يحكى ان فتاة بعثت لخطيبها صورا معدّلة ومفلترة لتظهر بمظهر حسن ولتسكن قلب الخطيب من أول نظرة، وكان ذلك كذلك، توصل الخطيب وكله شوق لرؤية الفتاة التي اختارتها السيدة الوالدة ، كان الشاب لا يرد للوالدة طلبا، نعم لقد كان وحيدها ، وكان بعيدا عنها بحكم عمله بايطاليا ، اختارت الام نعيمة بنت الجيران ووافق الشاب لانه يعرف نعيمة عندما كان سنها يوم رمق محياها عشرة أعوام ، تغيرت نعيمة ونال منها الزمن و الفقر وشمس قلعة السراغنة اللافحة ، والان سنها خمسة وعشرون عاما. عندما طلبت منها الوالدة ان ثبعت لولدها صورها اشترطت عليها ان تركز على الوجه والقامة والجيد ، احتارت نعيمة وسخّرت كل وسائل الاتصال ، لتكون في موعد التألق والنشوة ، كثيرات هن صاحبات الفضل على نعيمة كل واحدة زفّت لها بفتوى بل أخريات أخذن صورها فبدأ التعديل والفلترة والإضاءة ، تحولت نعيمة وكأنها نجمة نجمات هوليوود، من حقها مادامت الخديعة والتدليس وإخفاء العيب ممكنا، هكذا تجرأت نعيمة وأرسلت الصور دفعة واحدة للخطيب عبر تقنية واتساب والدته ، حيث لم تكن تملك رقم هاتف الخطيب .
وصلت الصور بسرعة البرق ،فتح الخطيب هاتفه ليجد اشارة ان رسالة عبر الواتساب قد وصلت ظن ان امه هي من تريد التحدث اليه ، لكن استبشر وانفرجت اسارير وجهه لما رأى الصور ، ابتهج وابتسم وتفرس كثيرا الوجه المصفول والشعر المائل للحمرة وطول الجيد ... وبدأ يحلم وأكثر من الحلم حتى فكر في الرجوع الى المغرب ، ليعقد على نعيمة. لقد انتابه خوف ووجل وتساءل نعيمة؟ لقد كبرت واصبحت فاتنة رأيتها صغيرة، لقد أسعفها الزمن لتتحول الى ملاك. لماذا لا أسافر ؟ قد تطير مني، قد يخطبها غيري، قد يغريها أحد سواي .... اتصل بالوالدة واخبرها انه عائد الى قلعة السراغنة ليتزوج بنعيمة . واِلتمس من أمه ان تخبر عائلة نعيمة بقدومه ، وأكد لها ان لا وقت عنده ليضيعه هذه العودة مخصصة فقط للزواج والعرس .بدأ الخطيب يستعدّ اول ما قام به ، هو طلب رخصة للسفر الى المغرب من ( الشاف) الايطالي حيث كان يعمل في ضيعة فلاحية ، شرح (للشاف) سبب الرخصة فوافق دون تردد ، بل ناوله هدية ثمينة عبارة عن عطر ثمين bleu de chanel ربما لا تعرف نعيمة نطق اسمه . لقد حفزه( الشاف) بهديته لينطلق الى محلات اهم الماركات ، واستبضع لنعيمة ما يوازي ويليق بجمالها الفتان. بل ذهب الخطيب الى محل الحلاقة، هناك يقمون بكل شيء قص الشعر تنظيف الوجه من الشوائب وقص الأظافر وتسويتها... .من حق الخطيب ان يظهر بمظهر حسن امام عائلة نعيمة الفاتنة . أخيرا عاد سي محمد وحيد لالة عيشة الى قلعة السراغنة حيث كان في استقباله بمطار مراكش ، ابن الجيران هذا الاخير الذي ينتظر مثل هذه الفرص علّه يلوي على هدية ايطالية، او على الاقل يكون من الاوائل في عرس سي محمد ، لالة عشة كلها نشوة ، لقد حولت البيت الى متحق أخرجت من الصوان كل قديم ثمين ومن (الفترينة) الكؤوس التي عاصرت جيل الستينيات ، وملأت الدار بخورا كانت في كل مرة تزور العائدين من الحج تجمع بعضا مما جاد به الحاج او الحاجة ، فكانت تجمع ذلك في صرّة