سنعالج في هذا الموضوع ، مشكل التعثر الدراسي ، انطلاقا من بعض الدراسات و المقاربات التي عالجت الموضوع ، حسب نوعية العوامل ، التي تفسر الظاهرة ،من بينها : دراسات تقارب الظاهرة على ضوء العوامل الفردية ، وما يرتبط بها من خصائص ، وصفات تميز المتعلم(ة) ، وقدراته العقلية (كالذكاء ،التذكر ، المقارنة ، التحليل ، الحكم ...)،و الخصائص الوجدانية ، الانفعالية . فقد يتعرض المتعلم(ة) لمصاعب متعددة ، عند مجابهة المواقف التعليمية - التعلمية ، مما يؤذي إلى تأخره ، كما ركزت بعض الدراسات على المعطى الاقتصادي ، و الوضع السوسيوثقافي ، حيث كشفت ، عن علاقته بتعثر ، أو فشل فئة من التلاميذ ،و اهتم بعضها الآخر بتأثير القيم على نتائج التحصيل الدراسي ، أي المعايير القيمية التي تحكم سلوك المتعلم(ة)، وتحدد تصوره عن ذاته وعن الآخرين .
كما انصب اهتمام الباحثين ، حول بحث الدور الذي تلعبه اللغة في الحياة الدراسية للتلميذ (ة) ، واعتبروها متغيرا هاما ، يمكن أن يؤثر سلبا ، و إيجابا على المسار الدراسي لديه . فبتعبير "بير بورديو" و" باسرون" :"إن المدرسة تساهم في تدعيم الأفضلية الاجتماعية الممنوحة لأبناء الفئات المحظوظة، و هذه مسألة يمكن ردها في كون جذور الإرث المدرسي ترجع إلى إرث الأوساط الاجتماعية الراقية ".
فالمدرسة كي تحقق هدفها الوظيفي ، نجدها تفرض معايير ثقافية ، ولسانية، تربطها روابط عضوية بالمقومات الثقافية ، واللغوية السائدة داخل الفئات الاجتماعية الميسورة ، المختلفة و البعيدة كل البعد عن الفئات الاجتماعية المحرومة . كما أن المدرسة أيضا منتجة للتعثر الدراسي ، إذ أن المناخ الاجتماعي داخل الفصل الدراسي يحظى بأهمية كبيرة ، خصوصا في عملية التعليم و التعلم ، وتأثير بعض عناصره في أداء المتعلمين ، و ما يسود بين التلاميذ من علاقات ، و كذا الطابع الهيكلي ، التنظيمي الجامد للمدرسة ، و الذي يميز الحياة المدرسية من قبيل المقررات ، الأوامر ، النواهي ، التوجيهات ...، و كذلك الخاصية الفصولية و التعاقبية ، حيث تبنى المقررات على أساس التعاقب و التتالي ، يضاف إلى ذلك الطابع الجمعي للتدريس حيث يتم تجميع أعداد من التلاميذ في قسم واحد.
عامل مهم آخر قد يتم إهماله أو تجاوزه ، من طرف البعض و هو على درجة كبيرة من الأهمية أيضا، و هو "الآثر البيجمالوني"،حين يتعلق الأمر بالنظرة المسبقة و الحكم القبلي ، الذي يبديه، ويتمثله المدرس على مجموع التلاميذ ، أنهم غير قابلين للاستعداد و استدماج و تعبئة مجموعة من الموارد،و استحالة تعليمهم و بالتالي يعلن عن فشلهم ، مبدئيا و بدون أدنى تحفظ أو تقييم حقيقي لمستواهم، مما ينتج عن ذلك نتائج كارثية رغم المحاولات التي قد يبدلها مستقبلا .
و هناك تصورات أخرى للتقييم ، تقودنا إلى تبني مفهوم آخر للتعثر الدراسي ، قد تجد أسسها في التقييم التكويني ، بمعنى أن التعثر الدراسي ظاهرة مرحلية.
و من تلك التصورات أيضا نجد الأطروحات ، التي حاولت البحث عن صيغ تربوية ملائمة لدعم مجهود التلميذ (ة) ، و تعزيزه ، و تغطية مواطن ضعفه ...
فالدعم التربوي في مواجهة ظاهرة الفشل أو التعثر الدراسي ، يكتسي أهمية كبرى ، في كونه يعالج إشكالية كبرى تؤرق كافة العاملين بالأنظمة التربوية. يتحقق ذلك بالقيام بعملية تشخيص دقيق لمستوى القدرات المعرفية و الوجدانية و الحس–حركية ، و هذا الأمر لا يتأتى إلا بالاعتماد على وسائل دقيقة و على درجة كبيرة من الأهمية تتلخص في : القيام بتقويم تشخيصي في بداية السنة الدراسية أو في بداية الحصة ، والقيام بعملية التقويم التكويني خلال تقديم الوضعيات(الوسطية) و بناء المفاهيم ، ثم في النهاية تقويم مدى تحقق الأهداف و استدماج الموارد و تطبيقها و قابليتها للاستبقاء ، من أجل إعطاء التعلمات معنى ، وجعلها قابلة للتطبيق في وضعيات حياتية جديدة ، وبالتالي تحقيق الكفايات الأساسية .
