يتسابق النقاد في البحث عن أنجع طريقة لتفجير النص الشعري و استكشاف خباياه فأي محاولة في البحث و التنقيب في ضوء مقاربات عديدة اعتمدت المناهج السياقية (كالمنهج التاريخي و النفسي و الاجتماعي) ,أو المناهج النصانية (من البنيوية إلى التفكيكية) و النظر إليه في كل هذا على انه بنية من الكلام الدال,تختلف طرائق التعبير فيه من جنس إلى أخر و هو لا يقبل الانغلاق عند فريق و لا يقبل الانفتاح عند فريق أخر.
و لعل مفهوم الحداثة دفع النقاد إلى استثمار علوم الإنسان و النقد الأدبي من اجل مقاربة النص الإبداعي بمنهج يسمح بتحديد شعرية الخطاب و نقطة الفعل الشعري في كل نص إبداعي.
إذا كان الشاعر المبدع يخلق كونا تخيليا يطفح بأبعاد كونية و رؤيوية ,فعلى المتلقي الحصيف أن يكون محملا بترسانة من الأدوات الإجرائية التي تمكنه ,عن طريق التنقيب في سطح النص, من اكتشاف البؤر النورانية التي من خلالها يستطيع استكشاف و تأويل ماورائية النص.
إذا كانت المدارس الغربية متشبعة في تناولها المنهج السميائي فتحصيل حاصل أن تتشعب منطلقات النقاد العرب المتبنين لهذا المنهج هذا من ناحية و من ناحية أخرى فان طبيعة النص العربي تختلف عن طبيعة النص الغربي ,لذلك ازدادت المسالة ضبابية .
و الشاهد أّنّ نص "اقترفت دهرك"للشاعر العراقي" جلال جاف "من أقوى النصوص التي نشرت على صفحة "نصوص "في صحيفة المثقف, جاء اختياري للنص من منطلق دراسته في منهج تحليلي بتناوله من ناحية شعريته الحداثية فتولدت عندي نية في حل شفرته المكثفة بفعل الترجمة الذي أوقعني في توتر شديد نتج عن مجابهة بين لغتين مختلفتين و اعني بذلك الترجمة من اللغة العربية إلى اللغة الفرنسية.
فما هي إمكانيات انفتاح أو انغلاق الخطاب الشعري في شعرية نص "اقترفت دهرك"؟
ما هي الإيحاءات و الدلالات التي يطرحها النّص المستهدف في الدراسة التحليلية؟.
بداية , الدراسة التحليلية ستهتم بتحليل الخطاب الشعري في نص "اقترفت دهرك" , و ذلك بالتركيز على شعرية الشعر و اشكالياتها و مدى توفر شروط الشعرية في كتابة النص الحداثي عند الشاعر "جلال جاف".الإشكالية التي أود من خلالها اكتشاف أنوار تشرق من ومضات و معالم طافحة الشعرية لتنقب عن ظلال المعنى الغائر في دهاليز النص .
فعلا النص جدير بالدراسة و النقد الدقيق و التحليل العلمي لشعريته الطافحة و ما تعكسه نمطيته الخاصة في كتابة الشعر العربي الحداثي.
و من الضروري بما كان التذكير أن الإشكالية المطروحة ليست جديدة بل هي إشكالية أثارت الكثير من إشكاليات أخرى أكثر تعقيدا ف " شعرية الشعر" نظرية "تطرح إشكاليات مختلفة عن النثر"(شعرية الشعر.ص:260 النقد الأدبي في القرن العشرين.جون-ييف تادييه.بوكيت.1997.فرنسا.)
من المتفق عليه أنّ الكتابة الحديثة هي :"عضوية حقيقية مستقلة تنمو حول الفعل الأدبي " ( رولان بارث. خيال اللغة."الدرجة الصفر من الكتابة" .دار النشر غونتيه. لوسيه.1964.باريس.ص:73.) فأول عضو يحولنا من مجرد قراءة عادية إلى سبر أحشاء القصيدة هو مصطلح "الإشارة الشعرية المعقدة " التي تسمح بالقراءة السيميائية و تقوم ببنائها كموضوعة ."(الشعرية عند غريماس . حول السيميائية الشعرية.لاروس.1972.ص:266)
مما سبق ذكره كيف يخلق الشاعر المستوى النحوي بانسجام مع المستوى المعنوي المتحرك في فضاء النص ؟ .
