أكد ميثاق التربية و التكوين على سلسلة من الإصلاحات يهمنا منها هاهنا؛ على الصعيد البيداغوجي، لحظتين إستراتيجيتين أساسيتين: بيداغوجيا الكفايات ثم التدريس بالمجزوءة.
أولا: بيداغوجيا الكفايات:
محور المشرع بيداغوجيا الكفايات حول أربع قيم هي:
العقيدة الإسلامية.
الحضارة و الهوية الثقافية المغربية المتعددة.
قيم المواطنة، والمراد منها، على وجه التدقيق، خلق مواطن مغربي جديد تواق إلى الانخراط بفعالية في المجال العمومي.
استدماج مبادئ وقيم حقوق الإنسان كما هي متعارف عليها عالميا؛ واستلهاما أيضا لما نصت عليه ديباجة الوثيقة الدستورية لسنة 1996.
ثانيا: المجزوءة: انتقال المبادرة من المعلم إلى المتعلم:
يمكن إرجاع مسألة العمل بالمجزوءة إلى التحولات المجتمعية الكبرى التي شهدتها نهاية القرن العشرين؛ وما اعتمل من تطورات أرخت بظلالها على المنظومات القيمية؛ والتربوية من جهة؛ وعلى سلوكات وسيكلوجيات الأجيال الطالعة من جهة أخرى.
وقصد تفعيل هذه الأهداف وترجمتها على مستوى الواقع ؛ تم التنصيص على ما يلي:
من المفيد تجاوز أساليب التلقين التقليدية التي تعول على تقديم معلومات جاهزة ليكررها المتعلمون.
ضرورة الاجتهاد في طرق التعليم بالشحذ المنتظم لأدوات العمل نفسها؛ كيما تساير التطورات التي طرأت على شخصيات الأجيال الجديدة.
تحفيز التلاميذ؛ ثم دعمهم بإكسابهم مهارات مختلفة ذات نفع تسعفهم في بناء كياناتهم الشخصية؛ وتعدهم أيضا لمواجهة ما يمكن أن يعترضهم من مشاكل؛ وعثرات إنما بدون إثقالهم بأعباء لا طائل من ورائها.
وهذا يعني، ضمن ما يعنيه، تحويل المتعلم إلى معلم صغير داخل قاعة الدراسة؛ وذلك بالاعتماد على إستراتيجية تعليم البعض للبعض الآخر؛ ضمن زمر وحلقات منظمة ومتكاملة فيما بينها في أفق السمو بجودة التعليم؛ والارتقاء بمستوى الممدرسين داخل نسق تربوي من صنف قشيب يتوخى الانفتاح؛ وينشد الحرية، ويتوق إلى الانخراط الواعي والفعال في المشروع الحداثي الديمقراطي الذي يشكل فيه العنصر البشري ركنه الأساس وحجر زاويته؛ وحيث الفلسفة كمنهج، وفكر نقدي هي الضامن لشروط تأسيس مجتمع منفتح لا حيز فيه للانغلاق؛ و التحجر، و الإرتكاس نحو ماض ولى.
هنا بالضبط نصل إلى بيت قصيدنا الذي نبلوره في المساءلات التالية: هل الكتاب المدرسي المشار إليه؛ يسهم بالفعل في تحفيز التلاميذ، ودعمهم، وبالتالي إقدارهم على مواجهة مشاكلهم؟ أضف إلى ذلك، هل ذات الكتاب يقدم ما يكفي من الوسائل، و الإمكانيات من أجل التشغيل الذاتي مثلما جاء في صفحته السادسة؟ أم أنه يزيد من تكريس تصورات بادئ الرأي الساذجة؛ بصدد الفلسفة، في ذهنية التلميذ؟
ثالثا: مناقشة الكتاب المدرسي «في رحاب الفلسفة»
إن هاته الأسئلة وغيرها أضمرناه، هي بكل تـأكيد الدافع الذي حركنا من أجل النظر في محتويات هذا «الرحاب» انطلاقا من عينة من الملاحظات همت العناوين؛ والترجمات، والشروحات المعجمية ثم قواعد اللغة العربية، فالإحالات المرجعية.
عناوين ركيكة
صيغ «الرحاب» المقرر في شكل مجزوءتين اثنتين: مجزوءة الإنسان ومجزوءة الفاعلية والإبداع.
