بعد أن نحت اسمه ضمن لفيف القصاصين المغاربة والعرب المبدعين والمجددين اجترح إدريس الصغير مجالا سرديا هو الرواية بغية تطوير مشروع نمط إبداعي دشنه بكتابة القصة القصيرة التي حجز لنفسه فيها مكانة مميزة بشهادة قاص وروائي من حجم محمد زفزاف خلال تقديمه لرواية "الزمن المقيت": "أحد أبرز القصة القصيرة في المغرب." ص:8. وتعتبر باكورة الكاتب الروائية والتي متح فيها من وقائع حياة مزرية لفئة المهمشين الذين يعانون من ضنك العيش، ومرارة يومي تعتوره الفاقة، ويستشري فيه العوز.
أسلوب الكتابة في المجموعة القصصية القصيرة جدا: "أحد عشر كوكبا" - أبو إسماعيل أعبو
يرتسم القاص المغربي حسن برطال، لكتابته القصصية القصيرة جدا طقسية نمذجية، محكمة التحبيك مبنى ومعنى، فهو في استرسالها يُمعن في تمثل توسيماتها الجنسية البلاغية والدلالية والتركيبية، وصياغة لكينونتها السردية من البنى الحكائية، ما يوائم متصوراتها المجردة.
فهو كلما اختط كتابة قصصية، تجده يحرص على أن يقتفي في سياقها، هذا النسق النمذجي المغلق، مما يجعله في مختلف مجاميعه القصصية، يركن إلى كتابة لازمة لا تتعدى حدودها، حتى تظل محايثة لمدار فلكها الجنسي الآسر، حيث يُقصّر حجمها، ويُقتصد في ألفاظها التصريحية، ويُسرّع إيقاعها السردي، وتُقلص بناها الحكائية، وتُحبك على قلتها وفق حبكة موجزة، تفضي إلى مفارقة تشف عن معنى مفارق مباشر، يحتل لدى القاص دون سواه كل آليات تفكيره القصصي، ذلك أنه عمدة هذا القص النثري حسب ما أكده في ملتقيات عدة.
الكتابة النسائيَّة بين الخفاء و التـَّجلي - رشيد سكري
ـ 1 ـ
للكتابة النسائية طابعٌ متميز . فبالرغم من التحايل على الذات و الموضوع ، يظل أدبُ المرأة ذا خصوصية ، تجعله متفردا في رؤيته للعالم . و به فهو يطل ـ أي الأدبُ ـ على عوالمِ المرأة الحميمية في مواجهتها الدأوب ، لمتطلبات الحياة الاجتماعية ؛ المادية والمعنوية . فالنظرة ذات البعد الفيزيولوجي ، عند المرأة ، غالبا ما تـُبوصل ، و تـُبئـِّر النشاط الإبداعي من خلال سبر أغوار التجربة في الحياة . وفي هذا المضمار ، كانت لجسد المرأة حظوةُ أسْنى في مساحة الإبداع ، وذلك عبر التفافها على إيقاعاتها الأنثوية . إلا أن ما يطرأ على تضاريس الجسد من تبدلات و تغيرات فيزيولوجية و نتوءات حالمة ، كانت ولازالت مادة دسمة في أدبها ؛ للإثارة ولفت انتباه القارئ إلى عالمها القرمزي الفاتن ، وما تشيده من عوالمَ ساحرة ٍ.