باعتبار أنّ "المدلول يمثل المستوى الشعري للخطاب ,الدال هو المستوى النحوي"(غريماس .سيميائية الشعرية ) و الجدير بالتنبيه أنّ التعليقات الواردة من السادة القرّاء ’ الذين يمثلون طبقة خاصة من المتلقين تتحدث عن لغة جديدة حداثية صوفية.
و منه تتناسل التساؤلات الدقيقة من بعضها البعض تحاول اكتشاف مدى تحقيق الشاعر درجة عالية من التركيب بين كل هذه العناصر الخاصة من الإشارات الشعرية الدلالية مع مستوى آخر يمثل " صعيد العبارة" ؟ هذه الأخيرة المعرفة نظريا عند غريماس ب"الخطاب الشعري الذي يمنح قيمة للإسهابات الصوتية ".
هل يقصد الشاعر فعلا وضع الإشارة الشعرية المعقدة كي يوجه نصه" القصيدة" نحو مسار" الحدث الجديد" ؟ حتى يحقق درجة الوعي الذي تحدث عنه الشاعر و الناقد ""س. اليوت (1965.1888) فالشاعر :" يعدل التقليد العتيق و يجب أن يكون واعيا تماما" (محاضرة سنة 1956 حول :حدود النقد في "الشعرية و الشعراء.ص262).
في البداية لا يمكنني تحليل النص تحليلا عموديا من خلال مقاطعه الأولى إذ اعتقد أنّ النص هو نوع من "العضوية الحقيقية" يمكننا ولوجها من خلال محاولة تفكيك خلاياها من أي مقطع أردنا ,ف"منذ احتدام العاصفة الأولى .." هي نقطة " انحناء دلالي منتجة ب :" انتقال و التواء " الإشارة الشعرية كعنصر خاص جدا باعتبار أنّ الاحتدام لغة هو :"الالتهاب والاتقاد" أما العاصفة لغة :"هي هياج الأحوال الجوية و اضطرابها "(معجم نور الدين الوسيط.دار الكتب العلمية.بيروت.لبنان.1971) .
فإلى أي مستوى يوجهنا هذا الانحناء ؟
يمكنني الاعتماد على مصطلح "مستوى المحتوى المعرف ب:"الخطاب الشعري المتميز ب"كثافته " وعدد العلاقات التي يتطلبها بناء موضوعة الشعرية"(غريماس) .
أضيف أيضا أنّ الصعود نحو أقصى نقطة حادة في " طريقة وجود مزدوجة و تراكم فوق محتوى الكلمات" ترسانة الإشارات الغامضة التي تحمل "في داخلها تاريخ أو التباس بسبب وضعية الفكر تتشابك مع قَدرٍ إضافي في كثير من الأوقات , مختلف و مكثف الشكل".(رولان بارث المرجع نفسه ص:73).
من خلال هذه التشاكلات بين الإشارات المتراكمة تولدت دلالات العشق حين يحرر المعشوقة من مجرد جسد امرأة مرغوب فيها و لا يفصح النص عن ذات المعشوقة و لا يكشف عن هويتها بل تتوارى خلف تلك التشاكلات فتدلنا على مقام البوح الكثيف الذي يشاكل أعلى مقامات الصوفية .
المعشوقة ترقى إلى عمق مكثف بتحليل فكري فلسفي يطرح تساؤلات عن بداية الكون ذاته و تسمو إلى مقياس كوني يرتبط ارتباطا وثيقا ب"نظرية الخلق و وجود العالم" فعند احتدام العاصفة و تعريفها اصطلاحا: "تغير عنيف في عناصر المناخ ترافقها ريح عنيفة ".أما مجازا فهي انفجار سريع و مفاجئ لوضع ما ".