تشمل كل مجزوءة مفاهيم بعينها تم تشطيرها إلى محاور تضمنت نصوصا للتحليل؛ وأخرى للمحاورة، وثالثة للاستثمار. وقد حرص « المؤلفون» على تصدير نصوص التحليل، كما النصوص المحاورة، بعناوين نسجل ضبابيتها على مستويي الصياغة و المعنى هاك أمثلة:
هل نستطيع فصل الوعي عما يفكر فيه ويقصده؟ ص:17
كيف يحقق سلب موضوع الرغبة وعي الذات بذاتها؟ ص:33
ماذا يحقق العقد الاجتماعي من مكاسب في الحالة المدنية؟ ص:61
ضرورة التحكم في التحكم. ص:88
ما الفرق بين ثقافة التقنية و الثقافة الأصيلة؟ص:89
ما وظيفة المال(النقد) في المجتمع؟ص:117. وهنا نسأل: هل المال هو النقد فعلا؟
ترجمات بلغة«أكلوني البراغيث»:
ربما من اللازم التذكير بأن للترجمة ضوابط ليس ينبغي؛ في مطلق الأحوال، القفز عليها ولعل أهمها اقتحام مغالق المتن من أجل ترحيله عبر كتابة ثانية من دون التورط في خيانة النص الأصلي؛ وهذا بالتحديد ما لم تتم مراعاته «في رحاب الفلسفة» الذي نسجل عليه ضعفا حادا يبين؛ فيما نقدر، عن شيئين:
فشل تحرك المترجم بين لغة المتن واللغة المنقول إليها؛ وهذا يفضحه الغموض، واللبس الذي وسم معظم النصوص المترجمة، إذ بدت لا متمفصلة من حيث انتظامها الداخلي، ومفككة مثل حبات رمل مبثوثة ، أو أشلاء مبعثرة من الجمل، والعبارات يعسر تقفي مدلولاتها ومعانيها(..)
رداءة التعبير اللغوي العربي لدى«المؤلفين»، على اعتبار أن اللغة التي صيغت بها تلك الترجمات كسييحة ومتشقفة في جماليتها وإبداعها؛ وقصفة وهشة من حيث تراكيبها، ومعطوبة بسبب إهمال ضبط الروابط التي كان من المفروض أن تسهم في متانة التماسك المنطقي للعبارات؛ بما في ذلك بعض النصوص المعربة أصلا. وهذا يساهم، بكل تأكيد؛ في تزمين بعض البداهات السلبية التي تستوطن مدارك وتصورات التلاميذ كاعتبار الفلسفة ألغازا ليس سهلا الإحاطة بها. ولتأكيد ذلك اقرأ هذه العينة:
« إن كل وعي هو ذاكرة، أي احتفاظ بالماضي وتراكم في الحاضر. ولكن، كل وعي هو استباق للمستقبل. انظر إلى توجه فكرك في أية لحظة، وستجد أنه يهتم بما هو قائم، لكن من أجل ما سوف يكون، إن الانتباه هو انتظار، ولا يوجد وعي بدون انتباه لحياة المستقبل. إنه يوجد هناك[أين يا ترى؟!]، وهو يدعونا، بل إنه يجرنا إليه. وهذا الجر الذي لا ينقطع، يجعلنا نتقدم على طريق الزمن...»
النص الأول، ص:13.
«ينبغي أن ننظر إلى الرغبات باعتبارها تتكون من رغبات طبيعية وأخرى عبثية، وأنه من بين الرغبات الطبيعية، يعتبر بعضها ضروريا والبعض الآخر طبيعيا فقط، ومن بين الرغبات الضرورية، يكون البعض ضروريا للسعادة، والبعض ضروريا لتجنب آلام الجسم، والبعض الآخر ضروريا للحياة ذاتها(...)» النص الأول، ص:37
«إن نظريتي تدعم القول بأن العادات العضلية المكتسبة[ما هذا يا أيها «المؤلفون»؟!!!] داخل اللغة الظاهرة هي المسؤولة عن اللغة المضمرة والباطنية[ ما هذا أيضا؟](الفكر)، كما تدعم أيضا القول بوجود مئات التوليفات العضلية[يا سلام!!!](...) يقوم جوهر هذا البرهان على ملاحظة سلوك الطفل. فإذا كان الطفل [لاحظ فعل الشرط] وحده، تكلم[لاحظ عدم تطابق الأزمنة وضعف التعبير العربي لدى «المؤلفين»] بدون توقف. فالطفل في السنة الثالثة من عمره، يقضي يومه وهو يردد كلمات بصوت مسموع... [أين جواب الشرط؟!].
