التربية مشغل مجتمعيّ حسّاس ودقيق ،وحساسيته مردّها انتظارات المجموعة الوطنيّة منه في كلّ قطر، ولذلك فالاستثمار في المعرفة اليوم رهانٌ تتنافس من أجله الأمم والشعوب ،ويُباهي بإنجازاته بعضُها البعضَ، فضلا على أنّ مقياس رقيّ المجتمعات أضحى تربويّا ومعرفيّا. فالتربية مدرسيّة مثلما هو معلوم ،والمدرسة هي المؤسّسة المُناط بعهدتها وظائف ثلاث :الوظيفة التربويّة والوظيفة التعليميّة والوظيفة التأهيليّة ،أمّا عن الوظيفة الأولى فتتمثل في "تربية الناشئة على الأخلاق الحميدة والسّلوك القويم وروح المسؤوليّة والمبادرة ،وهي تضطلع على هذا الأساس :
- بتنمية الحسّ المدنيّ لدى الناشئة وتربيتهم على قيم المواطنة...
- بتنمية شخصيّة الفرد بكلّ أبعادها الخلقيّة والوجدانيّة والعقليّة والبدنيّة..
- بتنشئة التلميذ على احترام القيم الجماعيّة وقواعد العيش معا.."
أمّا الوظيفة التعليميّة للمدرسة فتظلّ من أدقّ الوظائف التي تعمل من أجلها، وتتمثل بالخصوص في "ضمان تعليم جيّد للجميع يتيح اكتساب ثقافة عامّة ومعارف نظريّة وعمليّة ،ويمكّن من تنمية مواهب المتعلّمين وتطوير قدراتهم على التعلّم الذاتيّ والانخراط في مجتمع المعرفة..." ولعلّ الوظيفة الثالثة للمدرسة هي بنفس أهمّية الوظيفتين الأٌوليين ،فهي "تسعى إلى تنمية مهارات وكفايات لدى خرّجيها حسب سنّ التلميذ والمرحلة التعليميّة، وتتولّى مؤسّسات التكوين المهنيّ والتعليم العالي تطوير هذه الكفايات والمهارات لاحقا..." (1) وفي انسجام كلّيّ مع هذا المدخل النّظري الذي حدّد وظائف المدرسة في النظام التربويّ التونسيّ قدّم تقرير اليونسكو المسمّى "التعليم ذلك الكنز المكنون" الذي تمّ اعتماده سنة 1995 تصوّره لدور المؤسّسة التربويّة في القرن الحادي والعشرين مستندا إلى أربعة مبادئ أساسيّة:
- التعلّم للمعرفة.
- التعلّم للعمل.
- التعلّم للعيش مع الآخرين ، - التعلّم ليكون المرء.
فالتعلّم للمعرفة يمثّل المدخل الرئيسيّ لباقي التعلّمات ،المعرفة من حيث كونها جديدا تؤثِّث به المدرسة المتعلّمين وتفتح به عقولهم وبصائرهم على منجزات الفكر البشريّ، وتصلهم بجذورهم الحضاريّة والثقافيّة ،وتجنّبهم الكثير من "التوتّرات" التي تسبّبها مرحلتهم العمريّة الحرجة من ناحية، وتحدّيات العولمة بمختلف عناوينها: القيميّة والتقنيّة والعلميّة والاقتصاديّة والبيئيّة من ناحية ثانية... فالنُظُم التربويّة اليوم قَدَرُها أن تواكب التحوّلات العميقة التي تطرأ في كلّ لحظة وحين على تركيبة المجتمعات وبنية المعرفة وأساليب العمل ووسائل الإنتاج ،والمؤسّسة التربويّة ،في مجتمعاتنا النامية ،كي تنهض بوظيفتها على الوجه المطلوب مطالبة بأن تعزف عن التقليد ،وتنشد في المقابل التجديد والاشتغال على القضايا التي تشغل بال الناشئة سواء في مستوى دوائر حياتهم الخاصّة أو في مستوى أعمّ ،أي باعتبارهم مواطنين سيجدون أنفسهم أمام عديد التحدّيات الدوليّة نذكر من بينها التفاوت بين الدول في الممارسة الديمقراطيّة وفي التقدّم العلميّ والتكنولوجيّ ،إضافة إلى الفقر والنزاعات بمختلف أنواعها الإثنيّة والاجتماعيّة والسياسيّة ،وكذلك التدهور البيئيّ و إمكانيّة نفاذ الموارد الطبيعيّة وبخاصّة المياه.
