Anfasse2203344إذا شيعوني يــــــــــوم تقضى منيتي
وقالـــــــــــوا أراح الله ذاك المعذبـــــــــا
فلا تحملوني صامتين إلى الثرى
فإني أخاف اللحد أن يتهيــــــــــبا
وغنوا فإن الـــــــــــــــموت كأس شهية
ومــــــــــازال يحلو أن يغنى ويشربا
ولا تذكروني بالبـــــــــــــــــكاء وإنما
أعيدوا على سمعي القصيد فأطربا
وصية العقاد لمشيعي جثمانه

رحل العقاد الجبار في آذار من عام 1964 ومن عجائب الأقدار أن يكون يوم دفن جثمانه بمسقط رأسه أسوان هو يوم 13 مارس هل غلب الرقم 13 العقاد الذي تحدى مظاهر الشؤم ومنها الرقم 13 نذير الشؤم والنحس؟ العقاد الذي يعيش بعقل الناقد والممحص وبروح الاستعداد والمواجهة بارز حتى هذا الرقم لا مبارزة دونكشوت لطواحين الهواء لكن بفروسية أبي زيد الهلالي فسكن في البيت رقم 13 بشارع السلطان سليم بمصر الجديدة واختار يوم 13 لإعادة بناء بيته القديم بأسوان هل هزمه هذا الرقم ؟ كلا وإنما هي محض مصادفة.

يكثف عنوان القصة الأولى" أطفال بلد الخير"لمحمد زفزاف الواردة ضمن المجموعة القصصية الموسومة ب "العربة " مضمون القصّة نفسها ،وقد تختزل دلالته الرؤية الفكرية للكاتب المتحكمة في المجموعة ككل.
جاء عنوان القصة تركيبا اسميا ف"أطفال " مبتدأ ،وهو مضاف ،و"بلد" مضاف إليه و"الخير "مضاف إليه كذلك .في حين أنّ الخبر يمكن تقديره انطلاقا من القصة ذاتها ب "جائعون ".
نلاحظ أن كلمة (أطفال)معرّفة بالإضافة ،وليس بأل ،وهناك فرق دلالي ينتج عن  حالتي التعريف هاتين .فالتعريف بأل يضفي على المعرّف سمة التّحدد والتعيّن من تلقاء ذاته .أمّا التعريف بالإضافة ،فينزع عنه هذه السّمة ؛إذ يجعله مفتقرا إلى غيره ،كافتقار (الأطفال )إلى خير (البلد).
إنّ العنوان يصوّر البلد كرقعة جغرافية مفتقدة لأي بعد إنساني ،فالبلد مجرّد وعاء لا غير بالنّسبة للأطفال الذين لا حق لهم في خير بلدهم .
وتتضح دلالة تعريف البلد بالإضافة عند مقابلتها بدلالة تعريف كلمة الخير.،فتعريفها بأل يدل على التّحدّد والتّعين ،فخير البلد إذن ،حقيقة ثابتة.وإذا كان الأطفال لا يستفيدون من ثرواته ،ويتضح ذلك من قول السارد :"وهناك ثلاثة أطفال بعيدون عنه بعدّة أمتار يتحرّشون به ،وهم يأكلون قشور البرتقال[1]".ويعانون من الجوع "لكن مع ذلك فالخير موجود ،وبالرّغم من أنه موجود ،فقد كان الأطفال خلف الضاوية جياعا [2]".
إن هناك من يحرم الأطفال الثلاثة من إشباع جوعهم ،ويستفيد من إبقائهم على الطوى ،وهو ليس فردا ،بل طبقة اجتماعية ،مستغلة ترمز إليها القصة ب "الفيلات "
نقف بدءا من العنوان إذن ؛على موضوع القصة .بما هو تصوير لواقع الصراع الطبقي بالمغرب.
-في المتن :
تصوّر القصة صراع الضاوية من أجل العيش ،وذلك من خلال بيعها للبرتقال،و تحملها مسؤولية تربية ابنها تربية صالحة بمقاييسها الخاصة ،هكذا تجهد نفسها لثنيه عن مرافقة أطفال الشارع ،هؤلاء الذين يتضورون جوعا ؛مما يدفع بهم إلى التخطيط لسرقة بضع ليمونات من ليمون الضاوية .وحين يغير القمع على الباعة ،وتفرّ الضاوية تاركة وراءها ما تبقى من سلعتها البرتقالية ،يتعاورها أطفال الشارع ،ويشرعون في التهامها غير عابئين بما يدور حولهم.

