عرف العرب القدامى في دراساتهم مصطلحات عديدة ومتنوعة دالة على مفهوم الخطاب، تقارب مدلوله اللساني المعاصر وقد تقاطعت معه في كثير من المناحي منها الكلام، الكلمة والنص وهو ما يدفعنا إلى تأسيس روابط دلالية تجعلنا نبحث في الحفريات المعرفية والأصول اللغوية الخاصة به في التراث اللغوي العربي.
أ - الخطاب لغة:
مصطلح الخطاب معتمد في تراثنا اللغوي، فقد أبان ابن منظور (ت 711 هـ) عن مفهومه بقوله: الخطاب والمخاطبة مراجعة الكلام، وقد خاطبه بالكلام مخاطبة وخطابا، وهما يتخاطبان(1)، فقد دل على معنى يخص الكلام، وحيثما ورد مصطلح خطاب في كلام العرب فهو يحيل على هذا المفهوم الكلام، واستمدت دلالته من السياق القرآني، حيث يقول عز وجل "وشددنا ملكه، وآتيناه الحكمة وفصل الخطاب"(2)، ويقول أيضا: "فقال أكفلنيها، وعزني في الخطاب"(3).
ومن النحويين من عرف الكلام بنفس معنى الخطاب كابن آجروم (ت 989 هـ) حيث يقول: "الكلام هو اللفظ المركب المفيد بالوضع"(4) وعرفه ابن هشام (ت 761 هـ) على أنه قول مفيد حامل لمعنى "هو القول المفيد بالقصد، والمراد بالمفيد ما دل على معنى يحسن السكوت عليه"(5) وقد قسمه محمد الصغير القرميطي إلى قسمين: كلام لغوي، وكلام نحوي.
أما الأول فهو عبارة عما تحصل به الفائدة سواء أكان لفظا، أم لم يكن كالخط أو الكتابة والإشارة"(6)، وأما الكلام النحوي فهو يحمل أربعة أمور يجب أن تجتمع فيه وهي:
الأول أن يكون لفظا، والثاني أن يكون مركبا، والثالث أن يكون مفيدا، والرابع أن يكون موضوعا بالوضع العربي"(7). أما تداخله مع مصطلح الكلم فقد ورد في الكتاب لسيبويه (ت 180 هـ) حيث يشير إلى أن: الكلم يتكون من اسم وفعل، وحرف جاء لمعنى ليس باسم ولا فعل(8) خلاف الكلمة، وحدودها مختلفة عن الكلم والكلام، فعرفوها على أن لها ثلاثة معان لغوية(9):
الأول: الحرف الواحد من حروف الهجاء.
الثاني: اللفظة الواحدة المؤلفة من بضعة حروف ذات معنى.
الثالث: الجملة المفيدة والقصيدة والخطبة.
وقد أشار بعض العلماء إلى أن استعمال الكلمة في المعنى الأخير من المجاز اللغوي، "من باب تسمية الشيء باسم بعضه، كمشيتهم ربيئة القوم عينا، والبيت من الشعر، قافية، لاشتماله عليها وهو مجاز مهمل في عرف النجاة"(10).
ب - اصطلاحا:
وأما اصطلاحا فقد شرح ابن يعيش (ت 643 هـ) ما عرفه الزمخشري (ت 538 هـ) للكلمة، وفصل فيها مراده شارحا دلالتها فهي جنس اللفظة، وذلك لأنها تشمل المهمل والمستعمل، وقوله الدالة على معنى، فصل فصله من المهمل الذي لا يدل على معنى، وقوله مفرد، فصل فصله عن المركب، وقوله بالوضع، فصل ثالث، احترز به عن أمور منها ما قد يدل بالطبع(11).
وقد يحيل مصطلح "خطاب" على مفهوم النص، حيث ورد مفهوم النص على أنه يؤدي معنى الظهور والانتصاب، وهو في معجم لسان العرب يحمل دلالة الرفع حيث ورد "نص الحديث ينصه نصا، رفعه، وكل ما أظهر فقد نصّ، ويقال نص الحديث إلى فلان، أي رفعه، والمنصة ما تظهر عليه العروس لترى وكل شيء نصص فقد أظهره، وهناك لفظ النص والنصيص أي السير الشديد، والحث، وأصل النص، أقصى الشيء، وغايته"(12).
أما دلالة "نص" عند أغلب الأصوليين فتقترن بالتعيين وتنفي الاحتمال حيث يعرف الشافعي (ت 204 هـ) النص على أنه: "خطاب يعلم ما أريد به من الحكم سواء كان مستقلا بنفسه، أو العلم المراد به غيره نافيا الاجتهاد"(13)، فدلالة نص تحيل دائما على البروز والظهور، وتستبعد التأويل، وتلغي أي دلالة مستترة قد يتضمنها المفهوم، ولقد كان ظهوره في الثقافة العربية متصلا بأدلة الأحكام من قرآن وحديث.
هذه جملة من التعريفات لمصطلحات مختلفة حملت دلالة الخطاب وتقاطعت معه في بعض جوانبه وحواشيه كمصطلح الكلم، والكلام، والكلمة.
1 - ملامح الخطاب في الفكر اللغوي العربي القديم:
أ - ملامح الخطاب عند سيبويه:
لم يكن كتاب سيبويه كتابا خالصا في النحو بل اشتمل على كثير من العلوم اللغوية، ففيه تحليل للخطاب العربي تأسيس لقواعد كلام العرب، وفيه تناول موضوع القراءات، والتجويد، والأصوات، والنحو والبلاغة.
