزيز السلام بين الثقافات ، وهذا المقال غني بالتعريفات والمعلومات وجمع عن أهمية التعليم من أجل التنمية.

اقرأ المزيد
موضي رشيد مهدي
This comment was minimized by the moderator on the site

في هذا المقال يتم التركيز على أهمية التعليم من أجل التنمية المستدامة في مرحلة الطفولة المبكرة، التنمية المستدامة هي نمط للتنمية يهدف إلى تلبية احتياجات الجيل الحالي دون المساس بقدرة الأجيال المستقبلية على تلبية احتياجاتها، هي مفهوم مهم يهدف إلى...

في هذا المقال يتم التركيز على أهمية التعليم من أجل التنمية المستدامة في مرحلة الطفولة المبكرة، التنمية المستدامة هي نمط للتنمية يهدف إلى تلبية احتياجات الجيل الحالي دون المساس بقدرة الأجيال المستقبلية على تلبية احتياجاتها، هي مفهوم مهم يهدف إلى تحقيق التوازن بين التنمية الاقتصادية والتنمية الاجتماعية والتنمية البيئية، ويجب أن يتم تثقيف الشعوب من الصغر على الحفاظ قدر المستطاع على البيئة من حولنا سيزرع ذلك فيهم حس المسؤولية ايضًا.

اقرأ المزيد
ريم رشيد مهدي العازمي
This comment was minimized by the moderator on the site

مقال شيق وممتع ، التعليم من أجل التنيمة المستدامة في مرحلة الطفولة المبكره لابد ان تلعب دوراً مهماً في تعزيز السلام بين الثقافات ، وهذا المقال غني بالتعريفات والمعلومات وجمع عن أهمية التعليم من أجل التنمية.

موضي رشيد مهدي
This comment was minimized by the moderator on the site

الانسان بطبيعته حاله يحب التطور و يسعى اليه بشتى الطرق لاكن للتطور حدود فبعض المرات التنميه و النمو يشكلان بعض المخاوف لاننا ليس لدينا العلم الكافي لشيء كهذا و اشكر الدكتور علي لطرحه مواضيع جميله كهذه

رتاج عايض المطيري
This comment was minimized by the moderator on the site

تعرفت من هذي المقاله انه التعليم اهم شيء لاستدامه التربيه المستدامه
وان الطفل يكون له حق في التعليم وتركز على الوعي بالمعايير الاجتماعيه والاقتصاديه والاخ…

نور فواز حمد
This comment was minimized by the moderator on the site

بشكل عام المقال جيد وغني بالمعلومات ، لقد قدم لنا نظرة شاملة وموضوعية حول أهمية التعليم من أجل التنمية المستدامة .

Alhanouf Alhajri
This comment was minimized by the moderator on the site

هذا المقال يعالج موضوعاً مهماً بطريقة مدروسة وعميقة. فهو يسلط الضوء على أهمية التربية في تشكيل المستقبل ويقدم رؤى قيمة حول كيفية تحقيق ذلك. الدكتور وطفة استطاع أن يقدم نظرة متعمقة ومتكاملة حول كيفية دمج مفاهيم التنمية المستدامة في العملية...

هذا المقال يعالج موضوعاً مهماً بطريقة مدروسة وعميقة. فهو يسلط الضوء على أهمية التربية في تشكيل المستقبل ويقدم رؤى قيمة حول كيفية تحقيق ذلك. الدكتور وطفة استطاع أن يقدم نظرة متعمقة ومتكاملة حول كيفية دمج مفاهيم التنمية المستدامة في العملية التربوية، مع التركيز على أهمية تغيير العقليات والسلوكيات في هذا السياق.
اكثر ما اعجبني في مقال الدكتور هذا اشارته لأهمية التعليم كأداة لإحداث التغيير في الاتجاهات والعادات والقيم لتحقيق تنمية شاملة ومستدامة. هذا يعكس الفهم العميق للتحديات التي تواجه العالم في الوقت الحالي والحاجة إلى تربية جيل جديد يكون أكثر وعياً بالقضايا البيئية والاجتماعية. و التركيز على دور المعلمين وأهمية تطوير قدراتهم وتغيير عقلياتهم لتكون مواكبة لمتطلبات التعليم من أجل التنمية المستدامة. يعتبر هذا التوجه مهماً لأن التغيير في العملية التعليمية يجب أن يبدأ من القاعدة، والمعلمون هم على الخط الأمامي في هذا التحول

اقرأ المزيد
اريام حمد بريدان العازمي
This comment was minimized by the moderator on the site

التربية على التنمية المستدامة في مرحلة الطفولة المبكرة تركز على تعزيز الوعي بأهمية الاستدامة البيئية والاجتماعية والاقتصادية منذ سن مبكرة. هدفها تعريف الأطفال بمفهوم الاستدامة وتعزيز سلوكيات صحية ومسؤولة تجاه البيئة والمجتمع.

بعض الطرق التي يمكن...

التربية على التنمية المستدامة في مرحلة الطفولة المبكرة تركز على تعزيز الوعي بأهمية الاستدامة البيئية والاجتماعية والاقتصادية منذ سن مبكرة. هدفها تعريف الأطفال بمفهوم الاستدامة وتعزيز سلوكيات صحية ومسؤولة تجاه البيئة والمجتمع.

بعض الطرق التي يمكن تطبيقها في هذا السياق:

1. **التعليم العملي:** استخدام الأنشطة والألعاب التعليمية لتوضيح مفاهيم الاستدامة مثل إعادة التدوير، وحماية البيئة، واستخدام الموارد بشكل مستدام.

2. **التواصل مع الطبيعة:** تشجيع الأطفال على الاستكشاف والتفاعل مع الطبيعة وفهم أهميتها وكيفية الحفاظ عليها.

3. **القيم والأخلاق:** تعزيز القيم مثل المسؤولية والتعاون والاحترام للآخرين والبيئة المحيطة.

4. **التعلم العابر للمواد:** دمج مفاهيم الاستدامة في مختلف مجالات التعلم مثل العلوم، والرياضيات، والفنون، لتعزيز فهم شامل لهذه القضايا.

5. **المشاركة المجتمعية:** تشجيع المشاركة في الأنشطة المجتمعية المرتبطة بالاستدامة مثل تنظيف الشواطئ أو زراعة النباتات.

هذه الأساليب تهدف إلى بناء أسس قوية للوعي بالاستدامة والمسؤولية الاجتماعية والبيئية منذ الصغر، وتهيئة الطفل ليكون جزءاً فعّالاً من مجتمع مستدام في المستقبل.

اقرأ المزيد
رجعان السليماني
This comment was minimized by the moderator on the site

من القضايا التي وضحها و بينها المؤتمر الممارسه العمليه للمعلمين بوصفهم نماذج حيه و قد وضح لي انه المعلمين يجب عليه العيش لمبدأ التوافق بين الفكر و الممارسه

آيه صباح العنزي
لاتوجد تعليقات لهذا الموضوع، كن أول من يعلق.
تحميل أكثر

التعليق على الموضوع

  1. التعليق على الموضوع.
المرفقات (0 / 3)
Share Your Location
اكتب النص المعروض في الصورة أدناه. ليس واضحا؟