1- كل من تعرف على سيرتك الذاتية يشعر أن فاطمة الزهراء المرابط كائن إنساني مفرد بصيغة الجمع، أود أن أسألك عن هذا السر، كيف حصل هذا التواطؤ الخلاق ومع من تم تشكيل هذه التجربة المتميزة؟
ليس هناك أي سر، دعاني القلم يوما فلبيت الدعوة، حتى أني لا أذكر متى اقترفت حرفي الأول، ربما عندما تواطأت مع شروق وغروب الشمس، مع البحر والحقول الخضراء، مع الحروف والكتب الجميلة التي كانت تزين مكتبة والدي آنذاك، من هنا تشكلت تجربتي الإبداعية ومن هنا احترقت بسحر الكتابة وغوايتها.
2- ما هي أهم المصادر التي ساهمت في تشكيل متخيلك الإبداعي والثقافي، ولمن تقرئين مغربيا وعربياً وعالمياً؟
من الصعب تحديد مصادر معينة، لأن المصادر كثيرة ومتشعبة وأغلبها لا علم لي بتأثيرها على تشكيل متخيلي الإبداعي والثقافي. وأعتبر الكتاب، السفر، العمل الجمعوي، التواصل مع المبدعين، التجارب الحياتية، والاحتكاك بقضايا المجتمع، مصادر ساهمت في صقل تجربتي الإبداعية وتطويرها. ويتصدر الكتاب لائحة هذه المصادر، إذ قرأت لعدة أسماء مغربية وعربية وعالمية في مختلف الأجناس الأدبية والفلسفية والفكرية والتاريخية، وأذكر منها على سبيل المثال، مغربيا لـ: محمد شكري، الطاهر بنجلون، عبد الكريم غلاب، محمد زفزاف، أحمد بوزفور، خناثة بنونة... وعربيا لـ: نجيب محفوظ، عبد الرحمن منيف، جبران خليل جبران، نوال السعداوي، محمود درويش، نزار قباني، أمين معلوف... وعالميا لـ: غابرييل غارسيا ماركيز، باولو كويلو، أغاثا غريستي، شارل، بودلير، أرنست همنغواي، فيكتور هوكو،... وأسماء أخرى كان لها وقع كبير في تجربتي الإبداعية.
3- الحنين للجذور، عشق أبدي يأسرنا للقبض على اللحظات الهاربة منا ساعة الغياب الطويل.. وأنت المتيمة بعشق المدينة التي احتضنت ميلادك وشغبك الطفولي الممزوج برائحة معطرة بأريج سلال الورد المعلقة على شرفة المنازل العتيقة لهذه المدينة المسكونة بالبحر واللون والعشاق، ماذا منحتك أصيلا، وماذا منحتيها؟
أصيلة، وطن يسكنني وأسكنه، مدينة شهدت صرختي الأولى وشغبي الطفولي، وتابعت خطواتي الأولى في عالم الحروف والثقافة. منحتني الدفء والهدوء بشواطئها وأسوارها العتيقة، وطبيعتها الخلابة، منحتني الإلهام لكتابة قصائدي المنسية وقصصي المتأرجحة بين المد والجزر. فمنحتها حبي وتمثيلي المتواصل لها في مختلف المحافل والتظاهرات الأدبية محليا ووطنيا، تربطني بها علاقة حميمية مبنية على العطاء المتبادل، ويكفيني فخرا أني ابنة أًصيلة الساحرة.
