لم يميز المؤلفون المسلمون بين التحقيب والتأريخ كما يدل على ذلك التعريف الذي يقول: التاريخ تعريف الوقت بإسناده إلى أول حدوث أمر شائع وقيل إنه مدّة معلومة بين حدوث أمر ظاهر وبين أوقات حوادث أخر. التعريف الثاني، النسبي، هو الذي يفيد فكرة التحقيب.
يلجأ المؤرخون الذين كتبوا بالعربية، أكانوا مسلمين أو لا، إلى تقسيم تقليدي نلخصه في النقاط التالية:
1- يسوقون في قسم تمهيدي الملاحم والأساطير على صورتها الشائعة بين أصحابها، في غياب قياس برهاني يمكن من تمحيصها. يحشرون المرويات المتعلقة ببداية الكون والأرض والإنسان وكذلك أخبار الأمم البائدة أو النائية مثل الصين والهند والزنوج وسكان المناطق الشمالية. فهذا القسم هو بمثابة وصف _كوني (كوسموغرافيا)، وصف _جنسي (اثنوغرافيا ووصف _ أرضي (جيوغرافيا).
2- ثم ينتقلون، في قسم لاحق، إلى أخبار الأنبياء والرسل معتمدين على ما جاء في التوراة، وبالمناسبة يذكرون أخبار الأمم التي كانت لها علاقة ببني إسرائيل كالكلدانيين والسريانيين وغيرهم.
3 - ثم يروون، في قسم ثالث، أخبار الملوك، أي وقائع الامبراطوريات القديمة، الفارسية واليونانية والرومانية، ويذكرون بالمناسبة أيام العرب الأولين.
4 - ثم يقصّون، في قسم رابع، تاريخ العرب بعد ظهور الإسلام ويلحقون بهذا التاريخ ما يعرفون عن الروم والإفرنج وملوك الهند وغيرهم.
5 - ثم يسوقون، في قسم خاص، أخبار العجم من أتراك وبربر، إلخ. وبما أن هذا التاريخ لا يزال في تطور، فإن الرواية تنحلّ تدريجياً في حوليات قابلة للوصل والتكملة.
وهكذا نلاحظ نفس الاتجاه العام في التأليفين، العربي والغربي، من أخبار الأمم والدول (الحقبيات والتجارب) إلى أحداث السنوات وربما الشهور (الحوليات واليوميات). لا يوجد إذاً فرق جوهري بين الاسطوغرافيتين، اللهم ان الإسلامية أوسع مادة وأكثر دقة فيما يتعلق بأخبار الشرق والمناطق المجاورة له وأكثر خلطاً وإيجازاً عندما تتعرض لأخبار اليونان والرومان.
يوجد إذاً توافق ضمني بين التحقيبين التقليديين، الإسلامي والغربي، ويدخل في هذا الإطار اقتراح المؤرخ الامريكي مارشال هودجسُن الذي يميز داخل التاريخ الإسلامي الفترات التالية:
_ فترة أولى تمهيدية تمتدّ من سنة 750 إلى سنة 1000م (134 إلى 392ه) .
_ ثانية كلاسيكية من 1000 إلى 1250 (392 إلى 648).
_ ثالثة وسيطية من 1250 إلى 1500 (648 إلى 906).
_ رابعة وهي عهد الامبراطوريات الثلاث من 1500 إلى 1800 (906 إلى 1215).
_ خامسة حديثة من 1800 إلى الحاضر.
كان هدف هودجسن هو إدخال تاريخ الإسلام في نطاق التاريخ العالمي، أو بعبارة أدق في نطاق التاريخ الغربي المرتبط بالتقويم الميلادي، لكن الاقتراح لا يتعارض مع التحقيب التقليدي الجاري به العمل عند أغلبية المسلمين. نتيجته الوحيدة هي تغيير المدلول: الحقبة التي يسميها الغربيون الوسيط الأول، والتي كانت فترة تفكك سياسي وانحطاط ثقافي وانكماش اقتصادي، أصبحت في تحقيب هودجسن تمثل عهد توسع وازدهار وإبداع فاستحقت أن تسمّى عهداً كلاسيكياً. واضح إذاً أن التقسيم الزماني أفرغ من كل مدلول وعاد لا يعدو أن يكون مجرد تفصيلة شكلية. فنجد أنفسنا أمام اختيار صعب يلخص المعضلة كلها: إما أن نستعمل الحقبة كمدّة فارغة ونعطيها في كل حالة مدلولاً معيناً (انحطاط أو استمرار أو تقدم)، فتستحيل المقارنة (الرشيد مزامن لشارلمان وليس معاصراً له، يوجدان في نفس الزمان وليس في نفس التاريخ)، وأما أن نعطي لكل حقبة مدلولاً معيناً وحينئذ لم تعد توجد في نفس الموقع من المسلم الزماني بالنسبة لكل أمة ولكل مجتمع. يمكن أن نقارن بين النهضة الإسلامية والنهضة الأوروبية، إلا أن الأولى سبقت الثانية بأربعة قرون.
بيد أن اقتراح هودجسن كشف عن مشكلة أخرى هي صعوبة توحيد التاريخ الإسلامي نفسه. لا يمكن أن ينظر إلى حقبة الامبراطوريات الثلاث، العثمانية والفارسية والمغولية، بنفس النظرة في الآستانة وفي القاهرة وفي دمشق. إذا عدنا إلى كتب التاريخ المدرسية، وحتى الجامعية، المتداولة في كل بلد عربي أو إسلامي، نلاحظ اختلافاً كبيراً في التحقيبات المعتمدة. لا يوجد أي نوع من الوحدة والتجانس في تاريخ مصر أو تاريخ إيران أو تاريخ الترك. بل يمكن القول إن القضية تبدو ثانوية للمؤرخين المحليّين الذين يرون فيها مسألة تقنية موكولة للخبراء. نقرأ عند عبد العزيز الدوري: "لم نصل إلى أسس عامة لتحديد فترات التاريخ العربي. فالأحداث السياسية أو توالي الأسر لا تفي بالغرض إذ إن تاريخ العرب تاريخ أمة لا تاريخ اُسر. كما أن نقل التحديد الغربي لفترات التاريخ (من جهة نظر غربية) قد لا يصدق على التاريخ العربي. وتحديد فترات تاريخ الغرب يتطلب اعتماد أسس مفهومة تنطلق من طبيعة هذا التاريخ وتطوره"، لكن عندما نقارن الاقتراح الذي تقدم به مع اقتراح هودجسن أو التقسيم الذي اعتمده المؤتمر الدولي لتاريخ بلاد الشام، نفهم أن التوفيق بين التحقيبات التي تنطلق من منظور إقليمي أو قومي عربي أو إسلامي، يكاد يكون، في الظروف الحالية وفي مستوى الدراسات المنجزة، مستحيلاً. كيف يمكن لمؤرخ عربي دمشقي أن ينظر إلى حقبة 622 إلى 750م كفترة سابقة لأخرى تمهيدية كما يقترح ذلك هودجسن؟