ينطلق لا يبنيز من فكرة أساسة مفادها أن هناك تناغم و انسجام بين أشياء العالم , فالطبيعة أو نظام العالم عند لايبنيز هي مثل ساعة دقيقة صنعها الله بإحكام . فالله مع لايبنيز ليس ساعاتيا رديئا كما هو الحال مع مالبرانش, لأنه خلق هذا العالم بشكل منقطع النظير واختار أفضل العوالم الممكنة وأحسنها للإنسان .
يوضح لا يبنيز في رسالته:" في فن التركيب" أن الكون بأكمله عبارة عن مجموعة من المركبات، وكل مركب يتكون من أجزاء، وكل جزء يتكون من أجزاء دقيقة وهكذا دواليك حتى نصل إلى الجزء الذي لا ينقسم ويسميه لايبنيز بالذرات غير القابلة للانقسام أو المونادات،وهي جسيمات لا مادية غير قابلة للقسمة أو التجزيئ.
لكن هل توجد هده الذرات اللامادية في الواقع ؟
وما هو البرهان الذي قدمه لايبنيز كي يقنعنا بأنها موجودة فعلا ؟
يجيب لا يبنيز: إن الشاهد الوحيد على وجود هذه المونادات هو النفس البشرية، فالنفس الإنسانية عبارة عن مونادة بسيطة غير قابلة للقسمة وغير مادية. فالأنا أفكر جوهر بسيط يفكر ويشعر و يحس، ويتخيل ، إذن فمنبعه روحي . هكذا بعدما قدم لا يبنيز الشاهد على وجود هده الذرات . قال إن الكون عبارة عن مونادات وأنها المسؤولة عن تكوين كل المركبات المادية الكبرى التي نشاهدها بالعين المجردة.
فلكل جسم مونادة محددة تميزه عن باقي الأجسام ، فاختلاف الأجسام نابع عن اختلاف مونادته، فلكل جسم مونادة خاصة به او كما يقول لا يبنيز:
" لكل جسم انتليخيا تميز عن باقي الاجسام وكل الأنتليخيات تعود الى الانتيليخية المركزية اي الله "
ومعنى هذا ان كل الانتليخيات أو المونادات تعود إلى أصل واحد هو الله .
إذا أخدنا مونادة النفس البشرية وهي المونادة التي يركز عليها لايبنيز كثيرا، سنجد أنها تتكون من خاصيتين أساسيتين هما الإدراك والاشتهاء.
1 انتليخيا( مونادة) الادراك
يرى لا يبنيز أن العقل يدرك ذاته، و يدرك الكون في تنوعه والكل في ترابطه مع أجزائه، إن المونادة عالم مصغر بذاته يمكن تشبيهه بالمرآة التي تعكس العالم الحقيقي إنه عالم مصغر يكشف في ذاته عن العالم الأكبر ، إن المونادة بتعبير لا يبنيز في كتاب المونادولوجيا هي الإله الأصغر، وبدونه لا يمكن أن نصل لحقيقة الإله الأكبر أي الله .
2 انتيليخيا (مونادة) الاشتهاء
مونادة الاشتهاء appétition أو كما يصطلح عليها لا يبنيز في راسالته في فن التركيب ذلك الانتقال من مدراكات تم الحصول عليها الى مدراكات لم يتم الحصول عليها وهذا الانتقال هو الذي يفسر لنا ظاهرتي اللذة و الألم والشهوات والوجدان, و هو المحرك الأساسي للإرادة الإنسانية، ذلك أن الإرادة هي شهوة مستنيرة بنور العقل ، وهنا نجد نفس المعنى الذي وظفه اسبينوزا بخصوص مفهوم الإرادة.
هكذا نخلص مع لا يبنيز إلى أن المونادة الإنسانية هي ذلك الإله الصغير الذي يبدل جهدا كبيرا للوصول إلى المعرفة عبر الإدراك والاشتهاء.
لكن السؤال الأساسي الذي احرج كثير لا يبنيز وهو نفسه السؤال الذي توجه به الفيلسوف الفرنسي فولتير: كيف تتألف المونادات فيما بينها منتجة الجسم المركب؟
يبدو أن الحديث عن علاقة المونادات اللامادية بالأجسام المادية تشبه إلى حد كبير علاقة الروح بالجسد عند ديكارت، في الواقع لن ينهج لا يبنيز نفس الحل التلفيقي الذي قدمه ديكارت حينما ادعى أن حل إشكالية الروح/الجسد مرتبط أساسا بالكشف البيولوجي عن هوية الغدة الصنوبرية. كما أنه لم يرضى بتفسير كل من البرانش واسبينوزا بخصوص علاقة الجوهر اللامادي بالجوهر المادي لذلك نظر لا يبنيز للمسألة بشكل مختلف عن سابقيه.
لكن كيف ترتبط الروح اللامادية بالجسد المادي حسب تصور لايبنيز؟.
يرى لا يبنيز أن المونادة وحدة بسيطة، لا يمكن أن تفعل أي شيء خارج وحدتها الأصلية، وتترابط وتتفاعل كل مونادة مع بعضها البعض، فكل مونادة تدرك ذاتها وتدرك غيرها من المونادات وتدرك الكل في ترابطه، أي أنها تدرك الكون في كل تعقيداته وبنياته .
يميز لا يبينز في كتاب المونادولوجيا بين عدة أنواع من المونادات، يرى أن هناك مونادات تكون الجسم المادي و الكائن الحي مثل، النبتات، وأخرى أرقى تكون الجسم الحيواني، ومونادة أرقى من الموناداتين تكون النفس الإنسانية وهناك مونادة أرقى من باقي المونادات هي التي تكون العقل الإنساني.
لكن هناك سؤال واجه لايبنيز في هدا الإطار كيف توتر وتلتقي المونادة اللامادية في الجسم المادي ؟
يفسر لايبنيز هدا الالتقاء عبر ما يسميه "بالانسجام الأزلي"
ففي نظر لا يبنيز الله ليس ساعاتيا رديئا كما هو الأمر مع مالبرانش، بل إنه الله ساعاتي ماهر ، فالله اختار لنا أفضل العوالم الممكنة، و يرى انه مند أن خلق الله الكون وخلق لكل المونادة خاصية توازي باقي الخصائص في المونادات الأخرى .
ويفسر لايبنيز إدركنا لالتقاء هذه المونادات عبر ما يسميه بالخاصية الانبتاقية بين حواسنا وعقلنا .
يقول لايبنيز في كتاب المونادولةجيا الصفحة 126:
"إذن، فالانسجام بين الروح والجسد يرمز إلى مجموع التحولات التي تحدث في كل لحظة في المظهر الذي يتجلى عليه جسمي في الادراك"
و على هدا النحو تصور لا يبنيز انه توصل بشكل حاسم لحل مشكلة اتصال وتاتير الجوهر المادي بالجوهر لا مادي.
لكن في الاخير نتساءل مع لا يبنيز ونقول : لو سلمنا جدلا مع لايبنيز أن المونادات متفرقة فيما بينها؟ فكيف نقبل بوجود تأتير بشكل ما؟
وكيف تؤثر الجسيمات اللامادية في الجسم المادي مادامت المونادات تنمو بشكل مستقل عن الجسم المادي؟
المراجع
رسالة في فن التركيب سنة 1687
المونادولوجيا او" رسالة في الفهم البشري" سنة 1714
يوسف كرم, تاريخ الفلسفة الحديتة "