من القماش، آن الأوان اليوم ان تعطّر الدار ، لم تنم لالة عيشة ، حضنت ابنها وأجلسته قربها تحكيه ويحكيها كل يقص على الاخر ما يختاره من الحكي ، لكن المسكين قلبه مع نعيمة، التي تسكن بالقرب من بيتهم ، اما نعيمة فقد علمت بقدوم سي محمد ، لان لالة عيشة أخبرتها بكل شيء مسكينة لالة عيشة كان همها ان تختار لولدها فتاة من طبقة شعبية وفقيرة لتكون لولدها رفيقة مدى الحياة ... لكن سي محمد يريد الجمال ... سي محمد عينه تشربت كثيرا فاتنات ايطاليا حيث الجمال بدون تعديل. لم ينم سي محمد كان ينتظر بزوغ الفجر ليصاحب أمه الى بيت آل نعيمة محملا بكل الهدايا ، في الصباح استيقظت لالة عيشة مع تغريد طائر تبيبط الذي يزور البيت كل صباح، اعدت كل اواع الفطائر سي محمد كان في لهفة ليتناول كل هذه الاطبقاق لمسمن و الملوي والحرشة والحريرة بالسميد والبغرير ... اشتاق لزيت العود والعسل الحر...لقد اكل من كل الأصناف والأطباق. لكن قلبه يقول .... اريد ان ارى نعيمة ، تسللت لالة عائشة ودلفت بيت والدة نعيمة واخبرتها ان سي محمد يريد زيارتهم ،منذ ذلك الوقت ونعيمة في حيرة من أمرها وفي اتصال برفيقاتها ، استقر الأمى ان تزور (لكوافورا )، وعلى الرغم من ذلك لم تستطع الفنانة ان تخفي كل عيوب وجه نعيمة لتكن مثل الصور المعدلة التي وصلت خطيبها. ارقها هذا الأمر وقالت لها إحدى صديقاتها لايهمك اذا كان يحبك لا يعنيه مننظرك، الجمال جمال القلب....سي محمد لا يبحث عن جمال القلوب بل يريد فاتنة يرحل بها الى ايطاليا للتتناغم مع جمال المكان والناس. اعدت اسرة نعيمة وليمة تليق بمقام الخطيب، والد نعيمة لا يتدخل في هذا الامر، رجل اعياه العمل واثعبه المرض كان يعمل بناء ، اما إخوانها الأربعة فقد تركوا المدرسة وكل واحد منهم يشتغل مياوما ، يحاربون للحصول على قوت يومهم . وعندما سمعوا بحكاية الخطبة بدأ مخيالهم يتسع للهروب من قلعة السراغنة الى ايطاليا. جاءت ساعة الزيارة لبس سي محمد اعز ما يملك ورش على جسمه عطره المفضل المستخلص من عود الصندل والياسمين ووزع الهدايا بينه وبين امه ، لم تكن لالة عيشة من الأمهات اللواتي يتدخلن في قرارات ابنائهم، بل كانت فرحة وهي تحمل الهدايا دون أن تعرف قيمتها ، يكفيها ان ولدها سيكون سعيدا. ما إن وطأت رجل سي محمد اليمنى عتبة الدار حتى سمع الزغاريد وكلمات مرحبا مرحبا الدار داركم . وجه الخطيب تملأه ابتسامة وحشمة ، وكأن الرجل يدخل قبة ولي صالح. دخلت لالة عيشة الى الصالون ومعها السي محمد جلس بجانب امه متسمرا ومنكمشا لا يقوى على الكلام ، فجأة دخل بتثاقل ابو نعيمة سلم عليهما سلاما باردا ورحب بهما ، لم تسمح ام نعيمة للإخوة بالدخول الى الصالون مخافة ان يفسدوا على نعيمة يومها هذا ، هي تعرف ابناءها جيدا .... دخلت ام نعيمة الصالون مرحبة وحاملة المبخرة تطوف الصالون الصغير وتبتسم. بدأ قلب سي محمد يدق حتى انتبهت لالة عيشة الى قميصة يهتز من الجهة اليمنى لما سمع امهه تقول لولدة نعيمة ، اين العروس ؟ نحن لسنا غرباء سي محمد يعرف ابنة جيرانهم عندما كانت طفلة تلعب أمامه في الدرب.