ولقد درس سيبويه مفاهيم تخص دلالات الكلام مراعيا المقام، والسياق الذي يقال فيه هذا الكلام، ولقد تحدث عن مفهوم الكلام بطريقة تقترب مما قال به المعاصرون عن الخطاب الذي يستوجب مراعاة حال المستمعين واختيار اللفظ المناسب، وقنوات الاتصال والتواصل، وكل ما من شأنه أن يساعد في عملية التخاطب، وقد مثل لنا سيبويه ذلك في باب ما يختار فيه الرفع وجائز فيه النصب(14). ونرى من هذين النمطين أن سيبويه حين يتحدث عن جواز النصب والرفع في تمثيله: "له علم علم الفقهاء" برفع العين ونصبها من اللفظة الثانية، هو خطاب مقبول في النظام اللغوي للعربية، لأنه يشير في ذلك إلى ارتباط التراكيب بالسياق الكلامي والموقف الذي يقال فيه، فالكتاب هو كتاب في النحو والبلاغة، "لأن النحو كان دراسة لنظم الكلام، وكشفا عن أسرار تأليف التراكيب، وبيانا لما يعرض له من ظروف، وتوصلا إلى ربط المعنى بالسياق"(15).
وقد يظهر هذا المعنى بوضوح في باب حسن الاستقامة من الكلام والإحالة، لأن الاستقامة أن يكون التركيب خاضعا لما أجرته العرب في كلامها فيقسم الكلام إلى:
- مستقيم حسن: أتيتك أمس.
- المحال: أتيتك غدا.
- المستقيم الكذب: حملت الجبال.
- المستقيم القبيح: قد زيدا رأيت.
- المحال الكذب: سوف أشرب ماء البحر(16).
إن ما نلاحظه على هذا التقسيم أن الاستقامة تكون في أن يكون الكلام قائما على أساس التأليف والتركيب وبناء المعنى، وصدق ما ورد فيه، ولقد استخدم سيبويه مصطلح الجملة أوسع من الجملة ذاتها، وقاطع مصطلح الكلام الذي يقترب بمفهوم الخطاب، كما نستنتج أن سيبويه يريد ضم مفهوم الكلام بضم بعض الكلمات بطريقة خاصة وصولا إلى المعاني النحوية، مع مراعاة السياق الكلامي دون الفصل بين المعاني النحوية والبلاغية، فهو إذن لا يعتني بالنحو فحسب أو يعزله، أو يجعله مستقلا عن الظاهرة الاجتماعية وأغراض المتكلم، ومقام السامع والوسائل الموصلة للكلام، بل يجعل كل ذلك كلاّ متكاملا متناسقا، مازجا بين الباث والمتلقي، من خلال القناة، والفهم، والسياق.
ب - ملامح الخطاب عند ابن جني:
يرتبط مصطلح الخطاب بالقناة المؤدية له، وهي اللغة التي عرفها ابن جني (ت 392 هـ) على أنها أصوات يعبر بها كل قوم عن أغراضهم(17)، فنجد في هذا التعريف أربعة عناصر أساسة ترتبط بالخطاب المعاصر ومن صميم الدراسة اللسانية وتحليل أغراض الخطاب وأقسامه كما وردت عناصره الأربعة في هذا التوزيع:
- طبيعة اللغة حيث إنها أصوات.
- وظيفتها فهي تعبير.
- اجتماعية ومرتبطة بالجماعة اللغوية.
- علاقة نفسية بين الفكر واللغة(18).
والملاحظ أن ابن جني قد قارب مصطلح الخطاب من خلال توضيحه لعلاقة اللفظ بالمعنى، وعلاقة اللفظ باللفظ، وعلاقة الحروف ببعضها، وأفرد لها أبوابا، في كتابة الخصائص وقد قدم جهدا بالغا في كيفية عناية النحاة بأساليب الكلام، وقد تحدث على من ادعى على العرب عنايتها بالألفاظ وإغفالها المعاني، حيث أكد أن العرب تعتني بنظم ألفاظها وترتيبها، لأن ذلك هو طريقها لإظهار أغراضها، ومعانيها، وما الألفاظ إلا خدما للمعاني(19) حتى يوصل المرسل خطابا مفهوما، وكما أراده في نفسه.
ويؤكد ابن جني على هذه المسألة بقوله أن هذا الباب من أشرف فصول العربية وأكرمها وأعلاها وأنزهها، وإذا تأملته وعرفت منه وبه ما يؤنقك، ويذهب في الاستحسان له كل مذهب، وذلك أن العرب كما تعني بألفاظها فتصلحها وتهذبها، وتراعيها وتلحظ أحكامها بالشعر تارة، والخطب تارة أخرى وبالأسجاع التي تلتزمها وتتكلف استمرارها فإن المعاني أقوى عندها وأكرم عليها وأفخر قدرا في نفوسها(20)، فما هذه العناية بالألفاظ إلا ليكون الخطاب أقرب فهما وأكثر بيانا، فهي عناية مقصودة، ولم تكن اعتباطية، وإنما حتى تبين أغراض أصحابها وتوضح خطابهم وتوصل مراميهم وأهدافهم من الخطاب.
ويرى ابن جني في باب شجاعة العربية أن النظم وفق أساليب العرب يؤدي إلى خطاب مفهوم، ويرى أيضا أن اللغة العربية تقوم بالتقديم والتأخير، والفصل والوصل، والحمل على المعنى، وذكر أن العرب قد تلج إلى إفساد الإعراب من أجل المعنى وصحته، فابن جني يربط بين الإعراب والمعاني الوظيفية لأجزاء السياق الكلامي، ونفهم من خلال ما سبق أن الإعراب في خدمة الخطاب، والفهم والتواصل، وما وظيفته إلا الإبانة عن مكنون كلام العرب "إن الذي يرفع، وينصب ويخفض، ويجزم هو المتكلم نفسه، إذ يبين عن المعاني التي يريدها بالألفاظ"(21)، فالإعراب إذن هو وسيلة من الوسائل التي يستخدمها المرسل لإيصال خطابه واضحا للمتلقين.
