بداية وبعد الترحيب والشكر على إتاحتك لنا الفرصة لإجراء هذه المقابلة، نود منك إعطاء قرائنا نبذة عن القاص والكاتب يسري الغول، ولمحة عن ابرز أعمالك؟
شكراً لك أخي وصديقي مهند ويشرفني دوماً لقياكم والتحدث إليكم. أنا يسري عبد الرؤوف الغول، من مواليد غزة، مخيم الشاطئ 15/8/1980 ، عايشت كما غيري من أبناء مخيمات الوطن انتفاضة الـ87 التي اتسمت بسياسة كسر الأجساد والعزائم، حيث ارتشفنا من كأس الضرب والاعتقالات في طفولتنا ما يكفي كي نكتب حتى آخر رمق، فلا زلت أذكر كيف تم إيقافي أكثر من مرة وضربي وعمري لم يتجاوز بعد الثالثة عشر ربيعاً.
حصلت على درجة البكالوريوس من قسم اللغة الانجليزية، من الجامعة الإسلامية بغزة عام 2002. واليوم أوشكت أن أنتهي من دراسة الماجستير من قسم دراسات الشرق الأوسط، بكلية الآداب والعلوم الإنسانية من جامعة الأزهر بغزة.
أعمل مديراً لدائرة برامج دعم الإبداع بوزارة الثقافة الفلسطينية. ومديراً لتحرير مجلة مدارات الفكرية والثقافية، وهي مجلة نصف سنوية تصدر عن وزارة الثقافة. كما أنني عضو عامل في اتحاد الكتاب الفلسطينيين منذ ما يقرب الخمسة أعوام.
القاص الفلسطيني عاصر النكبة واللجوء والغربة حيث كان لها دور في تشكيل شخصية القاص وفنه، ما طبيعة هذا التأثير؟
بالتأكيد، كان للنكبة وغيرها من النكبات والنكسات التأثير العميق في بنية القصة والرواية الفلسطينية، فالعلاقة بين القصة وتلك الأحداث علاقة لا يمكن الانفكاك أو الانفصال عنها بأي حال. حتى تلك القصص أو الروايات التي قد تخلو أحداثها من المحتل، أو القتل أو التشريد، لن تنفك مفرداتها عن بروز كلمات ومعاني الثورة والموت والتشريد، فالمحتل حاضر غائب في أعمال الفلسطينيين رغماً عنهم. فغسان كنفاني، وسميرة عزام، وأحمد عمر شاهين وعلي هاشم رشيد ومحمد جلال عناية وتوفيق فياض وغيرهم الكثير أطّروا لنا بمجموعاتهم القصصية معالم الثورة وأثر الهجرة على ملامح الرواية والقصة الفلسطينية ثم الدعوة إلى الثورة ضد المحتل المتغطرس ومواجهته بكل السبل المتاحة.
كونك ناقد أدبي، ومطلع على الحالة الثقافية الفلسطينية، كيف تقيِّم المشهد الثقافي الفلسطيني، وكيف ترى تماهي هذا المشهد مع المقاومة؟
الحقيقة أن واقع الثقافة اليوم مكلل بالسواد، فالحالة الثقافية العامة يشوبها الضعف والهزال، ولعل الانقسام الفلسطيني كان له كبير الأثر على تمزق وتشتت البنية الثقافية، والبناء الثقافي والفكري، وهذا ما يجعلنا ندعو دوماً إلى التوحد ضد الكيان الصهيوني الغاصب، فنحن لا نملك سوى عدو واحد هو المحتل الإسرائيلي، ونحن كإخوة يجب أن نتعاضد معاً ضد هذا المحتل.