خرجت ام نعيمة ، ثم عادت تشد العروس من يدها أدخلتنا الصالون وأجلستها بالقرب من لالة عيشة ، ما إن هزت رأسها وسرق سي محمد النظرة الأولى تبدل وتغير وتحسس جيبه حيث احتفظ بصورة من صورها المعدلة والمفلترة ، المسكين اراد ان يقارن ، لكنه لم يقو على ذلك ، لقد رأى نعيمة الحقيقة شابة سمراء اللون ، وتساءل اين البياض ورأى الشعر الأسود وتساءل اين الشعر المائل الى الحمرة ، اما الندوب على الوجه فكانت بارزة ، كانت نعيمة تدخل حروبا مع اترابها الصغار كلما حاولوا النيل منها فيتركون اثر خدوش الاظافر على وجهها. اما طول العنق الذي انتشى به في الصور فقد كان خدعة ، سي محمد انتابه الحزن كبير ، والعصة في حلقه كان لا يقوى على الكلام ، لالة عائشة تنظر مرة لنعيمة ومرات لولدها ، لقد احست ان سي محمد غير راض . كسرت ام نعيمة الصمت وقالت : نعيمة راها حادكة وماهرة في شغل الدار ، ردت عليها لالة عيشة نعيمة فتاة معروفة في الحي كله بالحشمة وشغل المنزل سي محمد لا يريد لا شغل الدار، ولا اي شيء. فقط يريد الفتاة التي رأى في الصور. لم يتكلم سي محمد وقال في نفسه ربما هناك خطأ ربما بعثوا بصور اختها . او ان نعيمة خدعتني، وعدلت صورها وفلترتهم ... لقد خدعتني .. كان الاب منزويا في ركن الصالون لم يتدخل بل يرى ويسمع ويسجل ، و والدة نعيمة هي من يسيّر كل أمور البيت. كيف لا وهي من يصرف على البيت ، إنها تاجرة تبيع كل انواع الفطائر في راس الدرب. ظلت الاسئلة تسيج عقل سي محمد ، حتى وضعوا طبق الوليمة، اطلقت سلاسل الترحاب . اما نعيمة فقد أوّلت سكوت سي محمد الى قبول وإعجاب. لم يستطع سي محمد الاسراف في الأكل ، لقد اكتفى فقط ببضع لقيمات . واكل فاكهة واحدة على الرغم من وجود صحن كبير مزوق بأنواع كثيرة من الفواكه، واخيرا قال سي محمد لأمه انا سوف اترككم لأنني ملتزم مع اب احد رفاقي بايطاليا اريد ان اسلمه أمانة وهي عبارة عن مبلغ من المال لعلاج أمه. تسلل سي محمد ولبس حذاءه دون ان يربط خيوطه وانصرف. ركب سيارة أجرة صغير ليجد نفسه بمقهى لا يعرفه فيها احد، طلب قهوة سوداء ، والندم يعتصر قلبه . لا يستطيع ان يلوم لالة عيشة فهي بالنسبة له كل شيء في الحياة ، وأكثر من ذلك فأمه لا علم لها بهذه التقنية المجنونة للتعديل والتدليس. كل المسؤولية تتحملها نعيمة . لكن كيف يمكن ان استرد الهدايا ، انها ثمينة ، هكذا كان يفكر.... التاسعة ليلا موعد اخلاء الشوارع وسد المقاهي ، انه زمن كورونا ، ادى واجب القهوة ، انتظر قليلا بالقرب من المقهى ، استوقف سيارة الاجرة ثم عاد الى البيت ليجد والدته في انتظاره ، بمجرد دخوله البيت سألته لالة عيشة ما بك ؟ لم تكن مرتاحا ، ولم تكلم نعيمة ، لقد تركتها غاضبة .... لم يرد عليها سحب صورة نعيمة المعدلة من جيبه وناولها أمه ، وضعت لالة عائشة النظارات وبدأت تتفرس ثم سألته من تكون؟ قال نعيمة ، ردت عليه نعيمة لا هذه ربما ممثلة تركية . حكى لها سي محمد كل شيء. وقال لها لو بعثت صورها الحقيقية ما أتيت الى القلعة، ثم كشف لها كيف يعدلون صورهن للنصب على الناس ... ونعيمة واحدة من هؤلاء. قضى سي محمد مع أمة عشرة ايام خصصها لزيارة الاهل بمراكش، ونسي نعيمة ونسي الزواج والهدايا، لكن ام نعيمة ظلت تتردد على الدار الموصدة، بل حاولت الاتصال بلالة عيشة التي لم ترض ان ترد علها، لالة عيشة امرأة يحفها المعقول ، ام نعيمة كانت على علم بالصور المفبركة والمعدلة ، وكانت معجبة بابنتها. لما عادت لالة عائشة من سفر الزيارات قصدت ام نعيمة وبلا مقدمات اخبرتها بكل شيء، واخبرتها أن سي محمد تألم كثيرا لان نعيمة خدعته. أما الهدايا التي دخلت بيتكم نحن لا نريدها وليس من عاداتنا ان نسترد الهدايا. ودعتهم وخرجت ... لم يستطع أحدهم الرد عليها بمن فيهم نعيمة صاحبة الصور.
عزم سي محمد على العودة الى بلاد المهجر. من حسن حظه ان تلقى جرعة التلقيح بايطاليا. وقرر ان لا زواج حتى يندمل الجرح، وحمد الله كثيرا لان خبر زواجه لا يعلمه الا صديق مقرب و ( الشاف) .