و في اعتقادنا ، لو كان موضوع التعثر الدراسي و الدعم التربوي ، الموضوع الوحيد لعلم التدريس برمته ، لكان كافيا ، ولا ستغني به عن جميع المواضيع الأخرى ، لأنه يصيب نشاط المدرسين في عمقه النوعي .
فما هي إذن أسباب التعثر الدراسي ؟ ثم كيف يمكن الكشف عنها ؟ و ماهي الأساليب المعتمدة في ذلك ؟ ثم كيف ، يمكن التعامل معها من خلال أساليب الدعم التربوي ، أو برامج العلاج ؟
هذه ، إذن أهم الأسئلة التي سنحاول الإجابة عنها في هذه الدراسة، حسب المحاور التالية :
المحور الأول: الأسباب و العوامل المؤثرة في التعثر الدراسي
المحور الثاني: تشخيص عوامل و أسباب التعثر الدراسي.
مدخل :
ليس الفشل الدراسي مجرد حدث شخصي يهم التلميذ الفاشل وحده ، بل إنه مؤشر على وجود خلل ما ، قد يكون في التلميذ ذاته ، وقد يكون في المدرسة نفسها بطرقها و أساليبها التربوية و مناهجها ، وقد يكون في المحيط الاجتماعي الذي يعيش فيه التلميذ ، و من تم تعددت الاطروحات و المقاربات التي تطرقت لمشكل الفشل الدراسي .
عندما نتأمل مجمل المفاهيم و التعاريف المتعلقة بظاهرة التعثر و الفشل الدراسي فإننا نلاحظ تسميات متعددة لوصف الظاهرة،مثل :التأخر الدراسي ، التخلف الدراسي ، اللاتكيف الدراسي .. ، ويعرفه عبدا لكريم غريب : "بأنه هو الفارق السلبي بين الأهداف" المتوخاة من الفعل "التعليمي" والنتائج المحققة فعليا، ويتجلى في مجال عقلي\معرفي أو وجداني أو حسي حركي. وترجع أسبابه إلى معطيات متفاعلة مثل مواصفات التلميذ أو عوامل المحيط أو سيرورة ونتائج الفعل "التعليمي"، ويتطلب هذا الفارق إجراءات تصحيحية لتقليصه بأساليب قد تكون بيداغوجية أو غير بيداغوجية.[1]
ينبغي التمييز بين الفشل والتعثر الدراسي (أو ما يسمى بصعوبات التعلم خاصة النوع البسيط منها)، على أساس أن التعثر الدراسي حالة مؤقتة تكاد تكون عادية تصيب معظم التلاميذ إن لم تقل كلهم، وتعني أنه أثناء التحصيل يجد التلميذ صعوبة في فهم واستيعاب مسألة أو فكرة لسبب من الأسباب ولكن بمجهود إضافي أو تدخل المدرس في إطار حصص الدعم أو المراجعة يتدارك التلميذ المسألة، لكن التعثر قد يتحول إلى رسوب إذا لم يتدارك الأمر في الوقت المناسب.
تتعدد الأطروحات إذن و المشكل واحد ، ومن تم تتعدد الوصفات العلاجية و الاستراتيجيات المقترحة لتجاوز الفشل الدراسي او اتقائه ، و يجد هذا التعدد تفسيره في الامتداد الزمني الذي طرح من خلاله مشكل التعثر الدراسي ، فهناك عوامل ساعدت على طرح هذا المشكل بحدة ، رغم قدم وجوده كظاهرة ، كما يجد هذا التعدد تفسيره في الفضاءات التي طرح فيها هذا المشكل ، إذ قد يختلف من مجتمع الى اخر ، و من نظام تربوي الى اخر ، على اعتبار ان لكل مجتمع غايات و مبادئ توجه سياسته التربوية ، و التي على ضوئها تتحدد المواقف من مسالة النجاح او الفشل الدراسي ، و اخيرا فان ذلك التعدد يجد تفسيره على ضوء الاطروحات المختلفة التي قدمت حلولا لظاهرة الفشل الدراسي ، بإقصاء الضعيف و الابقاء على المتفوق ، اعتمادا على مبدا ’’البقاء للأصلح‘‘ و منها من عزل التلميذ عن محيط القسم ، و اخضاعه لوصفة علاجية خاصة،ومنها من حاكم المدرسة ككل باعتبارها مؤسسة اجتماعية تخدم مصالح الاقلية ، و تنبني على منطق الانتقاء والانتخاب،فدعا الى تغيير جدري في وظيفتها و دورها . و من تلك الاطروحات ايضا ، من حاول البحث عن صيغ تربوية ملائمة لدعم مجهود التلميذ و تعزيزه ، و تغطية مواطن ضعفه..
فهناك أطفال يتمتعون بذكاء عادي و لا يشتكون من أية إعاقات و مع هذا يعانون من مشكلات تعلمية تجعلهم يعانون في التحصيل الدراسي من صعوبات واضحة في اكتساب و استخدام مهارات الاستماع و الكلام أو الكتابة أو التهجئة ، أو أداء العمليات الحسابية الاساسية
عندما نريد الكشف التعثر الدراسي ، فإنه من اللازم اللجوء إلى عملية التقييم ، باعتبارها جملة من الاجراءات التي نقوم بها بواسطة اساليب و ادوات تمكن من الكشف عن موطن التعثر الدراسي لدى المتعلمين ، ذلك أنه يصعب أن نضع أنشطة للدعم و التصحيح ، إذا لم نقم بمجموعة من الاجراءات تتعلق بعملية التقييم .
