"الرسالة الأولى.."
* * *
جلست على الكرسي الهزاز.. أحدق في نسخة لوحة "الصرخة" المعلقة إلى جانب صورة تؤرخ لزمن الحرب، (كلاشينكوف وخوذة زيتية)..
تساءلت مع نفسي: لماذا اختار هذه اللوحة تحديدا –الصرخة-؟ لوهلة رأيتني أنا الذي أصرخ.. وهل حقا هي لوحة تمثل الصرخة!؟ أم تمثل الصدمة؟ لا يمكنني الجزم، لأن اللوحة تظل بكماء مهما جسدت الحال..
ثم أعدت نظري إلى الصندوق الذي بين يدي، الصندوق الذي استخرجته من ذاك الجحر المبوَّب..! صندوق حديدي، يشبه تلك الصناديق التي طالما رأيتها في الأفلام الأمريكية.. قمت بفتحه بحذر، رغم أن الصندوق لم تكن عليه أي علامات للصدأ، أو يكتسيه الغبار.. أيقنت أن صديقي الشيخ، كان يُعنى كثيرا به، فهو على ما يبدو كلُّ ذاكرته..!
كانت محتوياته عبارة عن أظرفة لرسائل من زمن ماض، ماضٍ سحيق.. بالإضافة إلى مذكرة صغيرة، مكتوب عليها: (1988).. قلبت النظر في الأظرفة/الرسائل وفي المذكرة.. تساءلت: بأيها أبدأ!؟ بالرسائل أم بالمذكرة؟ سمعتُ صوتا داخليا يحاول أن يثنيني عن ذلك.. فكنت أقاومه.. ثم سمعته يقول:
أليس من المعيب أن تتطفل على خصوصيات الرجل!؟؟
أجبته بحزم قائلا:
ابتعد عني.. فلو لم يكن يريد أن أعرف ما بالصندوق، لما باعني الكوخ مقابلَ تذكرة قطار..! أو لما ترك الصندوق فيه..! ولربما كان أحرقه بما فيه.. ! إنه يا أنايَ قد وثق بي.. !
بعد تردد.. قررت أن أبدأ بالرسائل، التي كانت مرتبة ترتيبا تاريخيا، خمس وعشرون رسالة لا أكثر ولا أقل.. لكن ما أدهشني، أن الرسائل كلها مبعوثة إلى عنوانٍ غريب: "ضفة النهر، حيث تنمو الزهرة الوحيدة، 25".. رميت عيناي نحو الزهرة التي وضعتها بعناية في إناء زجاجي لتستعيد عافيتها وأنا أحاول أن أفك رموز هذا العنوان المشفّر.. فحسَبَ عِلمي لم يوجد هذا العنوان، رغم أنه يشير إلى هذه المنطقة التي أنا فيها.!
بمنسوب توتُّرٍ عال، فضضت أول ظرف/رسالة.. تفاجأت من قِصَرِها.. مجرد بضع كلمات.. وما زاد من دهشتي إسم المرسَل إليها، لأن الرسائل كانت موجهة لامرأة ما..! والرسالة كانت هكذا:
[ إلى "ربّة الشِّين":
ستنتهي الحرب.. وأعود إليكِ لأضمكِ وتضميني.. إنها مسألة وقتٍ وتنتهي الحربُ..!
الجبهة الأمامية، 25 ماي 1965
"المشتاق لعينيكِ"]
[المشتاقُ لعينيكِ]..! ما هذا التوقيع العجيب يا صديقي الشيخ.. يا صديقي الباحث عن تهيه..! وأي حرب تقصد يا صديقي!؟.. (يتبع)