anfasse29115لعلنا لا نجافي الحقيقة إذا قلنا ، إن الأدب الكلاسيكي الروسي ، هو الإسهام الروسي الحقيقي في تطور الثقافة العالمية . فهو يحتوي على عدد كبير من الروائع الأدبية ، التي لا زالت تحتل مكانة مرموقة في الأدب العالمي . وهذه حقيقة يعترف بها كل متذوق للأدب الرفيع ، أتيح له الدخول الى العالم الساحر لعمالقة الأدب الروسي ، عالم  العواطف الجياشة والمصائر التراجيدية ، الزاخر بالقيم الإنسانية ، والأخلاقية ، والروحية المشتركة بين البشر ، بصرف النظر عن العرق والدين والثقافة ، لذا فهي مفهومة وممتعة لجميع محبي الأدب الحقيقي في العالم حتى يومنا هذا .
عندما اطلع القاريء الغربي على الأدب الروسي الكلاسيكي في النصف الثاني من القرن التاسع عشر ، وقع في عشق هذا الأدب. ولم يمض وقت طويل حتى شرع نقاد الأدب في أوربا ومن ثم في أميركا ، يتناولونه بالبحث والدراسة، وأخذ عدد كبير من الكتاب الغربيين يتعلمون منه تقنيات الكتابة .
كان  القرن الماضي ، قرن الأدب الروسي الكلاسيكي  في الرواية ،والقصة ،والمسرح ، والسينما. قرن تولستوي ودوستويفسكي وتشيخوف ، ولم يستطع أي أدب  قومي ، او وطني في ابعد زاوية من عالمنا الفسيح ، أن يتجنب تأثير هذا الأدب الملهم ، الذي ترجمت روائعه الى أكثر من (170) لغة من لغات العالم مرات عديدة ، وصدرت في طبعات متلاحقة ، وحولت الى افلام سينمائية ناجحة في هوليود وفي بقية انحاء العالم. ويكفي ان نقول ان السينما العالمية أنتجت ( 234 ) فيلماً ، مستوحاة من قصص ومسرحيات أنطون تشيخوف، منذ ظهور السينما الصامتة وحتى اليوم .

Anfasse19118مدخل :
في خاتمة  رواية “الغريب” للكاتب و الفيلسوف الوجودي الفرنسي ألبار كامو ، حمّلنا ” مُرسو” بطل الرواية أمنية أخيرة قبل إعدامه وهي :”أن يحضر إعدامه جمعٌ غفيرٌ ، و أن يستقبلوه بصرخات حقدٍ” ، فاتنا ربما أن نحضر لحظة الإعدام   لكنّ الصّرخات الحاقدة ما تزال ممكنة خاصة حين نتذكرّ قول عبد الرحمان منيف في رواية ” شرق المتوسط ” إذ يهمس فينا : “أريدك إن تكون حاقداً وأنت تُحارب، الحقد أحسن المعلمين، يجب أن تحول أحزانك إلى أحقاد، وبهذه الطريقة وحدها يمكن أن تنتصر، إما إذا استسلمت للحزن فسوف تهزم وتنتهي، سوف تهزم كإنسان، وسوف تنتهي كقضية”  و لأننا نزعم الدفاع عن قضيّة سنلتزم بنصيحة هذا الأخير و نحققّ أمنية الآخر ، نعود إلى عنوان القراءة بعد أن بيّنا سبب وصفها بالحاقدة و نمر للحديث عن” الغريب البار كامو “، إذ لا نرى أيّ غرابة في وصف بطل روايته بالغريب برغم تكلّس مشاعر”مرُسو” و تبلّد أفكاره العبثيّة اللا مبالية  إلا إنها بالنهاية شخصية سرديّة و محض خيال ، لا واقع لها خارج سياقها القصصي أو زمنها الروائي لهذا كلّ ما يصدر عن الشخصيّة الرئيسيّة يمكن أن يفهم و إن يوضع في سلّته العبثيّة و الوجوديّة لكن مكمن الغرابة بالنسبة لنا هو كاتب الأثر  الذي بدا لنا في كامل الرواية -التي شغلت الناس منذ عقود – صاحب أجندة دفاع كولونيالية  هدفها التسويق لفرنسيّة الأرض الجزائرية وفي ازدراء تام للحضور العربيّ واقعا و تخييلا ضمن الرواية حاول التسويق أيضا للإنسانية الفرنسية التي تحاكم مواطنيها بتهمة ” دفن الأمّ بقلب مجرم” مهمّشا تمام التهميش الضحيّة العربيّ الذي قتل بدم بارد .