لذلك فإن عملية الكشف هي جملة الاجراءات المنهجية و العملية الهادفة إلى تحديد طبيعة التعثر الدراسي و كثافته ، و قياس مدى اتساعه ، و الكشف عن تجلياته.
كما أنه يمكن تقسيم صعوبات التعلم إلى ثلاثة مستويات : البسيط، المتوسط، الشديد ،تقترح بخصوص الدعم التربوي أن يتم التعامل مع أفراد هذه الفئة كل حسب مستوى الصعوبة.
وبشكل عام فإن مختلف التصنيفات التي من المفروض ان يطلع عليها المدرسون والتي تدرس هذه المشكلة، وكل من سينخرط في حطة الدعم، عادة ما تصنف إلى ثلاث عوامل : ذاتية، وخارجية تؤثر في إداء التلميذ وأخرى تعود للمدرسة والنظام التعليمي، وهذا ما سيتم التطرق اليه في الفقرات المخصصة لاستعراض بعض الدراسات التب عالجت مشكلة التعثر الدراسي.
ان عملية تصحيح التعثر، هي كل الاجراءات الموالية لعمليتي التقييم والتشخيص، والتي تستهدف دعم التلاميذ من اجل تصحيح تعثرهم ومن أجل تقليص الفارق بين مستوى تعلم التلاميذ الفعلي والاهداف المنشودة.
فالدعم التربوي في مواجهة ظاهرة الفشل والتعثر الدراسي وبناء استراتيجية تمكن من بلوغ الاهداف المتوخاة أي من الانتقال من مستوى التطور الى مستوى التنفيذ ارتكاز على جملة من الاجراءات العملية التي تنتقي بعناية بالغة وتتجلى في اختيار المحتويات التي تقدم للفئة المتعثرة والطرائق والاساليب التعليمية التي تكون متمحورة حول التلميذ واختيار الوسائل التعليمية والمعينات ووضعيات تنفيذ بيداغوجيا التقييم والدعم والعناصر في تنفيذ عمليات التقييم والدعم والمكان التي تنجز فيه عمليات الدعم
هذه هي الإشكاليات التي سننطلق منها في هذه الدراسة، بعد التطرف لتحديد المفاهيم والتعاريف المتعلقة بظاهرة الفشل والتعثر الدراسي وبحث الأسباب والعوامل المساهمة في هذه الظاهرة.
إن الدراسات التي أنجزت في هذا الشأن كثيرة ومتشعبة، وانتشارها في جميع الأنظمة التعليمية وخطورة ما تسببه من آثار سلبية سواء على المستوى الفردي أو الاجتماعي مثل التكرار والتسرب الدراسي ..
والحقيقة أن هذا الموضوع يكتسي أهمية كبرى في الأنظمة التعليمية ويشكل أعظم هاجس يؤرق كافة العاملين بها .. ،كما تكمن أهميته في كونه يصيب العملية التعليمية التعلمية والمناهج الدراسية في عمقها التربوي وبعدها الكيفي.
و في اعتقادنا، لو كان موضوع الفشل والتعثر الدراسي والدعم التربوي الموضوع الوحيد لعلم التدريس برمته، لكان كافيا ولا ستغنى به عن جميع المواضيع الأخرى لأنه يصيب نشاط المدرسين في عمقه النوعي.
الفصل الأول : التعثر الدراسي ، مقاربات لتفسير المشكل
إن مختلف التصنيفات التي من المفروض أن يطلع عليها المدرسون وكل من سينخرط في خطة الدعم، عادة ما تصنف إلى ثلاث عوامل:
· ذاتية مرتبطة بالتلميذ: بنيته الجسمية، النفسية، النفور من المدرسة، التغيب، الحلم بالسفر إلى الخارج
· خارجية: تؤثر في أداءه من الخارج كالمحيط الاجتماعي والحالة المادية للعائلة، وعدم جاذبية المقررات، والمقاربات البيداغوجية، وجاذبية المدرسة دون التقليل من أهمية وخطورة العوامل الأخرى، كتكدس الفصول وظروف العمل في العالم القروي...
وفي الفقرات التالية سنتعرض لبعض الدراسات التي تم على ضوءها تشخيص التعثر الدراسي والعوامل المساهمة فيه، وقد ميزنا فيها بين:
الدراسات التي تقارب الظاهرة على ضوء العوامل الفردية (المبحث الأول) ثم السوسيو-اقتصادية والثقافية( المبحث الثاني) ثم العوامل التربوية والبيداغوجية (المبحث الثالث)،
المبحث الأول: مقاربة التعثر الدراسي على ضوء العوامل الفردية
المقصود بالعوامل الفردية: مجموع الخصائص والصفات التي تميز التلميذ كفرد، وتشمل كل ما يتعلق بالقدرات العقلية كالتخلف العقلي للتلميذ (المطلب الأول) وخصائصه الوجدانية ومميزاته العضوي (المطلب الثاني)
المطلب الأول: التعثر الدراسي والتخلف العقلي
" التخلف العقلي هو عدم اكتمال أو قصور في مستوى الارتقاء العام للوضع العقلي" [2] كما يعني مستوى الإدراك العقلي العام دون المتوسط، ينشأ أثناء الارتقاء ويصبحه خلل في جانب أو أكثر من الجوانب التالية: النضج، التعلم، التوافق الإجتماعي.