غير أنّ التعلّم l’apprentissage يختلف كما هو معلوم عن التّعليم l’enseignement فإذا كان هذا الأخير، أي التّعليم ، يُنسَب إلى المعلّم في جهده وفي مقارباته البيداغوجية وسنداته التعليميّة ، فإنّ التعلّم منسوب بدرجة أولى إلى المتعلّم في محوريّته وفي مدى تفاعله مع مجمل المناشط التربويّة المخصّصة له. وعلى هذا الأساس فإنّ المتعلّم يستوعب من خلال عمليّة التفاعل مع المعلّم خبرات متعدّدة وقيما ونماذج سلوكيّة يسير على منوالها ، وبفعل هذا التّحصيل العلميّ بمستوييه النّظريّ والعمليّ تكون المؤسّسة التربويّة قد لعبت دورها ووفّرت للمجموعة الوطنيّة ما تحتاجه من الأطر والكوادر العلميّة والفنّية. فالتّعليم – كما عرّفه الزعيم الإفريقي نيلسون مانديلا – هو أقوى سلاح نستطيع من خلاله تغيير العالم ! فهل أنتجت المدرسة وعْيا لدى النّاشئة بأهميّة الموارد الطبيعيّة ؟ وهل تضمّنت برامجها الدراسيّة ومناهجها التعليميّة مدارات اهتمام ذاتَ صلة بالماء تحديدا وبكيفيّة التعامل المتبصّر مع هذه الثروة الاستراتيجية؟
اهتمامنا بطبيعة الحال مركّز على التجربة التربويّة التونسيّة في هذا الموضوع ، سواء في مستوى البرامج الدراسيّة أو المحامل البيداغوجيّة ،بحيث يجدر التنويه في هذا السياق إلى أنّ الاشتغال على هذا المبحث الحيويّ يندرج ضمن مدارات اهتمام أعمّ وأشمل ،وهي موزّعة على الدرجات التعليميّة المختلفة بدءا بالمرحلة الأساسيّة ومرورا بالمرحلة الإعداديّة وانتهاء بالمرحلة الثانويّة.
الماء هو الحياة، فليس بمقدور كائن على وجه البسيطة الاستغناء عنه، وهو إلى جانب الهواء والتراب والنبات، كلّها عناصر تمثّل بيئة الإنسان ومحيطه الذي يعيش فيه. فالبيئة بهذا المعنى هي "كلّ شيء يحيط بالإنسان " وهي أيضا " مجموع العوامل الطبيعيّة والبيولوجيّة والاجتماعيّة والثقافيّة والاقتصاديّة التي تتجاور في توازن ،وتؤثّر بشكل مباشر أو غير مباشر في الإنسان والكائنات الأخرى" (2) ،ولا غرو حينئذ أن يحظى الماء باهتمام الكثير من المنظمات والحكومات ومختلف الأطراف في المجتمع الدوليّ ، فتعقد له الندوات والاجتماعات والدورات التكوينيّة والتوعويّة ،وتكون الشريحة الشبابيّة التلمذيّة والطالبيّة في طليعة الفئات المستهدفة بالتحسيس بأهمّية المياه وبضرورة ترشيد استهلاكه والتحكّم فيه.
إنّ ندرة المياه تمثّل لدى العديد من البلدان كارثة طبيعيّة حقيقيّة، والندرة لها وجهان: الوجه الأوّل مرتبط بالعوامل المناخيّة التي تتميّز بضعف التساقطات وبعدم انتظام نزول الأمطار بين الفصول والسنوات والجهات، والوجه الثاني وهو الأخطر إذ يتحمّل الإنسان مسؤوليّته سواء من خلال الاستغلال العشوائيّ وغير المحكم للمياه ،أو بعدم الحفاظ على الموائد المائيّة بسبب ربطها بقنوات التطهير وإلقاء الفضلات في مصادرها وفي منابعها ومجاريها ،وهو ما يتسبّب في تلويثها وفي الإضرار بصحّة الإنسان والإخلال بالبيئة ،وهذه الظاهرة منتشرة للأسف الشديد في العديد من المناطق ولا سيما في المدن الكبرى. و"تشير تقارير البنك الدوليّ حول أزمة المياه إلى أنّ 80% من أمراض مواطني العالم الثالث تسبّبها المياه الملوّثة ،وأنّ 10 ملايين شخص يموتون سنويّا للسبب نفسه ، وأنّ هناك مليار شخص في الدول النامية يعانون من نقص مياه الشرب النقيّة ،كما أنّ 80 دولة في العالم نسبة 40% من سكانها مهدّدة بنقص المياه " (3) .