وبرغم ما ذكرته هنا، إلا أنني يجب أن أقول بأن هناك حالة نهوض ثقافي فردي، فالإبداعات الشابة والأصوات الجديدة في فلسطين والمجموعات الشبابية تؤسس لمرحلة نضوج في الفكر والثقافة لكنها مشتتة ومتفرقة. فمن خلال متابعتي لعدد من الأعمال الإبداعية، سواءً أكانت في القصة أم في غيرها، أجد بأن هناك أنفاساً متلاحقة، قوية تضج بالحياة، ومفعمة بالقوة تدعو كل ناقد إلى الوقوف والتأمل في هذه الأعمال، لذلك فإن الكثير من الكتاب والأدباء الفلسطينيين تم ترجمة عدد كبير من أعمالهم إلى عدد كبير من لغات العالم الرئيسية، فمريد البرغوثي وعاطف أبو سيف، وماجد عاطف وعلاء حليحل وغيرهم من أبناء الجيل الثالث تم ترجمة أعمالهم إلى لغات متعددة لقوة وبيان النصوص والقصائد. ولقد كان الأحرى في ذلك أن تقوم المؤسسات الفلسطينية الرسمية بذلك وأن تتبني الأعمال الواعدة بدلاً من بقائها مبعثرة، فالمؤسسات الرسمية تعاني من قصور في هذا الجانب، ولعلي هنا يجب أن أشكر مؤسسة أوغاريت للنشر والترجمة في رام الله ومؤسسة عبد المحسن القطان ومواطن وغيرهما من المؤسسات الغير حكومية، لما تقوم به تلك المؤسسات من أجل الوصول بالثقافة الفلسطينية إلى قمة الإبداع.
أما حول قضية التقاء الثقافة بالمقاومة، فالأدب منذ بدايات الثورة الفلسطينية مقترن بالبندقية، كالزواج الكاثوليكي الذي لا ينتهي إلا بالموت، فالمقاومة قلب الإبداع الفلسطيني وروحه، رغم ما يعتري الأدب أحياناً نزوات مغايرة للواقع حسب المرحلة المعاشة. واليوم ولأن المقاومة هي شريان الحياة النابض، فإن الأدب الفلسطيني ينضح بالحياة، ويسطر ملاحم البطولة من خلال سرد البطولات العربية والفلسطينية ضد الاحتلال حيث كان ومتى كان.
هل استطاع الأدب الفلسطيني إثبات نفسه كأدب عالمي؟
بالتأكيد ولولا ذلك ما حصد الفلسطينيون أرفع الجوائز وأهمها، وما ترجمت أعمال الأدباء الفلسطينيين إلى عدد كبير من لغات العالم وما تم تمثيل تلك الروايات إلى أفلام سينمائية ووثائقية وتسجيلية، فمحمود درويش، الشاعر الفلسطيني الراحل وسميح القاسم وغسان كنفاني، وإميل حبيبي، ويحيى يخلف وغريب عسقلاني وعبد الله تايه وغيرهم من الأدباء اخترقوا الأحصنة، ودخلوا أروقة العالم بقوة، واليوم ولشدة تأثر العالم بقصائد محمود درويش مثلاً، دأب عدد من الممثلين السوريين على تمثيل مسلسل درامي يجسد سيرة وشخصية محمود درويش الشاعر والإنسان.
صدرت لك حديثا مجموعة قصصية، لو تحدثنا عنها قليلاً.
مجموعتي الجديدة (قبل الموت بعد الجنون) تحدثت عن عوالم شتى ومتعددة ولهذا قمت بتقسيمها إلى قسمين، الأول (ما قبل الموت)، وتخوض قصص هذا القسم في عوالم الفلسطيني وحياته ومعاناته، محاصراً وجريحاً ومعاقاً ومريضاً وميتاً، في كل بقعة من بقاع البسيطة التي التجأ إليها إثر نكبة عام 1948 ونكسة حزيران عام 1967. أما القسم الثاني فكان بعنوان (ما بعد الموت) وجُلت خلاله بعوالم الإنسان المقهور والمغبون، المظلوم والمهمش، إلى غير ذلك من القصص التي تخوض في فنتازيا الخيال والمجون. والمجموعة كتبت قصصها في فترات متفاوتة ما بين عام 2007 وحتى عام 2010. والطريف في أمر هذه المجموعة أنني لم أعلم بصدور مجموعتي تلك سوى بعد سبعة أشهر من إصدارها لأنني اعتقدت أنها ما زالت في الطباعة أو الديزاين design طوال تلك الفترة معللاً بأن أوغاريت تقوم بطباعة عدد من الأعمال الإبداعية كل عام لعدد من الكتاب والأدباء فظننت أن دور طباعة مجموعتي لم يحن بعد. ولم أكتشف أمر الطباعة إلا بعد مهاتفة مدير مركز أوغاريت الروائي وليد أبو بكر، يعلمني بصدور المجموعة منذ وقت طويل مضى.