ج - ملامح الخطاب عند عبد القاهر الجرجاني:
نظر الإمام عبد القاهر الجرجاني (ت 471 هـ) إلى النحو نظرة شاملة، فجعل العامل مرتبطا بالمعمول، ونظر إلى الكلام على أنه كلّ لا يتجزأ بل وظف النحو لخدمة العملية التواصلية وأكد على أن السياق الكلامي لا يتأتى إلا من خلال معرفة علامات الإعراب في التراكيب، وما هي إلا عوامل ليكون خطاب الباث مفهوما لدى المتلقين، حيث يقول في هذا الصدد: "واعلم أن ما ترى أنه لابد من ترتيب الألفاظ وتواليها على النظم الخاص، ليس هو الذي طلبته بالفكر، ولكنه شيء يقع بسبب الأول ضرورة من حيث الألفاظ إذا كانت أوعية للمعاني فإنها لا محالة تتبع المعاني في مواضيعها"(22)، ولقد انتقى الجرجاني معنى النحو وأعطاها الخاصية التواصلية، وفي هذا المعنى يؤكد عبد السلام المسدي على النهج الذي سلكه الجرجاني في تحديد الطاقة الاستيعابية للنحو ووضعه في المرتبة الأولى لا لشيء إلا لأنه يعبر عن مقاصد المتكلم، وأغراض الناطق، والعملية التواصلية الخطابية، أما عن الحدث الكلامي فإن الجرجاني ركز على وجوب علم المخاطب بمحتوى الخطاب حتى تكون الفائدة، ويصل الفهم إلى المتلقي بسرعة وسهولة، واستنباط قانون من التناسب بين طاقة التصريح في الكلام وعلم السامع بمضمون الرسالة(23).
هذا ما يتوافق مع طاقة الخطاب، إذ يتجاوب كل من الباث والمتلقي كي تتم عملية التواصل بنجاح، ويستطيع الخطاب أن يمر من ذهن المخاطب إلى فكر السامع، وتكون بذلك العملية الخطابية ناجحة كل النجاح، ويؤكد الجرجاني كل ذلك من خلال شرحه للطاقة التي يتضمنها الخطاب والتي يكون على إثرها قابلا للامتداد أو التقلص فيقول: "لا يخلو السامع من أن يكون عالما باللغة وبمعاني الألفاظ التي يسمعها مستطلعا أو يكون جاهلا بذلك، فإن كان عالما لم يتصور أن يتفاوت حال الألفاظ معه فيكون معنى اللفظ أسرع إلى قلبه من معنى لفظ آخر، وإن كان جاهلا كان ذلك في وصفه أبعد"(24).
إن بنية الخطاب عند الجرجاني هي التي تساعد على فهم محتوى الخطاب من خلال النظم، والتركيب المحكم للألفاظ التي تكون خادمة للمعاني، فحسن التأليف وتوخي المعاني النحوية وأحكام النحو هي التي تجعل الفهم أسهل، وأكثر نفوذا، وعملية التواصل دائمة ومستمرة، حيث يقول الجرجاني في هذا السياق: "إذا كان النظم سويا والتأليف مستقيما، كان وصول المعنى إلى قلبك تلوى وصول اللفظ لإلى سمعك، وإذا كان على خلاف ما ينبغي وصل اللفظ إلى السمع وبقيت في المعنى تطلبه وتتعب فيه"(25). وفي تحديده للوظيفة الإبلاغية نجد الجرجاني كذلك عنى بالعلاقة الإسنادية فدلالة الخطاب أثناء العملية التواصلية راجعة إلى عامل خارج عن اللغة، هو قصد المتكلم أو الباث من إعلام السامع بخطابه، فالحمولة الدلالية للخطاب تتوقف على قصد المتكلم، ويقول الجرجاني محددا أهمية إسناد الخبر إلى المخبر / الباث، الدلالة على شيء هي لا محالة إعلامك السامع إياه شيئا تعرف ما يدل عليه، وإذا كان كذلك وكان مما يعلم ببدائه المعقول أن الناس إنما يكلم بعضهم بعضا ليعرف السامع غرض المتكلم ومقصوده، فينبغي أن ينظر إلى مقصود المخبر من خبره وما هو؟ أهو أن يعلم السامع وجود المخبر به من المخبر عنه، أم أن يعلمه إثبات المعنى المخبر به للمخبر عنه؟(26).
ونخلص إلى القول بأن الجرجاني يركز على منطقية اللغة وفق منظور نحوي، ويقيم دلالة الخطاب اللغوي على قاعدة الإسناد التي تجعلنا ننظر إلى ثلاثة أطراف أساسة في عملية الإبلاغ وتوصيل الخطاب وهي: المسند وهو محتوى الخطاب الإبلاغي، وهو الشيء الجديد بالنسبة للسامع، والمسند إليه أو المخبر عنه وهو إحداث فائدة الكلام، وثالث الأمور، ناقل الإسناد أو المخبر أو الباث وهو الذي يقوم بتركيب الكلام في نفسه ثم يبثه إلى متلقين، وعن هذا الأخير يقول الجرجاني: "فإنّ الاعتبار ينبغي أن يكون بحال الواضع للكلام والواضع له، والمؤلف له، والواجب أن ينظر إلى حال المعاني معه لا مع السامع"(27).