4- نجد في آخر دراسة حول حصيلة الأدب المغربي الحديث خلال عام 2012: في الإبداع: 270 عملا وزعت على الأجناس الأدبية كما يلي: الشعر (111 مجموعة)، القصة القصيرة (62 مجموعة)، الرواية (59 رواية)، الزجل ( 26 مجموعة)، المسرح (9 نصوص)، نصوص مفتوحة (2)، الشذرة (1). وأنت المبدعة والإعلامية المتتبعة للمشهد الأدبي والثقافي، ماذا تعني لك هذه الأرقام؟
أعترف أني فوجئت بهذه الحصيلة الأدبية، لأنها حصيلة هزيلة مقارنة مع الدول الغربية والعربية، خاصة وأن المغرب يزخر بعدة أسماء أدبية وازنة في مختلف الأجناس الأدبية، مما يدل على غياب دعم الكتاب المغربي من طرف الوزارة المعنية، وارتفاع تكاليف النشر وما يصاحبه من سوء التوزيع وتدني مستوى القراءة. وهي عوامل رئيسة نتجت على ضوئها هذه الحصيلة الهزيلة، مما يدفع المبدع المغربي إلى العزوف عن نشر أعماله الإبداعية، والاكتفاء بحضور اللقاءات الأدبية ومواكبة النشر الإلكتروني والورقي، في انتظار ظهور حلول جذرية لإشكالية النشر والقراءة بالمغرب.
5- أنت المبدعة والإعلامية المساهمة في تشكيل المشهد الثقافي المغربي، بأية هوية تفضلين وتحرصين لأن تقدم نفسك هل كمبدعة أم كإعلامية؟
كتبتُ الشعر والقصة والمقال وانجرفت وراء التظاهرات الأدبية والاهتمامات الإعلامية، لكني لم أفكر يوما في اختيار هوية لتحتوي تجربتي الإبداعية، لأن الإبداع لا يحتاج لصفة معينة أو هوية محددة، وإن خُيرت يوما بين الصفتين، سأختار أن أكون مبدعة تتنفس الحروف الدافئة.
6- يجد المتتبع لمجموعة من الحوارات التي أجريتها مع مجموعة من المبدعين أنها تتخذ من فضاء المقاهي الثقافية تيمة للحوار، لماذا بالضبط المقاهي الأدبية، وما هي أهم الخلاصات المستقاة من هذه الحوارات؟
"المبدع والمقهى... أية علاقة!" هو المشروع الحواري الذي أحرص على استمراره منذ 2007، وذلك من خلال استضافة مجموعة من الأسماء المغربية والعربية والتي أهدف من خلالها إلى استطلاع علاقة المبدع بالمقهى، المقهى التي لعبت خلال القرن الماضي أدوارا طلائعية في مختلف المجالات الأدبية والفكرية والسياسية والفنية، وساهمت بشكل كبير في ظهور مجموعة من الأقلام الأدبية والأسماء الفنية وكذا تأسيس مجموعة من المجلات والجرائد والتيارات السياسية والفكرية.
إذ ربطت بعض المبدعين بالمقهى علاقة حميمية على رأسهم: محمد شكري، نجيب محفوظ، جمال الغيطاني، يوسف القعيد وغيرهم. إلا أن ما استخلصته من خلال هذه الحوارات أن هناك تراجع كبير في هذا الدور الذي كانت تلعبه المقهى خلال القرن الماضي، ويرجع المبدعين ذلك إلى التطور الذي عرفه المجتمع والتحول الذي عرفته المقهى وكذا ظهور وسائل أخرى مثل المواقع الاجتماعية ومواقع الدردشة، وتحولت بذلك المقهى إلى مجرد فضاء للتسلية وتجزية الوقت والتواصل مع الأصدقاء.
وعلى الرغم من هذا التراجع لازالت بعض المقاهي تحتفظ بدور الفضاء المناسب لمناقشة مستجدات الساحة الأدبية والثقافية والسياسية، وكذا استضافة بعض اللقاءات الثقافية والأمسيات الأدبية، وكتابة بعض الأعمال الأدبية رفقة فنجان قهوة سوداء، وقد برزت مؤخرا عدة مبادرات في خلق بعض المقاهي الثقافية بمختلف المدن المغربية.