كما تعلم فإن القضية الفلسطينية تمر بمرحلة حرجة وخطيرة، وذلك وسط تغيرات تسود المنطقة. كيف يمكن توظيف الأدب في خدمة القضية الفلسطينية في الداخل والخارج؟
القضية الفلسطينية عانت الويلات منذ عقود طويلة مضت وما زالت تعاني حتى اللحظة، وهي اليوم تمر بمرحلة خطيرة جراء الانقسام الفلسطيني، وجراء التهويد الغير مسبوق للأراضي والمقدسات، وبناء المستوطنات بشكل سافر وخطير، الأمر الذي يستوجب كل فلسطيني وعربي للوقوف عند مسؤولياته، ومطلوب هنا من الكاتب والأديب استحثاث الهمم للجهاد والمقاومة ضد المحتل بكافة السبل المتاحة، ووقف التطبيع، ومواجهة السياسيات الدولية المناصرة للتطرف والعدوان الصهيوني. ولعل العدوان الأخير على غزة أثبت مدى تجبر هذا المحتل ورغبته في الولوغ بدماء أبناء شعبنا دون أن يفرق بين حمساوي أو فتحاوي أو جبهاوي. وهنا تحديداً يجب أن يكون دور الأديب، فإبراز جوانب المعاناة للعالم يبين حقيقة الأمر ويجليه لمن لم يعرف القضية الفلسطينية بعد، ولعل قصة عصفور التي كتبتها قبل عدة أعوام ونشرت في المجموعة الأخيرة أثبتت مدى رغبة الجندي الصهيوني في قتل أطفال فلسطين من أجل نزوة عابرة.
وليس الأدب وحده الذي يخدم القضية هنا، بل كل أنواع الفنون أيضاً من إقامة للمعارض الفنية والفوتوغرافية، والأفلام السينمائية والوثائقية والتسجيلية والمسلسلات بجميع مشتقاتها. وترجمة جميع تلك الفنون والآداب إلى لغات العالم المختلفة لإبراز الصورة وتجليتها بصورة أكبر وأشمل. كل ذلك من شأنه أن يخدم القضية الفلسطينية.
وأخيراً، ما هي رسالتك للمثقف الفلسطيني، وللجهات القائمة على الثقافة الفلسطينية؟
رسالتي للمثقف الفلسطيني أن يكتب ويكتب دون النظر إلى المغريات أو التهديدات التي تواجهه، فالقضية الفلسطينية أكبر وأعظم منا جميعاً. واسمح لي هنا بأن أُحيِّي الشاعر الفلسطيني المتوكل طه الذي لم يخش لومة المحتل فتحدث عن إسلامية جدار البراق حتى ثارت ثائرة اليهود الغاصبين وطالبوا بحقه أشد أنواع العقاب، وأحيِّي موقف الشاعر مراد السوداني الذي رفض التطبيع مع المحتل كما أراد البعض أن يفعل مع مؤتمر حيفا للكتاب والأدباء.
أما رسالتي للقائمين على الثقافة وأخص هنا المؤسسات الحكومية الرسمية كوزارة الثقافة سواءً كانت في غزة أم في الضفة بأن يلتفتوا إلى جيل الأدباء الشبان بعيداً عن الحزبية الضيقة، والفئوية البغيضة، وأتمنى بأن تصبح كلتا الوزارتين وزارة واحدة وأن تصبح كلتا الحكومتين حكومة واحدة وأن يلتئم شمل الفلسطينيين في الوطن والشتات لنكون شوكة في حلق هذا المحتل لنسير معاً نحو التحرير أو الشهادة.