شعريّة الابيض المتوسط: بحر أمورو الكنعاني العظيم - نص: عز الدين المناصرة
ولدتُ بين بحرين: أحدهما (ميت)، والآخر (أبيض متوسط). ولم يظهر اسم (الأبيض المتوسّط)، إلا بعد أن استخدمه (سولينوس) في النصف الثاني من القرن الثالث الميلادي، وهكذا كنتُ من جبل في بلدة (حلحول) الخليلية، الواقعة في مدخل مدينة الخليل، أشاهد البحر الأبيض المتوسط، الذي يبعد حسب خطّ هوائي عن البحر، حوالي ستين كيلومتراً. هذا الجبل في حلحول، هو أعلى نقطة في فلسطين كلها، إذْ يرتفع عن سطح البحر، حوالي (997 متراً)، لكنني لم أكن أستطيع أن ألمس ماء البحرين، بل كان وما زال ممنوعاً علينا فعل ذلك، لأنّ (الدولة–الخازوق)، تقف عائقاً دون ذلك، أي لم يكن يحقّ لي سوى النظر من بعيد. وهكذا بدأتْ علاقتي بالبحر الأبيض المتوسط، بعد أن غادرتُ فلسطين عام 1964، إلى المنافي الإجبارية، بعد أن أصبحتُ ممنوعاً من دخول فلسطين منذ كارثة عام 1967، التي سمّاها محمد حسنين هيكل: (نكسة)، من باب التخفيف على الرأي العام، رغم أنها كانت (نكبة ثانية)، بامتياز، حيث استكملت (الدولة – الخازوق)، احتلال ما تبقى من فلسطين: (الضفة الغربية)، التي كانت تحت الحكم الأردني، و (قطاع غزّة)، الذي كان تحت الحكم المصري، بعد أن تمَّ تهجير مليون فلسطيني عام 1948 من منطقة (48). وهكذا أصبحتُ (لاجئاً فعلياً) في المنافي، دون أن يعترف أحدٌ بأنني (لاجئ)!!، بل لم أعترف في داخلي أنني لاجئ، لأنني كنتُ دائماً على قائمة الانتظار الطويل الطويل الطويل: كلُّ شيء مؤقت.
كيف أخلف الفن الغنائي المغربي وعده مع التاريخ - امحمد برغوت
إن الحديث عن إرهاصات الفن الغنائي المغربي في علاقته بالمراحل التي مر منها قد يطرح أكثر من سؤال؛ ذلك أن تجذر المجتمع المغربي من خلال المراحل التاريخية التي شكلته لم يجسد تعبيراته الغنائية بالطريقة التي يستحقها وذلك نظرا لعدة عوامل قد يطول الحديث عنها ؛ منها ما هو مرتبط :
- بظروف القهر وانحسار مساحات التعبير.
أو - بظروف التعبيرات الشفوية والفولكلورية التي تلاشت بفعل الإهمال.
أو - بقلة الإمكانيات التقنية المتاحة في مجتمع أمي، قبلي، بعيد عن المركز.
أو- بعوامل ثقافية واجتماعية كانت غير قادرة على مواجهة تحديات الانتقال من مرحلة إلى مرحلة.......إلخ.
صيرورة الزمن الآخرفي سيرة رهاب متعدد لعبد اللطيف محفوظ - مراد ليمام
إن استدعاء الطفولة في سيرة "رهاب متعدد" للكاتب عبد اللطيف محفوظ، سفر إلى مرحلة من العمر لا تعترف بالزمن ، وتعيش العالم والحياة بسحر الخيال لتجعل منه منارة الوجود. فالسيرة هنا أقرب إلى الرحلة الصوفية، تفتح أبواب التذكر والاستبطان، لينطق الطفل بحكمة الراشد التي تسكن مداخل الروح. فخطاب الطفولة في سيرة "رهاب متعدد" أهم دليل على وعي الكاتب بماضيه، حين استدعاء الطفولة في لحظة تجل ذاتية يتعرى فيها الطفل أمام الراشد لتنكشف بعض أسرار الوجع، وتطفو تباريج القلق، لحظتها تنساب لغة البوح وهي تجرد غموض حواجز نفسية تشكلت لدى الكاتب انطلاقا من مواقف وأحداث أحاطت بطفولته، وآثارها على نفسيته لاحقا.
إن استعمال الكاتب لتشفيرة الطفولة - المشار إليها تحت العنوان بالواجهة الأمامية للغلاف- يؤشر على المكاشفات السيرية التي تطفو عندها ازدواجية الذات المكونة من طفل متكلم وكتابة تضم هذا الطفل. فالكاتب ينتدب نفسه باعتباره طفلا ومرشدا لهذا الطفل. إن ما حدث لهذا الطفل وانفلت منه يتحول إلى سؤال لدى الكاتب. فعدم التطابق أساسي لأنه يمكن القارئ من أن يستشعر رغبة الكاتب في أن ينكشف انطلاقا من العلاقة التي يقيمها مع ذاته مستثمرا تشفيرة الطفولة، دون أن يبرح هذه العلاقة التي تجعل الطفل ينتمي إلى مكان وزمان أعاد إدراكهما الراشد.