هذه الوضعيّة المحرجة والمخيفة تستدعي بالفعل توعية وتحسيسا مستمرّين من جانب المعنيين بهذا الشأن الحيويّ ،فالإنسان وسيلة التنمية وهو غايتها ،فليس بالإمكان تحقيق تنمية مستدامة ما لم تحرص الحكومات والمنظمات من خلال برامجها ونظمها التربويّة على تحسين نوعيّة حياة ساكنيها في جوانبها الاقتصاديّة والماديّة والحقوقيّة. فالتنمية المستدامة تعني قدرة المجتمعات على توفير حاجات الأجيال الحاليّة دونما إلحاق الضرر بحاجات الأجيال القادمة، فهي تنشد تحقيق:
- العدالة الزمنيّة بين الأجيال (الحاليّة والمستقبليّة).
- العدالة المكانيّة بين الشعوب والقارّات.
- العدالة البيولوجيّة بين الكائنات.
الماء في البرامج التعليميّة التونسيّة:
لا نجانب الصّواب حين نقرّ بأنّ حضور الماء كمشغل تربويّ في المقرّرات الرّسميّة لتونس حضور معتبر، هو من بين المدارات المعرفيّة التي تكاد تغطّي مختلف المستويات الدراسيّة من ناحية ،ومختلف المواد المدرّسة من ناحية ثانية ،فالماء كوحدة معرفيّة وبيداغوجيّة يمثّل مبحثا أفقيّا عابرا لأغلب المواد :فهو قارّ في عائلة العلوم (الإيقاظ العلمي وعلوم الحياة والأرض) وفي عائلة الاجتماعيّات ( الجغرافيا والتربية المدنيّة والإسلاميّة) وفي عائلة اللّغات (العربيّة والفرنسيّة والإنجليزية) ، وهو أيضا حاضر في عديد الدرجات الدراسيّة (المرحلة الأساسيّة والمرحلة الإعداديّة والمرحلة الثانويّة) ، وهذه أمثلة لبعض العناوين :
- الدرجة الثانية من التعليم الأساسيّ: حماية المحيط، دور الإنسان في حماية المحيط(مقاومة تلوّث الماء والهواء والتربة).
- الدرجة الثالثة من التعليم الأساسيّ: وحدة التنشئة الاجتماعيّة، مادّة التربية الإسلاميّة( المحافظة على الثروة البيئيّة ،الماء).
- المستوى: السادسة أساسي، العنوان: لنحفظ هذه الثروة / الماء.
Sauver la nature : comment éviter le gaspillage de l’eau ?
الخدمات العموميّة: مثال التهيئة والتطهير( فوائد تصريف مياه الأمطار في قنوات معدّة للغرض، فوائد معالجة المياه المستعملة بمحطّات التطهير..)
- المستوى: الثامنة أساسيّ، وحدة التربية الإسلاميّة (مبحث :ولا تَبغ الفساد في الأرض ،الثروات الطبيعيّة، الماء في التشريع الإسلامي)
- المستوى: التّاسعة أساسي ،ضمن وحدة الجغرافيا (التنمية الفلاحيّة بتونس، المنظومة المائيّة في تونس)
ضمن وحدة التربية المدنيّة (مسؤوليّة المواطن تجاه المحيط الطبيعيّ :تبنّي مواقف وسلوكيّات بيئيّة إيجابيّة، ترشيد استهلاك الموارد الطبيعيّة والثروات، إنشاء الجمعيّات والأحزاب البيئيّة، إصدار التشريعات والمجلاّت القانونيّة مثل مجلّة المياه ومجلّة الغابات..)
- المستوى :الأولى ثانويّ، مادّة الجغرافيا ،المدار المعرفيّ :(الإنسان يستثمر الموارد الطبيعيّة، الموارد المائيّة وتوزّعها الجغرافيّ ، تعبئة المياه ،رهانات الماء..)