إضافة إلى كل ما قيل أعلاه فالصعود الدائم باتجاه أساطير العالم القديم أمر ملح حين تصور العاصفة الأولى و الاحتدام بين قوى الآلهة التي خلقت العالم القديم.في هذا الصدد تاتي
أما عند المسعودي فعن ذرأ الخليقة " يقول إن :" الله عز و جل خلق الأشياء على غير مثال , و ابتدعها من غير أصل ,ثم روي عن ابن عباس و غيره أن أول ما خلق الله عز و جل الماء , و كان عرشه الدخان فوق الماء فسماه سماء " .
هنا تبرز إشكالية الإشارة الشعرية ذات الدلالات المبهمة فنجد أن الشاعر يتماها و يذوب في ذات المعشوقة التي يرقى بحبها إلى بدايات الكون و كأن هذا العشق عشق نوراني لا يجعل من الجسد رغبة جنسية أنية بل هي روح العشق تطفو من بين أنوار خلق الكون فيبرز جليا تشاكل أعلى مقام في المقام الصوفي و هو مقام المحبة التي تشاكل مقام الحب الصافي .
فنتج بفضل هذه التشاكلات عدد التراكمات الهائلة التي لا يمكن عدها أو حصرها فهي أفقية متراكمة فوق المحتوى مركبة باشتباك جميل متألق مع مستوى نحوي دقيق :"الاحتدام و العاصفة" .
ما يمكن قوله فان العاصفة الأولى عند جلال جاف هي التواء نحو المستوى العميق المكثف مباشرة نحو "الحرف الأول بعد انبثاق الطين " و يحقق الشاعر شرط التركيب الأسطوري و الفلسفي و الديني بين الحرف الأول و انبثاق الطين و يمكن ربط هذا التركيب بين إشارتين شعريتين اعتمادا على علم الخليقة عند العلامة المسعودي رحمه الله فيقول"بعث الله ملك الموت فأعاذت بالله منه ,فقال : و أنا أعوذ بالله أن ارجع و لم أنفذ الأمر, فأخذ من تربة سوداء و حمراء و بيضاء ,...و تركه حتى صار طينا لازبا يلزق يبعضه ببعض ( مروج الذهب و معادن الفضة الجوهر دار الأندلس بيروت.لبنان الطبعة الرابعة.ص:40).
المقطعان اللذان ينقلا ن المتلقي إلى أرقى أنواع الابهامات السبع التي وضع نظريتها ويليام ايبسون "(البروفسور و الشاعر الانجليزي في سبع أنواع من الابهامات .1930.دار النشر.روفيو.1947.) في كتابه"السبع أبهامات" ف"يعتبر كل مقطع لغوي ك"إبهام" يثير ردود أفعال مختلفة عن بعضها البعض.
العاصفة الأولى قد تكون "الانفجار الضخم" الذي بدأت به حياة الأكوان وقد تكون العاصفة التي أثارتها الآلهة لدرأ الخليقة باحتدام قوى الآلهة في مختلف الأساطير القديمة .
يظهر جليا مدى تحقيق عناصر الشعرية الطافحة في نص الشاعر جلال جاف كنص حداثي صوفي بفضل عنصر هام يمثل تشاكل المقامات الصوفية في عشق المرأة كمخلوق واحد و وحيد الوجود مع شكل من أشكال الأساطير القديمة التي تتوارى خلف محاولات النفاذ إلى المستوى العميق عبر فضاءات النص .
إضافة إلى ذلك جاء في كتاب ""ريفاتار"(شعرية الشعر) دراسات و تحليلات دقيقة توضح نظرية شعرية الشعر الموصوفة ب:"الشعرية مرتبطة ’بالفعل’ ب "النظرية العامة للدلالة" إذن يصبح نّص "اقترفت دهرك" كلا من التداخلات و التشاكلات الدلالية.
لا يمكننا مواصلة مغامرة القراءة نحو ما سماه"موريس بلانشو" أماكن الكتابة "دون معرفة أنّ "وحدة المعنى الصافي للقصيدة هي القصيدة نفسها مأخوذة داخل " الخطاب الشعري حين تتجسد ب"كثافته وعدد العلاقات التي يعرضها بناء "موضوعة الشعرية""داخل مستويات متعددة المعنى و مستويات سردية متراكمة ''(بارث.ص:73).