ويفيد أيضا: " نقصا أو عدم اكتمال النمو العقلي وانحطاطا واضحا في الذكاء، وفي الأداء العقلي الوظيفي العام، يجعل الشخص عاجزا عن التعلم والتوافق مع البيئة أو الحياة دون إشراف ورعاية وحماية."[3]
فحسب هذه التعاريف، يتجلى إذن التخلف العقلي في انخفاض مستوى الذكاء العام، وعدم القدرة على التكيف مع المحيط المدرسي والإجتماعي وأخيرا العجز عن التعلم في حين أظهرت بعض البحوث التي تتطرق لعلاقة التخلف العقلي بالقدرة أو القابلية للتعلم أن:
75% من الأطفال المتخلفين عقليا يمكن تعليمهم
25% من الأطفال المتخلفين عقليا يمكن تدريبهم فقط
تشكل نسبة 5% غير القابلين منهم للتدريب أو التعلم.[4]
يبدو أن تفسير الظاهرة بإرجاعها إلى التخلف العقلي، من حيث هو قصور في الأداء العقلي العام، يؤدي إلى معالجة الظاهرة على أنها حالة باتولوجية، والاعتقاد بالتالي في عدم امكانية تجاوزها.
فالعمليات التي لها علاقة مباشرة بالتحصيل الدراسي والتي لها بعد معرفي، عقلي (paramètre cognitif) أي جميع أشكال النشاط الفكري لدى الإنسان وخاصة العمليات العقلية من حفظ وفهم وتحليل وتركيب وتقويم تستلزم دراستها حتى يتم تشخيص وفهم التعثر الدراسي كالتذكر الذي يتجلى في استرجاع الصور الذهنية والبصرية والسمعية. والتفكير للشعور بالمشكلة والبحث عن الفروض المناسبة، وترجيحها كلها وأخيرا التخيل، كإبداع وإنشاء علاقات جديدة منبثقة عن الخبرات السابقة وهي عملية عقلية تستعين بالتذكر في استرجاع الصور العقلية المختلفة لتأليف تنظيمات جديدة تصل الفرد بماضيه وتمتد به إلى حاضره، تتطلع إلى مستقبلة لمد دعائم قوية للابداع الفني والابتكار العقلي
المطلب الثاني: الذكاء والتعثر الدراسي
يعتبر الذكاء قدرة عامة تشترك في جميع العمليات العقلية تبدأ بالادراك الحسي وتنتهي بالتفكير المجرد، وفهم واكتشاف العلاقات المعنوية.
إن الانطلاق من متغير الذكاء لفهم وتفسير التعثر الدراسي يقوم على افتراض ضمني مفاده ان التلميذ المتعثر دراسيا هو ذاك الذي يتوفر على مستوى من الذكاء أذنى من المتوسط، مما يعني أن انخفاض ذكاء التلميذ هو سبب تعثره أو فشله.
لقد درجت التربية الحديثة على مراعاة القدرات اللغوية، و الرياضية و الموسيقية، أي كل ما يستطيع الفرد أداءه في اللحظة الراهنة من أعمال عقلية، والتي قد توجد بتدريب أو بدون تدريب، على معرفة مستوى ذكاء الأطفال وطبيعة قدراتهم وذلك بمراعاة الفروق الفردية وتوجيه التلاميذ في مسارهم التعليمي بما يساير قدراتهم العقلية ومستويات ذكائهم، وتحليل أسباب التأخر الدراسي ومحاولة تبين المؤثرات المختلفة المتصلة به والعمل على علاجها.
فنجاح الفرد في تحصيله الدراسي وتفوقه المهني، بصفة عامة، يعتمد على نسبة ذكائه ومستوى قدراته، لذلك تبنى الميول على القدرات العقلية، وتقوى هذه الميول بمدى استعداد الفرد لتحقيق مأربا من المآرب. فالاستعدادات هي أيضا قدرات أو مهارات كامنة في مجال معين، يحقق الفرد بفضلها مستوى معين من الكفاية.
إن الاختلاف حاصل بين الباحثين في تعريفهم للذكاء، وتحديدهم لخصائصه ومظاهره، ومستوياته وعملياته ... كالتركيز على البعد النظري (التجريد مثلا) والتركيز على البعد العلمي (مثل قدرة الفرد على تطبيق ما يتعلمه)، واختزال الذكاء في بعد واحد يؤدي إلى انعكاسات على بحث الذكاء بالتعلم المدرسي. كما أن هناك صعوبات ترتبط بالأداة المعتمدة للكشف عما إذا كان ذكاء التلميذ مرتفعا أم منخفضا.
خلاصة القول، إذا كان للذكاء مسؤولية في التعثر الدراسي، فإن حدود هذه المسؤولية وطبيعتها غير واضحة بما فيه الكفاية، كما أن القدرة التفسيرية لهذا المتغير لا يمكنها أن تغطي جميع حالات التعثر الدراسي.
ومن هنا ضرورة الرجوع في فهم هذه الظاهرة إلى متغيرات أخرى مثل الخصائص الوجدانية للتلميذ.