ومما يكشف في هذه التوجيهات اللغوية أن عبد القاهر الجرجاني انطلق من أساس اللغة وهو النحو المنسجم مع مقصد التأليف الكلامي الذي يراعي عنده الدلالة والسياق الكلامي، وأقامه على النظم، وعلى المعاني، ويعني ذلك أن فهم عبارة ما لا يكون إلا بفهم أبعادها الدلالية، وموقفها الاتصالي الذي تتم فيه عبر الأصوات اللغوية، حيث ترتبط المكوّنات الخطابية أو ما يعرف باسم الأداء الكلامي لتؤلف خطابا مفهوما لدى المتلقين، فمدار المتلقين إذن هو أساس التفاعل بين التراكيب، ولعل هذا ما جعل عبد القاهر الجرجاني يرفض فصاحة اللفظ المفرد إذ لم تكن في مجموعة كلامية "واعلم أن هاهنا أصلا أنت ترى الناس في صورة من يعرف من جانب وينكر من جانب آخر، وهو أن الألفاظ المفردة التي هي أوضاع اللغة لم توضع لتعرف معانيها في أنفسها، ولكن لأن يضم بعضها إلى بعض، فيعرف فيما بينها فوائد، وهذا علم شريف وأصل عظيم، والدليل على ذلك أنّا إن زعمنا أن الألفاظ التي هي أوضاع اللغة وضعت ليعرف بها معانيها في أنفسها لأدى ذلك إلى ما لا يشك عاقل في استحالته، وهو أن يكونوا وضعوا للأجناس الأسماء التي وضعوها لها لتعريفها حتى كأنهم لو لم يكونوا قالوا: رجل، فرس، ودار، لما كان يكون لنا علم بمعانيها"(28)، فالألفاظ ما وضعت من أجل أن تطلق التسميات على الأشياء فقط، بل من أجل أداء وظيفة التواصل والإبلاغ أثناء تضام الكلمات بعضها ببعض.
حقيقة، لقد ساهم اللغويون العرب القدامى، في تجلية مصطلح الخطاب بما ساقوه من مفاهيم اصطلاحية متقاربة، فقد ماثلوا به مصطلح الكلمة والكلام، كما توجد إشارات مصطلحية أخرى تبين هذا الدال.
وبدا واضحا أن مصطلح الخطاب يعتمد في اللسانيات الحديثة على المرجعية المفهومية الأساسية الغربية، كما صدر في مؤلفات المنظرين الأوائل للدرس اللساني، ولاحقيهم، ومن الضرورة الملحة الاستفادة مما أنتجه أولئك في هذا الميدان المعرفي، واتخاذ بعض تنظيراتهم مرتكزات تحدد الخصائص العلمية والمنهجية التي يقتضيها بحثنا.
2 - مفهوم الخطاب في الدرس اللساني الغربي:
ساهمت اللسانيات في ظهور كثير من المصطلحات العلمية، أبرزها مصطلح الخطاب الذي انتشر بين أيدي الباحثين المهتمين بأغراضه، وأصبح منهجا للتحليل أكبر من التحليل السابق الذي كان سائدا، وهو منهج تحليل الجملة، ويجدر بنا قبل ولوج عوالم الخطاب وتحديد مفاهيمه أن نقدم مساراته في الدرس اللساني حتى نبين كيف ارتبط هذا المفهوم باللسانيات، وكيف أصبح مولودا شرعيا لها.
أ - الخطاب عند دي سوسير:
رائد اللسانيات فردينان دي سوسير، الذي حدد موضوع اللسانيات بدقة علمية وجعل اللغة موضوعها الجوهري حيث يقول: "إن موضوع اللسانيات الصحيح والوحيد هو اللغة في ذاتها ومن أجل ذاتها"(29)، ولقد جعل اللسانيات فرعا من فروع علم السيمياء أو علم العلامات الذي يدرس جميع أنواع أنظمة التبليغ "إنّ طبيعة العلامات الاعتباطية والعرفية في اللغة واضحة للغاية"(30)، ليقدم دي سوسير مادة اللسانيات التي تتجلى بوضوح في اللسان البشري حيث يقول: "إن مادة اللسانيات تشمل كل مظاهر اللسان البشري سواء أتعلق الأمر بالشعوب البدائية أم الحضارية"(31).
ولقد اعتنى دي سوسير باللسان، وخصه بالدرس اللساني، فأخرج كل تمظهراته الخاصة، سواء أكانت قديمة أم حديثة، ولم يهمل أي مظهر من مظاهره بالدرس، ليجعل بعد ذلك دي سوسير مهمة اللسانيات وصفا لجميع اللغات، واستخلاص قوانينها العامة وتحديد تعريفا لنفسها بنفسها، ولقد فرّق كذلك بين ثلاثة مصطلحات أساسية هي: اللسان، اللغة، والكلام، فاللغة عند دي سوسير تتواجد في عقول الناس أي أنها مجموع ما في عقول البشر جميعا، وكأنها بنك يجمع فيه كل اللغات، "إن اللغة توجد على شكل مجموعة من البصمات المستودعة في دماغ كل عضو من أعضاء الجماعة على شكل معجم تقريبا، حيث تكون النسخ المتماثلة موزعة بين جميع الأفراد"(32).
فهي أيضا كل متكامل ومنسجم وكيان اجتماعي يملكه جميع الناس، "وهي في الآن نفسه نتاج اجتماعي لملكة الكلام، ومجموعة ممارسة الكلام"(33)، إذن فهي المخزون لجميع أفراد الجماعة إنها مؤسسة قائمة بذاتها يعجز الفرد أن يعبث بها فاللغة تتشكل من كلام الأفراد،ولا يقدر الفرد على تغييرها من حيث تتحد إرادته مع إرادة الجماعة وأعرافه وأنظمتها، فيكون مجال حريته محدودا(34). أما اللسان فهو الذي بواسطته يستطيع الإنسان التعبير عما في فكره ونفسه من خواطر وإحساسات، ويتكون من ظاهرتين مختلفتين هي اللغة والكلام، حيث يقول دي سوسير في نفس السياق: "ما اللغة إلاّ جزء محدد منه بل عنصر أساسي"(35).
