رفعت رأسي ورأيتهم يتراقصون بأجساد مرتعشة، كانوا صفاً من المجذوبين يتسربون تباعاً في جوف حياتي الفارغة، استغرقني المشهد فأطرقت مصغياً لحفيفٍ تبعثه إرتعاشاتهم في داخلي،إستشعرت برغبة مرتبكة تحثني على النهوض،حاولت ولم أقوَ،أرخيت جسدي المأسور بالدهشة لقامة امرأة استقامت بغتة في فضائي المشوش،رأيتها تحدثهم بما كان وما سيكون وسمعتها تطلق نبوءة إستقرت في رأسي كالصفير:
سوف يلد الدجاج !
لم أعرَ النبوءة أدنى اهتمام واعتبرتها هذراً عابراً،أخذت أتفرس في هيئتها صامتاً،شاهدتها تطلسم لهم بجسدها البض،تنحني فينحنون وتعتدل فيعتدلون،ترفع كفها عاليةً فينحلّ المتحشدون الى الفراغ، يعتريهم الغياب ويغدون في تلاشيهم فضاءً أجرد، مخلفين وراءهم مصيري المجهول غائماً في عرائها الفسيح،أتابع بنظرات زائغة تفاصيل جسدها الممتلئ من الأسفل،أراها تحدق من الأعلى في جسدي النحيف فينتابني الفزع من نظراتها الهابطة،أغيب بمشهدٍ لم يألفه جسدي من قبل،جسدي المخفوق بالرغبة يرتعش،فمي المزموم على المحظور يزبد وعلى صدري ينسال دائي الرائب أزرقاً كالموت،تسري قشعريرة لذيذة في جسدي المطروح ويباغتني فجأة صوتها السحري آمراً:
إنهض!؟
أنهضُ بخطى تشتبك مع بعضها،مشدوداً بقوى ساحرة تقودني خلفها،متسربلاً بالرعب أمضي صوب قبة طينية ملساء تجثم بهدوء على سطح الأرض، ألجها مخترقاً باباً صَّر بوجع ٍ في قلبي،أبان الدخول أرى ثقوباً تنقل الضوء وأخرى تحبسه،أسألها فيضيف جوابها هلعاً إلى هلعي:
إنها مسارات الملائكة الموكلة بنقل الأوعية وتلك جحور الشياطين التي تطمرها.
أتنقل بنظراتي حول تلك الفتحات وأشعر بروحي تسمو من جسدي وتعود منكسرة إليه، أشاهد في عروجي أشباحا ينتصبون على حواف الثقوب كالحراس،يتلفتون بنظرات ثابتة فيما حولهم، يغمرني إحساس مروّع يبدده دفقٌ نوري يسيح فجأةً في القبة ،على أثره التفت فألفيتها تنزع عن وجهها برقعاً بلون الليل،تنزعه فيرتبك الضوء في المكان وتتلاشى الثغور والجحور بحراسها ثم تسري في عروقي دفقات من جرأة صلبة تدفعني للنطق فأقول:
من أنتِ؟
لم تكترث بسؤالي وأعرضت مولية ظهرها عني، تأملتها سراً وفض جمالها البهي تحجر الشبق الكامن بيّ، جلست فأومأت لي بالنهوض ثانية،ثم استدارت مخترقة فضائي بقامة ٍممتلئة بالكثير وقالت:
حتى ترى حكمة الخراب ينبغي أن تصدق النبوءة!
لم أبالِ بكلامها الغريب لكنما الأمر جاء مؤاتياً للنبوءة،ذات صباح صحونا على قوقئةٍ تصدر من خرافٍ صغيرة بحجم الصيصان، لها أعراف سوداء، بانتظام كانت تسير خلف دجاجتنا الصغيرة التي أهلكها النزيف بعد الولادات القاسية،روَّع الحدث الغريب أمنا العجوز فتكفلت به بعد أن اعتبرته من علامات الساعة، لذا راحت تهيئ بحماس ملحوظ اللفافات القطنية المبخّرة وتشرف شخصياً على استبدالها أثناء الولادات العجيبة للدجاج.
انقطع التناسل الشيطاني اخيراً بإحلال حدث أدهى جاء بعد ساعات من ولادات الدجاج، باضت نعاجنا ولم تلد على عادتها المألوفة فأربك الحدث الخارق أُمنا تماماً وخلط عليها الأمور حتى دفعها للتصريح علناً أن الساعة آتيةٌ لامحال، هالني الذعر مما يدور و تذمر داخلي المشوش من غرابة الأحداث، لذلك قررت الابتعاد عنها،حاولت الفرار منها فاقتربت مني أكثر،لامس جسدها المستعر جسدي البارد فأستعر داخلي بحرارة شبت في جوفي،داهمتني لذة خفية سرعان ما أخمدتها تداعياتي باللعنات التي حطت على رؤوس الدجاج والنعاج فقلت:
ألا يتوقف الأمر عند هذا الحد؟
قالت: حاذر إن الأمر لم ينته بعد، فالتمرد قادم وخطير!
تمردت نعاجنا على طبيعتها وتوجهت نحو أقنان الدجاج،راحت تجثم هناك برقةٍ على بيوضها الخرافية ليفقس عن العملية فراريج باْلياتٍ تثغو، صارت تنمو بسرعٍ خارقةٍ على مرأى من أمنا التي مسها الخبل حينما فاقت أجرام الفراريج الجديدة عند البلوغ الشاذ أجرام أمهاتها النعاج الكبيرة،هكذا آل الأمر إلى اختلال بايولوجي مخيف فمن كان يبيضْ فقد وَلدْ ومن كان يوُلدْ فَقد باضْ!