الإنسان والأوساط الطبيعيّة ( الفيضانات ،التصحّر).
- المستوى: الثالثة ثانويّ ، مادّة التربية المدنيّة، المدار المعرفيّ: التدهور البيئيّ( انعكاساته على مختلف مجالات الحياة الإنسانية) ..
إنّ هذه العناوين الدراسيّة المهتمّة بالماء باعتباره أصل الحياة "وجعلنا من الماء كلّ شيء حيّ" الأنبياء،30 هي فيض من غيض، فالمقصد العلميّ ثابت دون أدنى شكّ من وراء الاهتمام بهذا المبحث الحيويّ، ولكنّ البعد التنشيئيّ والتوعويّ خاصّة بالنّسبة للأجيال الصغرى ليس غائبا عنها ،بل إنّ التّحسيس بالأخطار التي تهدّد محيط الإنسان الطبيعيّ ومنها تخصيصا ندرة المياه أو تلويثها هي جوهر الأهداف الوجدانيّة والسّلوكيّة التي يتعيّن على المدرّس التركيز عليها والتنبيه إلى اليقظة إزاءها.
نحو مقاربات بيداغوجيّة تجديديّة:
المدرسة فضاء للعلم والحياة ،فإذا كان ارتياد المدارس فِعْلا محدودا في الزمان والمكان فإنّ التعلّم l’apprentissage نشاط يرافق الإنسان مدى حياته، ومن هذا المنطلق فإنّ الحاجة تستدعي إعادة النظر في وظيفة المدرسة وفي مهمّة المعلّم، فنحن العرب، اليوم، لسنا على وعي بأهميّة التعلّم الذاتيّ وبالتعلّم مدى الحياة، فمازالت الصّورة التقليديّة للمدرسة تحكم تعامل أجيالنا مع العلوم والمعارف، فالمدرسة في نظر الكثير شهادات ووظيفة ،والمعلّم هو مصدر المعرفة الوحيد بدون منازع ومنافس!.. فمثل هكذا تصوّر غدا بلا معنى في عصر يتضاعف فيه حجم المعارف كلّ عقد من الزّمن، وعلى هذا الأساس فإنّ السؤال الملحّ اليوم هو كيف يكون الفصل بين التعلّم والمدرسة؟ أعني كيف يصبح التعلّم حاجة يوميّة ومشروعا حياتيّا ؟
إنّ المعلّم مطالب بأن يعلّم تلاميذه كيف "يتخلّون "عنه، بمعنى أن يقتنع أوّلا بأنّه أحد مصادر المعرفة وليس كلّها. فمقارباته البيداغوجيّة والمنهجيّة يفترض أن تتأسّس على "تطوير قدرات التلاميذ الفكريّة واستقلاليتهم ،فضلا عن إكسابهم كفايات وجيهة ومتينة ومستديمة وأدوات التكوين المستمرّ والتعلّم مدى الحياة"(4).ولعلّ أهمّ الرّهانات التي لا مفرّ للمدرسة من الاستجابة إليها هو رهان التفاعل مع المحيط، ولا يتسنّى ذلك مالم يستحضر المعلّم طبيعة دوره التنشيئيّة المتمثلة في إعداد الناشئة التي تتعلّم كيف تتعلّم ،وكيف تعمل ،وكيف تعيش مع الآخرين ،وكيف تحافظ على موارد محيطها الحيويّة وأوّلها الماء.
أيّة محامل بيداغوجيّة مناسبة ؟:
المحامل البيداغوجيّة مُثيرات تعليميّة متعدّدة الأنواع ، وهي جزء من تقنيّات التعليم والتعلّم، تسمّى أيضا التكنولوجيا التربويّة على نحو مماثل للتّعريف التالي الذي تعتمده منظّمة اليونسكو "فهي طريقة منهجيّة ونظاميّة لتصميم العمليّة التعليميّة - التعلّميّة بكاملها وتنفيذها وتقويمها استنادا إلى أهداف محدّدة وباستخدام مصادر بشريّة وغيرها من أجل إكساب التربية المزيد من الفاعليّة".