Anfasse09115أولا: الهامش
توطئة
منذ النقلات التي حققها العملاق نجيب محفوظ في الفن الروائي، تبوأت الرواية مكانها وتربعت على عرش الفنون والآداب، وظهر جيلٌ جديدٌ من الرواد، ساهموا في دفع حركة الإبداع في الرواية العربية، وبشكل خاص إبان الحقبة الناصرية، التي شهدت ميلاد العديد من الروائيين المهمين، والذين تركوا آثارًا لا تندرس في أدب الرواية بشكل خاص، والأدب بشكلٍ عام، وهي فترة كانت الظروف  الموضوعية مهيأة، وهي تغيرات كيفية، قامت على تراكمات كمية، منذ فجر الرواية الذي أَذنَّ له << محمد حسين هيكل بروايته زينب>> وواصل الإمامة يحيي حقي،  ثم نجيب محفوظ و..هلمجرا ، وذلك بالطبع جزء من ديناميكية وحيوية المجتمع المصري، ووجود القوى الثورية والمناضلة، التي تقاوم الاحتلال (  إبان الملك وأعوانه) والاستعمار و الهيمنة الجديدة فيما بعد، مربوطةٌ بالبعد الاجتماعي والطبقي( شعارات الاشتراكية).
ومن الذين برزوا في هذا الزمن، وأصبح لهم باعٌ طويل أديب  مقالنا << جمال الغيطاني، وقبل أنْ نبدأ موضوعنا نلقي الضوء على حياته و مسيرته الإبداعية، من خلال بانوراما سريعة، ستفيدنا  عندما نتعامل مع الرواية التي سنتحدث عنها بعد قليل.

Anfasse09112غدونا لذي الأفلاك لعبة لاعـــب 
أقول مقالا لست فيه بكــــــــاذب    
على نطع هذا الكون قد لعبت بنا
وعدنا لصندوق الفنا بالتعاقــــب
                            عمر بن إبراهيم الخيام

إذا كان المعري في الشعر العربي هو " شاعر الفلاسفة وفيلسوف الشعراء" ذلك أنه ضمن شعره آراءه الفلسفية في الحياة وخلاصة تأملاته وقراءاته في الفكر الفلسفي وقد جمع ذلك كله في  "اللزوميات"، فحق لشاعر نيسابور وعالمها عمر الخيام أن يدعى شاعر العلماء وعالم الشعراء، فقد جمع بين  العلم الدقيق والفن الأصيل وزاوج بين التأمل في العدد والتأمل في الوجود، فجاء في شعره كما جاء في علمه فرادة إبداع وأصالة فكر وصدق فراسة وحرارة وجدان، وحق  لزبدة إبداعه الشعري المعروفة بـ "الرباعيات" أن تنال مرتبة الخلود ومرتبة العالمية ، ذلك أنها خير ما أبدعته فارس من الشعر الجامع بين عمق الفكرة وجمال العبارة وصدق الشعور وحق لعمر الخيام أن يستوي بين شعراء فارس شاعرا فذا من كبار شعراء الإنسانية وأن تكون رباعياته زادا فكريا وجماليا وإنسانيا خير ما تهديه فارس إلى العالم .
وحياة الخيام غامضة لا نعرف عنها الكثير وأول شك ينتاب الباحث هو تحديد تاريخ ميلاده وقد تضاربت الروايات في ذلك ومن المرجح أنه ولد في النصف الثاني من القرن الخامس الهجري وقد عاش في زمن السلاجقة

anfasse01116"الشعر هو الفن المطلق للعقل، الذي أصبح حرا في طبيعته، والذي لا يكون مقيدا في أن يجد تحققه في المادة الحسية الخارجية، ولكنه يتغرب بشكل تام في المكان الباطني، والزمان الباطني للأفكار والمشاعر". (هيجل)
"إن الصور الجمالية… لا علاقة لها إطلاقا بالبلاغة، فتلك هي إحساسات: مؤثرات إدراكية وانفعالية، مشاهد ووجوه، ورؤى وصيرورات… ولعل خاصية الفن هي المرور عبر المتناهي، لاستعادة اللامتناهي وإعطائه ثانية" (دولوز)
1 ـ تقديم:
هناك واقعة تحمل أكثر من دلالة، وهي أن ظهور علم الجمال، تزامن مع موت البلاغة الكلاسيكية. وهي واقعة مؤشرة على القطيعة الإبستمولوجية التي ميزت عصر الحداثة، بما هو انفتاح الكينونة على الفردانية، وما يعنيه هذا الانفتاح من إطلاق سراح "الأنا-موجود" من سجن التطابق، والميتافيزيقا هذه التي تحيل كل شيء إلى أصل ظاهر للوجود، كما أنها تخضع الكائن للطبيعة.
وموت البلاغة من جهة أخرى، تعبير عن انهيار العقلانية الدوغمائية التي تقوم نظرية المعرفة فيها على فكرة التماهي بين الذات والموضوع، والتماثل بين نسق الأفكار ونسق الأشياء. وهذا التماهي كان له وجهان: "فهو يستتبع في ذاته غائية، كما أنه يشترط مبدأ لاهوتيا كمصدر وضمانة لهذا الانسجام، ولهذه الغائية"(1).