وأماّ الكلام فهو فعل ملموس ونشاط شخصي نستطيع أن نلاحظه من خلال الشفاهة أو الكتابة أو كما يعبر عنه دي سوسير بقوله: "إنه مجموع ما يقوله الأفراد"(36)، فالكلام هو إذن ما يعبر عنه الإنسان في حياته، وما يتلفظ به وما يمكن أن ينطقه ويصدر منه من ألفاظ وعبارات قد تعبر عن أحواله الداخلية أو الخارجية "فللكلام جانب شخصي وجانب اجتماعي ولا يمكن تصوّر الواحد بدون الآخر"(37).
ومما نستخلصه من هذه المقارنة، أن الكلام هو ما ينتج عن الفرد الواحد، واللسان ما يكون حاملا لطابع الشمولية والكلية، واللغة ما كانت نتاجا لمجموعة معينة من الأفراد: "الكلام نتاج فردي، واللغة نتاج اجتماعي واللسان نتاج أجيال أو نتاج تراكمات، وجهود جماعية تكون خلاصتها الثبات والاستقرار في الأنظمة والقوانين اللغوية"(38)، فالظاهرة اللسانية حسب دي سوسير تشتمل على ثلاثة جوانب أساسية هي: اللسان، اللغة، الكلام، وقد اكتسبت هذه الجوانب صبغة عالمية في اللسانيات الحديثة.
ب - الخطاب عند جاكبسون:
أهم ما جاء به العالم اللساني رومان جاكبسون نظريته في وظائف اللغة والتي تعتبر من ثمرات النظرية الاتصالية التي تعد قاعدة الخطاب أو ما يصطلح على توصيفه بالإبلاغ، وقد توصل إلى أن للغة ست وظائف أساسية ومختلفة تتطلب ستة عناصر وهي على التوالي: المرسل، المرسل إليه، قناة الاتصال، الرسالة، شفرة الاتصال، والمرجع، إن هذه العناصر الستة تقوم بدورها بفعل وظائف ستة، فإذا كانت عملية الاتصال تهدف إلى توضيح موقف المرسل من الرسالة اللغوية، كانت الوظيفة تعبيرية، وأما إذا كان الهدف التأثير على المتلقين فإن هذه الوظيفة الإفهامية، وأما إذا كان هدف العملية تقوية الاتصال والصلات الاجتماعية أو لفت انتباه المرسل إليه فهي وظيفة تنبيهية وتسمى الوظيفة الانتباهية، والتي تحافظ على العملية الاتصالية، وتجعلها دائمة ومستمرة، وأما إذا كان الهدف من العملية التواصلية إبراز الرسالة والتركيز على شكلها فتكون بذلك الوظيفة وظيفة شعرية لأنها تبرز شكل الرسالة الإبداعي، أما إذا كان هدف الرسالة هو فك شعرية اللغة أو شرح بعض الكلمات المعجمية فهي وظيفة ما وراء اللغة أو الوظيفة المعجمية، أما إذا كانت الرسالة تركز على ما هو موجود خارجيا، وتحيل على أشياء بعينها فهي بذلك تولد الوظيفة المرجعية.
نستطيع الاستنتاج من كل ما سبق أن رومان جاكسون، استطاع أن يبرز مكامن هذه العملية التواصلية ومناطق قوتها، ويبرز كل ما من شأنه أن يقويها ويفعّلها ويجعلها دائمة ومستمرة.
ج - الخطاب عند تشومسكي:
ظهرت هذه النظرية على يد أفرام نعوم تشومسكي وقد عرّف عدة مبادئ في هذه النظرية وهي كما يلي:
1 - اللغة: لقد عرّفها تشومسكي على أنها مجموعة من الجمل لها شكل نطقي خاص "من الآن فصاعدا سأعد اللغة مجموعة من الجمل متناهية أو غير متناهية من الجمل، كل جملة طولها محدود ومؤلفة من مجموعة متناهية من العناصر"(39)، فاللغة حسب تشومسكي جمل طولها غير محدود وهي جمل نحوية صحيحة ومقبولة.
2 - الكفاءة: إن الكفاءة في نظر تشومسكي تكمن في مجموع المعارف المكتسبة والباطنية، ومجموع القواعد المخزنة في ذهنه، فالجميع يملك كفاءة اللغة أو كما عبّر عنها هي: "المعرفة اللغوية الباطنية للفرد أي مجموعة القواعد التي تعلمها"(40)، أما الأداء فهو التطبيق الشخصي والخاص لهذه اللغة إنه "الاستعمال الفعلي للغة في المواقف الحقيقية"(41).
فالكفاءة إذن هي نظام يحكم السلوك الفعلي للإنسان، وهي معرفة الفرد بتواعد اللغة، وأما الأداء فهو الإنجاز لتلك المعرفة.
3 - التوليد والتحويل: إن التوليد هو القدرة التي يمتلكها الإنسان لتخزين وفهم عدد غير محدود من الجمل، إنها قدرة إبداعية "إننا بإتباع قواعد نحوية يمكننا تكوين كل الجمل الممكنة في اللغة(42)، أما التحويل فهو إمكانية المتكلم تحويل البنى العميقة والكامنة للغة إلى بنى سطحية، فتشومسكي يميز بين نوعين من الجمل وهما: الجملة النواة، وهي الجملة الأساسية أو هي البنية العميقة، والجملة المحوّلة التي تكون مركبة ومعقدة، "ووصف الجملة النواة بأنها بسيطة، وتامة، وصريحة، وايجابية، ومبنية للمعلوم، والجملة المحوّلة بأنها تنقصها خاصة من خواص الجملة النواة وتكون إما استفهاما أو أمرا أو نفيا أو معطوفة أو متبعة أو مدمجة"(43).