فالمحامل البيداغوجيّة وسائل تعليميّة مُعينة على التعلّم، إذ أنّ الممارسة البيداغوجيّة المبنيّة على خبرات المعلّم الحسّية وعلى الاحتكاك بوضعيّات ذات دلالة بالنسبة للمتعلّم هي التي تنتج ما يسمّيه البيداغوجيوّن الصراع المعرفيّ لدى التلميذ حين يعي التناقض بين معارفه القبليّة وأفكاره الأوّليّة ،وبين ما وفّرته له المحامل من جديد معرفيّ وحسّي، فهي مُعينة على الفهم والتفكير والنقد وبناء الموقف ، مثلما أنّها مساعدة على تجلية الغموض وإزالة اللّبس عن جوانب علميّة يريد المدرّس الكشف عنها وتمريرها إلى المتعلّمين، فقيمة العمل التربويّ لا تتمثّل فقط في المحتوى الذي يدرّس، وإنّما في الكيفيّة التي بها يدرّس، وفي سندات التعلّم المعتمدة في ذلك.
تتنوّع الوسائل التعليميّة المتاحة للمعلّم والمعينة له على إنتاج حسّ بيئيّ لدى المتعلّمين يدركون من خلاله معنى الحاجة إلى الحفاظ على الماء وترشيد استهلاكه وحفظه من كلّ أسباب التلّوث والتلف، ونورد في هذا السياق على سبيل الذكر لا الحصر عديد السّندات التعليميّة الوظيفيّة ،أي التي تساهم في تحفيز التلاميذ وشدّ انتباههم وحملهم على الاقتناع بالمتن المعرفيّ للدّرس ولتحقيق أهدافه الوجدانيّة والسلوكيّة:
- الصّورة: فربّ صورة خير من ألف مقال، فالتوجيهات التربويّة المعاصرة تؤكّد على أهميّة الصورة في عمليّة التعلّم والتعليم، وتستحسن أن تتوفّر فيها جملة من الخصائص(البساطة ووضوح المقاصد، المناسَبة لتصوّرات التلاميذ، وضوح الألوان وتناسقها، وضوح العناوين المرافقة ..)
- الرّسوم البيانيّة: فما يدفع إلى الاهتمام بها هو عقلنة الممارسة التربويّة و تنويعها كمّا وكيفا، ممّا يكسب المتعلّمين كفايات متجدّدة وقدرات على فكّ الرّموز والإحصائيّات و تجعلهم يساهمون في بناء المعرفة ذاتيّا .
- الخرائط: فهي تمثيل لسطح الأرض ولأجزاء معيّنة منها، مثلما أنّها تقدّم الكثير من المعطيات (المساحات والحدود والسواحل والصحاري والأودية والبحار..)،فهي تنقل المتعلّمين من مجال عيشهم الضيّق إلى مجال أرحب فتتّسع دائرة معارفهم وتتكوّن لديهم رؤية أشمل عن محيطهم الكونيّ.
- الرّحلات والزيارات الميدانيّة: هي تجنّب المعلّم وتلاميذه رتابة الممارسة البيداغوجيّة في القسم ،وتتيح للتلاميذ الانفتاح على محيطهم وبيئتهم فيدركون الصّلة بين ما يدرسونه على مقاعد الدراسة وبين ما يجري في الحياة الخارجيّة القريبة منهم .
- التسجيلات السّمعيّة البصريّة: سواء المأخوذة من القنوات الفضائيّة ذات التخصّص العلميّ أو ممّا توفّره التكنولوجيّات الحديثة من مادّة علميّة ذات علاقة بمبحث المياه والتصحّر والتلوّث..
إنّ أهمّية الوسائل التعليميّة في الممارسة البيداغوجيّة متأكّدة، وهي لا تكمن في مجرّد حضورها في دروس المعلّم وإنّما في ما تحقّقه هذه الوسائل من أهداف معرفيّة ووجدانيّة و سلوكيّة محدّدة ضمن نظام متكامل ورؤية شاملة يضعها المعلّم لتحقيق أهداف حصصه ،فهي" مولّدة للمعلومة ومثيرة للأحاسيس وفاعلة في السّلوك" على حدّ تعريف فاخر عاقل.