النص الثاني، ص:49
«إنه من الأصوب أن نميز في الرغبة أنواعا متعددة ومختلفة بقدر تعدد الموضوعات التي نبحث عنها. ذلك أننا لو أخذنا مثلا الفضول أو حب الاستطلاع التي ليست سوى رغبة في المعرفة [على من يعود اسم الموصول«التي»؟!]...ولكن يكفي هنا أن نعلم بأنه هناك أنواع من الرغبات بقدر ما هناك من أنواع الحب و الكراهية! ! !»ص:36
«فالفرد يتعلم هذه النماذج بوصفها مجموعات تفترض ضرورة الحياة الاجتماعية، كما تفترض ضرورة إشباع حاجاته الخاصة، فهو يعض على طقم الإشباع المباشر والشخصي فتأسره صنارة التنشئة الاجتماعية، يتعلم الأكل ليشبع جوعه، ولكن من أكبر سنا منه[ياسلام!!!] يعلمونه كيف يأكل، وهكذا يستدعي جوعه، مستقبلا، إشباعه بطريقة مقبولة من لدن مجتمعه ومماشية["لاحظ لغة أكلوني البراغيث"!!!] لباقي النماذج الثقافية.»
النص الثاني، ص:69
-*- « وإذا أردنا أن نصل إلى دلالة التقنية، فعلينا الانطلاق من الروح أو النفس ومنها وحدها.[ !!!] فالوجود الحر للحيوان هو صراع وليس شيئا آخر غير الصراع: إنه خطته الحيوية[هل فهمت شيئا أيها القارئ؟!]... أما التقنية، في دلالتها الإنسانية، فهي خطة للحياة. إنها الشكل الداخلي الذي يعتبر الصراع مظهره الخارجي [الله أكبر!!!]» ص:80
«شروحات معجمية» في حاجة إلى شروح:
آثر المقرر الجديد تقديم ما وسمه ب«شروحات معجمية» لمفاهيم تقنية؛ دأبت اللغة الفلسفية على توظيفها أو التفكير بها. من ثمة تطلب الأمر توضيحها أو الاستزادة في شرحها.
مكنتنا قراءتنا لتلك «الشروحات» من الوقوف؛ مرة أخرى، على الاضطراب و الخلط مما يسمح بالاستنتاج بأن واضعها كان كالقابس العجلان إذ لم يثبت بما في الكفاية وقت الاشتغال فقذف بأقواله بلا روية. ولتأكيد هذا تأمل هذه العينة من الملاحظات.
المخاوف الهيستيرية: اضطرابات نفسية عصابية تعبر عن علاقات اضطراب في شخصية الفرد[!!!] وهي تعبيرات جسدية[!!!]ص:16
العصاب: لغة الجسد[!!!] وتتمثل أساسا في العصاب الهيستيري..ص:17
الدوافع التدميرية: ميولات غريزية، هدفها الإشباع وتحقيق اللذة. ص:28[لاحظ الخلط الناتج عن جهل "المؤلفين" بمفاهيم التحليل النفسي و المجسد هنا في عدم القدرة على التمييز بين الليبيدو والصراع النفسي]
النفي(السلب):يدل على ما تقوم به الذات من تغييرات على الموضوع الطبيعي بواسطة الشغل لتحقق وعيها بذاتها [ياسلام!!!]ص:33
ضعف لغوي صارخ أو بؤس لغة «الرحاب»
يبدو أن واضعي «الرحاب» لا يقيمون وزنا يعتبر لعلوم الآلة العربية. فكتاب «في رحاب الفلسفة» ينطوي على أخطاء فادحة وفاضحة أيضا تخرب من حيث لا يشعر «المؤلفون» قواعد لغة الضاد التي تلقنها التلامذة في الطورين: الابتدائي والثانوي الإعدادي. ولتأكيد ملاحظتنا نورد مقتطفات تمثيلية من هاته الأخطاء:
-*- «يقصد هذا الموضوع بالكيفية الخاصة بالحكم الجمالي...»النص:1-ص:17
-*-«إن الطبيعة قد أقامت البهجة لتصور التمتع بما هو مبهج وملذ كأعظم خبر(...) صحيح أن هناك أنواعا مختلفة من البهجات[!!!]...»ص:36
[لا نقول ملذ، لأن أصل الكلمة من فعل لذ الثلاثي، واسم الفاعل من الفعل الثلاثي يكون على وزن فاعل ومنه «شامل»كـ «الشامل في الفلسفة» لذا وجب القول: لاذ، ثم إنه لا نقول بهجات وإنما مباهج...] كـ «مباهج الفلسفة».
