دأبت مئات المواقع الإلكترونية على سرد قصة جفرا، بالحذف والإضافة حتى تحوَّلت هذه القصة الواقعية إلى أسطورة شائعة الصيت فلسطينياً وعربياً وعالمياً، ذلك أن أبناء الشعب الفلسطيني يرددون (قصتين في قصة)، هما جفرا الشهيدة، وجفرا التراث بالخلط بينهما أحياناً، وبإعلاء إحداهما على الأخرى أحياناً أخرى: جفرا التراث هي الأقدم، لكن جفرا الشهيدة هي الأكثر قداسة وتأثيراً، لأن جفرا التراث يشوبها التكرار، فهي قصة حب من طرف واحد، كما أن جفرا التراث باللهجة الفلسطينية، بينما جفرا الشهيدة  كُتبت بالفصحى. وقد أصبح معروفاً أن جفرا التراث، بطلها هو (أحمد عبد العزيز علي الحسن)، وهو من قرية كويكات، قضاء عكا. أمّا (جفرا الشهيدة)، فعاشقها هو الشاعر الفلسطيني الحديث (عزالدين المناصرة) من محافظة الخليل. وإليكم التفاصيل:

يمثل القاص السوري محمد ياسين صبيح، بكتابته القصصية القصيرة جدا، التي دأب عليها منذ مستهل الألفية الثالثة أنموذجا متميزا، في مسار هذا الجنس الأدبي الحديث، فهو من موقع تجربته النقدية والإبداعية، عمل على تنشيطه وتليين قناة كتابته لمبدعيه ونقاده وقرائه، إذ خصه بصفحة إلكترونية عنونها برابطة القصة القصيرة جدا، وهي رابطة رقمية مشرعة بشتى كتاباتها على الأقطار العالمية، لذا لا غرو إن أمكنها أن تستقطب في ظرف وجيز من الزمن الآلاف ممن انضووا تحت لوائها، كما أمكنها أن تستكشف عددا كبيرا من المبدعين، وأن تحفزهم على إخراج تجاربهم من حيز الكمون إلى حيز التحقق الفعلي، خاصة بعدما جد القاص في ظروف حربية حرجة، وأقام ملتقيات للقصة القصيرة جدا في مختلف المحافظات السورية، وسعى بعدئذ إلى إصدار كتب تشمل أجود الكتابات التي احتضنتها الرابطة، وأشرفت على نشرها.

في طريق عودته من الحرب الشرسة على طروادة، كابد أوليس، بطل أوديسا هوميروس(1)، أهوالا جمة سلطتها عليه الآلهة انتقاما. ومن العوائق التي واجهها في المراحل الأخيرة من رحلة عودته أن غرقت سفينته الأخيرة، وغرق معها كل رفاقه، وقادته قوة إلهية  إلى جزيرة أوجيجي Ogygié  حيث تقيم الإلهة كاليبسو Calypso منعزلة عن أي كائن إلهي أو بشري . كانت كاليبسو آية في الجمال، وجزيرتها قطعة من الجنة. وقد تعلقت بأوليس ورغبت في بقائه معها زوجا. ولما رفض احتجزته سبع سنوات. كان يقضي الليل في فراشها دون رغبة، ويمضي نهاره جالسا على الشاطئ متطلعا إلى الأفق البعيد، حزينا باكيا، حالما بالعودة إلى جزيرته إيطاك، وإلى زوجته بينيلوب وابنه تيليماك. علمت أثينا بالأمر فتدخلت لدى والدها الإله الأكبر زوس كي يجبر كاليبسو على إخلاء سبيل أوليس. ( الأوديسا، ص 6) أرسل زوس الإله هرميس Hermès ليأمرها بأن تفك أسر سجينها. ويستغل هوميروس لحظة وصول هيرميس ليصف جمال الجزيرة التي تقيم بها كاليبسو، والتي لم يحل جمالها دون رحيل أوليس إلى وطنه. يقول هوميروس: " حين وصل هيرميس Hermès إلى هذه المنطقة النائية عن العالم، اقترب من الجزيرة، وخرج من البحر البنفسجي ماشيا، دخل إلى اليابسة وتوجه نحو المغارة التي اتخذت منها الغادة ذات الظفائر منزلا لها. وجدها هناك قرب مخدعها أمام نار مضيئة. كانت رائحة الأرز والصنوبر تنبعث من بعيد، وتعطر الجزيرة. كانت الغادة هناك تغني بصوت جميل، وتنسج على منسجها الذهبي. حول المغارة نبتت أشجار ضخمة في كامل عنفوانها: جار الماء وحور وسرو فواح حيث كمنت طيور كبيرة، بومات وصقور وغربان تنعق، طيور تعيش بالبحر وتقيم على اليابسة.