فقد وضح تشومسكي كيف يمكن أن تتحول الجملة النواة إلى عدد من الجمل المحولة التي قد تكون استفهاما أو أمرا، أو نفيا.
4 - البنية السطحية والبنية العميقة: إن مفهوم البنية السطحية والعميقة هو أن لكل جملة بنية عميقة وأخرى سطحية فأما العميقة فهي جملة العمليات التي يقوم بها الفكر، أي الجملة في مستواها التجريدي الكامن في فكر صاحبها، أمّا البنية السطحية فهي التجليات والتمظهرات البادية في استعمال الإنسان للجملة للتواصل، فالبنية العميقة هي ما هو موجود بالقوة، والبنية السطحية هي ما هو موجود بالفعل وعلى أرض الواقع، والاستعمال اللغوي "تحتل التحويلات المكانة الرئيسية والثورية في القواعد التشومسكية وتكمن مهمتها في تحويل البنية العميقة إلى بنية متوسطة وسطحية"(44)، إنه انتقال يقتضي من الإنسان أن يحول ما موجود في ذهنه وفكره إلى عبارات وجمل تكون ذات تركيب صحيح وسليم ومفهوم.
لقد جعلت اللسانيات في بداية الأمر الجملة أكبر نواة وأكبر وحدة للتحليل والتقسيم والدراسة اللسانية، وحتى وإن كانت الجملة تقترب من الخطاب، لكنها في حقيقة الأمر لا تمثل الخطاب بالرغم من توفر فيها بعض عناصره، مثل الكلمة، اللفظ، الصوت، النغم، وعملها هو بناء معنى واضح، من هذا المنطلق بدأ السعي لإيجاد تعريفا واضحا للخطاب.
وهكذا أخذ الخطاب حيّزا هاما في الحقل المعرفي اللّساني، فقد قرر ميشال فوكو أن: الخطاب شبكة معقدة من النظم الاجتماعية والسياسية والثقافية التي تبرز الكيفية التي ينتج بها الكلام كخطاب"(45)، وهو في البحث النقدي "كتلة نطقية لها طابع الفوضى، وحرارة النفس، ورغبة النطق بشيء ليس هو تماما الجملة، ولا هو تماما النص بل هو فعل يريد أن يقول"(46). فالخطاب إذن كيان خاص بنفسه يختلف اختلافا كليا عن الجملة وعن النص وعن القول أو إنه كيان وكينونة متميزة عنهم جميعا، ومن المحدثين من استعمل كلمة قول دالا على الخطاب بالرغم من أنّ القول هو "جميع ما ينطق به اللسان سواء أكان تاما أم ناقصا، مفيدا أو غير مفيد"(47).
فقد يكون القول غير مفهوم ومبهم وغير سليم التركيب كالهذيان، ولا يمكن أن نطلق على الهذيان مصطلح خطاب لأننا نفهم من لفظة خطاب أنه متماسك ومترابط وصحيح ومفهوم.
حقيقة تشعبت معاني الخطاب وتفرعت بحسب المدارس اللسانية والتوجهات الفكرية، والميولات الإيديولوجية، فالخطاب عند دي سوسير هو "مرادف للكلام"(48)، وهو أيضا "وحدة لغوية ينتجها الباث تتجاوز أبعاد الجملة"(49)، بحسب رأي هاريس، وأما بنفنست فهو يساند رأي هاريس ويعد الخطاب "وحدة لغوية تفوق الجملة، تولد من لغة جماعية"(50)، وأمّا الخطاب عند باختين فله مفهوم آخر غير الذي سبق، فهو يعيد مسألة خطاب الآخر، فنراه يراهن على المنهج الاجتماعي في اللسانيات، ويفسره تفسيرا سوسيولوجيا، فيعرف الخطاب على أنه "خطاب في الخطاب، وتلفظ في التلفظ، لكنه في الوقت ذاته خطاب عن الخطاب وتلفظ عن التلفظ"(51)، وكأن باختين يريد تفسير الخطاب بالخطاب نفسه، وأن الخطاب الواحد قد يكون شاملا لعّدة خطابات، وكأنه ينفي عن الخطاب التفرد والتجرد، فهو دائم الارتباط بالعلاقات الخارجية، وبالمجتمع عامة.
ولقد تداخل مصطلح الخطاب مع مصطلح النص ولا نكاد نلمس الحدود الفاصلة بينهما، فالنص مجموع أقوال ذات نظام، وطريقة تشكيله تتألف فيه الجمل، لتكون خطابا بعينه، قد يمثل هذا الخطاب النص كاملا، ويجسده تجسيدا مماثلا ومتطابقا، فالنص إذن هو ما يتوالد ويتناسل إنه "لا يتمتع بحداثة أو بقدم، إنه يتناسل في مجموعة من الأعمال وينزل دفعة واحدة،ولذلك فهو مطعم بمجموعة هذه الطبقات والتشكيلات الرسوبية"(52).