anfasse01112لقد تضمنت الأجناس الأدبية عامة، والأعمال الأدبية التي تدور في فلكها، شخوصا تعد انماطا مساعدة لإتمام العمل الفني، ليغدو متكاملا، لكن هذه الشخوص تتمثل مواقف تعبر عن رؤية الأديب لواقع، وتعلو هذه الشخصيات نماذج تعبر عن الفكرة المرادة، والرسالة المتوخاة، تسمى هذه الشخصيات التي تحمل الرؤى والمواقف، بالنماذج الأدبية.
إن النموذج الانساني في الأدب، نتاج تصوير يقوم به الكاتب، فيتمثل فيه صفات وعواطف "كانت من قبل في عالم التجريد، أو متفرقة في مختلف الأشخاص."  فهو إذن كما يقول كليب KLLEP:  "مفهوم جماعي للشخص أو السلوك(...) نجده كثيرا في الفن الشعبي والأدب والمسرح. وأنه مركب "من سمات نفسية أو شخصية أو طباع أو عقلية خاصة."وهذه السمات "البارزة للأفـراد الذين لهم مكانة متميزة في المجتمع وهذا ما يحفزهم لتبني نوع خـاص مـن سـلوك الدور."

Anfasse24107مدخل :
بداية علينا التنويه بكون مفهوم الكتابة النسويّة مفهوما مغلوطا ابتدعته الثقافة الذكوريّة المتسلطة بمجتمعاتنا العربيّة للتاكيد على دونية ابداع المرأة العربية ، الحقيقة مفاهيم كثيرة وجبت مراجعتها كمفهوم المبدع الشّاب او المبدع العصامي : الكتابة لايعنينا جنس صاحبها، ولا عمره و لا علاقة لها ايضا بكرّاس المعلم ،الكتابة هي الكتابة و النصّ هو النصّ المحكّ الحقيقي للحكم عليه  محكٌّ جماليّ لا يخضع البتّة الى تقسيمات جنسيّة/فئوية –جنس كاتبه -  و لا يتأثر بالعمر او المستوى التعليمي  و محمد شكري و جمال الصليعي  خير دليل كم من اكاديمي فشل في ان يكون شاعرا و كم ناقد ارعب الكتاب بنصوصه النقديّة تعذّر عليه ان ياتي بربع ما ابدعه  الشاعر أو الروائي رغم ما يحمله من تنظيرات و علم بالمباني و المعاني والمدارس و اللغة  .
نبوغ نازك الملائكة ، تجديدها و فعلها الطلائعي باعتبارها من روّاد الشعر الحديث و المجددين فيه لا علاقة له قطعا  بأنوثتها بل احدثت بنصّها  " الكوليرا"  شرخا في الثقافة العربية زلزل مسلّماتها ، كل هذه الزلزلة تعود الى المنجز الابداعي في جماليته و طرافته بعيدا عن جنس صاحبه ،لذلك فهذا التقسيم بين كتابة نسوية و اخرى ذكورية –حسب اعتقادي – هو تقسيم ملغوم و خاطئ .

Anfasse24105"الشيخ والبحر"، الرواية (أو القصة) الشهيرة للكاتب الأمريكي "أرنست همنجواي" (1) والتي كانت وراء فوزه بجائزة نوبل للآداب وبجوائز أخرى قبلها وبعدها، وتم تحويلها إلى عدة أفلام سينمائية (2) وتلفزيونية فضلا عن ترجمتها لعدد من اللغات منها العربية في أكثر من ترجمة... (3)؛
فرغم عدم استقرار الرأي حول ما إذا كان هذا العمل السردي الخالد رواية (قصيرة) أم قصة (طويلة) فقد ظلت "الشيخ والبحر" نصا إبداعيا عظيما يغوص في أعماق النفس البشرية مدا وجزرا ويسبر أغوارها انطلاقا من موضوعة صراع الإرادة والمواجهة المفتوحة ضد الاستسلام مهما تعددت العوائق والمثبطات وتوالت مكائد الزمن وطال أمد تحقيق المبتغى.
يقوم "أرنست همنجواي" في هذا العمل الإبداعي الخالد بنحت قيمة العزيمة في حياة الأفراد بتسليط الضوء على الصراع التاريخي للإنسان مع الطبيعة لتطويعها لفائدته.. وغير ذلك من القيم والمعاني والرسائل العميقة التي تبقى طازجة عند تتبع مسار وسيرة وأجواء وظروف عيش الشيخ، هذا البحار النحيف الذي لم يسعفه الحظ على صيد أية سمكة طيلة 84 يوما من نزوله المسترسل للصيد، حتى إنه أصبح عرضة للسخرية من طرف البعض، لكنه لم يفقد الأمل في تجاوز "حظه العاثر" إلى أن تحقق له ذلك حيث علقت "سمكة كبيرة وفاخرة" في صنارته..
ولأنها كانت ضخمة جدا استحقت منه المغامرة للفوز بها، فلم يتوان عن مجاراتها في عرض البحر يومين متتالين، بليلهما ونهارهما، حتى تغلب عليها وأحكم ربطها إلى مركبه الشراعي الصغير..