كثيرون يعتقدون أو ربما يريدون أن يقنعونا، بأن المدرسة هي أولوية الأولويات،،هي التي عليها تحمل مهمة التغييرفي المجتمع،،إنها أكبر كذبة انطلت على المهتمين بالشأن التربوي و الاجتماعي في بلادنا،،أو لنقل يريدونها أن تنطلي علينا ،،،فاستوردوا كما العادة عدة تربوية تتوفر فيها جميع المواصفات العالمية للتغيير نحو العولمة و حاصلة على شهادة التسويق من مختبرات تدجين الشعوب و يحاولون إيهامنا أننا أخيرا وجدنا الحل،،،أقصد هنا بيداغوجيا الإدماج،،،
المدرسة لا يمكن أن تكون غريبة عن مجتمعها،،،عن آماله و تطلعاته و في نفس الوقت عن مشاكله و قضاياه،،منه و إليه،،،تفعل فيه و تنفعل بتحولاته،،،
فلا يعقل أن يكون المجتمع مختلا على كل المستويات خصوصا على مستوى القيم و التطلعات الناتجة عن وضع اقتصادي عنوانه المبادرة الحرة التي لا تعني شيئا سوى استغلال غباء الآخرين أو ضعفهم أو عرقهم لتكديس المال
لا يعقل أن نتغاضى عن كل هذا و نأتي إلى المدرسة و نطلب منها أن تغير هذا الواقع صحيح أن المدرسة يجب أن تساهم من موقعها كمؤسسة للتربية و التكوين ،،،لكن يجب أن تكون مساهمتها ضمن خطة شاملة للنهوض بالمجتمع،،،ضمن مشروع اقتصادي و اجتماعي ثقافي متكامل و متوافق عليه يلبي التطلعات إلى مجتمع عادل أولا عادل اقتصاديا و سياسيا و ثقافيا .
أغلب الآباء يصرحون أن لا فائدة من مدرسة سيتخرج منها ابناء عاطلون،، يزيدون في تأزيم واقع الأسر المأزوم أصلا ،
أنا نفسي ذلك الأستاذ الذي حملوه وحده وزر كل الاخفاقات،،،لا أقصد تحميله المسؤولية إنما أعني أنهم حملوها ظهره و قالوا له: در ولا تتوقف عن الدوران في مكانك،،،كحمار الناعورة
أنا نفسي كيف حالي و ما موقعي؟؟
تصوروا خمسة و عشرون سنة بالتمام و الكمال و أنا أدور في نفس الحلقة نفس الأماكن، نفس الوجوه ،نفس الكلام طيلة خمسة وعشرين عاما،،،ما شعرت يوما بأن المدرسة تتغير من حولي ما شعرت يوما أنني أسير إن لم أقل أني أتراجع كل يوم،،،
دخلت ممتلئا عن آخري بالأحلام و الآمال الكبيرة و الصغيرة،،،حتى أنني كنت أتخيل نفسي أحيانا نبيا ألم يقل الشاعر كاد المعلم أن يكون رسولا؟؟؟؟كنت شغوفا جدا بنجاحاتي الباهرة التي تجلت في السنين الأولى،،،لم أخضع يوما للخطابات العصماء حول المسؤولية و الضمير،ولا لأوامر الرؤساء الأغبياء،،كان شيئا آخر يقودني ،،،لم يكن سوى حبي و أحلامي ،،،لكن ذلك الحب كان يموت شيئا فشيئا في الواقع،،،فالواقع أقوى من الأحلام المنعزلة داخل أسوار هرمة لمدرسة بئيسة و غريبة إن لم يكن للأحلام امتداد في الواقع فهي تختنق و تموت شيئا فشيئا،،،
خمسة و عشرون سنة ،،،ربما نصفها قضيته في الطرقات،ألوح للعربات،،أحيانا كثيرة كنت أجد نفسي كالغجري دائما حقيبتي على ظهري و مستعد للسفر،،،و على ضفاف تلك الطرقات منيت نفسي مرارا أنني يوما ما سأنتقل قريبا من بيتي و أصير مثل زملائي الذين ألقاهم في طريقي يخرجون من بيوتهم متأنقين في بدلاتهم و يحملون محافظ جميلة و نقية و يسيرون قليلا راجلين إلى مدارسهم ثم يعودون وقت الظهيرة إلى بيوتهم ليجدوا الغذاء جاهزا حتى هذا الحلم الصغير جدا لم يتحقق أبدا،،،لازلت في الطرقات وزادي على ظهري،،في بردها و حرارتها،،،في أمطارها و أوحالها،،،كل يوم أعود للبيت متعبا مثلما يعود عمال المناجم،،،سكنت جسدي أو مرت منه كل الأمراض تقريبا لم يتبق سوى المرض الأخير الذي سيريحني أو يؤدي بي إلى الجنون
فهل لكم أيها السادة أن تدمجوني في الحياة التي أفتقدها أولا؟؟؟؟؟