المطلب الثالث التعثر الدراسي و الخصائص الوجدانية
ان التعثر الدراسي قد ينتج مثلا عن اضطرابات انفعالية تبدو في قلق التلميذ وعدم استقرار حالته النفسية أو فقدان الثقة في النفس و الاجساس بمشاعر النقص والتي ترجع لطبيعة نمو الفرد والعالم الخارجي فيتاثر وجدان الفرد بمستوى دكائه واستعداداته العقلية فأثر الوجدان يظهر في مواقفه وميوله بالنسبة لمادة دون مما يساهم في التعثر
مثل هذه الاضطرابات الانفعالية تعرض التلميذ لمصاعب متعددة عند مابهة المواقف التعليمية التعلمية مما يؤدي الى تأخره الدراسي[5]
فالاتحهات النفسية والاستعدادات التي تعد الفرد وتهيئه وتثير عنده الدافع للاستحابة لها دور أساسي في التربية لهذا فالثعثر قدقد يكون ناتج في بعض الحالات عن الاتجهات السلبية عن موضوعات معينة وهي ليست سلوكا فطريا
اذ عادة ما يميل التلميذ الى الأنشطة الدراسية التي سبق له أن تفوق فيها أو التي يعتقد إمكانية تفوقه فيها اذ يرى بلوم bloom في هذا السياق أيضا '' أن تشكل ادراك التلميذ لنجاحه أو فشله في مهام التعلم الدراسيواستحسان أو عدم استحسان المدرسين لعمله وكذلك الأباء و الأقران يثير لديه مواقف إيجابية أو سلية تجاه المدرسة و التعلم الدراسي
إن حوافز التلميذ على التعلم تقوم بدور إيجابي في تعلمه إذا كانت قوية وتقوم بدور سلبي إذا كانت ضعيفة إن أي نشاط تعليمي تعلمي في غياب التحفيز أو عامل الدافعية فان مآل ذلك النشاط لن يتوصل مطلقا الى نتيجة المرجوة منه وهذا ماكشفت عنه دراسة H.J HERMANS إذ بينت طموح التلميذ في أن يكون متفوقا دراسيا أمام الآخرين وأمام نفسه قد يشكل حافزا قويا على التعلم motivation de prestation وهذا الحافز يشير إلى ميل داخلي دائم لدى التلميذ يدفعه لأن يحقق مستوى من الانجاز حدده بنفسه.
فالمتعلم كائن معرفي، عاطفي، سوسيولوجي حركي لا يمكن أن نقزمه، ونختزل وجوده وكينونته في عقله الذي يختزل المعلومات في الذاكرة، التي ما تنفك تنسى لأنها لم تكن مصحوبة بانفعالات وجدانية، وحوافز تعليمية، وتفاعلات وحوارات بين شخصية يسودها الاحترام المتبادل، وقبول الاختلاف في الرأي" غذ أن " شخصية الفرد يتمفصل فيها ما هو وجداني مع ما هو ذهني أو عقلي أو حسحركي، وتكون هيمنة أحد هذه المكونات الثلاثة وفق الوضعية التي يواجهها الفرد"[6].
هكذا يبدوا واضحا أن للحوافز على التعلم من حيث هي عامل من العوامل الوجدانية تأثير قوي على التحصيل الدراسي للتلميذ. و يمكننا أن نستنتج أن التعثر الدراسي قد يحدث نتيجة ضعف أو غياب الحوافز على التعلم.
المبحث الثالث: مقاربة التعثر الدراسي على ضوء العوامل السوسيو ثقافية
ركز البعض على المعطى الاقتصادي محاولا كشف علاقته بتعثر أو فشل فئة من التلاميذ (المطلب الأول )، بالإضافة إلى المعطى الثقافي الذي سنتطرق إليه في المطلب الثاني، واهتم بعضها الأخر بتأثير القيم على نتائج التحصيل الدراسي، أو بإبراز الدور السلبي لأسلوب استعمال اللغة (المطلب الثالث).
المطلب الأول: المعطى السوسيو- اقتصادي
من أبرز البحوث التي اهتمت بذلك نجد دراسات [7]P. Bourdieu Passerons التي أكدت أن التعثر أو الفشل الدراسي ينتج عن تفاعل عوامل عديدة من أكثرها حسما الوضعية الاقتصادية والاجتماعية للأسرة، فالأسر غير المحظوظة ذات الإمكانيات المادية الجد محدودة لا يمكنها أن توفر لأطفالها حدا أدنى من الشروط الضرورية- مادية- تسمح لهم بالمتابعة العادية لدراستهم.
ومن جهة أخرى فالتفاعلات بين الذكور و الإناث في ما يتعلق بالصعوبات الدراسية والمستوى السوسيو-اقتصادي ليست بالبسيطة, وهكذا يصرح المجلس الأعلى للتربية[8] بكندا على سبيل المثال أن " في حال تكافؤ الأصل الاجتماعي تحقق الإناث نجاحا أفضل نسبيا من الذكور على كافة المستويات التعليمية، وتتجلى هذه الظاهرة بصفة خاصة عندما ينحدر التلاميذ من وسط سوسيو- اقتصادي مهمش".
يجمع كافة الباحثين في مجال علم النفس الاجتماعي على أن درجة تأثر نموذج الشخصية الذي يحتد به الطفل داخل أسرته يختلف تبعا لاختلاف المستوى الاقتصادي والاجتماعي لهذه الأخيرة. إن التنشئة الاجتماعية للطفل تتأثر بدرجة كبرى بالمستوى الاقتصادي و الاجتماعي للأسرة
المطلب الثاني: المعطى الثقافي[9]
بتعبير بورديو و باسرون "إن المدرسة تساهم في تدعيم الأفضلية الاجتماعية الممنوحة لأبناء الفئات المحظوظة.