"اغنية هادئة": كتابة روائية موجهة - ياسين اغلالو
في عملها "اغنية هادئة"، والتي فازت بجائزة الغونكور سنة 2016 تثير ليلى السليماني مجموعة من المواضيع الشائكة. لكن هذه الأخيرة تنتظم حول نقطة واحدة وهو "الوعي الشقي المعاصر الذي رافق تحولات الحياة المعاصرة". إنه صرخة وليس عمل أدبي، احتجاج وإثارة لترسبات الحياة المعاصرة التي باتت تفترسنا بتعبير ليلى السليماني. هكذا اتخذت الكاتبة من اليومي مادة لعملها، ولكنه يومي أصبح تجارة رائجة بالغرب ويضمن لخبراء هذه المادة الحظوة والدخول لعالم الاداب بقليل من الذكاء.
شخوص الرواية تتخذ أبعادا ودلالات انطقتها الكاتبة قيما معاصرة تعكس صراعات العصر وتحولاته، خصوصا وأنها شخوص تبوح من جغرافية غربية فرنكوفونية. لكن الشخصية الرئيسية اختير لها هوية اسلامية واسم متداول عربيا ولكنها مسلمة "لايت" ذات ملامح معينة (لها موقف سلبي من الحجاب واللغة العربية ...) هذه الشخصية تحمل تحديات اثبات الذات وتخوض مسيرة تشخصن طويلة ومضطربة من داخل علاقة زواج مع رجل فرنسي الاصل وهي القادمة من المغرب. فتبدأ هكذا محنة تلك العربية المسلمة في عالم جديد تطرح فيه مشكلة التربية، والقيم ووضعية المرأة، والصراع الطبقي او الفوارق الاجتماعية التي تبرز عبر شخصية "لويز" الخادمة والمربية التي تنقلت بين عائلات متعددة كمربية تعوض الام التي خرجت للعمل مضطرة أحيانا وباحثة عن تحقيق الذات احيانا أخرى...عبر هذه الشخوص وأخرى كثيرة تنقل الكاتبة مختلف الانفعالات والعواطف الانسانية التي تتفجر، والحياة قد استبدت بنا.
القصة القصيرة المغربيَّة و جماليَّة المَحكي - رشيد سكري
يظل علمُ الجمال فرعا من فروع نظرية الأدب ، فلا حديث عن الأدب بمعزل عن الجمال ، بما هو فصيل فلسفي وترعرع تحت فيئه وتحت عريشه الضليل . ففي منتصف القرن الثامن عشر استقل علم الجمال بمنهاجه و مصطلحاته وعناصره عن باقي العلوم الأخرى . في مقابل ذلك ، فالجمال موجود في الطبيعة الحية و الجامدة ؛ في الإنسان و تصرفاته . ففي مستهل القرن التاسع عشر استطاع علم الجمال أن يحلق فوق باقي العلوم ، منشدا الحرية التي كان يتوق إليها ؛ بذلك حقق جزءا هاما من طموح القائمين بالشأن الأدبي والثقافي . علاوة على ذلك ، فنظرية الفن تضم ثلاثة أبواب كبيرة هي : الأدب و الرسم والموسيقى . إن علم الجمال كامن في الأدب ، وذلك عندما يربط الفن و بالواقع . أو عندما يصبح جمالُ الأدب صورة للواقع . ونتيجة لذلك ، أصبح لعلم الجمال تعريفٌ ذائع الصيت ؛ " هو علم جوهره الفن يتم عبره استيعاب وإدراك العالم بواسطة الإنسان" ؛ وبالتالي قد ألف ـ أي التعريف ـ بين مختلف التوجهات ، التي تهتم بعلم الأدب .