مقدمة:
          لقد جرت مياه كثيرة عبر التاريخ، في أنهار الدراسات الأدبية، من نقد –بشتى مذاهبه- في محاولة لحصر المجال الأدبي، وتحديد العلاقات الثقافية داخل الأنساق والبنى، أو خارجها، وقد كانت كل محاولة، سعيا للتخلص من "تكرار كل الصيغ الجاهزة والسعي إلى تحيين الاشكاليات من منظور تنقيدي يربطها بانشغالات الحاضر وأسئلة المستقبل.[1]" وحفاظا على المحلية وصونا لخصوصياتها. فكان ذلك إعلانا لظهور الدرس الأدبي المقارن، باعتباره درسا لعلاقات الأسباب بالمسببات، وأيضا درسا للنقد الجديد في تحديد مدى تداخل وسائل التعبير، في محاولة صريحة لردء التصورات المتشبثة بالبعد المحلي، والانفتاح من خلال تلك الانتاجات على بعدها العالمي، إنها دعوة لتجسيد مفهوم العالمية، واختراق تلك الحدود الوهمية التي تحصر الانسان في جل المستويات.
         يعد علم الادب المقارن من العلوم الحديثة، ومن المعروف أن منشأه كان في فرنسا، على الرغم من أن طبيعة الموازنة بين الأدباء في لغة واحدة أو لغات مختلفة كان أسبق، وذلك ما جعل بروزه كعلم مستقل بذاته، متميز بخصوصياته وقواعده المنهجية، لا يكون إلا في القرن التاسع عشر ميلادي، يقول هنري باجوD.H. PAJO  في هذا الصدد أنه في 12 مارس1830[2] "أخذ نوع  جديد من البحث طريقه إلى الولادة في فرنسا في سنوات ظهور الرومانسية والليبيرالية."[3] وكان وراء هذا الظهور دعوة من مختلف الباحثين والأدباء ممن "يؤمنون بالانفتاح الأممية، وينكرون كل نزعة إلى الانغلاق والانعزالية."[4]، وتأخر هذا الظهور كان مرتبطا بإثارة جدل في تحديد مفهومه حسب الأقطاب والمدارس، وتؤكد سوزان ياسنت  SOZAN YASNETعلى أن جل الباحثين في هذا المجال "اتخذوا منطلقات مختلفة في تعريف المصطلح... ولم يلتقوا في نقطة محددة."[5] وهذا ما خلف تشرذما في رؤى لا تؤسس لمفهوم ثابت للأدب المقارن، وهذا ما كان سببا في إثراء هذا العلم من خلال ابتكار نظريات حديثة حاولت جعله علما متكاملا.

لا أميل الى قراءة أدب الحرب، أو مشاهدة الأفلام الحربية ، فقد أتخمنا بمئات الروايات والأفلام عن الحروب ، التي لم تتوقف يوما في التأريخ البشري ، ولكنها باتت أكثر بشاعة ، مع تطور آلة القتل .  وضاع عمر جيلنا في أجواء الحروب ، ما أن نخرج من حرب ، حتى تداهمنا حرب جديدة أشد ضراوة من سابقتها ، وليست ثمة حروب جيدة ، وأخرى سيئة ،  كما تزعم البنتاجون ، فهي كلها مآسي ودماء ودموع .
كانت رواية " الأشبال" هي اول ما وقع في يدي من نتاجات الكاتب الأميركي " اروين شو"
و" الأشبال " عنوان ، لا تشمّ منه رائحة الحرب ، ويتبادر الى الذهن ، أنها ربّما رواية عن الحيوانات ، أو الصيد في مجاهل أفريقيا. ولم أكن أعرف أن شو ، أعد لنا – نحن الذين لا نقرأ أدب الحرب – مقلباً ذكياً ومثيراً . فما أن تبدأ بقراءة الصفحات الأولى منها ، حتى تج د نفسك أمام شخصية جذّابة - فتاة أميركية جميلة تظهر في الفصل الأول من الرواية ، ثم تصحبك  من جديد في بعض الفصول الأخرى ، لتجد نفسك في أجواء أشرس معارك الحرب العالمية الثانية ، وتتابع بشغف مصائر الشخصيات الرئيسية للرواية، وهم ثلاثة جنود –أميركيان اثنان وثالث ألماني .