وهذه المسالة يمكن تلمسها في كون جذور الارث المدرسي ترجع الى ارث الاوساط الاجتماعية الراقية"، فلكي تحقق المدرسة هدفها الوظيفي ،نجدها تفرض معايير ثقافية و لسانية تربطها روابط عضوية بالمقومات الثقافية و اللغوية السائدة داخل الفئات الاجتماعية الميسورة و البعيدة كل البعد عن المكونات الثقافية و اللغوية للفئات الاجتماعية المحرومة ، وعليه ، فإذا كان السبب الرئيسي في التوافق الدراسي لابناء الفئات الاولى يكمن في الاستمرار ية الواضحة بين ثقافتهم الاسروية و ثقافتهم المدرسية ، فإن الفشل الدراسي لابناء الفئات الثانية يرجع الى نوع من اللا ستمرارية بين هاتين الثقافتين ، إذ ان توافقهم يشترط تعلم طرق جديدة في التفكير و الكلام و الجلوس ايضا.
كيف تساهم المدرسة في انتاج تلاميذ متعثرين او فاشلين دراسيا؟
سؤال اجاب عنه" Establet et Boudlet" من خلال بحثهما للوظيفة الايديولوجية التي تؤديها المؤسسة المدرسة في المجتمع الفرنسي ، وتنبني الاطروحة النظرية على اساس افتراض مفاده ان الخطاب الايديولوجي للمدرسة يدعي ان وظيفة المؤسسة هي توحيد المجتمع ، بينما تؤدي وظيفة اخرى مغايرة تتمثل في تقسيم المجتمع و هكذا بحكم وظيفتها تعمل على استغلال التفاوتات عالى استغلال التفاوتات بين التلاميذ، و حين تدعي أن تقدم نفس التعليم ،فهي في الواقع ، تدعم التفاوت الاجتماعي و "تصنع الفشل الدراسي "ووحدهم أطفال الفئات الاجتماعية المحظوظة ، والذين يشكلون الاقلية ، استاطعوا ، في غالبيتهم العظمى ، أن يقطعوا مسارهم الدراسي الابتدائي بطريقة عادية، و على العكس من ذلك ،فإن الدراسة الابتدائية لغالبية أطفال الطبقات الاجتماعية بالتعثر.
فهي تحرص بواسطة اليات عملها الداخلية على ان يتبع اطفال الطبقات الاجتماعية المختلفة مسارات دراسية مطابقة لانتماء اتهم الاجتماعية . فالوظيفة الاجتماعية للمؤسسة المدرسية في المجتمع الراسمالي محكومة منذ البداية بالتقسيم الاجتماعي للعمل ، و بمتطلبات سوق العمل الاجتماعي من أطر و قياديين و عمال يدويين .و هذا مايفسر كون المدرسة الابتدائية تكون 20% من المفكرين و 80% من الافراد القليلي الخبرة .
المطلب الثالث :المعطى القيمي[10]
أي المعايير القيمية التي تحكم سلوك التلميذ ، و تحدد تصوره عن ذاته و عن الاخرين ، قد تشكل سببا من اسباب تعثر او تفوق التلميذ دراسيا . فإذا كانت مماثلة لمعايير النمذج القيمي الذي تتبناه المدرسة ، فإنها تسهل على التلميذ و التكيف مع متطلبات التعلم المدرسي ، اما إذا كانت مخالفة لذلك النموذج فإنها تعمل كسبب من اسباب اللا تكيف مع هذا التعلم.
إن القيم التي تسود اوساط الطبقات الاجتماعية الشعبية هي قيم الصحبة و التعاون و القوة الجسدية . و هذه القيم تتعارض مع قيم الثقافة المدرسية ، و التي اساسها التنافس والفردانية . لذا يجد اطفال الاوساط الاجتماعية الفقيرة انفسهم غرباء إزاء هذه القيم ، وغير قادرين بالتالي على التكيف معها ، مما يتسبب في تعثرهم الدراسي .
المطلب الرابع :المعطى اللغوي
لقد انصب اهتمام الباحثين حول الدور الذي يمكن ان تلعبه اللغة في الحياة الدراسية للتلميذ ،و اعتبروها متغيرا هاما يمكن ان يؤثر سلبا او ايجابا على المسار الدراسي ، و المبدا العام الذي ينطلق منه الباحثون يتلخص في ان هناك اختلافات بين الاسلوب الذي تتحدث به الفئات الاجتماعية الفقيرة اللغة ، و الاسلوب الذي تعتمده المدرسة ـوهو ذاته اسلوب الطبقات الاجتماعية المهيمنة او الفءات المثقفة منهاـو تشكل هذه الاختلافات عوائق صعبة امام اطفال الفئات الاجتماعية الفقيرة و غير المثقفة ، مما يتسبب في تعثرهم و فشلهم الدراسي .
في نفس السياق العام ، قام "كمال بكداش"بدراسة ميدانية لمشكل التداخل اللغوي بين العامية و الفصحى و علاقة ذلك بالتعليم ، فاشار الى ان الطفل ـالتلميذـيجد نفسه على عتبة ثنائية لغوية بين التعبير بالعامية و الكتابة بالفصحى ، فتشكل هذه الازدواجية عائقا امام تعلمه للغة نظرا للاختلاف بين العامي و الفصيح [11].