-*-« إننا نحكم على موهبة كابق روائي من خلال قدرته على الاشتغال بعالم العواطف والأفكار، وترجمتها إلى لغة مكدسة!!..» النص:01،ص:49[فهل اللغة تكون مكدسة؟!].
-*-«...ثم يرتبط،بعد ذلك، بمجموعات ذات أشكال مختلفة، تولدت عن انقسامات العشائر....»ص:65،النص:01
[لانقول تولدت عن بل نقول تولدت من ليستقيم التركيب العربي السليم]
-**-«لايمكن العلم ولا التقنية[لاحظ رداءة العبارة] أن يشكلا ثقافة أصيلة، لأنهما يقدمان حلولهما بوصفها[على من يعود الضمير المتصل «ها»؟ والأمر يتعلق بالمثنى؟!]. حلولا نهائية» النص 01،ص:89
إحالات مرجعية غير مضبوطة
والضعف أيضا ليس مقصورا على ما تمت ملاحظته في النقط السالفة فحسب؛ وإنما تعداه ليشمل الإحالات المرجعية التي ذيلت بها النصوص، فانظر قصرا لا حصرا إلى ما يلي:
-*-تمت الإشارة إلى دار النشر P.U.F بالتعريب الآتي: «المطابع الجامعية الفرنسية» أو «المطابع الجامعية»؛ وهو تعريب حرفي خاطئ تماما ؛ لأن الصحيح هو« مطبوعات فرنسا الجامعية». ص ص: 13- 37- 52- 64- 101- 117 - 120
-*- أقدم«المؤلفون» على ترجمة عنوان كتاب: إدغار موران ب «علم مع وعي» بيد أن هاته الترجمة غير منسجمة، وغير مطابقة للعنوان الأصلي للكتاب الذي هو «علم بوعي»[ انظر ص ص : 85 – 93]
-*-أشار«المؤلفون» إلى عمل أرسطو«السياسة» المعرب من لدن الأب أوغسطين بربارة البولسي بعنوانين مختلفتين؛ فمرة وسموه ب «السياسة» ص:61 ومرة ثانية وسموه ب «في السياسة» ص:116
رابعا: خلاصة واستفهامات
تكشف هاته العينة من الملاحظات عن نوعية المشاكل التي يتخبط فيها كتاب «في رحاب الفلسفة». وهي بمطلق الأحوال، مشاكل سببها تقديم مادة «معرفية» بترجمات مسيخة، ولغة بئيسة، وأسلوب متذبذب مفتقر إلى السلاسة و الوضوح المطلوبين في كل مادة تعليمية. وانطلاقا من هذا الاستنتاج العام نخلص إلى المساءلات الآتية:أيمكننا إنجاز عمليات تواصل ممكنة مع نصوص معوجة؛ أو قل مواتا؟ وهل بمكنة كتاب مدرسي كـ«الرحاب» بهكذا ضعف وبهكذا هزال وركاكة أن يتيح للتلميذ فرصة الاشتغال؛ والتعلم الذاتي،ومن ثمة الانفتاح بوحي على بعض القضايا والأنطولوجيات التي تجتاح كياناتنا الذاتية والمجتمعية بشكل حاد في زماننا هذا؟
إننا بصراحة نشك في ذلك، ولك أيها القارئ أن تتطلع لتحكم (...)
مرجعيات
« في رحاب الفلسفة» السنة الأولى من سلك الباكالوريا- مسلك الآداب والعلوم الإنسانية،كتاب التلميذ(ة)، فريق التأليف:أحمد الخالدي، مصطفى كاك، عبد الغني التازي، محمد زرنين.
الدار العالمية للكتاب- مكتبة السلام الجديدة، الدار البيضاء- 2006.
Harouchi (Abderrahim) : 2005 , apprendre à apprendre, éditions le Fennec, Casablanca, Maroc, pp :32- 33 et sq
Morin(Edgar) :1982, science avec conscience , Fayard, France , 328pages.