هندسيا يتّسمُ الفعل الإبداعي لدى مثل هذه القامة ،بانتشاره الدائري المنطلق من وإلى جوهر الإشكالية الإنسانية بدرجة أولى ،عبورا إلى منظومة ما يحقّق استنفار متتالية الزوائد التي قد تشكّل وجود الذات في أقرب حالاتها إلى التلاشي والانهيار.
وبحيث لا يحفر الدّفق التعبيري إلاّ على مقاسات منسوب جلد الذات،عبر انسكابات هذيانية وقف على حلزونية توبيخ راهن اضطهاد المادة والكائن ،على نحو هيستيري وغير مسبوق.
من هنا تحوز قصائد الشاعرة السورية ريم سليمان الخشّ مصداقيتها وسلطتها على القلوب، وإن أعلنت اكتظاظها وتكتّلها في سياقات خليلية مهيمنة لا تزيغ إلى شعر التفعيلة إلاّ فيما ندر.
صوت الأنثى المتمرّدة على صنوف اغتصاب الهوية وسحق طفولة الوطن، رافلا في صوره الغضّة مثلما يمليها شريط استذكار يناور بـــــإرسالية "نيوكلاسيكية" مدغدغة و مفتوحة على تكعيب الذات ،داخل تخوم ما يؤثّر فيها وتؤثر فيه من مكونات وعناصر.
هكذا نعيش بميعة ريم وهي تهدل مغرقة في تلوين أوجاعها التي تكاد تختزل وجع شعب كامل، وأحيانا ما يتخطّى كهذا غرض، إلى انخطافات و طقوسيات مستترة،تغذي المشترك الإنساني ،نعيش القصيدة داخل قصيدة.
فنجد الغربة لديها مضاعفة ،وتفجير العاطفة مزدانا بأسيّته وتعدّد دواله.

يتضمن الفن عنفا حادا. يحضر الدم والعنف والموت في أعمال الفنانين الكبار. فمنذ سربندات بروجيل حتى ساحرات غويا، ومن طوباويي رامبرانت الى اللحوم الشائهة لباكون، ظل العنف دائما في قلب الفن الأحمر، الصارخ، الكلي الوجود. اليوم، تخطى الفن التشكيلي مرحلة جديدة. لم يعد الفنانون المعاصرون يكتفون بتمثيل العنف، بل أصبحوا يشخصونه. إنهم يستعملون اللحم والدم كعناصر تدخل في تكوين لغتهم الفنية. يبترون أجزاء من أجسادهم تارة ويعرضون جثامين الحيوانات تارة أخرى. في الغالب الأعم، يسيل الدم بشريا كان أم حيوانيا. كيف نفسر هذه الظاهرة؟ وماذا يعني ذلك؟ هل أصيب هؤلاء الفنانون بالجنون؟ لأجل الإجابة عن هذه الأسئلة سوف نقوم سويا برحلة إلى عوالمهم. سوف تكون تلك رحلة صادمة ومثيرة وأخاذة.

قي الواقع، تفسر مزايداتهم وعنفهم وتصلبهم بمشوار فني طويل يعود إلى بداية القرن الماضي حيث كان الإصرار على إيجاد أدوات أخرى وعلى التعبير بطريقة أكثر قوة وعنفا وأصالة. وكان الانطباعيون قد استبدلوا توصيف المشاهد بالتعبير عن أحاسيسهم الذاتية وانفعالاتهم الشخصية. كانت تلك طريقة في استثمار ذواتهم بشكل أعمق لإنجاز أعمالهم الفنية وفي تكسير المسافة الفاصلة بين الفنان ولوحته. في القرن العشرين، ذهب هذا الاستثمار إلى أبعد من ذلك؛ إذ أقدم في 1916 تيستان ثارا والفنانون الدادائيون على إدماج أجسام عينية وحضور مادي في أعمالهم، وجسدوا هكذا ادعاء الفن بأنه يمثل الطبيعة. تخلى هؤلاء الفنانون عن مواضعة المتاحف والتجأوا إلى أمكنة أكثر واقعية كالمقاهي والحانات والشوارع. لم تعد المسألة هي الاختباء وراء اللوحة والصورة والرمز. من الآن، غدا الواقع يستعمل كعنصر خام وغني ومباشر لأجل الكشف عن الوجه الآخر للديكور، كذلك سوف يقرض الجسد ذاته عن طريق الروح بصورة مفارقة.