و من اهم الدراسات التي تناولت العلاقة بين اللغة و التعثر الدراسي دراسة B,Bernstein فقد اكد هذا الباحث على ان طريقة او اسلوب استعمال اللغة يعتبر من اهم مسببات التعثر الدراسي . و اكد على وجود نمطين للتنشئة الاجتماعية داخل المجتمع ، و احد تعتمده الطبقة العاملة ، والاخر تعتمده الطبقات المهيمنة . و حسب رايه اهم مظاهر هذا الختلاف ، الطريقة او الاسلوب الذي تستخدم به اللغة ، فالاوساط المثقفة تستعمل نظاما من الرموز اكثر تنويعا و تمايزا مع نظام الرموز الذي تستخدمه الطبقات الشعبية . و بما ان المدرسة تعتمد في التعليم لغة الطبقات المهيمنة فإن اطفال الطبقات الشعبية يجدون صعوبات بسبب هذا النقص اللغوي ، في مسايرة الدراسة مما يؤدي الى التعثر و الفشل الدراسي .
المبحث الرابع: التعثر الدراسي على ضوء العوامل التربوية ـالديداكتيكية
تتحدث نايفة قطامي عن اهمية المناخ الاجتاعي داخل الفصل ـحجرة الدرس ـ في عملية التعلم و تأثير بعض عناصره في أداءالمتعلمين ، و ما يسود بين التلاميذ من علاقات ودية أو عدوانية، و نوع التنظيم داخل الصف ، و سيادة جو التنافس الشديد، و التباين في أعمار التلاميذ ن و طول المقررات ، و العطل السنويةو غياب التلاميذ....
المطلب الاول :الطابع الهيكلي ـ التنظيمي للمدرسة
ما ان يلج الطفل المدرسة إلا وتتغير الامور و يتبدل العالم من حوله و تبدا المشاكل و التعقيدات ، فيبدأ التلميذ في فقدان التلقائية و الحرية التي كانت تميز حياته السابقة ت اي حياته قبل التحاقه بالمدرسة ـ فيدخل في دوامة الالزام و الخوف و ربما الهلع ، اما م هذا الطابع الهيكلي ـ التنظيمي و الجامد الذي يميز الحياة الدراسية : المقررات ، الاوامر و النواهي ، التوجيهات ، الانتظام في صفوف ، الجلوس بهدوء و الامتناع عن الكلام (و ربما عن الحركة ) لفترات طويلة و الانتباه إلى ما يقوله المدرس و ما يفعله و الالتزام بالوقت و انتظار الجرس ، و إنجاز التمارين و الواجبات و الانخراط في منافسة شرسة مع الزملاء للحصول على النقاط العالية و المراتب الاولى ، و الاعداد للامتحانات و تجنب إهانة السقوط و البحث عن عزة النجاح ... فيدخل بالتالي في إطار يحدث له نوعا من الصدمة النفسية ـ الثقافية ، تجعله يتعلم بنوع من الضغط و الإكراه بدلا من الرغبة التلقائية و الإقبال اللغوي على التحصيل و الثتقيف الذاتي ، فتصير المعادلة السائدة في إطار هذا الطابع الهيكلي للتعليم ، هي : "في المدرسة لا يمكن لأي واحد ان يتعلم أي شيء مع أي كان و في أي وقت يشاء و بأي طريقة تحلو له " فلا بد لمن يريد أن يتعلم ، أن تتوفر فيه الشروط (السن و مكان الازدياد...) و أن يتعلم محتويات مقررة في المنهاج الرسمي العام و المشترك بين جميع المؤسسات و أن يتعلم مع مجموعة من التلاميذ المصنفين بناء على اللوائح التنظيمية المعمول بها ، و في أوقات محددة في استعمالات الزمن و بالطرق التي تفرضها التقاليد التدريسية السائدة في مدرسته و بين مدرسيه ، فلا يمكن للفرد أن يتعلم إلا في إطار ÷ذا النظام التعليمي المهيكل و الصارم من طرف الراشدين ، و فقط عندما تكون الاهداف محددة و بحضور مدرس مهيأ للقيام بالتعليم في إطار مواد و حصص و توزيع زمن مبيت سلفا .