نحو عقليّة تربويّة جديدة:
إنّه ليس بمقدور المعلّم اليوم أن يضطلع بدوره التربويّ التوعويّ في مجال التنشئة الاجتماعيّة وفي التربية على المواطنة البيئيّة وفي تغيير سلوكيّات المتعلّمين لترشيد استهلاك الماء والحفاظ عليه وتجنيبه كلّ مصادر التلوّث مالم يعدّل هو أيضا مسارات تواصله معهم، ويكتسب جملة من الكفايات الأساسيّة ويتسلّح بعقليّة تربويّة متجدّدة قوامها:
-الانتقال من مجرّد التطبيق الصّارم للمنهجيّات المرسومة إلى بناء تمشّيات تعلّيميّة توجّهها وضعيّات تعلّميّة مستوحاة من محيط المتعلّمين.
- اعتبار التدريس أنشطة ترتكز على مبادرات فرديّة من المعلّم والمتعلّمين تسمح لهم بالانفتاح على القضايا الحيويّة التي تشغل جيل التلاميذ وتهدّد عالمهم وبيئتهم.
- التعامل مع التوجيهات البيداغوجيّة والوثائق المنهجيّة تعاملا نقديّا يضمن للمعلّم قدرا من الاستقلاليّة وحريّة الحركة والفعل .
- اعتبار التدريس نشاطا ذهنيّا يتطلّب تكوين عقول مفكّرة موصولة بمحيطها البشريّ والطبيعيّ، وليس حشوا لأدمغة بمعارف تتبخّر بمجرّد استهلاكها.
- اعتبار التدريس أيضا نشاطا معرفيّا يتنافى والرّتابة والتّكرار الآلي، وينزع في مقابل ذلك إلى الجمع بين مرونة الفكر والقدرة على التكيّف وحسّ المبادرة، والميل إلى البحث عن الحلول المبتكرة والأداء المتقن.
هذه العناوين المقترحة لمطلب العقليّة التربويّة المنشودة لدى المدرّس هي أسس الاحتراف التربويّ، فالاحتراف le professionnalisme يعني أن لا يُؤخَذ التدريس على أنّه عمل تقنيّ جافّ منفصل عن إطاره وظروفه المختلفة (تلاميذ، فضاء، بيئة...) بل وجب النظر إليه من خلال قدرة المعلّم على بناء مشروعه البيداغوجيّ وإنجازه انطلاقا من خصوصيّات الواقع المدرسيّ والمجتمعيّ ،والاحتراف يعني أيضا حسن التخطيط وسلامة ،التقييم و تشخيص الصّعوبات وتعديل التعلّمات بما يخلق الرّغبة في التعلّم لدى التلاميذ ويسمح لهم بالتفاعل الإيجابي مع المدرّس ودرسه، مثلما يمكّنهم من التفاعل الواعي والرّشيد مع محيطهم ،واستبانة طبيعة التحدّيات التي تواجه الإنسانيّة عامّة وأخطرها على الإطلاق ندرة المياه وتعدّد مصادر تلوّثها .
هكذا إذن يسهم المعلّم في إعداد الناشئة للعيش في مجتمع متوازن وسليم وفي اكتساب سلوكيّات متبصّرة بأهميّة الموارد الطبيعيّة في حياة الإنسان، ذلك أنّ الوعي البيئيّ سبيل إلى المواطنة المسؤولة التي تنهض على السّلوك الإيجابيّ نحو المحيط الطبيعيّ بمختلف مكوّناته ومنها المياه أساسا.
الهوامش و المراجع:
1 القانون التوجيهيّ عدد 80 – 2002 بتاريخ 23 جويلية 2002 للتربية والتعليم المدرسيّ، وزارة التربية والتكوين، الجمهوريّة التونسية.
2 د. داود عبدالرزاق الباز، مفاهيم أساسيّة في القانون العامّ لحماية البيئة ،مجلّة عالم الفكر، المجلّد32، يناير مارس 2004، المجلس الوطنيّ للثقافة والفنون والآداب ،الكويت.
3 مبارك أحمد مبارك ،ندرة المياه : مشكلة دوليّة تتفاقم، السياسة الدوليّة عدد 163، جانفي 2006 ص 78.
4 الإصلاح التربويّ الجديد ،الخطّة التنفيذيّة لمدرسة الغد، وزارة التربية ،تونس جوان 2002 ،ص 26.
5 منشورات التفقديّة العامّة للتربية ،الجمهوريّة التونسيّة (إدارة البحوث والدراسات).