يعرف المشهد الروائي المغربي، تأليفا ومتابعة ونقدا، حركة حيوية ونشاطا دؤوبا منذ سنين عديدة، ولعل مساهمة ثلة من الأسماء الجديدة بإنتاجاتها الروائية، وحرصها على مواصلة الكتابة، والمضي قدما في درب الإبداع الطويل، زاد من حركية ونشاط هذا المشهد. ومن بين الأسماء التي سعت إلى تأكيد حضورها في الساحة الأدبية، وخوض رهان التطوير والإضافة النوعية لصيغ الكتابة الروائية؛ الكاتب المغربي مصطفى الورياغلي الذي أصدر روايته الأولى "جنة الأرض" سنة 2013، قبل أن يُثنّيَها سنة 2016 بروايته الجديدة "أبواب الفجر"، التي تخيّرتها هذه الورقة كي تكون موضوعا للقراءة والمساءلة والتذوق.
إن أول ما يستوقف القارئ لرواية "أبواب الفجر" عنوانها الذي فضله الكاتب من بين عدة عناوين لا شك أنها قد انثالت عليه ، قبل أن يطمئن إلى هذا العنوان الذي وجد فيه - ربما- قدرة على الإيحاء إلى عوالم الرواية، أو إثارة تحفز على  الإقبال عليها ، قصد قراءتها والكشف عن ملابساتها وخباياها.
عند الوقوف على هذه العتبة النصية، يتبين أنها تندرج ضمن فئة العناوين الخبرية، فهي عبارة عن جملة اسمية خبرية ، تتكون أساسا من خبر لمبتدإ محذوف تقديره هذه(هذه أبواب الفجر)، ولما كانت هذه الأبواب موضوع الإخبار في هذه الرواية وعليها مدارها، فإن ذلك يدفع المتلقي إلى التساؤل عن طبيعة هذه الأبواب التي ستدور حولها القصة، خصوصا أن إضافة كلمة "الفجر" إلى "أبواب" زادت من التباس وغموض المراد منها، فالفجر   – كما هو معلوم – هو وقت انكشاف ظلمة الليل عن نور الصباح، وقد يكون هذا الفجر –حسب تقسيم الفلكيين- صادقا أو كاذبا، الأمر الذي يعمّق المفارقة الدلالية بين الكلمتين ويباعد العلاقة بينهما، لارتباط الكلمة الأولى بالجماد وإشارة الثانية إلى الزمن، لنكون بذلك أمام جملة مجازية تقوم على تكسير العلاقات المنطقية بين الأشياء، فاتحة مجالا واسعا لمحاولة الفهم والتفسير والتأويل،عاملة على إغراء القارئ للدخول إلى عالم النص، قصد مضاهاة توقعاته وﭐفتراضاته ، بما يقدم له العمل من تعابير وأحداث وشخصيات وعوالم حكائية وسردية.

   «الناس تمر على الأشياء دون أن تلاحظ شيئا، الناس تحسب الحقيقة جامدة، تُلقَّن أو تُحفَظ.. الحقيقة اكتشاف دائم، هي مدى مطابقة فكرة للواقع.. في مساجلات سقراط، يحسب الناس الحقيقة ما سمعوا أو لُقنوا، فإذا أعملوا عقلهم ألفوا أن ما يعتقدون ليس الحقيقة. والمعتقدات هي الأفكار العامة التي يرتبط بها مجتمع، ولكنها ليست بالضرورة الأفكار التي يمكن أن يتقدم بها، بل قد تصبح وزرا تصده عن الحركة. المعتقدات تملكنا، والأفكار ملك لنا. أثقلت عليك أيها الحمار الفضي. هو عيب المهنة.. تفضل.. هنا بهذا الكهف أعيش، ليس به باب، ومزيته الكبرى هو أني أشرف على أليلي.. تبدو المدينة صغيرة من هنا، قضاياها كلها تبدو من هذا الكهف صغيرة...»[1]
*     *     *
     وردت هذه الصورة في سياق محاورات الحكيم للحمار، التي انفتحت على موضوعات عدة، بدون ترتيب أو تنظيم، فجاءت كأنها خواطر عفوية ورؤى تلامس قضايا وجودية  وهموما إنسانية عامة وخاصة. وواضح أن الصورة تتأرجح على عمودين متقاطعين كقطري دائرة، أحدهما يجسد تأرجحا بين التحامل والعتاب من جهة، والتوجيه والتعليم من جهة أخرى، والثاني يجسد تأرجحا آخر بين الحقيقة من جهة، والمعتقدات والزيف من جهة أخرى. فلا يخفى إيقاع التحامل على الناس بسبب أنهم يحسبون الحقيقة جامدة، وهو كلام يحيل على ما عاينه البطل أسنوس في مغامراته ومشاهداته، سواء لدى سكان أليلي الذين ركنوا إلى رواية السلطة حول مقتل أذربال وحول التلويح بمؤامرة وخطر يتربص بالمدينة، أو لدى بني سنوس وبني ييس الذين يعتقدون بالأساطير التي ينسجها أعيانهم ويقدمونها على أنها حقائق قطعية. ولا يخفى كذلك إيقاع التعليم والتوجيه في شرح الحقيقة من خلال قول الحكيم «الحقيقة اكتشاف دائم»، وهي عبارة تعني أن الحقيقة تكتشف بإعمال العقل والموازنة بين الفكر والواقع.
     [1]ثم لا يخفى حجم الهجوم الذي تشنه الصورة على المعتقدات وتلقي بها في زوبعة من الشك والتمزيق، في مقابل إعلاء شأن العقل وتمجيد الأفكار التي هي بنات العقول.