كل هذه العناصر التي تمثل عند جميع الثقافات القديمة عناصر الحياة البشرية و بداية الحياة توجهنا باتجاه تصاعدي نحو قيمة و روحانية المعشوقة التي ترقى إلى درجة ألاهية في عالم كوني خاص في النص.
لكن تبقى التراكمات في المستوى الدلالي تدفعنا إلى طرح تفكير علمي يرمي إلى استثمار العناصر المبهمة المبتكرة من الطبيعة و نعتقد انه من الضروري ربط عمق الأسطورة و ارتباطها الفكري بإشارة شعرية عميقة جدا و هي : "البحر" ذو دلالة تعمق و تعمل عمل أزميل في ذاكرة الأساطير:" بدأت الخليقة من ظهور المياه الأولى (يمو) و هي مياه البحر الأول الساكن و هو ناتج بفعل ازدواج الأنوثة و الذكورة فيها (يمو و يم),وإذا عدنا إلى الأسطورة الواردة على لسان فيلون الجبيلي فسنرى أن الخليقة الكنعانية تبدأ من تصور وجود هواء يتعانق مع فضاء , ثم يبدأ هذا الهواء في التكاثف فينتج عنه عاملان هما الريح و الشهوة.."(المعتقدات الكنعانية تأليف خزعل الماجدي .2001.دار الشروق للنشر و التوزيع .عمان.الأردن.ص:91)
من خلال هذا الصعود التوافقي نحو الأسطورة نستشف "قيمة خارجية عن إرادة قول أو بوح "يلزم القصيدة الاستمرار في ازدواجية طريقة وجودها حتما الوجود و الحياة عند الشاعر هي "استباحة" "مهارب" "دمه" و هي الحياة بالذوبان الكلي في ذات المعشوقة في حين يتأرجح البوح بين كونية و ارتقاء المعشوقة إلى عالم الأنوار و الهواء و الماء و ظهور بعض دلالات الرغبة الجنسية الخفية بين "الريح و الشهوة" في كونية العشق الصوفي وحضرته الملكوتية في القصيدة .
مثلما ذكرنا سابقا أن القصيدة هي عضوية في حركية المعنى تنقلنا من البنية التحتية للنص إلى البنية الافتتاحية و نقصد بذلك العنوان الذي يلعب دور المؤول فهو "إشارة نصية "" يستعملها القارئ للتأويل و"لفظ التأويل يطبق على إشارات تقود القارئ في قراءته المقارنة أو البنيوية "(النقد الأدبي المرجع أعلاه ص:269) فالعنوان لعبة كلمات متداخلة بين الشكل والمنعطف الدائري حول ما يعني الشاعر قوله بذلك يتقن الشاعر نصه بعناصر الشعرية التي يحاصر بها القارئ و يضعه في حيرة و قلق باحثا إقحامه في لعبة التأويلات ويفرض عليه البحث و العثور على أشكال و رموز مسخرة بتوظيف حداثي بين تداخل و تناص مع فلسفة الخلق و الوجود و صوفية العشق و أساطير الخصب و النماء.
خلق النص عند جلال جاف يعمل "منعرجا" و يمر بمراحل من"ميميزيس" يسبر من خلالها كل التغيرات الممكنة فدمه يفدي المعشوقة و يمكنها استباحته .
من الضروري أيضا أنْ يرجع بنا الشاعر إلى محاولة تعريف القصيدة ك "كل" ذات صفات أساسية هي الوحدة و التركيز "(سوزان برنارد قصيدة النثر من بود لير إلى أيامنا .باريس.1959 في أنماط الخطاب. تزيفان تودوروف ص: 117)
نعزز التحليل في هذا المستوى المتقدم بمقولة "جوان كوهين " و هو يعرف الشعرية ك"علم موضوعته الشعر".
الحداثة عند جلال جاف هي هذا التقدم ب"موضوعة الشعر" أي "علمية الشعرية "على مستوى درجتين عاليتين من الخطاب الشعري و هما: "مستوى المحتوى و المعنى المتحرك و مستوى النحوي اللغوي "فالشاعر ينقطع عن أي تقليد في إشكالية الوحدة و يخلق وحدة من نوع خاص و حداثي إن على مستوى المحتوى أين "الكل يعمل"جماليا (س.برنارد المرجع نفسه) نعني بالكل البناء اللغوي للقصيدة :النقاط والمزدوجات و السطح البيض في النص على سبيل المثال:"أنا أل"مفارق"ني إليك....".