ويرى الدكتور أحمد المتوكل أن النص لا يمكن أن يكون جملا متناثرة وغير مرتبطة بل يجب أن يكون مجموعة منتظمة ومرتبطة ومتماسكة تؤدي دلالة حتى نسميها نصا، وقد تكون الجمل المكوّنة للنص جملا بسيطة أو جملا معقدة أو جملا من الفئتين معا، وليس كل مجموعة من الجمل نصا، فلا يقوم النص إلا إذا ربطت بين وحداته علاقات اتساق، بعبارة أخرى لا تشكل مجموعة من الجمل نصا، إلاّ إذا كانت تكوّن خطابا، أي وحدة تواصلية ذات موضوع وغرض معين(53)، ولقد عرف النص كذلك بأنه "ما تنقرئ فيه الكتابة وتنكتب فيه القراءة"(54)، وتعرفه جوليا كريستيفا على أنه جهاز يهدف إلى الاختيار حيث تقول: "هو جهاز عبر لسان يعيد توزيع نظام اللسان عن طريق ربطه بالكلام التواصلي، راميا بذلك إلى الاختيار المباشر مع مختلف أنماط الملفوظات السابقة"(55)، وكأن جوليا كريستيفا تقرّ بأن هذا الجهاز يلتقط ما سبق من ملفوظات ويحتفظ بها، ويخزنها ثم يعيد نشرها ليكون نصا مستقلا، كما يعرف النص على أنه خطاب تم تثبيته بواسطة الكتابة(56)، فبول ريكور لا يفرق بين النص والخطاب، إلاّ من خلال الكتابة والتوثيق ورسوخه في الزمان والمكان ولقد ساهم رولان بارث بدوره في تعريف النص وعدّه نسيجا كنسيج العنكبوت حيث يقول: "إن النص نسيج الكلمات المنظومة في التأليف بحيث يفرض شكلا ثابتا"(57).
ولتوضيح معالم الخطاب، ومعالم النص، ارتأينا أن نقدم بعض إسهامات اللسانيين والمفكرين وخاصة رولان بارث، وجوليا كريستيفا، وروبرت دي بوجراند في هذا المجال.
د - الخطاب عند رولان بارث:
الخطاب والنص عند رولان بارث تقارب كبير، إذ يعد الأول مشابها للثاني إلا في بعض العناصر المتميزة،فالنص أو الخطاب نسيج مترابط، من الكلمات تسلسلت لتكون نصا، حيث يقول في كتابه لذة النص "يبدو أن الكلام سيبقى خاضعا للهسهسة، كما يبدو أن الكتابة ستبقى خاضعة للصمت، ولتميز الإشارات، وعلى كل حال فإن ثمة معنى سيبقى دائما لكي تحقق اللغة به متعة تكون خاضعة لمادتها"(58)، فاللغة إذن تتشكل من موسيقى أصوات، تقدم معنى، أو مجموعة أصوات لها معنى، إنها رموز يتعرف عليها المتلقي أو السامع، فتكون خطابا من تلك الهسهسات اللغوية. ولقد تطرق رولان بارث أيضا إلى النص من خلال تقديم نظرة شاملة له، وذلك من خلال توزيع جديد للغة أو انقطاع وإعادة تركيب، أو هي عملية هدم السابق، والكائن وهدم القالب الجاهز، وإعادة بناء نص جديد خاص وشخصي في طابع الإبداعية فنراه يقول في هذا السياق: "لقد تمت إعادة توزيع اللغة، وإن إعادة التوزيع هذه إنما تتم بالقطيعة دائما"(59).
وفرق بارث بين النص أو الخطاب الأثر الأدبي للنص، فلا يسوي بينهما، لأن النص حسبه يستطيع تشكيله جميع البشر، ولكن الأثر الأدبي لا يقدر على تشكيله، إلا من كانت له كفاءة وقدرة وأداء لأنه نص متميز، نص مختلف، نص يرغب بك، ويجعلك ترغب به أو كما يجب على النص الذي تكتبونه لي أن يعطيني الدليل بأنه يرغبني"(60)، فالكاتب للأثر الأدبي، يجب حسب رولان بارث أن يكون مجنونا وعصبيا، وكتاباته أو أثره الأدبي ما هو إلا ضرب من السحر، والجنون والخيال، "إن كاتب سيقول إذا: مجنونا أستطيع أن أكون، ومعاني لا يليق بي أن أكون، وأما أن أكون عصابيا، فأنا كذلك"(61).
لقد جعل رولان بارث الممارسة النصية وفعل الكتابة والقراءة أحداثا يجعلك تحس بنشوة ومتعة ولذة في الكتابة أو القراءة أو فيهما معا، أو في مباشرة هذا النص الزئبقي "إننا باللغة لمغمورون، مثلنا في ذلك مثل صغار الأطفال، إنهم لا يرفض لهم طلب أبدا، أو لا يلومون على شيء فعلوه أبدا، أو في أسوأ الأحوال لا يسمح لهم أبدا، وإن هذا رهان لابتهاج متواصل، ورهان للخطة يخنق فيها الإفراط في الكلام لذة لكلام، فيقع في المتعة"(62). فالنص إذن عند رولان بارث فيه من الحيوية والنشاط ما يجعله كيان وكائن حي نلمسه كما نلمس طعم الحياة ولذتها.
الهوامش:
1 - ابن منظور: لسان العرب، دار صادر، ط. 3، بيروت 1982، ج 1، ص 36، مادة "خطب".
2 - سورة "ص"، الآية 19.
3 - سورة "ص"، الآية 23.
4 - ابن آجروم: نظم الأجرومية، دار الإمام المالك، ط. 1، الجزائر 2002، ص 7.
5 - ابن هشام: الإعراب عن قواعد الإعراب، دار الكتاب العربي، ط. 1، بيروت، (د. ت)، ص 35.
6 - محمد الصغير القرميطي: الحلل الذهبية على التحفة السنية، دار الآثار، ط. 1، صنعاء 2002، ص 28.
7 - المصدر نفسه، ص 28.
8 - سيبويه: الكتاب، تحقيق عبد السلام محمد هارون، مكتبة الخانجي، ط. 3، القاهرة 1988، ج 1، ص 12.
9 - الصبان محمد بن علي: حاشية الصبان على شرح الأشموني لألفية بن مالك، ترتيب وتصحيح مصطفى حسين أحمد وأحمد الرفاعي، دار الفكر العربي، بيروت (د. ت)، ج 1، ص 28 - 29.