المطلب الثاني : الطابع الفصولي ـ التتابعي
الخاصية الثانية التي تميز الانظمة المدرسية بشكل عام، هي الخاصية الفصولية و التعاقبية . و مؤداها أن المققررات الدراسية تبنى على اساس التعاقب و التتالي اي على اساس ان المادة الواحدة من المقرر تقسم و تجزأ إلى مجموعة من الدروس و الوحدات و داخل كل درس أو كل وحدة دراسية هناك مواضيع تكون عبارة عن حلقات متسلسلىة يؤدي الواحد منها إلى الاخر بالضرورة . فمثلا في الحساب لا يمكننا أن نتعلم القسمة قبل تعلم الضرب و لا يمكن أن نفهم و نتعلم الضرب قبل تعلم عمليات الجمع والطرح، كما لا يمكن اكتساب هذه العمليات دون اكتساب مفاهيم العدد و الزائد و الناقص... و هذا المثال ينطبق مبدئيا على اللغة و على بقية المواد الاخرى العلمية منها أو التقنية أو الادبية و نتيجة لهذه الطبيعة التعاقبية و المتمثلة في ارتباط المواضيع داخل الدرس الواحد و بنائها بشكل متسلسل ، لا يكون امام التلاميذ من خيار سوى النجاح ، فليس أمامه من حل اخر . ذلك أن فشلهفي اكتساب الوحدة الاولى ، ينتج عنه بالضرورة فشل في اكتساب الوحدة الثانية ، ما دامت هذه الوحدة مبنية على السابقة و لا يمكن فهمها و تحصيلها ما دمنا لم نحصل بشكل ملائم الوحدة الاولى و هكذا . فإذا لم يستوعب التلميذ في مثالنا السابق، عمليات الجمع و الطرح فسيصعب عليه استيعاب الضرب و سيصعب عليه تعلم الوحدة التالية و هي القسمة. و هكذا فإن ما يحدث من تعثر بسبب الطبيعة الفصولية و التعاقبية للمواد الدراسية ، قد يؤدي إلى تاصل "ميكانيزم الفشل" لدى التلاميذ المتعثرين ، و القاعدة تقول : "إن الفشل يولد الفشل ". كما بينت العديد من الدراسات أن " النجاح يولد النجاح"، و لو كان النجاح كاذبا أو جزئيا و صغيرا فإنه في حد ذاته محفز على التقدم و التفوق ، في حين أنه و بمجرد ما يبدأ الفشل في الظهور كسمة في سلوك الطفل ، إلا و تنتج عنه مشاعر الخوف و القلق الذي قد يؤدي إلى تسرب ميكانيزم الفشل و الشعور بالعجز و فقدان الثقة في النفس .
المطلب الثالث:الطابع الجمعي للتدريس
النظام التعليمي السائد حاليا في جميع الاقطار ، هو النظام الذي يغلب عليه اسلوب التعليم الجمعي .والذي يقضي تجميع اعداد من التلاميذ في قسم واحد بناء على معايير معينة ، حيث يستفيدون بشكل جماعي من نفس المنهاج و في نفس الوقت من نفس التعليم.
و لكن و أمام انتشار التعليم و دمقرطته و السعي نحو الاقتصاد (اقتصاد في الوقت و الجهد) ة ازدياد الالحاح على تعميم التعليم و الذي لم يبقى حكرا على فئة اجتماعية على أخرى و خاصة على فئة النخبة و التي كان بإمكانها توفير معلمين خصوصيين لأطفالها و توفير الظروف الملائمة لتعليمهم ... و أمام كل ذلك تضاعفت اعداد التلاميذ الطالبين للتعليم ، فأصبح من المستحيل اليوم، اللجوء إلى التعليم الفردي كما كان يمارس في الماضي . لقد اصبح المدرس اليوم يجد نفسه و في اطار التعليم الجمعي ، امام 30 او ربما 40 تلميذا او اكثر ، فكيف يواجههم و باي اسلوب سيتعامل مع خصوصياتهم و فروقهم الفردية ، فكيف سيكون تعليمه في هذه الحالة ؟ إن المدرس في هذه الحالة يتعامل كل هؤلاء و يوجه خطابه إليهم في نفس الوقت و بشكل جماعي ، يفعل ذلك كما لو كان أمام تلميذ افتراضي واحد . على اننا نلاحظ أن أفضل المدرسين و أكثرهم التزاما ، يجاهد في أن يتموضع خطابه و نشاطه التعليمي بشكل عام ، في الوسط، بحيث يسير بإيقاع و سرعة من يفترض أنهم متوسطون ، بناء على كون معظم التلاميذ و انطلاقا من التوزيع الطبيعي للبشر (أي التوزيع الذي يتخذ شكل الجرس )، يوجدون في الوسط . و لكن هذا الموقف الشائع كثيرا ما يكون على حساب الطرفين، أي على حساب الضعاف و الأقوياء على حد سواء .
[1] عبد الكريم غريب : المنهل التربوي، معجم موسوعي في المفاهيم السيكولوجية والديداكتيكية – منشورات عالم التربية، النجاح الجديدة، الدار البيضاء 2004
[2] جمعة سيد يوسف : سيكولوجية اللغة والمرض العقلي، ص.184
[3] خليل ميخائيل عوض، م. س. ص. 284 وانظر أيضا : عبدالعزيز الفقي : التأخر الدراسي ص. 84
[4] م. س. ص.286.
[5] خليل ميخائيل معوض مرجع سابق ص 270
[6] عبدالكريم غريب : علم النفس المعاصر – المدار والتيارات، منشورات عالم المعرفة مطبعة النجاح الجديد بالدار البيضاء 2012
[7] J.C.PASSE RON, P.BOURDIEU, la reproduction, p 36.35.
[8] Conseil supérieur de l’éducation, pour une meilleure réussite des garçons et des filles, synthèse, P.1.2002.
[9] د.الغالي احرشاو –الطفل بين الاسرة و المدرسة –الفصل الرابع ،صراع القيم
[10] ع.اللطيف الفاربي – محمد ايت موحى :بيداغوجيا التقييم والدعم –اساليب كشف تعثر التلاميذ –سلسلة علوم التربية -6-
[11] كمال بكداش : التعبير الشفهي و التعبير الكتابي ،مجلة الفكر العربي ،العددان 8-9،السنة 1979 ،بيروت