7- أستقي هذه الشهادة في حقك للمبدع العراقي المرموق عبد الوهاب المطلبي حيث يقول: "وكأنَّ لفاطمة َ قيثار ٌ يشدو بمآثرهم.. قلم ٌ ينثرُ دربة سردٍ عن تلك الأقلام المفعمة بالتغريد عن ولهٍ.. مرَ بفيض النبض أو لامس أوتار الأفئدة في عبق الورد.. قادت مقهاها من مرفأ ودٍ (لأصيله) يختا إعلاميا وثقافيا من قلب المغربِ أخوتنا حملتْ ميسور بضاعتها.. إضماماتِ تهجدها.. تتناولُ ما شاء لها من شعرِ حدائق في بغدادَ أو من مصرَ أو من روضات المغرب.. من كلِّ الأقطار العربية.. كالطير الزاجلِ تمنحُ من فيض محبتها تكتبنا في لغةِ السرد الأدبية.. هي جسرٌ قزحيٌّ ما بين الشرق وبين المغرب.. ما كنا نعرفُ إخوتنا.. لكن الكاتبةَ زهراءَ قد نجحتْ في إيصال رسالتها عن كل بحور الضاد.." ماذا تمثل لك هذه الشهادة؟ وعلى أي أرض إبداعية تفضلين الإقامة هل الشعر أم القصة أم ماذا...؟
عندما اتصلت بي صديقة عبر الهاتف وأخبرتني بهذا المقال/الشهادة، لم أصدق الخبر ودخلت مباشرة إلى مجلة مركز النور، لأجد المقال منشورا هناك ويحمل بين سطوره شهادة جميلة ومميزة. أن يعترف أحدهم بما تقدمينه للثقافة والإبداع فهذا يشجعني ويزيدني إصرارا على المزيد من العطاء والإبداع، لأكون جديرة بهذه الشهادة التي تفضل بها الشاعر العراقي عبد الوهاب المطلبي.
أقف على أرض الإبداع فقط، الشعر جنون لم أقترفه منذ سنوات، والقصة عشق يطارد يومياتي، يتواطأ مع الشعر أحيانا لينسج نصوصا تنفلت من قبضتي، أعشق الإعلام أيضا، لكني أفضل الإقامة على أرض الإبداع بدون أي تصنيف أو تخصيص.
8 - أسست مؤخرا في طنجة رفقة ثلة من المبدعين جمعية ثقافية وطنية تحمل اسم "الراصد الوطني للنشر والقراءة"، كيف جاءت فكرة تأسيس هذه الجمعية؟ وما هي أهم أهدافها؟
"الراصد الوطني للنشر والقراءة"، هي جمعية وطنية تأسست بمبادرة ثلة من المبدعين والقراء المهتمين بجسامة ونبل الرسالة الثقافية التي تؤديها الكتابة والنشر، وقد اشتغلنا على مشروع الجمعية لمدة تزيد عن أربع سنوات من خلال مد جسور التواصل مع مختلف مبدعي المغرب افتراضيا وواقعيا، قبل أن نجسد الفكرة على أرض الواقع، منطلقين من الهم الثقافي والاهتمام الإبداعي ومستجدات الساحة الأدبية. وما يعرفه المشهد الثقافي من ظواهر على رأسها: تراجع مستوى القراءة في المغرب وتصاعد حدة معوقاتها، وتواضع حصيلة دعم الكتاب المغربي وعجز الكاتب عن نشر إنتاجه الأدبي وكذا تقلص هامش الحرية والإبداع. هي عوامل شكلت أهداف الجمعية التي ترمي إلى: رصد ودعم حركة النشر والتوزيع بالمغرب، رصد حركة القراءة بالمغرب، التشجيع على فعل القراءة، المساهمة في دعم الكتاب المغربي، المساهمة في تحصين حقوق المؤلف، والمساهمة في توسيع هامش حرية النشر والإبداع.
9- أنت حلمت وأبدعت وسافرت في دروب الإبداع والمبدعين، ماذا حققت مما حلمت به، وهل من حلم مازال يراود فاطمة الزهراء المرابط في رحلة الحياة والإبداع؟.
بدون شك، لا يمكننا تحقيق كل الأحلام التي نحلم بها، وإن حققنا حلما سيظل الباقي منسيا على رفوف الأيام، حلمت بأن أكون فنانة تشكيلية أو عازفة جيتار وانتهيت إلى مبدعة عاشقة للحروف.