فكون النص كل متشابك و متداخل لا يمكن تفكيكه في علم " الشعرية" المعقدة جدا المرتبطة بالعلاقات الدلالية في فضاء منظم بإحكام "'( س.برنارد).
الشاعر يخلق "تراكم فوق الكلمات بإشارات مكثفة تحمل في داخلها تاريخ ب" زعامة الاه ه ه ..".
يمكننا الأخذ برأي" ريفاتار" حين يعرف هذه التقنية التي تنقل النص إلى "قصيدة تقول لنا شيئا و تعني شيئا أخر" فالشاعر يضع القارئ أمام هذا الاكتشاف المبهر حين يربكه بمقطعين مركبين متداخلين : "يزحف إليك كالقمر "و "..زاحفيني زحاف المنتهى.." فنعبر إلى نقطة اكتشاف تُعين لنا "انحناء المعنى" الذي ينتج ب"الانتقال " و الخلق"(..................ريفاتار) و نسعد جدا حين تنزاح حركة المعنى نحو نقطة أزلية هي "وليد الأزل" في صورة راقية متوافقة و متوازية مع "الأزرق المختار" مصرا على نجاة المعشوقة حين "تتمسك بزمامه" فتتشابك الإشارات الشعرية باشتباك اللون الأزرق عند ولادة الشاعر مع ميلاد الأزل فيكون سماء الإسراء لتنجو المعشوقة و تعرج في فضاء صوفي هو حضرة الشاعر و "زمامه" و ترقى عن كل حياة مادية و جسدية.
تنتج القصيدة تحويل مولدات المعنى و التشاكل بين " إسراء و معراج" فيمسك الشاعر جلال جاف زمام عملية بناء موضوعة الشعرية نحو مستويات توافقية , منسجمة و مبهمة المعنى .
حاولت من خلال هذه الدراسة التحليلية تتبع مسارات إنتاج دلالة الرمز من خلال ما تبين من بعض الإشارات الشعرية التي شكلت نسيجا من الدلالات الظاهرية و التخيلية داخل الفضاء النصي.
في الأخير يمكننا القول أنّ فهم القصيدة هو" لذة لأسباب معقولة متى ما اعتبرنا اللغة المادة الوحيدة التي يطرحها النص الشعري للتحليل ,فهي وجوده المباشر على الصفحة ,تتمثل في الفضاء الصوتي و المادي ,لذلك كانت الإمكانية و المغامرة للقبض على جماليات الخطاب الشعري في شعرية نص "اقترفت دهرك"للشاعر جلال جاف هي اكتناه منظومة ''إشارات شعرية" محكمة في جسد القصيدة و كينونتها الخاصة خصوصية "شعرية النص الشعري الصوفي الحداثي".
و لعل التراكمات الناتجة عن تشاكل مقامات عديدة اهتمت الدراسة عند"مقام العشق الصوفي الأعلى"و مقام البوح المكثف "ب"عناصر عضوية مركبة تركيبا معقدا مع المستويين "النحوي و المعنوي " و الدال و المدلول و تعتبر محاولة القبض على بعض جماليات الخطاب الشعري الحداثي و الولوج إلى مستوى أعمق بترسب عناصر "أساطير العالم القديم"و"فلسفة الوجود و الكون "في علم الكلام و الشريعة الإسلامية .
التداخل و التناص و الاشتباك بين كل هذه العناصر جعل عملية القبض على "صورة المرأة المعشوقة" عملية صعبة و مستعصية فالشاعر يحاصرنا بشعريته الخاصة و ينأى بالقارئ إلى مستويات غير مسبوقة في مغامرة الاكتشاف واستكشاف الحقائق الغيبية في فضاء "الإشارات الشعرية" و فرض الشاعر كذلك نهجا حداثيا على صعيد العبارة و المحتوى مما يدفع المتلقي إلى ركوب أمواج عاتية تعيده إلى "احتدام العاصفة الأولى".