10 - السيوطي: همع الهوامع في شرح الجوامع، تحقيق عبد العال سالم مكرم، دار البحوث العلمية، ط. 1، الكويت 1975، ج 1، ص 3.
11 - ابن يعيش: المفصل في صناعة الإعراب، قدم له علي أبو ملحم، دار الهلال ط. 1، بيروت 1993، ص 23، وينظر، ابن يعيش: شرح المفصل، عالم الكتب، بيروت، (د. ت)، ج 1، ص 18 - 19.
12 - ابن منظور: المصدر السابق، ج 4، ص 648، مادة (نصص).
13 - الشافعي: الرسالة، تحقيق محمد شاكر، المكتبة العلمية، ط. 1، القاهرة، (د. ت)، ص 14.
14 - سيبويه: المصدر السابق، ج 1، ص 69.
15 - صالح بلعيد: التراكيب النحوية وسياقاتها المختلفة عند الإمام عبد القاهر الجرجاني، ديوان المطبوعات الجامعية، ط. 1، الجزائر 1994، ص 72.
16 - سيبويه: المصدر السابق، ج 1، ص 25 - 26.
17 - ابن جني: الخصائص، تحقيق محمد علي النجار، دار الكتاب العربي، بيروت، (د. ت)، ج 1، ص 33.
18 - محمد داوود: العربية وعلم اللغة الحديث، دار غريب، القاهرة 2001، ص 49 وما بعدها.
19 - ابن جني: المصدر السابق، ج 1، ص 215.
20 - المصدر نفسه، ص 215 - 216.
21 - المصدر نفسه، ج 2، ص 84.
22 - عبد القاهر الجرجاني: دلائل الإعجاز، تحقيق محمد عبدو، دار المعرفة، ط. 3، بيروت 2001، ص 53.
23 - عبد السلام المسدي: اللسانيات وأسسها المعرفية، الدار التونسية للنشر، ط. 1، تونس، ص 767.
24 - عبد القاهر الجرجاني: المصدر السابق، ص 180.
25 - المصدر نفسه، ص 183.
26 - المصدر نفسه، ص 339.
27 - المصدر نفسه، ص 201.
28 - المصدر نفسه، ص 345.
29 - فردينان دي سوسير: دروس في الألسنية العامة، ترجمة صالح القرمادي وآخرين، الدار العربية للكتاب، (د. ت) تونس، ص 27. انظر، أحمد مومن: اللسانيات النشأة والتطور، ديوان المطبوعات الجامعية، ط. 2، الجزائر 2005، ص 122.
30 - أحمد مومن: المصدر السابق، ص 22.
31 - نفسه.
32 - المصدر نفسه، ص 123. وانظر، دي سوسير: المصدر السابق، ص 27.
33 - أحمد مومن: المصدر السابق، ص 123.
34 - نفسه.
35 - دي سوسير: المصدر السابق، ص 34.
36 - أحمد مومن: المصدر السابق، ص 124.
37 - دي سوسير: المصدر السابق، ص 37.
38 - المصدر نفسه، ص 16.
39 - أحمد مومن: المصدر السابق، ص 209.
40 - المصدر نفسه، ص 210.
41 - نفسه.
42 - المصدر نفسه، ص 206.
43 - المصدر نفسه، ص 207.
44 - نفسه.
45 - نعمان بوقرة: المصطلح اللساني النصي، عدد خاص، أعمال ملتقى اللغة العربية وآدابها كلية الآداب والعلوم الإنسانية، جامعة باجي مختار، عنابة، ص 243.
46 - يمنى العيد: في القول الشعري، دار توبقال، الدار البيضاء 1987، ص 12.
47 - ابن جني: الخصائص، ج 1، ص 34.
48 - ميشال فوكو: حفريات المعرفة، ترجمة سالم يقوت، ط. 1، الدار البيضاء، ص 81.
49 - سعيد يقطين: تحليل الخطاب الروائي، المركز الثقافي العربي، ط. 1، بيروت 1989، ص 20.
50 - إديث كرازويل: عصر البنيوية من ليفستراوس إلى فوكو، ترجمة جابر عصفور، دار الشؤون الثقافية العامة، بغداد 1985، ص 269.
51 - مخائيل باختين: الماركسية وفلسفة اللغة، ترجمة محمد البكري، ويمنى العيد، المركز الثقافي العربي، (د. ت)، ص 155.
52 - رشيد حليم: حدود النص والخطاب بين الوضوح والاضطراب، مجلة الأثر، العدد 6، جامعة قاصدي مرباح، ورقلة 2007، ص 85.
53 - أحمد المتوكل: بنية الخطاب من الجملة إلى النص، دار الأمان، مصر، (د. ت)، ص 82.
54 - رشيد بن حدو: قراءة في القراءة، مجلة الفكر العربي المعاصر، العدد 48/49، 1988، ص 13.
55 - جوليا كريستيفا: علم النص، ترجمة فريد الزاهي، الدار البيضاء 1991، ص 8.
56 - بشير ابرير: من لسانيات الجملة إلى علم النص، مجلة التواصل، جامعة عنابة 2006، العدد 14، ص 59.
57 - رولان بارث: لذة النص، ترجمة محمد الرفرافي ومحمد خير البقاعي، مجلة العرب والفكر العالمي، العدد 10، 1990، ص 35. وانظر، رشيد حليم: حدود النص والخطاب بين الوضوح والاضطراب، مجلة الأثر، العدد 6، ص 86.
58 - رولان بارث: لذة النص، ترجمة منذر عياشي، مركز الإنماء الحضاري، ط. 2، بيروت 2002، ص 19.
59 - المصدر نفسه، ص 28.
60 - المصدر نفسه، ص 27.
61 - المصدر نفسه، ص 31.
62 - نفسه.
عبد الحكيم سحالية
المركز الجامعي الطارف