يعالج الروائي المغربي رشيد الهاشمي في روايته ذاكرة النرجس قضية الهوية الزنجية في واقع متشظ لا يرحم المستضعفين، ويرصد لنا مآسي السود في مجتمع مسكون بعنف يجسد بؤرة الغطرسة البيضاء والتعالي العرقي وإقصاء الآخر.
لن ننكر أن رواية ذاكرة النرجس هي تجربة صعبة، وعالم يحتاج إلى التحلي بالكثير من الشجاعة كي يلج إليه روائي في بدايات المشوار. لكن الكاتب تحلى بالجرأة وتوغل بخطى ثابتة في عالم السود المنزوي في العتمة في ثقافتنا العربية. عالم مجهول الملامح، ومحكوم عليه بالاقصاء وكتم الصوت مدى الحياة.
يصور الهاشمي في روايته الأولى، الصادرة عن دار روافد للنشر والتوزيع يناير 2018، كيف أن الحيف الممارس على الهوية السوداء يدفع بشخصياته التي تحمل أعباء الذاكرة وأوزار التاريخ فوق رؤوسها إلى مسالك وعرة ومضطربة، إلى دروب البؤس والهشاشة، إلى أنفاق ظلامية لا نور فيها.

أن يصدر المبدع عملا ما من الاعمال الأدبية يعتبر حدثا فنيا مستقلا، خرج من افق الافتراض إلى أرض الواقع/ وأصبح كائنا فنيا،يعلنه جنس المكتوب الذي ينتمي اليه هذا العمل،مؤشرا عليه بشتى وسائل التدليل مثل العتبات والمصاحبات والعلامات والايقونات،وبذلك يلج العمل سوق القراءة والتلقي ،عبر آفاق انتظار مختلفة ،تطابق افق الكتابة او تُدابره...
وما من عمل ادبي جديد إلا ويراهن على ان يقول كلمته داخل دائرة نفوذ جنسه الادبي ما استطاع إلى ذلك سبيلا.وكون هذا العمل مرتهنا بدائرة التجنيس،وأصول الانتماءالفني-الشعري مثلا-هو ميثاق مهم يفتح الكتابة على آفاق تمتاح من الإبداع وتنتصر له، يفترض أن تطول اللغة وتطبع زاوية النظر،بطوابع  تستمد خلقتها من سلالة المكتوب عامة  كما من ثقافة المبدع  وحساسيته الفنية،بشكل  ما من الاشكال ،يفترض فيه هو كذلك ان ينعكس على الكتابة قلبا وقالبا ويلابسها حضورا وغيابا، والتي بانتفائها/انتفاء حضور الخلقة المركبة، تنتفي كل العلائق المفترضة جدلا بين الفن والواقع ،كما بين المبدع وعملية الإبداع من أصلها حالا بحالِ وهذا ما لا يمكن القبول به كمبدإ، وإلا أصبحت الكتابة محكومة بالآلية أو الانعكاس المقيت.