شطحات خلتها هلوسات عابرة حلتّ ذات هذر في هذياني لكنها سرعان ما استحالت لكرامات حررت لنفسي الجواب عن سر اختيارها لي، لذت عنها تائهاً في دوامة لم يبدّدها سوى ندائها الذي زعزعتني جرأتهُ:
متى ستطفيء رغبتي المستعرة ؟
كيف وأنا سادن و أنتِ حضرة ؟
قالت بعد ان احتقن وجهها الجميل بسمرة الغضب:
ليتمرد إذن كل شيء!
شرعت جميع بهائمنا بالتمرد سويةً، ديكتنا التي كان لها النصيب الأوفر من عدوى الانفلات لقحت النعاج بوحشية مستغلة رقتها في ساعات الرقود على البيض،اما أكباشنا فهجرت نعاجها وراحت تجثم برحمة على ظهور الدجاجات التي أفزغها الجماع الغريب وحدا بأغلبها بالهروب إلى البلدان المجاورة،عمت فوضى لم تشهدها البلدة سابقاً، فوضى نفقت فيها البهائم المتمردة على النظام الجديد وظلت الخانعة منها ترتع على قيد الحياة ملتذةً بهذا الانقلاب الوحشي.
تفاقم جزعي من غزوا قدراتها الخارقة وبان لي جلياً ما سبرته أغوارها الشبقة ،انها تريد ان أتمرد وأضاجعها بعد ان أشاعت التمرد في كل شيء! استسلمت في سري لنداء الرغبة وحاولت ان اذيب بنارها جليد جرأتي لكنني فشلت،جاهدت ان انطق في حضرتها بشهوتي لكن كراماتها الخارقة ألجمتني،وليت ظهري لها وبحذر خطوت صوب الباب لأهربْ فجمدني صوتها الهادر هناك:
قف!
توقفتُ وألتفتُ!كانت عارية مثل ماسةٍ ملساء متقدة يبعث جسدها المشتعل بالرغبة ضباباً احمراً يسد على الملائكة ثغورها وعلى الشياطين جحورها،سوَّرني المشهد الغائم بحالٍ إندغمت فيه شهوة الحرام بالحلال،طأطأت رأسي ورفعته فوجدتها جاثيًة عاريةً تتأملني بعينين منكسرتين ما أن حدقت فيهما حتى صرخت:
من أنتِ؟
بإرتباك أجابت بعد ان تخضب وجهها بحياء جميل:
أنا ابنة الشيطان !
إنه اختبار قلت في سري .
قالت لا،بعد ان تجلى لها ما في داخلي واضحاً.
أنا ابنته واسمي عائنة*!
زلزلني الخوف وارتعدت من هول ما سمعت فامتدت كفاها لكفَّي مطمئنة:
لا تخف !
بذعر حدقتُ بعينيها المكحلتين وبنزق تململتُ تحت وطأة سحرها الثقيل فسالت كلماتي يبللها اللعاب.
مولاتي..ان ..الأمر..حرام!
لا وقت قالت،إن العلامة قادمة وأنت المراد!
رفعت كفَّي إلى وجهي،كانت راحتاي مخضبتين بحناء الجن الأحمر وكان وجهها المعّفر برذاذ العشق يتقدْ بشهوة حارقة.
هيا ماذا تنتظر؟ قالت!
دب الارتعاش بأوصالي فلذت عن عريها بالجدار، امتدت ذراعاها لتطوق رأسي البارد ثم داعبت أنفاسها الساخنة قفاي الأملس، إلتفتُ إليها فلطمتني رائحة هبَت من عشبٍة في قبتها المحدبة ما أن استنشقتها حتى تحركت دون إرادة مني نحوها، احتويت عريها الباذخ بين ذراعي فانفتحت جحور الشياطين في القبة الملساء واستحالت إلى مغاور فتِّقها هاتف من السماء كان يصرخ:
اغمض عينيك عما ترى؟
أغمضتهما فصاحت عائنة بي:
افتح عينيك لترى؟
أغمضتهما وفتحتهما فإذا القبة المعتمة أمست قبةٌ حمراء وإذا بنساء ينبعن نافرات من أعماق الجحور يرافقهن في الظهور أبالسة بذيول معقوفة،أستمع في الحال لأعوان النار يتراقصون حولي وأرى في لجة الحال الصاخب شهباً تنهال كالسياط على جسد عائنة العاري،يرجمونها بقسوة فتبكي،يغمرني إحساس شديدٌ بالشفقة حينما يتناهى لي صوتها المستجير بي يتردد بوجع:
..آآآآآآه
أستجمع قواي وأنتفض محاولاً إغاثتها فتحول النساء دون ذلك، يفتحن لي فروجهنِّ ويدعونني للدخول،ادخل في أغوار الشهوة الجسدية حد التلاشي،أتلاشى ويتلاشى صوت عائنة البعيد،تسربلني الرغبة بخدرٍ لذيذ فيغلب عليَّ الحال الجديد وأغفو، أغفو وأغمض عينيّ فيزعق هاتف الأرض منتصراً:
الآن افتح عينيك لترى؟
أفتحهما ولا أرى سوى قبة خالية إلا من ثغور وجحور خاوية، أفتحهما ولا اسمع سوى رجع ندائها الأخير يتردد في رأسي موجعاً
آآآآآآه ..
أخرج من القبة إلى الخلاء فيستقبلني الليل بسكون موحشٍ،ً أفتش في ظلامه عن عائنة فيستوقفني أنين خافت ينبعث من سدرةٌ رشيقة لدى الباب،ارخي جسدي المتهالك على جذعها وأصغي الى أنين حزين ينبعث من جوفها العميق،أحتضنها بشدة فيتحول أنينها إلى نحيب موجع و بكاء مرير !
*عائنة: إحدى بنات الشيطان كما ورد في كتب السحر .