كلما تزايد ضيقها تقيدت حركته أكثر أو تكاد تُشلّ، حتى سماء التحليق ضاقت رحابتها بعد أن تقلص المكان وحتى الزمان. لا يرى أي صورة مماثلة تكشف حقيقته الآن، غير تلك التي يظهر فيها قابعا في جوف كرسي بعجلتين لامعتين تقتضيان طاقة لتحريكهما. طاقة مفقودة يعني حركة مفقودة تلزمه المكوث في الدائرة حتى آخر نفس متصاعد، لكن لمسة بخفة ريشة قد تقفز به خارج حدود هذه الدائرة التي أفاق من شبه غفوة ليدرك أنه في بطنها. حلمه نافذة، وفي أقصى تقتير كوّة يتسلل منها هواء يمنحه بعض الطاقة وأملا ولو ضئيلا في استنشاق حياة جديدة.
الحركة دائبة والعيون التي لا تبرح المرور بجانبه عمياء لا تلتفت إليه أو قل لا تراه، هي مبصرة في الحقيقة، تحدّق في كل الأمكنة والأشياء هنا وهناك، لكن إبصارها يبدو أنه لا يخترق الدائرة، أو ربما يخترقها لكن دون التقاطه، هل أصبح غير مرئي؟ يحاول التململ مرات ومرات لكنه لا يستطيع، فالدائرة ليلة دكناء تخنق نبضه وتكسر كل المحاولات.
يفكر مليا في هذا الوضع، فيتبادر إلى ذهنه حلّ يتوسّم فيه قدرة ناجعة على مغادرة هذا الضيق الذي لم يعشه كابوسا من قبل. يستبلد نفسه لأنه لم يفكر فيه منذ البداية، فيجهر صوته ببعض الأسماء التي لا يرتاب من استجابتها لندائه، لكنه لا يحصد لأول مرة حتى الصدى.
- أَيبلغهم صوتي أم يتجاهلونه...؟ ألم يعد أمري يعنيهم!؟
رغم تلاشي أنفاسه لا يستسلم، فيواصل نداءه:
- أخرجوني من هنا، هل تسمعونني؟
تتسرب فجأة إلى سمعه استجابة حازمة لا يتبيّن صوتها ولا وجهتها:
- من تنادي، ألا تذكر!؟
- أذكر ماذا!!
- مَن وضعك في الدائرة.
- لكن...
- لن يحميك منها أحد.
- ...؟ ...؟...؟
- هي مصيرك.