حنا مينة

 (إلى ح. ب) 
نعم.. توفي اليوم، قرأت للتو وصية منسوبة إليه... نفس العنوان يحضرني "نهاية رجل شجاع" الرواية والفيلم، و"الشراع والعاصفة"؛
خسارة أخرى (على بعد أيام من رحيل "سمير أمين"..)، تكاد منابع تشكيل الوعي أن تصاب بالجفاف لفائدة هذا التردي الذي يطفو مزهوا بالخواء.. !كان هذا مضمون مكالمة تلقيتها هذا الصباح بعد انتشار نبأ وفاة حنا مينه، الذي قال في سياق آخر أن "هناك أشياء لا تسر (..) لكن هذا سيزول وستعود الأمور طيبة مثل الأول".

***

توفي حنا مينه.. انتشر الخبر مثل النار في الهشيم، ضد إرادته و"وصيته" التي جاء فيها:

دروس الحياة
التجربة الحياتية بما فيها من معاناة ، وآلام ، وأفراح هي ينبوع الكتابة الحق، ولا تقل أهمية عن الموهبة الفطرية ، والقدرة على التخيّل.
ليس بوسع اي كاتب ان يكتب عن اي شيء ، وعن اي انسان . فهو ليس مطلق الحرية في اختيار موضوعاته وابطاله , مهما كان موهوبا ، لأن له حدودا لا يستطيع تجاوزها , والتي تتحدد بالمجتمع الذي يعيش فيه ، وخبرته الذاتية ، والدروس التي تعلمها من الحياة ، لذا على الكاتب أن يكتب عما يعرفه بتجربته الخاصة ، وهذه التجربة مطلوبة بقدر ما تكون مدخلاً لتجربة فنية ، يعبّر فيها الكاتب باسلوبه المتميز ، عن عالمه الروحي ، ونظرته الى الأشياء.
ان العمل الأدبي اذا لم يكن نابعاً من ذات الكاتب ، و لم ينفعل به فانه لن يكون عملاً مؤثراً وناجحاً على الرغم من ان المؤلف  قد كتبه بحسن نية . لان مثل هذا المؤلف لا يعرف ابطاله ولا يفهمهم .

تتشكل معالم رواية الكاتب المغربي عبد النبي بزاز في قالب واقعي اجتماعي، يعكس تفاصيل وطن مثخن بالجراح، الوطن الذي يرزح تحت نير البيروقراطية والمحسوبية، يطل علينا بطل الرواية "المختار"، في سياق سوسيوسياسي مضطرب، أدى إلى تجاذب مستمر بين إليأس والأمل، والخير والشر، والفقر والغنى، ثنائيات ترسي أسس الكتابة البزازية.

يعتبر العنوان من أهم العتبات الأساسية التي تواجه القارئ قبل ولوج عالم المؤَلَّف، والعنوان قد يشير إلى الجنس الأدبي الذي يمثله النص، وقد يشير مباشرة إلى موضوع النص، وبذلك يندرج ضمن ما يسميه الدكتور عمر حلي بالعناوين الموضوعاتية، فالعنوان هو تلك الحلقة التواصلية التي تربط  بين المؤلّف والقارئ، وبواسطته يتشكل لدى القارئ  سلسلة من المعطيات الأولية والتصورات القبلية لتأويل النص، وقد جاء عنوان الرواية "هل سأعود يوما؟" جملة استفهامية، تدل على نوع من الرحيل، قد يكون ماديا، وأقصد السفر والتنقل من مكان إلى اخر، أو معنويا، ذاتيا ورمزيا بالانقطاع عن الواقع، والسؤال هنا جاء طلبا لحصول معرفة مرتبطة بالمستقبل. كما أن العودة أيضا مقترنة بالنجاح، بمعنى إذا حققت ما أصبو إليه هناك، فسأعود إلى هنا، أي الوطن، مهما كان قاسيا، الانتماء يمد الجسور بين اسمي الإشارة، مهما كان حجم النهر أو الهوة بينهما....